قصة أحمد بن حنبل: محنة رجل مع قضية خلق القرآن

You are currently viewing قصة أحمد بن حنبل: محنة رجل مع قضية خلق القرآن
قصة أحمد بن حنبل وفتنة خلق القرآن

أحمد بن حنبل ومحنة خلق القرآن قضية كانت ومازالت تشغل المسلمين؛ ودار حولها الخلاف حتى أودى هذا الخلاف إلى سجن الإمام أحمد بن حنبل. فما هي أصل قصة أحمد بن حنبل مع قضية خلق القرآن؟

قضية خلق القرآن بين أهل الرأي وأهل الحديث

أطلت قضية خلق القرآن برأسها في العصر الأموي، لكنها تشعبت وامتدت ودار حولها الجدل في عصر الدولة العباسية وبالتحديد حينما كان الخليفة المأمون على رأس السلطة. وكان طرفي الصراع في هذه القضية هما أهل الرأي ويمثله المأمون وخلفاؤه وأهل الحديث وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل. فماذا كان الاختلاف؟ يرى أهل الرأي أن القرآن مخلوق. أما أهل الحديث فيرون أنه طالما لم يأت فيها حديث أو أثارها أحد من الصحابة والتابعين فلا مجال لمناقشتها. فهل توقف الأمر على هذا الحد؟ بالطبع لا.


القضية في عهد بني أمية

إذا ارتحلنا إلى الوراء عند بداية طرح هذه القضية نجد أن كانت في عصر بني أمية وبالتحديد بعد مقتل الإمام علي بن أبي طالب. ففي ذلك الوقت سادت النزاعات والاختلافات وانقسمت الأمة الإسلامية على نفسها. لذا كان الهدف الرئيسي من طرح هذه القضية هو استمرار تفرق المسلمين وانقسامهم. وقد أثار هذه القضية في عهد الدولة الأموية الجعد بن درهم، وحينها استنكرها الكثير من علماء المسلمين، ولم يتعرضوا لها سواء بالسلب أو بالإيجاب. وربما التزم علماء المسلمين الصمت حينها تجنباً لاتساع الجدل.

اقرأ أيضًا: عمر بن الفارض: سلطان العاشقين الذي حاول الوصول للحقيقة العليا

الخليفة المأمون

وحينما قضى أبو العباس على ما تبقى من بني أمية وأقام الدولة الجديدة التي حملت اسمه، تتابع عليها خلفاء كثر. حتى جاء دور الخليفة المأمون العباسي الذي اتخذ رأي المعتزلة في ذلك الوقت وشرع يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن وحاول جاهداً أن يحمل الفقهاء من أهل السنة والحديث على اعتناق هذه الفكرة. لكن الكثير من علماء المسلمين في ذلك الوقت رفضوا اعتناق هذ الفكرة والتزموا الصمت تجاهها كما فعلوا من قبل في عهد بني أمية. لكن لم يصمت المأمون على هذا الأمر؟ فماذا فعل؟

كتب المأمون إلى وزيره أحمد بن داوود الذي كان له الدور الرئيسي في تحريك هذه القضية وأمره في كتابه أن يحمل الناس على القول بخلق القرآن. ثم أشار إليه أن يجمع الفقهاء ليعلمهم بهذا الأمر فأما من يقر بأن القرآن مخلوق فيخلي سبيله وأما من يرفض عليه أن يعلمه به. لكن لم يتوقف الأمر على ذلك بل أمر المأمون أتباعه بأن يحملوا كل من يتولى عملاً في الدولة على القول بأن القرآن مخلوق. كما لا تقبل شهادة من شاهد إلا إذا أقر بذلك.

اقرأ أيضًا: مقتل محمد بن أبي بكر: رأس ابن الخليفة تطوف مصر بعد جزها

قصة أحمد بن حنبل والمأمون

زادت حدة القضية وبدأ المأمون يتجه إلى أهل الفتوى والمحدثين ومنعهم من عملهم إلا أن يقولوا بخلق القرآن. كما استدعى الفقهاء بعد أن تطور الأمر كثيراً. جاء بهم وهم موثقين بالأصفاد وقال لهم أنهم إن لم يتوبوا حملهم جميعاً على السيف. وتركهم يرحلون ليفكروا فيما قاله لهم المأمون. وهنا شعر الفقهاء بالخوف من بطش المأمون فأجابوه جميعاً إلا ثلاثة منهم وفي الطريق غير واحد من هؤلاء الثلاثة رأيه وامتثل لما قاله المأمون، أما الثاني فمات ولم يتبق من الثلاثة سوى الإمام أحمد بن حنبل. وقبل أن يعاقب المأمون أحمد بن حنبل وافته المنية. لكنه أعهد إلى أخيه المعتصم بهذه القضية قبل أن يموت.

اقرأ أيضًا: قصة خالد بن الوليد مع مالك بن نويرة المثيرة للجدل

الخليفة المعتصم وأحمد بن حنبل

لم يقتل المعتصم الإمام أحمد بن حنبل كما أراد أخيه المأمون، لكنه أتى به إلى السجن، ليستخرج منه مقولة أن القرآن مخلوق. لكنه أبى أن يقر بذلك. في ذلك الوقت أمر المعتصم جنده أن يعذبوه، وظل أحمد بن حنبل يضرب ضرباً متواصلاً طوال ثمانية وعشرين شهراً. ومازال على رأيه بأنه لا يقل بشيء ما جاء به حديث. وحين يأس المعتصم من الحصول على إقرار منه أخرجه من السجن على أن يلزم داره فلا يفتي ولا يحدث.

اقرأ أيضًا: مقتل الحسين بن علي: قصة مأساة الشهيد بن الشهيد

قصة أحمد بن حنبل مع الخليفة الواثق

مات المعتصم وجاء من بعده هارون الواثق بالله وتولى الخلافة، وليعيد فتح قضية خلق القرآن مرة أخرى. وجاء بالإمام أحمد بن حنبل ليعاود مع الكرة من جديد، ليرفض الإمام كما رفض أول مرة. فما كان من الواثق إلا أن يعاقبه مرة أخرى بالسجن والضرب، ومع العذاب يزداد اصراراً على رفضه. حتى حضر الواثق ليباشر التحقيق معه بنفسه. فيأتي بأحمد بن حنبل ويحقق معه الوزير أحمد بن داوود في حضرة الواثق. لكن لم يحصل على اعتراف من الإمام. فيفعل معه الواثق مثلما فعل سابقه. حيث أخرجه من السجن وأصدر أمراً بألا يفتي ولا يحدث بحديث. حتى إذا جاء الخليفة المتوكل ليتولى خلافة المسلمين بعد الواثق فينهي هذه المحنة وتلك القضية بعد أن عزل المحرك الأساسي لها وهو الوزير أحمد بن داوود.

اقرأ أيضًا: زياد بن أبيه: أشهر أمير مجهول النسب في التاريخ الإسلامي

قضية غريبة تهدف لإثارة الجدل

ورغم كل ما حدث في هذه القضية إلا أنها لم يكن الغرض منها سوى الجدل وصنع حالة من الانقسام كحال السياسة دوماً. فهي قضية غريبة أثارتها في البداية عناصر تريد شغل الرأي العام فيما لا يجدي منه نفعاً. وكان من نتائجها تعطيل الإمام أحمد بن حنبل عن اجتهاداته في الدين.


وإلى هنا يسدل الستار عن أكثر القضايا الغريبة التي تحمل في طياتها ألاعيب سياسية أكثر من كونها قضية دينية أو فلسفية. فلا معنى مطلقاً في الخوض في مثل هذه القضية التي لا فائدة منها.


المصادر:

اترك تعليقاً