تحليل فيلم Nocturnal Animals: عالم المظاهر وعالم الوجود
Nocturnal Animals هو فيلم يجمع بين الدراما الجادة والإثارة، ويتميز بأسلوبه السردي المعقد والمجازي والوحشي أيضاً. يحكي الفيلم ثلاث قصص منفصلة ولكنهم مرتبطون ببعضهم البعض. قصص عن الحب والحسرة والانتقام والإبداع الأدبي والخيال ومخاوف الماضي. في المقال التالي نتعرف على قصة فيلم Nocturnal Animals ثم نستعرض تحليل هذه التحفة الفنية.
معلومات عن فيلم Nocturnal Animals
- البلد: الولايات المتحدة.
- اللغة: الإنجليزية.
- تاريخ الإصدار: 9 ديسمبر 2016.
- المخرج: توم فورد.
- الكاتب: توم فورد | أوستن رايت.
- وقت العرض: 116 دقيقة.
- النوع: دراما | إثارة.
- التصنيف: (R) للكبار فقط | يحتوي على مشاهد فاضحة وعنيفة.
- فريق التمثيل: إيمي آدامز | جيك جيلينهال | مايكل شانون | آرون تايلور جونسون.
- التقييم: 7.5.
قصة فيلم Nocturnal Animals
تدور أحداث الفيلم من خلال ثلاث قصص منفصلة ومتصلة في الوقت ذاته. تبدأ القصة الرئيسية مع سوزان – إيمي آدامز – وهي مالكة لمعرض فني طموح في لوس أنجلوس. وعلى الرغم من نجاحها، إلا أن الثروة والتقدير اللذان حصلت عليهما يعتمدان بشكل أساسي على الأعمال التجارية التي يديرها زوجها رجل الأعمال ووكر – أرمي هامر – الذي لم تعد سعيدة معه في حياتهما الزوجية.
كانت سوزان متزوجة قبل 20 عاماً من حبيب طفولتها إدوارد – جيك جيلينهال – الذي يطمح في أن يكون كاتباً شهيراً. وإدوارد شاب لطيف وحساس أحبها بشدة ولكنها رأت فيه شخصية ضعيفة وفقيرة ولا يمتلك الموهبة اللازمة التي يمكن أن تجعل منه كاتباً عظيماً، لذا طلبت الطلاق وانفصلت عنه وتخلصت من حملها بطفله دون علمه.
ذات يوم تتلقى سوزان رواية تسمى “الحيوانات الليلية” من زوجها السابق الذي لم تسمع عنه شيئاً على مدار العشرين عاماً الماضية. وخلال عطلة نهاية الأسبوع تبدأ في قراءة الرواية، ومن خلال الرواية تبدأ القصة الثانية. تأخذنا الرواية من ثراء لوس أنجلوس إلى طريق مهجور في مكان ما في تكساس حيث تدور حول رجل عائلة – ويقوم بدوره أيضاً جيك جيلينهال – يذهب في رحلة مع عائلته عبر الصحراء لقضاء إجازة. كانت العائلة مكونة من الزوج والزوجة والابنة المراهقة. وخلال طريق مهجور تقع العائلة الصغيرة ضحية لعصابة من البلطجية، لينتهي الأمر بمأساة عظيمة. حيث تُقتل زوجته وابنته بعد اغتصابهما على يد أفراد العصابة ويلقون بجثثهم في مكان ما على الطريق. ومن هنا تبدأ تحقيقات الشرطة للبحث عن الجناة.
نعود بعد ذلك إلى القصة الرئيسية لنرى كيف تتأثر سوزان لدى قراءتها للقصة وتشعر أن هناك رابط ما بين أحداث الرواية وبين حياتها الشخصية مع زوجها السابق، ثم ننتقل إلى القصة الثالثة وهي العودة إلى الوراء إلى الوقت الذي تقابلت فيه سوزان مع زوجها السابق لنتعرف على ما حدث بينهما. وتتناوب أحداث الفيلم بين هذه القصص الثلاث لنتعرف على الكثير من المفاجآت في حياة سوزان وتوني، ومن الأفضل تركها مخفية إذا لم تشاهد الفيلم.
اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Revanche: متعة سينمائية مثيرة ومحفزة للفكر |
تحليل فيلم Nocturnal Animals
تعامل مصمم الأزياء الأمريكي الشهير توم فورد مع السينما من خلال إخراج فيلم A Single Man في عام 2009، وهو الفيلم الذي قام بتمويله بالكامل بنفسه. وجمع فيه طاقماً من الموهوبين “كولين فيرث وجوليان مور” وكانت قصة الفيلم عبارة عن تكييف رواية للكاتب الإنجليزي كريستوفر إيشروود. وبعد ثماني سنوات، قدم توم فورد فيلمه الطويل الثاني وتبنى مرة أخرى رواية شهيرة نشرها الكاتب الأمريكي أوستن رايت في عام 1993. كانت الرواية عبارة عن رواية داخل رواية مع المزج بين الواقع والخيال، ونظراً لتعقيد الحبكة استغرق الأمر سنوات طويلة حتى تتجسد أحداث الرواية في فيلم سينمائي وقد نجح توم فورد في ذلك مع الكثير من الأناقة.
يُظهر الفيلم المهنة الأصلية للمخرج توم فورد كونه مصمم أزياء. فكل شيء على الطراز الحديث، وكل شيء له مكانه ووقته، تماماً كما هو الحال في عرض الأزياء. ومع ذلك فهذه ليست قصة من عالم الموضة. إنه فيلم مثير بشكل أساسي، ولكن هناك أيضاً دراما رومانسية تحدث في الخلفية. إنها قصة داخل قصة، فكرة لا تُستخدم كثيراً، حتى لو كانت فعالة جداً. يحاول المشاهد متابعة قصتين في وقت واحد ويرى كيف تتواصل القصص مع بعضها البعض. بالإضافة إلى ذلك، تدور إحدى القصص في مدينة حديثة معاصرة، والأخرى في الصحراء الخلفية الأمريكية، حيث يبدو أن الوقت قد توقف. يعمل الجمع بين هذين التباينين ويخلق انطباعاً عاماً جيداً.
متعة مرعبة
في بعض الأحيان تأتي تلك اللحظات التي يدرك فيها المرء بأنه لا يستطع وصف ما يشعر به بالكلمات. هذا الفيلم الذي يتغذى فيه الماضي على الحاضر يشعرك بهذا الأمر، وهذا الهذيان البصري والقمع الفرويدي والهواجس التي لم تتحقق والانتقام الذي يصم الآذان قادر على غمرك تماماً في متعة مرعبة. فبمجرد أن تبدأ في مشاهدة تحفة توم فورد تتخلى تدريجياً عن كل أمل وتغوص في عالمه العنيف والحزين والبارد. هذا العالم الذي يقرر فيه الضعيف أن يصبح قوياً وينطلق في طريقه إلى الانتقام.
غرفة من المرايا
يقول إدوارد في أحد مشاهد الفيلم: “تستمر في سرد القصص لنفسك حتى تتمكن من الاستمرار في العيش”. لكن في كثير من الأحيان يحدث العكس تماماً فسرد القصص يمكن أن يؤدي إلى موتك المحقق. يعكس فيلم فورد بدقة الطريقة التي بعمل بها الخيال نفسه. ويربط بين حكاية كوابيس عاطفية ومذبحة مع براعة سينمائية فريدة. يقسم فورد فيلمه بشكل مرن إلى حبكتين رئيسيتين – وثالثة فرعية – حيث يغزو الفيلم عالم الواقع لسوزان، صاحبة معرض فني حديث، وهي شخصية ناجحة جداً من الناحية المهنية، ولكنها محطمة من الناحية النفسية. تعيش في عالم فاخر ومصقول مليء بثقافة القمامة، وصور مروعة بشكل استفزازي وكمال مكبوت نفسياً.
لكن هناك عالم آخر. عالم عنيف بشكل لا يمكن تصوره هو عالم الرواية التي تتلقاها من زوجها السابق وهو عبارة عن قصة بوليسية مؤلمة عن الاختطاف والاغتصاب والقتل. تدخل هذه القصة المشاهد إلى غرفة سردية من المرايا التي تعكس كل منها وجهة نظرهم الخاصة للواقع، مزدحمة بآمال محطمة، وإدراكات حتمية، واستعارات مرعبة لما تسببت فيه الزوجة لزوجها في يوم من الأيام وهو الشعور بالاشمئزاز فقط والرغبة في الانتقام. وهو ما يوضحه بجلاء مشهد البداية الذي يصور النساء المترهلات.
يجبرك المبدع عملياً على الاهتمام بنفس القدر بكلتا القصتين اللتين تتكشفان أمامك في وقت واحد، مما يخلق روابط سينمائية على كل المستويات تقريباً، مما يصنع قصة لا تطاق من الحب والكراهية والانتقام، مليئة باللقطات التحليلية النفسية المقربة، والأطر الصامتة السوداء الحالكة.
الانتقام
إذا نظرنا إلى هذا الفيلم على أنه فيلم انتقامي، فكل الأشياء التي تبدو لنا مبهمة وغامضة تكون منطقية. وبالعودة إلى أحداث الرواية التي تقرأها سوزان نرى كيف بدأت القصة في إرعابها ومطاردتها. إن الرواية تحمل اسم “الحيوانات الليلية” وهو يشير بشكل طبيعي إلى الأشرار السيكوباتيين في القصة، ولكنه أيضاً اللقب الذي أطلقه توني على سوزان عندما كانا معاً. ومن خلال ربط سوزان نفسها بالحيوانات الليلية في الكتاب نستطيع أن نتعرف على بداية الانتقام النهائي الذي سيقوم به زوجها. فهذا الكتاب الذي بين يديها بمثابة قنبلة غضب وكراهية من رجل لم يتوقع أحد أنه سيستطيع إخراج شيئاً كهذا.
في واقع الأمر فإن أحداث الرواية وحدها بأجوائها المثيرة تجعل من هذا الفيلم فيلماً جيداً للغاية. وبالفعل أثبت توم فورد أن لديه ما يلزم للحفاظ على التشويق بمشاهد عنف وحشي وإثارة كبيرة. لكن بالطبع الفيلم لا يتوقف عند هذا الحد، ولكنه أكثر من ذلك بكثير.
الأداء
الأمر الآخر الذي يمكن أن يعلق مع المشاهد بعد انتهاء الفيلم هو طاقم التمثيل، ولا أعلم ما الذي فعله توم فورد كي يجعل الممثلين يقدمون أفضل ما لديهم. فتعبيرات الوجوه الساحرة لإيمي آدامز ومتعدد المواهب جيك جيلينهال وبالطبع مايكل شانون الذي يقدم أحد الأدوار الأكثر إمتاعاً في الفيلم كل هؤلاء أضافوا سحراً آخر إلى هذا الفيلم الرائع. حيث يمكنك الاستمتاع فقط بوجوه الممثلين حتى دون الحاجة إلى سيناريو.
كل ما سبق، بالإضافة إلى الشيء الثاني الذي سيبقى معك بعد مشاهدة الفيلم وهو الأسلوب. فكل شيء له أسلوب وشعور مميز يجعل منه فيلماً فريداً من نوعه. كذلك المشاهد المظلمة والمضيئة وأزياء الشخصيات والموسيقى جاءوا على قدر عالِ من الجودة، فلا يسعنا سوى القول ماذا يمكن أن نتوقع من شخص أسلوبه هو مهنته – كونه مصمم أزياء في المقام الأول.
اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Only the Animals: هنا تبدأ وتنتهي معظم الألغاز |
تفسير نهاية فيلم Nocturnal Animals
يعج هذا الفيلم بالأسرار والرموز والاستعارات، ولذلك يمكن أن يصاب بعض المشاهدين بالحيرة نتيجة الغموض الشديد لنهاية الفيلم. ومن هنا نحاول أن نستعرض معاً تفسير لنهاية هذا الفيلم حتى تكتمل المتعة.
في نهاية الفيلم وبعد أن تقرأ سوزان الرواية وتريد مقابلة إدوارد في مطعم. تذهب إلى هناك لكن إدوارد لا يظهر وينتهي الفيلم.
هناك عدة نظريات حول هذه النهاية. ربما كان الأكثر شيوعاً أن الرواية هي عمل انتقامي صنعه إدوارد حتى ينتقم من زوجته بسبب ما حدث عند الانفصال فيما مضى. وهو يرغب في جعلها تنتظر هناك في المطعم على أمل حضوره، ولكن عدم حضوره هو خاتمة ذلك الانتقام.
نظرية أخرى هي أن الرواية كتبت كرسالة انتحار، وإدوارد لم يظهر لأنه انتحر، مثلما يموت توني في الرواية في النهاية.
سأطرح احتمالاً ثالثاً: أعتقد أن إدوارد كتب الرواية ليثبت لسوزان أنها كانت مخطئة بشأنه. فعلى الرغم من أنه لم يستطع أن يرقى إلى مستوى توقعاتها في ذلك الوقت، إلا أنه كان قوياً بما يكفي ليظل صادقاً مع نفسه. واستطاع في النهاية كتابة رواية شخصية مشحونة بالعواطف والمشاعر جعلت سوزان ترتعب وتبكي من الخوف. ومع ذلك فإن إدوارد رجل مكسور ومصاب بجراح عميقة ولم يتخطى الانفصال أبداً. ولهذا السبب انتهى به الأمر بعدم الحضور لمقابلتها ليس لإيذائها عمداً والانتقام منها ولكن ليوضح لها أن الرجل الذي تركته مات بداخله ولن يعود أبداً وإنه ليس بهذا الضعف التي تراه عليه.
اقرأ أيضًا: فيلم Killer Joe: قطعة فنية عبثية مظلمة |
فيلم Nocturnal Animals هو فيلم إثارة نفسي عن الانتقام يتطلب من المشاهد تركيزاً فائقاً وعيناً ثاقبة. وهو مليء بالاستعارات، ويمكن لكل مشاهد تفسيره بطريقته الخاصة. وعلى الرغم من أنه قد يكون فيلماً مثيراً للجدل بسبب كثرة العرى لكننا نسامحه لأنه يناسب الحبكة. لا يمكن اعتباره فيلماً مثيراً فحسب بل هو دراما رومانسية حزينة عن علاقة حب عميقة تنتهي بالانتقام.