فلسفة

قصة فلسفة أرسطو من البداية إلى النهاية

يعد أرسطو (384 – 322 ق.م) واحد من أعظم المفكرين في التاريخ، وهو تلميذ الفيلسوف أفلاطون كما كان أفلاطون تلميذاً لسقراط من قبله. ساهم أرسطو مساهمة عظيمة في الفكر الإنساني. حيث كتب في العديد من المجالات مثل الفلسفة والميتافيزيقا والسياسية والفيزياء وغيرها من المجالات التي لعبت دوراً هاماً في رحلة الإنسان ومحاولته لفهم ذاته وحياته والعالم من حوله. في هذا المقال نستعرض سوياً فلسفة أرسطو واختلافها عن فلسفة أفلاطون.

نشأة أرسطو

كان أرسطو فيلسوفاً يونانياً، لكنه لم يُولد في أثينا بل ولد ونشأ في مقدونيا. وعاش خلال الفترة الكلاسيكية في اليونان القديمة. تلقى تعليمه على يد أفلاطون، حيث وفد إلى أكاديمية أفلاطون حينما كان عمره آنذاك واحد وستون عاماً. وكان والده طبيباً ذائع الصيت، فنشأ أرسطو في بيت علم. وقد بدت هذه النشأة بصورة جلية في مشروعه الفلسفي الذي سنتحدث عنه فيما بعد.

أسس أرسطو مدرسة ليسيوم ومدرسة الفلسفة المتجولة والتقاليد الأرسطية معروفة في جميع مجالات العلوم تقريباً. ويعد أرسطو واحد من أعظم المفكرين في التاريخ. وله العديد من الاسهامات في علوم السياسة وعلم النفس والأخلاق والكونيات وعلوم النبات والحيوان. وإذا كان أرسطو هو آخر فلاسفة الطبيعة الكبار في اليونان القديمة إلا إنه يعد أيضاً أول عالم أحياء عظيم ظهر في أوروبا.

تكشف كتاباته أنه شخص موضوعي ومدرك ومنفتح الذهن وقادر على تمييز الفروق الدقيقة. كان نطاق أفكاره وأبحاثه واسعاً بدرجة كبيرة. لذا فهو يُعرف بالفيلسوف. لكنه كان أيضاً مؤرخاً طبيعياً وعالماً ومنظراً سياسياً وعالماً نفسياً وخطيباً وناقداً أدبياً. كما كان مهتماً بكل شيء عن العالم والحياة والعقل والمجتمع. وكتب بذكاء عن كل هذه الأمور. بينما اعتبر الفيلسوف الأمريكي مورتيمر أدلر – الذي كان على دراية كاملة بعمل أرسطو – أن العديد مما يسمى بمشكلات الفلسفة الحديثة ناتجة في الغالب عن افتقار الفلاسفة المعاصرين إلى معرفة أرسطو، الذي حل هذه المشكلات في القرن الرابع قبل الميلاد.

أما الشيء الذي يميز أرسطو مقارنةً بسقراط وأفلاطون أنه كان يتوق إلى المعرفة ودرس جميع الموضوعات التي واجهته؛ من الميتافيزيقيا والفيزياء وما إلى ذلك إلى علم التشريح البشري. إنه لأمر مدهش ما أنجزه في حياته أثناء إقامته في اليونان القديمة.


فلسفة أرسطو وأفلاطون

كان لكل من أرسطو وأفلاطون نظرة مختلفة فيما يتعلق برؤيتهما لطبيعة الإنسان وأفضل طريقة للوصول إلى الحقيقة.

رؤية أفلاطون

ترى فلسفة أفلاطون أن للإنسان طبيعتين:

الطبيعة المادية؛ وهي طبيعة الجسد والحواس. هذه الطبيعة المادية للإنسان لا يمكن الاعتماد عليها خلال رحلتنا للتوصل إلى المعرفة الحقيقية. وذلك نظراً لأنها تمنحنا انطباعاً يقترب من الحقيقة وليس الحقيقة كلها. الطبيعة المجردة؛ وهي الطبيعة غير الملموسة ويمثلها العقل والروح. وهذه الطبيعة وحدها هي التي لديها القدرة على التوصل إلى الحقيقة المجردة.

رؤية أرسطو

لكن أرسطو كانت له رؤية مختلفة تماماً عن رؤية أفلاطون فيما يخص طبيعة الإنسان وأفضل الطرق للوصول إلى الحقيقة. وهذه النظرة تتمثل في أن للإنسان طبيعة واحدة يمكن أن تكون محدودة إلا أن الإنسان ينبغي عليه أن يعرف كيف يتعامل معها. ومن خلال معرفته يمكن أن يصل في النهاية إلى إمكانية التفكير المجرد ومن ثم إلى الحقيقة.

هنا كان لابد لأرسطو أن يشرح فكرته الخاصة بالطبيعة الواحدة التي عليها الإنسان. لذا تساءل في البداية من نحن؟ وكيف يمكن أن يكون الكائن موجود؟ أي علاقة هذا الكائن بالمكان فهل هو مجرد مادة تشغل حيزاً من الفضاء؟ ومن هنا حاول تقديم إجابة على هذه الأسئلة. حيث أعطى مثالاً عن ذلك، فقال إذا كان لدينا عربة محملة بالأخشاب والحبال والطوب وغيرها من المكونات اللازمة لبناء منزل، فهل هذا يعني اعتبار هذه المكونات منزلاً بالفعل أما ينبغي وضع هذه المكونات جميعها مع بعضها البعض بطريقة معينة لتصبح منزلاً؟

التطبيق

إذا طبقنا هذا المثال على الإنسان نجد أنه يتكون من لحم ودم وعظام. هذه المكونات مجتمعة هي ما نستطيع أن نطلق عليه إنسان. أما إذا كانت كل منها على حدة فلا يمكن تسميتها إنسان. وينطبق هذا الأمر على جميع الموجودات الأخرى. ومن هنا نصل إلى مفهوم “البناء” أو “الكيان” فالمادة لا يمكن أن تكون الكيان نفسه الا عن طريق بناء الشكل الذي يتخذه.

ولكن كيف نفهم هذا الشكل أو البناء الذي يعنيه أرسطو إذا لم يكن مجرد فكرة يتوصل إليها العقل كما اعتقد أفلاطون؟

هنا يستطرد أرسطو في شرح فكرته الرائعة ويقول إن المادة تصبح شكلاً أو صورة أو كيان إذا ما توافرت الأسباب الكافية التي تشرح سبب وجودها. كيف ذلك؟ يعطينا أرسطو مثالاً آخر لتبسيط فكرته قائلاً إذا نظرنا إلى تمثال ما من الرخام على سبيل المثال لسوف نعرف بكل تأكيد أن هذا التمثال مصنوع من مادة الرخام. وبالتالي فإن الرخام هو سبب ضروري لوجود هذا التمثال. ولكن هذا السبب وحده ليس كافية لتفسير وجود هذا التمثال بعينه. فمن الممكن أن يدخل الرخام في صناعة طاولة مثلاً هنا ندرك أن الرخام سبب ضروري لكنه ليس كافياً. هذه الطريقة في التفكير تسمى السببية.

اقرأ أيضًا: فلسفة بارمنيدس: لا يولد شيء من لا شيء

منهج السببية

تعني السببية البحث عن الأسباب وراء وجود كيان ما. ومن هذا المنهج تمكن أرسطو من تأسيس مذهب التصنيف الذي استخدم فيما بعد في عدد من العلوم المختلفة. ويقوم هذا المذهب على الملاحظة الدقيقة وتجميع أكبر قدر ممكن من الملاحظات والمعلومات. هذا المنهج الرائع بمصطلحاته العلمية لا نزال نستخدمه حتى وقتنا الحالي. وربما لن تكون غريبة على أسماعنا مصطلحات مثل الطاقة والمادة والديناميكية والسببية وغيرها من المصطلحات الأخرى. ونظراً لهذه الطريقة في التفكير استطاع أرسطو أن يلم بالكثير من العلوم على اختلاف أنواعها مثل السياسة والتاريخ الطبيعي والاقتصاد وعلم النفس. ولعل أهم ما ساهم به أرسطو في الفكر الإنساني هو علم المنطق الذي اخترعه هذا الفيلسوف الرائع.


علم المنطق

ربما يعرف الغالبية العظمى أرسطو من خلال فلسفته السياسية وكتاباته الشعرية الأدبية. كما يعرف بأفكاره عن أخلاقيات الفضيلة وأنواع الحكومات الستة ومساهماته في علم النبات وعلم الحيوان. إلا أن كل ذلك لم يكن سوى غيض من فيض. أما أهم ما ساهم فيه أرسطو في تاريخ الفكر الإنساني هو علم المنطق. ولعل أهم مؤلفاته في هذا الأمر هي ما يسمى الأورغانون، وهي مجموعة كتب ونصوص متعلقة بالمنطق. هذه النصوص مجردة تماماً وصعبة القراءة وغامضة. وربما لا يستطيع المرء فك شفراتها بسهولة لكن مع الكثير من الجهد يجد أنها مذهلة وعميقة جداً بشكل لا يمكن تصوره.

بنية المخ البشري

إن علم المنطق المعاصر مدين له بالكثير، فما نسميه في الوقت الحاضر المنطق الرمزي الرسمي هو في الحقيقة اختراع أرسطو. فهذا الرجل جلس وحيداً منذ ألفي عام، في غرفة جلوسه الهادئة، ووصف بنية المخ البشري. لقد أظهر بشكل أساسي كيف يعمل العقل؟ وكيف نفكر؟ وكيف نشكل أفكاراً منطقية صحيحة؟ إن مستوى التجريد لديه عظيم ولكن اهتمامه بالتفاصيل أعظم. وعندما تقارنه بعلماء الأعصاب وعلماء النفس وفلاسفة العقل المعاصرين، الذين يستخدمون جميعاً الإحصائيات والتكنولوجيا المتقدمة وما شابه، لا يسعك إلا أن تشعر تنحني احتراماً لهذا العقل الجبار الذي أنتج مثل هذه الأفكار.

يقوم هذا العلم على مبدأ أساسي يمكن استخدامه في جميع المجالات العلمية والفكرية. يتمثل هذا المبدأ في القدرة على الاستنتاج والاستنباط ومعرفة أن الاستنتاج يتغير إذا ما تغيرت الفرضية. بمعنى أنه لابد أن يكون الفرض منطقياً كي يكون الاستنتاج صحيحاً. وهو أساس النظرية العلمية. ولتبسيط هذا الأمر يعطينا أرسطو مثالاً آخر فعلى سبيل المثال إذا كان هناك كومة كبيرة الجرائد يوضع عليها يومياً الجريدة اليومية فمن المنطقي أن الجريدة الأحدث هي التي تكون في أول الكومة. في حين أننا لابد أن نجد أقدم جريدة في قاعدة هذه الكومة هذا هو الاستنتاج المنطقي إلا إذا حدث تغيير في ترتيب هذه الكومة من الجرائد. وبالتالي يكون هذا الاستنتاج غير صحيح لأنه طبقاً لتغير الترتيب يمكن أن تكون أقدم جريدة في المنتصف مثلاً أو في الأسفل أو في أي مكان فلا يمكننا التأكد من هذا الأمر. لذا فإن منطقية الاستنتاج تعتمد في المقام الأول على صحة الفرضية.

اقرأ أيضًا: نظرية المعرفة: مقدمة موجزة جداً

التفكير المنطقي

ما جعل أرسطو عملاقاً فكرياً في التاريخ هو أنه ساهم بالعديد من المجالات المختلفة: الفيزياء، علم الأحياء/ علم الحيوان، المنطق، الأخلاق، الميتافيزيقيا، علم النفس، إلخ. وعلى الرغم من أن العلم الحديث أثبت خطئه في الكثير من إسهاماته الخاصة بعدد من العلوم على غرار الفيزياء والميتافيزيقا وعلم الأحياء. إلا أنه كان عموماً على المسار الصحيح.

على سبيل المثال، اشتهر أرسطو لأول مرة بتصنيف المغالطات المنطقية. وحتى يومنا هذا تتبع الكتب المدرسية المنطقية عموماً طريقة أرسطو في تصنيف المغالطات المنطقية. في حين أن مصطلح منطق أرسطو لم يتقدم في العمر تماماً (بشكل أساسي، تم استبداله بمنطق أصلي من الدرجة الأولى). فقد كان محقاً في الإشارة إلى أن هناك طرقاً صحيحة ورسمية للتفكير (أو الاستنتاج) من المقدمات إلى الاستنتاج.

أمثلة على منطق أرسطو

  1. كل الكلاب من الثدييات. (مقدمة أولى).
  2. بوبي هو حيوان ثديي. (مقدمة ثانية).
  3. وبالتالي، بوبي كلب. (نتيجة منطقية).

يُطلق على الحجة أعلاه حجة القياس ووفقاً لأرسطو، فإن الاستنتاج لا يتبع من المقدمات المنطقية لأن كون بوبي من الثدييات لا يجعله تلقائياً كلباً. لذا فإن حقيقة (1) و (2) لا تنطوي على (3). ومع ذلك، ضع في اعتبارك هذا:

  1. كل الكلاب من الثدييات. (مقدمة أولى).
  2. بوبي كلب. (مقدمة ثانية).
  3. لذلك، بوبي هو حيوان ثديي. (نتيجة منطقية).

هذه الحجة المنطقية صحيحة رسمياً (الطريقة الصحيحة للتفكير). لأنه إذا كانت الحالة أن جميع الكلاب من الثدييات وأن بوبي كلب. فلا بد أن بوبي من الثدييات. من المستحيل منطقياً أن تكون كل الكلاب من الثدييات، بوبي كلب، لكن بوبي ليس من الثدييات. إذا كانت (1) و (2) صحيحة، فيجب أن تكون (3) صحيحة. يبدو هذا غير مهم، ولكن في الواقع كانت رؤية أرسطو بأن هناك طريقة صحيحة (أو صالحة) للتفكير كانت حاسمة حقاً. بينما تم استبدال نظامه المنطقي بمنطق أصلي من الدرجة الأولى، إلا أن رؤيته حول التفكير الصحيح لا تزال موجودة كما كانت.

اقرأ أيضًا: فلسفة القديس أوغسطين: هل استطاعت حل مشكلة الشر في العالم؟

فلسفة أرسطو الطبيعية

مساهمات أرسطو في علم الأحياء/ علم الحيوان معقدة. وقد تبين لاحقاً أن الكثير من ملاحظاته على حيوانات معينة والجنس الذي تنتمي إليه كانت خاطئة علمياً، وكانت ملاحظاته الأخرى صحيحة. على سبيل المثال، كان أرسطو من بين الأوائل الذين أظهروا أن الحيتان والدلافين ليست أسماكاً، بل ثدييات. ومع ذلك، كانت محاولته العامة لتصنيف الأنواع على المسار الصحيح وأجرى خلفاؤه تحسينات عليها.

أشار أرسطو إلى أن جميع الموجودات في الطبيعية يمكن تقسيمها إلى مجموعتين رئيسيتين: أولهما الجماد، مثل المعادن والأحجار، وكل تلك الموجودات التي ليست لديها أي إمكانية للتحول، إلا بتأثير عامل خارجي. وثانيهما، الأجسام الحية، التي تملك إمكانية التحول. ومن هنا يقسم أرسطو الأجسام الحية إلى مجموعتين: أولهما النباتات، وثانيهما، الكائنات الحية. ثم يقسم مرة ثالثة الكائنات الحية إلى مجموعتين هما: الحيوان والإنسان.

تقسيم الظاهر الطبيعية

لقد قسم أرسطو جميع الظواهر الموجودة في الطبيعة إلى مجموعات تستند إلى معيار واضح ألا وهو صفات كل شيء وما يفعله هذا الشيء. فنجد على سبيل المثال أن الأجسام الحية من نبات وحيوان وانسان لها القدرة على الغذاء والنمو والتكاثر. ثم نجد أن كل الكائنات الحية من حيوان وإنسان تملك صفة إضافية هي قدرتها على ان تدرك بحواسها العالم المحيط بها، كما تملك القدرة على الحركة والانتقال. في حين أن البشر يملكون إضافة إلى هذه الصفات القدرة على التفكير والتعقل. ويسمي ارسطو هذه الملكة الموجودة في الانسان العقل الإلهي. حيث يعتقد انه ينبغي ان يكون هناك إله هو المحرك الأول لجميع الظواهر الموجودة في الطبيعة. وهذا الإله هو العلة الأولى لكل الوجود.

اقرأ أيضًا: الفلسفة الهيلينية: كيف امتزج الدين بالفلسفة؟

فلسفة الأخلاق عند أرسطو

لن تُعتبر أخلاقيات الفضيلة لأرسطو بالضرورة “صحيحة” لأن الفلاسفة حتى يومنا هذا ما زالوا يتجادلون حول النظرية الأخلاقية الصحيحة، لكن أخلاق الفضيلة لأرسطو لا تزال مؤثرة للغاية. حيث مازال الكثير من علماء الأخلاق يؤيدون أخلاقيات أرسطو.

ربما تكون الادعاءات الأخلاقية لأرسطو هي الأكثر صلةً به اليوم. حيث طور نظاماً أخلاقياً يسمى أخلاق الفضيلة، والذي يدعي أساساً أن تنمية الفضائل الإنسانية داخل الذات هي مفتاح السلوك الأخلاقي. وبدلاً من محاولة وضع مبادئ توجيهية وقواعد لتحديد الإجراء الصحيح، اعتقد أرسطو أنه إذا ركزنا على أن نصبح أشخاصاً صالحين، فسنقوم بأشياء جيدة من خلال العادة، وهي فكرة بارعة إلى حد ما. حيث يمكننا أن نصبح أشخاصاً صالحين من خلال التصرف وفقاً للعديد من الفضائل التي حددها أرسطو على أمل خلق عادة.

فلقد كان يعتقد أن كل فضيلة – مثل الصدق على سبيل المثال – موجودة في الوسط بين رذيلتين. نقص الأمانة خيانة الأمانة، وتجاوزها صراحة. وبالتالي، فقد اعتقد أنه يجب علينا أن نتعود على قول الحقيقة تماماً بقدر ما هو ضروري حتى نكون صادقين، وأن بإمكاننا توسيع منطق الوسط الذهبي بين رذيلتين، لكل فضيلة. وبمجرد اعتيادنا على التصرف بالقدر المناسب من كل فضيلة – من الناحية النظرية – لم يعد علينا القلق بشأن التفكير في الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، لأننا سنكون ميالين للقيام بذلك من خلال العادة. وعندما نصبح فاضلين، سوف نتصرف بشكل أخلاقي، ونحقق ما أسماه أرسطو حياة سعيدة ومكتملة.

اقرأ أيضًا: أفلوطين: كيف أثرت نظرية الفيض الإلهي على الديانات التوحيدية؟

فلسفة أرسطو السياسية

كان أرسطو يعتبر أن الإنسان بطبيعته ما هو إلا “حيوان سياسي”. فبغير وجود المجتمع من حولنا لن نكون بشراً بالمعني الحقيقي. كما أشار إلى أن للأسرة والعائلة دوراً شديد الأهمية سواء في التعاون أو تربية النشء إلا أن الاجتماع البشري الحقيقي لا تجسده سوى الدولة. ومن هنا أثار السؤال الهام ألا وهو: كيف يكون نظام الحكم؟ وضع أرسطو ثلاثة أشكال صالحة من أشكال الحكم. أولهم هي الملكية، وهو شكل من أشكال الحكم يقوم على أساس وجود حاكم واحد للدولة لكن بشرط ألا يجنح هذا الحاكم إلى ممارسة الطغيان عن طريق السعي وراء مصلحته الشخصية حتى يكون هذا الشكل من أشكال الحكم صالحاً.

أما الشكل الثاني فهو الارستقراطية، وهو عبارة عن وضع الحكم بأيدي مجموعة صغيرة لكن بشرط ألا يتحول هذا الحكم إلى استبداد من خلال سعي هذه الفئة إلى تحقيق مصالحها. والشكل الثالث والأخير هو الديمقراطية، وربما كان لهذا الشكل أيضاً جانباً سلبياً وهو التحول إلى حكم الغوغاء.


نظرة أرسطو للمرأة

كان أرسطو يعتبر أن النساء كائنات ناقصات، أي أنها صورة ناقصة للرجل، فمن ناحية الإنجاب نجد أن أرسطو يرى المرأة على أنها مجرد جانب سلبي متلقي فحسب، في حين أن الرجل هو الجانب الفعال او المانح. هذا بالإضافة إلى اعتبار ارسطو أن الأبناء لا يرثون سوى صفات الأب وحده. فعلى حد قوله إن النساء بمثابة الأرض التي تستقبل البذرة لتنبت.

اقرأ أيضًا: فلسفة ديموقريطس وابتكار نظرية الذرة

التأثير

ساهمت أعمال أرسطو وأفكاره في عدد من العلماء والمفكرين على مدار العصور المختلفة، ولعل من أهم ما تأثر بهذه الأفكار هو الإسكندر الأكبر الذي تولى أرسطو نفسه تعليمه.

أرسطو والإسكندر الأكبر

تولى أرسطو تربية الاسكندر المقدوني (384 – 323 ق.م) المعروف بالإسكندر الأكبر وهو صغير وقام بالتدريس له لمدة ثلاث سنوات. ولم يكن أرسطو المصدر الوحيد لعلم ومعرفة الإسكندر الأكبر، بل إن الإسكندر قرأ بنهم أشعار الشاعر الإغريقي هوميروس الذي كتب الملحمتين الشهيرتين “الإلياذة والأويسة” وعرف منهما عن حرب طروادة. وكان مغرماً ببطلها أخيل الذي تمنى أن يكون مثله، وعلم أيضاً من أشعار هوميروس عن “جزيرة فاروس” في البحر الأبيض المتوسط وهي قرية راقودة المواجهة للموقع الذي أسست عليه مدينة الإسكندرية عاصمة إمبراطوريته الجديدة.

وبدون شك كان لهذه التربية أثر كبير في تشكيل الإسكندر الأكبر وشعوره بأهمية نشر الفلسفة اليونانية في كل بقعة من إمبراطوريته. ولهذا أصبحت مدينة الإسكندرية فيما بعد منارة العلم والفن والفلسفة في العالم القديم بعد أن تضاءل تدريجياً دور أثينا في هذا المجال.

أرشميدس (287 – 212 ق.م)

لم يتضح مدى تأثير أرسطو على تطور التفكير العلمي وقدرة الإنسان على الملاحظة والاستنتاج المنطقي إلا مع أرشميدس الذي يعتبر من أوائل العلماء الذين استفادوا من عمق رؤيته. ولد أرشميدس في جزيرة “سيراكوزا” اليونانية وتلقى تعليمه في جامعة الإسكندرية الشهيرة في ذلك الوقت. وقتل على يد الرومان بعد استيلائهم على موطنه الأصلي سيراكوزا.

ويعرف أرشميدس بالقانون الذي سمي باسمه وهو قانون “الطفو” فلقد لاحظ أن الأشياء تتعرض للإزاحة إلى أعلى إذا انغمست في سائل، وهو ما جعله يقفز من بانيو حمام بيته عندما دفعه ماء البانيو بفعل الإزاحة إلى أعلى صارخاً “يوريكا” ومعناها باليونانية “وجدتها”

فلسفة أرسطو ودانتي

أهملت أعمال أرسطو مثلها مثل أعمال فلاسفة ومفكرين أخرين في العصور الوسطى في أوروبا. ونسى الناس بسبب القمع والتزمت الديني في ذلك الوقت أرسطو ومنهج الملاحظة والبحث واستنتاجات المنطق حتى جاء مع عصر النهضة رجال مثل الشاعر الكبير دانتي (1265 – 1321 م) الذي كان قارئاً جيداً لأرسطو ومعجباً بمنهجه وطريقة تفكيره. وكان يحلو له أن يشير إلى أرسطو بإنه “معلم كل من يريد أن يتعلم”

والمعروف أن أهم أعمال دانتي الشعرية هي “الكوميديا الإلهية” التي يحكي فيها بأسلوب خيالي وشعري رائع رحلة الإنسان بعد مماته، وكأنه يبدأ حياته من جديد. حيث تتألم روحه في البداية برغباتها وطموحاتها وصراعاتها الدنيوية وهو ما يحدث في طبقة ” الجحيم” بعد ذلك تمر الروح بطبقة أكثر رقياً تحاول فيها تطهير نفسها عندما تعطي لتجارب الحياة بعداً روحياً وهو ما يحدث في “المطهر” وفي النهاية تصل الروح إلى مرحلة الاكتمال في فردوس الأرواح النقية “الجنة ” والطريف أن أرسطو كان يرى أن الأعمال الأدبية والشعرية بوجه خاص فيها كثير من الفلسفة التي يصوغها الشاعر بأسلوب راق وهو في هذا يختلف أيضاً عن أفلاطون الذي كان رغم إعجابه بالشعر يتشكك فيما يقوله الشعراء.

فلسفة أرسطو وابن رشد

بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية وتدهور حال الفكر في أوروبا مع بدايات العصور الوسطى كان من الممكن أن تضيع أعمال أرسطو ولا تعرف أوروبا والعالم شيئاً عنه لولا الفلاسفة العرب الذين عاشوا في قرطبة عاصمة الأندلس والمغرب العربي في ذلك الوقت. ولقد عرف هؤلاء العرب هذا الفيلسوف وغيره من المشرق العربي خاصةً من مصر حيث كانت تحفظ أعمال هؤلاء المفكرين في الإسكندرية القديمة. وكان العلماء والمفكرون في مصر في ذلك الوقت يتقنون أيضاً اللغة اليونانية التي ظلت اللغة الرسمية حتى بعد دخول العرب بفترة من الزمن.

ومن هنا تمكن علماء العرب التنويريين من نقل هذه العلوم التي قام بترجمتها بعد ذلك إلى اللاتينية يهود الأندلس. وكان كثير منهم يتحدث ويكتب اللاتينية أيضاً والتي كانت لغة العلم في أوروبا. وأشد من تأثر بأرسطو بين فلاسفة العرب كان ” محمد بن رشد” (1126 – 1199م) الذي كانت دراسته لأرسطو دفاعاً عن الفكر الفلسفي وأهميته موضحاً عدم تعارضه مع الدين الإسلامي الذي يدعو دائماً للتفكير والبحث عن المعرفة.


المراجع:

  • الدليل الفلسفي الشامل – الجزء الأول – رحيم أبو رغيف الموسوي.
  • أرسطو – الفريد تايلور – ترجمة د. عزت قرني.
  • دروس في تاريخ الفلسفة – إبراهيم مدكور، ويوسف كرم.
  • أرسطو – د. عبد الرحمن بدوي.
  • تاريخ الفكر الفلسفي: أرسطو والمدارس المتأخرة – محمد علي أبو ريان.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!