من هم الهنود الأوروبيون؟ وكيف أثروا على أمم أوروبا؟
الهنود الأوروبيون يقصد بهم أهل جميع البلدان والثقافات التي تستخدم إحدى اللغات الهندية الأوروبية. وتتضمن هذه البلدان جميع الأمم الأوروبية باستثناء عدد قليل فقط يستخدمون إحدى اللغات الفنلندية المجرية وهي اللابية والفنلندية والاستونية والمجرية أو يستخدمون اللغة الباسكية. في هذا المقال نتعرف على أصل الهنود الأوروبيين وهجراتهم وثقافتهم، وكيف أثرت الثقافة الهندية الأوروبية على أوروبا بأكملها.
نبذة تاريخية
عاش البشر قديماً في مجموعات وقبائل وسرعان ما تفرقوا في أنحاء الأرض. وبحلول منتصف العصر الحجري وبالتحديد 5500 قبل الميلاد تقريباً كانت هناك قبائل بدائية ترعى الماشية البرية والخيول والاغنام تعيش حول البحر الأسود وبحر قزوين. هذه القبائل هي ما عرفت فيما بعد باسم الهنود الأوروبيين، وكانت تجوب الأرض باستمرار ولها ثقافة خاصة بها.
وفي حوالي 5200 قبل الميلاد جاء التحول في مستويات درجات الحرارة في أوروبا. وقد أدى ذلك إلى انجراف الأنهار الجليدية أكثر باتجاه الشمال. ثم حوالي عام 3200 قبل الميلاد، أصبح التحول في المناخ أكثر دراماتيكية في المناخ، وقد أضر هذا التحول بالمناخ الزراعي في السهوب، مما أدى إلى حدوث مجاعة؛ اضطرت هذه القبائل إلى القيام بهجرة جماعية من هذه المناطق إلى مناطق أخرى.
هجرات الهنود الأوربيون
انطلقت من هذه القبائل هجرات في اتجاه الجنوب الشرقي صوب إيران والهند. وفي اتجاه الجنوب الغربي نحو اليونان وإيطاليا واسبانيا. ثم في اتجاه الغرب ناحية فرنسا وانجلترا مروراً بأوروبا الوسطى. وفي اتجاه الشمال الغربي صوب اسكندنافيا أو أوروبا الشمالية. وأخيراً في اتجاه الشمال نحو أوروبا الشرقية وروسيا. وحيثما ذهب الهنود الأوروبيون كانوا يمزجون ثقافتهم المحلية مع الثقافات الأخرى التي يعيشون بين أهلها. ثم بدأت اللغات والثقافات الوافدة تطغى على اللغات والثقافات المحلية في البلدان التي هاجروا إليها.
اقرأ أيضًا: اللغات المنقرضة: ما هي؟ ولماذا تختفي اللغات من التاريخ؟ |
اللغات الهندو أوروبية
مع امتزاج الهنود الأوروبيين مع الثقافات الأخرى بدأت لغات جديدة في الظهور. لقد كانت هذه اللغات مزيجاً من اللغات القديمة لقبائل الهنود الأوروبيين واللغات المحلية للبلدان المستضيفة. وسرعان ما أصبحت اللغات الهندو أوروبية هي أكبر عائلات اللغات في عصرنا الحالي. وتحتوي هذه العائلة على الغالبية العظمى من لغات أوروبا وشمال شبه القارة الهندية وإيران. بينما استطاعت العديد من اللغات بداخل هذه العائلة أن تتوسع وتنتشر عن طريق الاستعمار في العصر الحديث، ومن أمثلة هذه اللغات الإنجليزية والبرتغالية والفرنسية والاسبانية.
ومع تنوع هذه اللغات إلا أنها جميعاً تنحدر من لغة واحدة وهي اللغة الهندو أوروبية البدائية التي كان يتحدث بها البشر في هذه المنطقة المذكورة آنفاً خلال العصر الحجري الحديث. لذا نجد أن نصوص الفيدا الهندية القديمة المقدسة والفلسفة اليونانية والأساطير الاسكندنافية وغيرها كتبت كلها بلغات بينها صلة قرابة. لكن هذه القرابة لا تتوقف على اللغات فحسب، بل اشتملت هذه الصلة أيضاً على القرابة الفكرية.
اقرأ أيضًا: الفلسفة الهيلينية: كيف امتزج الدين بالفلسفة؟ |
الثقافة الهندية الأوروبية
إن أهم سمة من سمات الثقافة الهندية الأوروبية هيتعدد الآلهة. فنحن نصادف أسماء هذه الآلهة والمصطلحات الدينية في جميع البقاع التي انتشرت فيها الثقافة الهندية الأوروبية. فعلى سبيل المثال كان الهنود القدماء يعبدون إله السماء ديوس، ويسمى هذا الإله باليونانية زيوس، وباللاتينية جوبتير. وكل هذه المسميات ما هي سوى تعبيرات محلية مختلفة لأصل واحد.
كذلك نجد أن سكان اسكندنافيا القدماء كانوا يعبدون إله يطلقون عليه اسم “آزير” وهذا الاسم نصادف العديد من المرات في المناطق التي سادت فيها الثقافة الهندية الأوروبية فنجد في الهند وبالتحديد في اللغة السنسكريتية آلهة تسمى “آزورا” وفي الفارسية “آهورا”. وغيرها من الأمثلة التي لا تعد ولا تحصى والتي تثبت صلة القرابة الواضحة بين كل هؤلاء.
وربما تكون الأساطير القديمة في العديد من هذه البلدان متشابهة فيما بينها. هذا على الرغم من أن كل أسطورة تعبر بطريقة أو بأخرى عن البيئة التي نشأت فيها هذه الأسطورة، لكنها تشترك فيما بينها ببعض الأصول. فنحن نرى هذه الأصول بوضوح في الأساطير المتعلقة بإكسير الحياة أو صراع الآلهة ضد قوى الشر.
أما أوجه التشابه بين أنماط التفكير في شتى الثقافات الهندية الأوروبية فنراها جلية، منها على سبيل المثال لا الحصر تصور العالم وكأنه مكان يدور فيه الصراع بين قوى الخير والشر. ولهذا السبب كان الهنود الأوروبيون يحاولون دوماً اللجوء إلى العرافين من أجل التنبؤ بنتيجة المعارك، ورغبتهم القوية في معرفة ما ستؤول إليه الأمور ومصير العالم.
اقرأ أيضًا: عصر النهضة: كيف نجت أوروبا من ظلام العصور الوسطى؟ |
تأثير الهنود الأوروبيين على الاقتصاد
كان الاقتصاد قبلياً للغاية. وهو يقوم على نظام المقايضة. وقد كان الهنود الأوروبيون من أوائل القبائل البشرية التي قامت بتدجين الخيول والماعز والأغنام والماشية (الثيران والأبقار). كما استخدموا تقنية العجلات لحرث الحقول، وكانت أشهر المزروعات في ذلك الوقت هي القمح والشعير والحبوب. وكذلك استخدموا صوف الأغنام في ثيابهم. وكانوا أول من أنشأوا هياكل خشبية لمنازلهم مع سقف من القش مع فتح بابين.
الهنود الأوروبيون والحرب
ربما يعد الهنود الأوربيون هم أول من استخدم تقنية فأس المعركة، وهي عبارة عن فأس مصبوب من الحجر الثقيل متصل بمقبض خشبي خفيف الوزن. كذلك استخدموا الخيول المستأنسة جنباً إلى جنب مع عربات الجر ذات العجلات. هناك أيضاً استخدام الكلاب المستأنسة للقتال والصيد ولا يزال هناك الكثير من الأبحاث الجديدة المذهلة التي يتم إجراؤها لمعرفة مدى تأثير الهنود الأوروبيين على الثقافات المختلفة.
اقرأ أيضًا: التراث الثقافي: التعريف والخصائص و10 أمثلة للتراث الثقافي |
الفلسفة
يبدو جلياً تأثير الثقافة الهندية الأوروبية على الفلسفة اليونانية. وهذا التأثير كان بفضل ولادة الفلسفة اليونانية في المحيط الثقافي الهندي الأوروبي. فالأساطير الهندية واليونانية والاسكندنافية وغيرها من الأساطير تنطوي جميعها على ميل واضح نحو رؤية فلسفية تأملية للعالم.
لقد سعى الهنود الأوروبيون إلى تبصر تاريخ العالم، وإذا تتبعنا أثر مصطلح مثل “التبصر” أو المعرفة من ثقافة إلى أخرى داخل العالم الهندي الأوروبي لوجدنا أن مقابله في اللغة السنسكريتية هو لفظ “فيديا” الذي يشبه الكلمة اليونانية “ايدييا” والتي تعني الفكرة المجردة. وهو مفهوم كان له دور كبير في فلسفة أفلاطون.
أما في اللاتينية فاللفظ المقابل للتبصر هو لفظ فيديو الذي يعني أبصر أو أرى، ومن الواضح أن هذا اللفظ مازال مستخدم حتى عصرنا الحالي بنفس المعنى تقريباً. ولكن لماذا هذا اللفظ بالذات؟ لأننا نلاحظ أن البصر هو أهم حاسة لدى الهنود الأوروبيين. فآداب الهنود واليونان والفرس والجرمان كانت تتميز برؤية كونية كبرى. ومن هنا تأتي فكرة رسم اللوحات ونحت التماثيل التي تصور بها الآلهة وأحداث الأساطير. فكما قلنا من قبل أن هذه الثقافة كانت ثقافة بصرية في المقام الأول.
أما اعتقادهم عن التاريخ فهو تصورهم أن التاريخ دوري أي أنهم نظروا إلى التاريخ على إنه دورات متعاقبة تتوالى. لذا فالتاريخ طبقاً لفلسفتهم ليس له بداية او نهاية. وإنما هو حضارات تنهض وتسقط وهكذا في تتابع مستمر.
اقرأ أيضًا: عصر التنوير الأوروبي: مقدمة موجزة جداً |
الهنود الأوروبيون والدين
إن أهم ديانتين شرقيتين هما الهندوسية والبوذية، وكلتا الديانتان لهما أصل هندي أوروبي. وينطبق هذا الأمر كذلك على الفلسفة اليونانية. حيث يمكننا أن نرى أوجه التشابه الجلية بين الهندوسية والبوذية من جهة وبين الفلسفة اليونانية من جهة أخرى. فالتأمل الفلسفي له مكانة بارزة في كل منهما.
كذلك نجد أن معتقدات كلا من الهندوسية والبوذية تؤكد على أن الإله منبث في جميع الموجودات وهو روح الكون، وهذا ما يعرف باسم مذهب وحدة الوجود. وعلى الإنسان يسعى إلى المعرفة والبصيرة الدينية من أجل أن يتوحد مع الإله أو روح الطبيعة. وهذا الأمر يتطلب التأمل والاستبطان الذاتي، لذا نجد أن اعتزال الحياة والانسحاب منها يشكل غاية دينية سامية. وفي اليونان القديمة وبخاصة مع الفلاسفة نجد أن حياة الزهد هي التي تقود في النهاية إلى خلاص الروح. وربما كان لهذه الأفكار تأثيراً عظيماً فيما بعد على المسيحية.
هذا بالإضافة إلى فكرة تناسخ الأرواح التي تشتهر بها عدد من الديانات في الثقافة الهندية الأوروبية. فعلى امتداد أكثر من 2500 عام كان الهدف النهائي للحياة بالنسبة للهندي هو التحرر من دورة الميلاد المتكرر للاتحاد النهائي مع الإله أو مع روح الطبيعية. وكما نعلم جميعاً أن واحد من أعظم فلاسفة اليونان القديمة كان يؤمن بهذه الفكرة وهو أفلاطون.
في الختام لابد من الإشارة إلى أن تأثير الهنود الأوروبيين على جميع الأمم التي هاجروا إليها كان تأثيراً عظيماً امتد ليشمل جميع المجالات. ومازالت العديد من الدراسات تبحث في هذا التأثير حتى عصرنا الحالي.
المراجع
1. Author: Cristian Violatti, (5/5/2014), Indo-European Languages, www.worldhistory.org, Retrieved: 5/3/2022. |
2. Author: MICHAEL BALTER, (2/13/2015), Mysterious Indo-European homeland may have been in the steppes of Ukraine and Russia, www.science.org, Retrieved: 5/3/2022. |