جيل ألفا: الحقيقة وراء جيل زجاجي قابل للكسر

جيل ألفا هو جيل ولد في عصرٍ تتصارع فيه التكنولوجيا مع التقاليد، ويمتزج فيه الإبداع مع التحدي.. هم أبناء العصر الرقمي، يعيشون واقع يتغير بسرعة.. لكنهم يوصفون بأنهم جيل هش قابل للكسر بسهولة على عكس الأجيال الاجتماعية الأخرى، فهل يمكنهم مواجهة الشدائد؟ وهل يمكنهم إعادة صياغة الإنسانية أم أن العصر الجديد سيكسرهم بسهولة.. دعونا نخوض معًا رحلة نتعرف فيها على خصائص جيل ألفا بشكل أكثر تفصيلًا..
ما هو جيل ألفا؟
يشير مصطلح جيل ألفا إلى الشباب الذين ولدوا بعد عام 2000 أي أنهم الآن في مرحلة المراهقة أو يقتربون من سن الرشد. يتميزون بالعديد من السمات والخصائص التي تميزهم عن غيرهم من الأجيال نظرًا لأنهم أول جيل ولد بالكامل في القرن الحادي والعشرين. يطلق عليهم جيل الكريستال أو الجيل الزجاجي، وهي ليست المرة الأولى التي يطلق فيها تسمية على جيل ما، فمن قبل كان هناك جيل طفرة المواليد (1946 – 1965)، تلاه جيل إكس (1972 – 1980)، ثم جيل الألفية (1985 – 1995)، وأخيرًا جيل زد (1995 – 2000).. لكن لماذا يوحي مصطلح الجيل الزجاجي بالضعف والهشاشة، وما هي الحقيقة وراء هذه الصورة النمطية التي تميز ذلك الجيل؟
تبدأ القصة من أبناء الجيل إكس الذين عاشوا في أوقات صعبة، وعملوا بجد لتوفير حياة أفضل لأبنائهم، حيث منحوهم كل ما حرموا منه.. وتشير كلمة الزجاج إلى الهشاشة وتعني أنهم ينكسرون بسهولة ولا يستطيعون تحمل صدمات الحياة.. إنهم أبناء التربية الحديثة القائمة على الاحترام، والتي تهدف إلى خلق روابط أقوى بين الآباء والأبناء.. ويبدو أن هذه التربية أدت إلى الحماية المفرطة وضعف السلطة الأبوية، مما نتج عنها شباب يفتقرون إلى الثقة والقوة وعدم الأمان..
خصائص جيل ألفا

يعاني أبناء جيل ألفا من بعض الصفات التي رسختها هذه تربية الأطفال الحديثة، ولعل أشهر هذه الصفات التي تنسب إليهم عادة عدم الاحترام، حيث سمح لهم بفعل ما يريدون، ولم تغرس فيهم قيمًا راسخًا وقوية في المنزل.. هذا إلى جانب حاجتهم المستمرة إلى الاعتراف بهم والشعور بالتقدير، ويعود ذلك إلى افتقارهم إلى الثقة بالنفس وتدني احترام الذات.. إنهم بحاجة دائمة إلى الشعور بالاندماج في بيئتهم ومجتمعهم..
هناك العديد من الخصائص الأخرى التي تميز هذا الجيل دعونا نتعرف عليها بشكل سريع..
- لديهم حساسية أكبر تجاه القضايا الاجتماعية.
- يرفضون الظلم بشدة، مما يجعلهم يضخمون المشكلات الصغيرة أحيانًا.
- يتمتعون بذكاء عاطفي كبير، وتتمحور قيمهم حول الصداقة والعدالة.
- يعتمدون بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي في حياتهم الاجتماعية.
- لا يتحملون النقد، ولا يتسامحون معه.
- يشعرون بالإحباط بسهولة عند فشلهم في تحقيق أهدافهم.
- يعانون من القلق، والاكتئاب، وعدم الاستقرار العاطفي.
- ماهرون في التكنولوجيا منذ ولادتهم، حيث يتوفر لهم الوصول غير المحدود (وغالبًا غير المراقب) إليها.
- لا يهتمون بالثقافة والقراءة لأنهم نشأوا في عصر الرقمنة.
- يتمتعون بنمط حياة مريح بفضل دعم آبائهم، ويحبون الرفاهية والتسوق.
- يواجهون تحديات كبيرة في سوق العمل، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة.
أدوات مواجهة الشدائد
يُصور هذا الجيل على أنهم الذين حصلوا على كل شيء دون الحاجة للكفاح، مما قد يجعلنا نعتقد أنهم يفتقرون إلى الأدوات اللازمة لمواجهة الشدائد. ومع ذلك، فإن الظروف الصعبة تعلم المرء شجاعة المواجهة والقدرة على التحمل. وقد أظهروا قدرتهم على تحمل المسؤولية، مدفوعين بقيم التضامن والعدالة، ورغم عدم اعتيادهم على مواجهة الشدائد، إلا أنهم أثبتوا أنهم على قدر التحدي..
هناك العديد من الأمثلة التي توضح قدرته على مواجهة الشدائد بطرق مبتكرة ومواكبة للعصر. ورغم صغر سنه، فإن تربيته في عصر التكنولوجيا السريعة والتحولات الاجتماعية والبيئية الكبيرة زودته بمهارات فريدة. لننظر إلى الفتاة السويدية غريتا تونبرج، لقد ألهمت جيلها بأكمله ليكون أكثر وعيًا بقضايا البيئة، حتى أن مجلة التايم الأمريكية اختارتها كشخصية العام في 2019.
يمكننا كذلك أن نرى العديد الشباب الصغار يشاركون في حملات تنظيف الشواطئ، وغرس الأشجار، والضغط على المسؤولين لاتخاذ إجراءات ضد التغير المناخي. ويقود الأطفال مبادرات في العديد من المدارس مثل إعادة التدوير والحد من استخدام البلاستيك، والحفاظ على الموارد الطبيعية.
أمثلة من الواقع
أظهروا كذلك قدرة هائلة على التكيف مع التعلم عن بعد أثناء جائحة كورونا، وحسنوا قدرتهم على التعلم المستقل وإدارة الوقت.. وقد رأيناهم يطلقون حملات لدعم المجتمعات المتضررة من الكوارث الطبيعية أو لدعم أقرانهم الذين يواجهون أزمات إنسانية. والعديد منهم أصبحوا مدافعين عن الصحة النفسية، يتحدثون عن مشاعرهم علانية ويشجعون الآخرين على فعل الشيء نفسه.
أنقذت فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات حيها أثناء الفيضان في الهند، وقادت الطفلة مبادرة لإخلاء السكان من حيها بعد تحذيرات عن ارتفاع منسوب المياه. وهناك الطفل الذي طور تطبيقًا للتعلم عن بعد في الولايات المتحدة ليساعد زملاءه في تنظيم وقتهم الدراسي خلال فترة الإغلاق. وفي لبنان شارك الأطفال مع عائلاتهم في تنظيف الشوارع وتوزيع الطعام والاحتياجات الأساسية بعد انفجار مرفأ بيروت.
أظهر هؤلاء الأطفال قدرات استثنائية في مواجهة التحديات، بفضل تأثره بعالم رقمي سريع، وتربية تُركز على الوعي بالقضايا الكبرى. هذه الأمثلة الواقعية تُظهر أنهم جيل يحمل إمكانات واعدة لتغيير المستقبل إيجابيًا.
من المهم أن نتوقف عن تصنيف الناس بناءً على جنسهم، أو طبقتهم، أو ميولهم السياسية، أو حتى جيلهم. البشر أعظم بكثير من تلك التصنيفات المحدودة. هؤلاء الشباب، الذين وُصفوا بالهشاشة، أظهروا شجاعة وقدرة على التحدي. والصورة النمطية هي مجرد أفكار أو تعميمات مسبقة يتم تطبيقها على شخص أو مجموعة، لكنها تحيز لا يعكس سوى جزء صغير من الحقيقة.
جيل ألفا ليس مجرد فصل جديد في كتاب الزمن؛ بل هو قصة تُكتب بألوان المستقبل. بين أصوات المفاتيح التي تنقر على الحواسيب وأصوات الأطفال الذين يضحكون أثناء ابتكار ألعاب جديدة، هناك نغم يحمل أملًا، وأحيانًا خوفًا. ربما يواجهون تحديات لا حصر لها، وربما يُخطئون كما أخطأ من قبلهم، لكن في عيونهم بريقٌ يوحي بأنهم قادرون على اجتياز العقبات، ليس فقط لإثبات أنفسهم، بل لتشكيل عالمٍ يحمل بصمة أحلامهم. إنهم البداية الجديدة لكل ما لم نتخيله من قبل..