الصمت: الهروب من ضجيج العالم

You are currently viewing الصمت: الهروب من ضجيج العالم
الصمت المرغوب والصمت المذموم

الحديث عن الصمت يكسره بالفعل، والتفكير في الصمت هو انتهاك له. لكن دعونا نجرؤ على خيانة الصمت لبعض الوقت ونتحدث عنه. يرغب الكثير منا في الصمت عن الحديث وعن كل شيء آخر، ويتمنى لو بإمكانه التراجع، ولو لبضعة أيام فقط، أو لبضع ساعات، إلى زاوية من السكون التام حيث يمكنه الهروب من ضجيج العالم، فربما تكون العودة بعدها إلى الحياة أقل إرهاقاً وأكثر إثارة للاهتمام. وعلى النقيض من ذلك يعاني البعض من مشكلة الخجل الاجتماعي الذي يجبرهم على الصمت في كثير من مواقف الحياة التي تتطلب المواجهة. هذا الصمت الذي قال عنه الحكيم كونفوشيوس أنه الصديق الوحيد الذي لا يخون أبداً إذا ما أصبح عادة يتملكنا الخوف من التعبير العلني والصريح، وهو ما يؤثر على حياتنا وقراراتنا. دعونا نتحدث عن كلا النوعين من الصمت بمزيد من الإيضاح.

مسرح الحياة

نحن كائنات اجتماعية مزعجة. هذه هي الحقيقة، وتعج اجتماعاتنا دائماً بالصخب، ومع ذلك هناك جمالاً لا يضاهي في ذلك، فالشلالات والرعد على الرغم من أصواتها تنطوي على شيء من الجمال المدوي. لكن تخيفنا الضوضاء في بعض الأحيان. إن ضجيج الكلمات، والآلات، والعواطف، وكل ما على مسرح الحياة الهائل يأتي ليملأ فراغنا.

نبحث عن مكان بعيد عن أعين البشر لنبتعد عن هذا الضجيج وهذه السحابة الصاخبة، لننعش أرواحنا بالقليل من الصمت. لكن ما إن نفعل ذلك حتى تخرج إلينا ضوضاء أخرى لمقابلتنا، إنها الضوضاء الآتية من الداخل، والتي تكون أكثر إلحاحاً وقهراً. في صمتنا تجد تياراتنا الجوفية فرصتها: الخوف المكبوت، والأحلام الضائعة، والأشواق التي تطلب الاستماع إلى همساتها. لقد غاصوا في بحور الاضطرابات اليومية، والصمت أخرجهم من جديد. ويبدو أن الروح تريد أن تخبرنا بأسرارها.

إن في الصمت حضوراً أكثر من الغياب، فهو فرصة للانتباه، ولم الشمل مع القضايا الداخلية العالقة، وشرارة الإبداع التي تبدأ في الاشتعال. هناك حاجة في الصمت إلى مساحة لظهور الجديد، أو لكي يتحدث إلينا القديم بكلمات جديدة. تخرج إلينا هذه الأفكار بشكل لا يمكن التنبؤ به، وهذا ما يهدد بتمزيق النسيج المتشابك لحياتنا اليومية، وربما لهذا السبب يصعب علينا الصمت، ونحاول ملئه حتى بالأصوات الهادئة. بمجرد عودتنا إلى المنزل نقوم بتشغيل الموسيقى، أو التلفاز، حتى في الاجتماعات بيننا وبين الآخرين فإن الصمت المفاجئ أمر غير مريح على الإطلاق.

الصمت المريح

حكمة الصمت
الراحة من ضجيج العالم

نحن نخاف من الصمت، فهناك سكون يسحقنا مثل انفجارات في الفراغ لا يفتح لنا سوى هاوية لا نستطع أن نتخيل عمقها، والتي تبدو لنا مثل الثقوب السوداء تبتلع كل شيء ولا تسمح لأي شيء بالهروب. وهناك الصمت القاتل، صمت الحزانى والسجناء، والضائعين، صمت المنازل الفارغة والحدائق المهجورة. وعليك الحذر من كلاهما. أما الصمت المحبب للنفس، فهو ذلك الصمت المثمر والمريح، والذي يمكن أن نجده في التأمل.

إن التأمل هو البحث المتعمد عن حالة من السكون نريد أن نصل فيه إلى ذلك المكان الذي تتوقف فيه الأفكار، إلى تلك النقطة التي تتبدد فيها الذكريات مثل ضباب المساء، تاركة العالم عارياً، لأن الأفكار، سواء تلك التي تبهرنا أو تلك التي تخيفنا، ليست هي الحقيقة كاملة، إنها مجرد ألعاب خيال، أو لمسات نذير، أو صفحات مطوية في كتاب الحياة، أو رسومات لماضي أو مستقبل ضائع. إنها تخرج من أعماق العقل ويجب أن تعود إليه في نهاية المطاف. ما يهم هو الحياة، لأنه في النهاية عليك أن تعيش.

ثم يأتي الصمت الحقيقي، الذي يهدئ الروح مثل الملاذ، والذي يسمح لنا بالاستلقاء على الأرض، والتنفس بعمق. إن الوصول إلى هذا المكان الذي يتميز بالبساطة المطلقة هو ببساطة الوصول الحياة السعيدة.

صرخات يائسة متقطعة

الخجل الاجتماعي
مشكلة الخجل الاجتماعي

يؤثر الصمت والخجل على حياتنا بصورة لا يمكن تخيلها، فنحن نجعل الحياة صمتاً أبدياً مع صرخات يائسة تخرج بشكل متقطع من حين إلى حين. نعيش حياتنا في خوف من كل شيء ثم نندم لاحقاً على عدم اعتراضنا أو تدخلنا في المواقف التي تتطلب منا الوقوف واتخاذ قرار. وفي خضم كل هذا ننسى أن الحياة تمر وتقترب من نهايتها باستمرار.

إننا نعيش خائفين من التعبير العلني والصريح عما نفكر به، وما نشعر به، وما نؤمن به، ونخشى من إظهار الفضائل الإنسانية التي تجعلنا متميزين ثم نبقى صامتين. نحن نجعل الصمت والخجل خطأ لا يغتفر. فالشعور بالذنب يحدنا، ونتجاهل كل شيء من حولنا، وننتظر فقط أن يتصرف الآخرين، وننظر في شكوك إلى كل موقف من مواقف الحياة. لكن إلى متى يستمر هذا الأمر؟

علاج الصمت والخجل

علاج الصمت القاتل
كيف تتخلص من الصمت المذموم

لا يمكن علاج هذا الصمت القاتل سوى بالتغيير والمواجهة، لن يمنحك أحد نصائح تتغلب بها على ذلك الخجل بخطوات معينة، فلست بحاجة إلى ذلك. كل ما في الأمر أن تقرر التغيير وتتحلى بالشجاعة والجرأة للمواجهة كي تعيش بحرية. ولتعلم جيداً أنه بمجرد أن تقرر التغيير فلن تكون الشخص نفسه مرة أخرى. إن الشجعان فقط هم الذين يغيرون العالم من حولهم لأنهم لم يظلوا صامتين أمام ما يدور من حولهم.

لا تدع أحد يسرق حريتك، فالتعبير عما تؤمن به وما تفكر به هو قراراك الخاص فلا تجعل الشعور بالسوء والندم والخجل دليلك، عليك ألا تسمح لأي شخص في العالم أن يقيد هذه الحرية التي منحك إياه الله. ولا تخشى من ارتكاب الأخطاء أو المخاطرة، أو الجرأة على فعل ما تحب.

بث الحياة إلى عالمك

إذا كانت لديك الرغبة في البكاء أو الغناء أو الرقص أو الضحك أفعل بلا تفكير، فكل هذه الأمور تجعلك تشعر بالرضا والسعادة بغض النظر عما يقوله الناس عنك. عليك أن تبث الحياة إلى عالمك، لماذا تريد عالماً مليئاً بالصمت القاتل والفراغ والروح الميتة. دع الحياة تؤلمك، دع الجراح تنزف، حاول أن تشعر بالألم. دع حواسك تمتلئ بالحياة وتصرخ. دعونا نصرخ من أجل أنفسنا ومن أجل أولئك الذين لا يستطيعون الصراخ.

لا شيء سهل في هذه الحياة. ولن يعطينا أحد أي شيء. لكننا سنذهب إلى أبعد ما يمكننا الوصول إليه، وسنناضل من أجل الحصول على ما نريد. لن نسمح لأي شخص مهما كان أن يخبرنا عما يمكننا القيام به وما لا يمكننا القيام به. إن القدرة على اتخاذ القرار تكمن فينا، نحن فقط من يمكننا أن نقرر، ولا يمتلك أي شخص آخر قرارات حياتنا.

لكي تنجح، عليك أن تعمل بجد. عليك أن تفترض الالتزام في حياتك مرة واحدة وإلى الأبد. وتجعل شعارك “لن أصمت بعد الآن”. وسنبدأ بتحقيق ما هو اليوم مجرد أحلام بسيطة. وبهذه الطريقة فقط سنرى كيف نبدأ في تحويل الأحلام إلى حقائق. إن الحياة عابرة. الحياة هدية، دعونا نعيشها بطريقة فريدة، حتى إذا ما نظرنا إلى الوراء، لا يسعنا سوى الشعور بالفخر لكل ما حققناه.

بهذه الطريقة فقط سنتمكن من إحداث الكثير من الضجيج الذي ربما يزيل الصمت القاتل إلى الأبد. وبهذه الطريقة فقط، سينتهي الحسد غير الصحي لأولئك الذين يجرؤون على الصراخ.

اترك تعليقاً

وائل الشيمي

إنسان ينتمي لكوكب الأرض