الحلقة التاسعة من مسلسل Dekalog: “لا تشته امرأة قريبك”

مسلسل Dekalog أو الوصايا العشر هي سلسلة أفلام درامية من إخراج المخرج البولندي العظيم كريستوف كيسلوفسكي، وهي عبارة عن نسيج متشابك رائع من الفلسفة، والتردد الأخلاقي، والشعور الإنساني الذي يجسد تفوق وقوة التعبير السينمائي على الكلمة المكتوبة. في السطور التالية نسجل ما ينتج عن تجربة هذه التحفة. ونقول تجربتها لأن أفلام كيسلوفسكي لا تُرى بل يتم تجربتها؛ فغلى تجربة الحلقة التاسعة من سلسلة Dekalog بمزيد من التفصيل.

الحلقة التاسعة

ترتكز الحلقة التاسعة من مسلسل Dekalog على الوصية التاسعة من الوصايا العشر “لا تشته امرأة جارك”. تدور حبكة الحلقة حول موضوع الخيانة الزوجية. وقد كان من المتوقع أن يكون هذا الموضوع هو محور الحلقة السادسة “لا تزن” ولكنها لم تكن كذلك. تدور أحداث القصة حول رومان وهو جراح قلب ناجح في الثلاثينيات من عمره. يذهب رومان إلى صديقه الطبيب لإجراء فحص طبي، ليكتشف أن مشاكل العجز الجنسي التي يعاني منها دائمة غير قابلة للشفاء. وعندما سأل الطبيب عما يفعل مع زوجته أخبره أن لا أمل فيه والطلاق هو السبيل الوحيد.

يعود رومان إلى زوجته الشابة الجميلة هانيا ويخبرها بأمر مرضه وهو متردد. ثم يقول لها أنها مازالت شابة جميلة ويجب عليها أن تعيش حياتها، لكن هانيا تختار البقاء بجانبه وتقسم له بحبها، وتخبره بأن الحب بالنسبة لها هو أكثر مجرد جنس. ومع ذلك، فإن مشاعر النقص الجديدة التي يشعر بها رومان تبدأ في أكله من الداخل. حيث يبدأ في مراقبة عادات زوجته أكثر قليلاً مما اعتاد عليه. ويلاحظ وجود دفتر ملاحظات غير عادي يخص أحد الطلاب في درج سيارته. ثم يتلقى اتصالات هاتفية من أحد الأشخاص يسأل عن هانيا. لذا تنتابه الشكوك بشأن زوجته، ويقوم بصنع جهاز إلكتروني للتنصت سراً على المحادثات الهاتفية لها.

ذات يوم تعطيه هانيا مفاتيح شقة والدتها التي لم تعد تعيش فيها، وتطلب منه أن يحضر لها بعض حاجياتها من هناك. يقوم بنسخ مفاتيح شقة حماته. ويشتبه في أن زوجته تقيم لقاءات مع طالب دراسات عليا في شقة والدتها. لذا يراقبها وبعد فترة تأكدت كل شكوكه. كان عشيق زوجته مازال طالباً وهو يحب هانيا بشدة، لكن الزوجة تغلب عليها مشاعر القلق على زوجها المضطرب والشعور بالذنب بشأن خيانتها له.

أزمة أخلاقية

تتعلق أزمة هانيا الأخلاقية في الحلقة التاسعة من مسلسل Dekalog بكيفية إدارة حياتها العاطفية ومدى صدقها مع زوجها بشأن ما حدث. أما أزمة رومان فهي تتعلق بصورته الذاتية كرجل. فهو يريد أن يتجنب الشعور بالغيرة من شيء لا يستطيع توفيره لزوجته، لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع أن يمنع نفسه من اكتشاف هذه التفاصيل الفظيعة.

هناك قصة جانبية في الحلقة التاسعة من مسلسل Dekalog تعكس وضع رومان. حيث يتعرف على مريضة شابة تعاني من مشاكل في القلب، ويجب أن تُجري عملية جراحية محفوفة بالمخاطر لتصحيح حالة القلب. وإذا لم تقم بإجراء العملية، فسوف تضطر إلى التخلي عن مسيرتها الواعدة كمغنية أوبرالية. تسأل المريضة الشابة الطبيب عما يجب عليها فعله، فيخبرها أن هذه العمليات لا يتم إجراؤها عادةً إلا كملاذ أخير. أومأت برأسها وقالت إنها تريد فقط أن تعيش، ولا تريد أن تخاطر بحياتها فقط للحصول على الشهرة كمغنية أوبرا. ثم يفكر رومان بحزن في قيمة الحياة المتضائلة التي لا يمكن أن تصل إلى الاكتمال.

النهاية الدرامية

نعود إلى القصة الرئيسية في الحلقة التاسعة من مسلسل Dekalog. تقطع علاقتها بالشاب، لكن بعد فوات الأوان. ففي ذلك اليوم الذي تقابلت فيه مع عشيقها كان زوجها يتجسس عليها ويعرف كل شيء بالفعل. ينصدم من وضوح ما يراه، وتولد مشاعر اليأس لديه أفكاراً انتحارية. تواجهه الزوجة وتحاول التصالح معه، وتطلب المغفرة بتواضع، وتوافق على أنه ينبغي عليهما المضي قدماً وتبني طفل (وبالتالي تؤكد بشكل ملموس أن زواجهما سيستمر إلى الأبد). في هذه المرحلة، قد نتوقع أن القصة قد وصلت إلى نهايتها الدرامية، ولكن ليس تماماً.

ليس من المستغرب أن رومان لم يتعاف حقاً من أفكاره ويصر على أنهما بحاجة لبعض الوقت يبعدان عن بعضهما البعض حتى يستعيد ذاته التي فقدها. لذا يقترح على زوجته أن تذهب في عطلة تزلج في بلدة قريبة. وبالفعل تسافر الزوجة، لكن يعرف عشيقها عن رغبتها فينطلق وراءها، ويتوجه إلى نفس منتجع التزلج لمقابلتها، وفي نفس اللحظة يجري رومان اتصالاً بعشيق زوجته ويسأل عنه لتخبره والدته أن ذهب في عطلة للتزلج، وهنا يدرك الزوج أن خيانة زوجته مستمرة. لذا يقرر رومان الانتحار. وهذا ما يؤدي إلى خاتمة درامية للفيلم الذي يعد واحداً من أكثر الحلقات إثارة في سلسلة Dekalog.

المعضلة الأخلاقية

تكمن المعضلة الأخلاقية في الحلقة التاسعة من مسلسل Dekalog في سؤال: هل الحب شيء يتجاوز احتياجاتنا أم أنه مرتبط باحتياجاتنا فقط؟ وهل من الممكن أن نحب بعضنا البعض بلا حدود ودون توقع أي شيء؟ يذهب كيسلوفسكي إلى ما هو أبعد من الحب الأرضي البسيط ويوضح لنا العواقب التي سيجلبها الحب الحقيقي في حد ذاته. ففي هذه القصة تحب هانيا زوجها ولا تريد أن تتركه، وفي الوقت نفسه لديها احتياجات تريد أن تلبيها. وعلى الرغم من أن القصة تدور حول الخيانة الزوجية، ولكننا نرى أيضاً الحب الحقيقي. حيث يُظهر كيسلوفسكي في الحلقة الحدود الفعلية بين الاحتياجات الإنسانية والحب الخالص.