أسلوب حياة

تربية الأطفال: أفضل التوصيات للمهمة الصعبة

يعرف الآباء والأمهات أن تربية الأطفال ليست بالمهمة السهلة، أما ما لا يعرفونه على وجه اليقين هو ما إذا كانت الأساليب التي يستخدمونها هي الأنسب لتحفيز نمو الطفل وتربيته تربية صحيحة، أو تحديد ما إذا كانوا متساهلين أو وقائيين أو سلطويين، خاصةً إذا لم يكن لديهم نقاط مرجعية تسمح لهم بتبني أسلوب تعليمي صحي للأطفال. وقد تختلف طرق وأساليب التربية في ظل عدم وجود صيغ سحرية أو قواعد معصومة من الخطأ نظراً لاختلاف كل طفل وعائلة، إلا أن طرق تربية الأطفال الصحيحة هي تلك التي تغرس القيم في الأطفال والتي يمكننا الرهان عليها بالتأكيد.

أسلوب النمذجة في تربية الأطفال

هناك العديد من الطرق والأساليب والتقنيات المستخدمة لتحسين سلوك الأطفال، لكن أسلوب “النمذجة” أحد أكثر الأساليب استخداماً نظراً لبساطة تطبيقه. تقوم هذه التقنية على تقديم “نموذج” للطفل للسلوك المرغوب فيه حتى يستوعبه ويقلده. تعتمد هذه التقنية على عملية التعلم الطبيعية. لكن السؤال هو: من هم النماذج الأولى في تربية الأطفال؟ الإجابة ببساطة هي العائلة.

إن القدرة على التقليد فطرية عند الأطفال وهي أساس تعلمهم. وهكذا فإن الطفل سوف يراقب بعناية سلوك والديه ليجد التوجيه الذي يحتاجه للتطور. ولكن لا يتعلم الأطفال من والديهم فقط، ولكن من أولئك الذين يتفاعلون معهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، وكذلك من بيئتهم. ولهذا السبب، مهما كان أسلوب التربية الذي نختاره، يجب علينا التأكد من أن “النماذج” القريبة من الأطفال تحافظ على السلوكيات المناسبة. وبالمثل، من الضروري تزويد الطفل بتجارب ممتعة ومنحه بيئة يشعر فيها بالأمان والحماية.

يتعلم الأطفال الصغار الكثير عن كيفية التصرف من خلال مراقبة والديهم. وكلما كانوا أصغر سناً، كلما كان أكثر في التقليد. وقبل أن تتصرف بعدوانية أو تغضب أمام طفلك، فكر في هذا: هل هذه هي الطريقة التي تريد أن يتصرف بها طفلك عندما يغضب؟ انتبه دائماً إلى أن أطفالك يراقبونك. كن قدوة للصفات التي تريد غرسها في أطفالك: الاحترام، والمودة، والصدق، واللطف، والتسامح، والكرم. ساعد الآخرين دون مقابل، عبر عن امتنانك وامنح الثناء. وقبل كل شيء، عامل أطفالك بنفس الطريقة التي تتوقع أن يعاملك بها الآخرون.

الكمال غير موجود

نصائح للآباء والأمهات
أساليب تربية الطفل

يبحث الكثير من الناس عن الكمال، ويخبرون أنفسهم أنه يجب أن يكون العمل الذي يقومون به مثالياً، ويجب أن يكون أطفالهم مثاليين، ويجب أن يكونوا مثاليين ليكونوا آباء وأمهات مثاليين. ولكن لا يعمل الأمر بهذه الطريقة، فالقاعدة الأساسية في الحياة هي أنه لا يوجد شيء كامل. الكمال ببساطة غير موجودة، ولولا النقص، لا أنت ولا أنا سنكون موجودين. وبالتالي، فإن الفكرة واضحة: يجب علينا أن نتقبل عيوبنا، وأن نفهم أيضاً أن أطفالنا لن يكونوا كاملين. لذا يجب أن نتعرف على نقاط قوتهم، ونتوقف عن التركيز باستمرار على نقاط ضعفهم. ومن خلال العمل على نقاط قوتهم سنكون قادرين على تربية أطفال أقوياء وأذكياء عاطفياً. فإذا رأوا أن ما هو مهم هو أفضل جزء في كل شخص، فسيعرفون أيضاً كيفية تقدير ما لديهم. والأمر الأكثر أهمية أنهم سيصبحون أقل انتقاداً، وسيطورون علاقات عاطفية أكثر صحة.

واجه الأمر: أنت لست والداً مثالياً، ولا أحد كامل، فكل منا لديه نقاط قوة وضعف. تعرف على قدراتك وعد بالعمل على نقاط ضعفك، وحاول أن تكون لديك توقعات واقعية لنفسك ولزوجتك وأطفالك. لا ينبغي عليك أن تُظهر لطفلك أنك تعرف كل شيء وتعلم كل الإجابات، فلا أحد كذلك، وحاول أن تجعل تربية الأطفال مهمة يمكنك إدارتها. ركز على المجالات التي تحتاج إلى أكبر قدر من الاهتمام، بدلاً من محاولة معالجة كل شيء دفعة واحدة. اعترف عندما تشعر بالإرهاق. خذ وقتاً بعيداً عن الأبوة والأمومة للقيام بأشياء تجعلك تشعر بالسعادة كشخص.

غرس القيم الأخلاقية

من السهل أن نقول إننا نريد نقل قيم مثل التواضع أو التعاطف أو الرحمة أو الامتنان للأطفال، لكن الأصعب أننا ننسى في بعض الأحيان أن نضع هذه القيم موضع التنفيذ على أنفسنا أولاً، فكيف يمكن للأطفال تعلمها؟ ربما يتعلم الأطفال بعضاً من هذه القيم من خلال قصص الأطفال التي تُحكى لهم أو يشاهدونها على الشاشات، لكن الأفضل من ذلك هي رؤيتهم لهذه القيم الأخلاقية تُطبق أمام أعينهم من خلال الآباء والأمهات.

إن تربية الأطفال الصحيحة هي تلك التي تعزز الحب غير المشروط والاحترام والتفاهم والتعاطف والحدود غير العقابية كأساس للتربية. إنه تعليم يركز على رفاهية الأطفال واحتياجاتهم، ويعتبر الأطفال أشخاصاً لهم حقوق ويجب معاملتهم من موقف المساواة. وبهذه الطريقة، لا يفرض الأهل على أبنائهم ما يجب عليهم فعله أو يطالبونهم بالطاعة، بل يحاولون إشراكهم في تربيتهم الخاصة، مع مراعاة اهتماماتهم ووجهات نظرهم ومعاييرهم.

لا يعني ذلك عدم وجود قواعد، فمن الضروري وضع قواعد تتكيف مع كل مرحلة من مراحل الطفولة، ولكن يجب أن تكون هذه الحدود قليلة وواضحة ومتماسكة، مما يترك للأطفال الحرية والمساحة التي يحتاجونها لاكتشاف العالم بأمان. وقد اتفقت جميع الأساليب العلمية في التربية على أن التنشئة المحترمة هي التي تتيح للأطفال الفرصة لارتكاب الأخطاء، والتعلم منها. كما تعزز الرابطة العاطفية القوية بين الوالدين وأطفالهم من أجل تنمية عاطفية متوازنة خلال السنوات الأولى من الطفولة والبلوغ. وتحفز الارتباط المبني على الأمن والحماية والمودة الذي يسمح للأطفال بالنمو وهم يشعرون بالأمان والمحبة، مما له تأثير إيجابي على احترامهم لذاتهم وثقتهم بأنفسهم وتنظيمهم العاطفي.

سلوكيات خاطئة في تربية الأطفال

تقويم سلوك الطفل
كيف تتجنب السلوكيات الخاطئة

إن طرق تربية الأطفال غير الصحيحة هي ما تغرس بداخلهم تلك السلوكيات المشينة المتمثلة في الحقد والحسد والغيرة. فغالب الآباء والأمهات يربون أطفالهم على رؤية ظواهر الأمور فحسب، ولم يعلموهم التعمق في كل ما هو جوهري وروحي. لذا علينا أن نُولي أهمية كبرى للتربية كي نقتل بداخل أطفالنا كل السلوكيات والصفات السيئة المُخبأة في طيات الطفولة الأولى. لأن معظم السلوكيات الخاطئة تنبع من هذا الجذر، وتعود أسبابها إلى تربيتنا لأطفالنا.

في البداية أود أن أوضح الصورة العامة لطرق تربية الأطفال التي تبدو في ظاهرها عاطفة جياشة من الأهل إلى أطفالهم. لكن سرعان ما نجد قد انتهجنا أسس تربية الأبناء على الحقد وليس على القناعة. ومن أجل معرفة طرق التربية الإيجابية وأهميتها فلننظر سوياً إلى الأمثلة التالية:

انظروا مثلاً لذلك الطفل الذي يُؤمّن له آبائه كل شيء. ويلبون له كل متطلباته بدافع من المحبة المفرطة، ولا يعلموا عاقبة هذه الأفعال. ويعتقدون في داخلهم أنهم بتلك الطريقة يؤدون واجبهم على الوجه الأكمل. هذا التصرف الناتج عن حسن نية قد يغذي الأنانية في الطفل، الذي يشعر أنه مركز الكون كله. والكل مطالب بتلبية رغباته. فتتشكل معالم شخصيته فيما بعد على هذا الأساس. فكل ما يطلبه يجده حتى لو نظر إلى ما في أيادي الآخرين.

مشهد آخر من تلك المشاهد وهي تفضيل أحد الأطفال على الآخر، والاهتمام الشديد به دوناً عن الآخرين. وهذا ما يخلق هوية سحيقة بين الأخوة. ويفقدهم حس المشاركة فيما بينهم. كما يخلق هذا التصرف نوعاً من الغيرة بين الأخوة. وقد حدث ذلك مع أخوة يوسف كما قصت علينا الكتب السماوية. فتفضيل الأب ابنه على باقي الأخوة غرست الغيرة في قلوبهم حتى أنهم فكروا في قتله، هذا الأمر من عواقب تربية الأطفال الخاطئة.

القناعة كنز لا يفنى

يتمتع الطفل بذكاء كبير، ويعلم جيداً كيف يستفز عاطفة الأهل. ومن خلال وسائله الكثيرة نركض وراء تلبية طلباته التي لا تنته. وإن رفض أحدنا تلبية طلباته، فهو قادر من خلال وسائل الضغط، كالبكاء أو الصراخ أو تكسير الأشياء من حوله أن يجعلهم يحققون له كل ما يريده. لذا علينا أن نربي أطفالنا على القناعة والرضا بما يمتلكوه. ولا ننساق إلى المظاهر المبهرجة والخدّاعة التي تؤول بنا إلى سلوكيات خاطئة. فالمجتمعات التي تنساق وراء المظاهر فقط هي مجتمعات فارغة من الداخل، محطمة. مجتمعات لديها عقد نفسية، وشعور بالنقص. إنها مجتمعات تفتقد لفضيلة ذات أهمية كبرى لن نشعر بالراحة النفسية إلا بها: إنها فضيلة القناعة.

قالوا في الأمثال أن “القناعة كنز لا يفنى”، هي كذلك بكل تأكيد كنز لا يفنى لمن يعرف الوصول إليه والحفاظ عليه. ولا تعني القناعة الاستسلام للواقع، بل تعني تلك القناعة التي تهدف الى الطموح الهادف من أجل التغيير للأفضل. إنها قناعة الرضا بالواقع حتى نغيره بسعينا ومجهودنا. القناعة تعني أن تجيد استخدام ما تملكه بفرج وبهجة وبلا تذمر أو تأفف. القناعة تعني أن قيمتك تكمن في ذاتك وليس فيما تمتلكه. تلك هي الأشياء الباقية والتي مكانها الروح. وليست تلك المتطلبات المادية الفانية. وبدون القناعة نجد أنفسنا قد قمنا عن غير عمد بتربية الأبناء على الحقد والحسد والغيرة.

قضاء الوقت مع الأطفال

طرق تربية الأطفال
أهمية قضاء الوقت مع الأطفال

عندما يكبر طفلك، لن يتذكر عدد الألعاب التي كانت لديه في طفولته، لكنه سيتذكر الوقت الذي لعبت بها معه. سوف ينسى الكثير من الأماكن التي زارها، لكنه سيتذكر اللحظات التي شاركها معك والتجارب التي خضتها معه. ربما لن يتذكر جميع المباريات التي لعبها، لكنه سيتذكر كل عناق ولحظة خاصة قضيتها. لا يحتاج الأطفال إلى الكثير ليكونوا سعداء، لذا بدلاً من التركيز على منحهم كل ما تعتقد أنهم بحاجة إليه، ركز على خلق تجارب لن ينسوها أبداً.

يحتاج الأطفال إلى قضاء بعض الوقت مع والديهم، وأن يكونوا مركز اهتمامهما لبعض الوقت، ويجب على الوالدين أن يحافظا على الاتصال الجسدي مع أطفالهما من خلال العناق والقبلات والمداعبات ليشعروا بالأمان والحب. لذلك ينبغي على الوالدين تخصيص ساعة على الأقل يومياً للعب مع الأطفال، والاستماع إلى كيف كان يومهم أو التنزه معاً في الهواء الطلق. ولا يكفي أن تكون معهم على هاتفك المحمول أو أن تفكر في المهام التي تنتظرك عندما تكون معهم. ركز بشكل كامل على الاستمتاع بتلك اللحظة ومنحهم الاهتمام الذي يحتاجون إليه.

عليك كذلك أن تكون متاحاً دائماً للتحدث مع أطفالك للتحدث حول مشاعرهم ودعمهم عندما يكونون في أمس الحاجة إليها. إن الحقيقة البسيطة المتمثلة في معرفة أن لديهم شخصاً يلجأون إليه عندما يشعرون بالحزن أو الإرهاق أو عندما يواجهون مشاكل مع صديق، تمنح الأطفال الأمان اللازم لمواجهة تحديات الحياة مع تعزيز العلاقة الأسرية.

لكن قضاء الوقت مع الأطفال والتعاطف معهم والتواجد عندما يحتاجون إلى التحدث لا يكفي للحفاظ على تربية صحيحة، بل من الضروري أيضاً مساعدتهم على تلبية احتياجاتهم. وهذا يعني إرشادهم على طول الطريق وتزويدهم بالأدوات التي تمكنهم من حل المشكلات بأنفسهم، أو مساعدتهم على حل صراعاتهم في حال فشلهم في ذلك. إن تلبية احتياجات الأطفال هي طريقة رائعة للتعبير لهم عن مدى أهميتهم بالنسبة لك ومنحهم الأمان والثقة التي يحتاجون إليها.

إعداد الأطفال للمستقبل

يريد معظم الآباء الأفضل لأطفالهم، وأن يكونوا سعداء على الدوام، ولكن النوايا الحسنة لا تكفي، فغياب القواعد على سبيل المثال لن يجعل الأطفال أكثر حرية، في حين أن القواعد المفرطة يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى خنقهم. وبنفس الطريقة، فإن إعطاء كل شيء لأطفالك لن يجعلهم يشعرون بأنهم محظوظون، ولن يؤدي تشجيعهم على الكفاح إلى جعلهم أكثر تعاسة. كذلك محاولة أن تفرض عليهم الأحلام التي تحلم بها والأهداف التي تخصك أنت لا يجعل منهم أطفالاً سعداء، فالأطفال بحاجة إلى إيجاد طريقهم الخاص ليشعروا بالرضا ومهمة الآباء ليست قص أجنحتهم، بل إعدادها للمستقبل، إلى تلك اللحظة التي يمكنهم فيها الطيران بمفردهم.

إذا كنت تريد أن يكون أطفالك سعداء، فلا تحاول أن تجعلهم صورة منك أو على مثالك. تذكر أن كل طفل فريد من نوعه، لذا خذ الوقت الكافي لفهم نقاط القوة والضعف لديهم، وكذلك احتياجاتهم وأحلامهم، حتى تتمكن من مساعدتهم في العثور على طريقهم الخاص، ليصبحوا أشخاصاً حقيقيين ومستقلين. إن دورك كوالد لا يتمثل في فرض طريقة معينة أو تفكير معين على الأطفال، بل تشجيعهم على اكتشاف أسلوبهم الخاص، والاستماع إلى أصواتهم الداخلية والتواصل مع أنفسهم. علمهم ألا يقارنوا أنفسهم بالآخرين، وبالتالي ستساعدهم على خلق احترام الذات المضاد للرصاص.

الطفل السعيد هو طفل قادر على التفكير بحرية. لذلك، إذا كنت تريد أن يكون أطفالك سعداء، شجعهم على التفكير بأنفسهم، واستخلاص استنتاجاتهم الخاصة، وتشكيل أفكارهم الخاصة. وعليك تعليمهم أن يستمعوا إلى آراء الآخرين وأن يكونوا منفتحين لتقييم وجهات نظر مختلفة عن آرائهم، ولكن يجب أن يكونوا قادرين على التفكير بأنفسهم، دون التأثر بالأشخاص من حولهم. بهذه الطريقة فقط سيصبحون حقاً أشخاصاً أحرار لا يخشون إظهار أنفسهم كما هم.

تربية الأطفال والأنشطة الترفيهية

اللعب بالنسبة للطفل
أهمية الأنشطة الترفيهية

اللعب ضروري في مرحلة الطفولة. حيث يكتشف الأطفال من خلال الأنشطة الترفيهية متعة تكريس أنفسهم لشيء ليس له هدف محدد، وذلك بسبب المتعة التي تنتجها المهمة نفسها. اللعب يعلم الأطفال أن يعيشوا الحاضر بشكل كامل، وأن يتدفقوا مع الأحداث، وأن يختبروا كل تفاصيل ما يفعلونه. كما أن اللعب حليف ممتاز لتحفيز الإبداع وإطلاق العنان للخيال. لذلك، إذا كنت تريد أن يكون أطفالك سعداء، شجعهم على اللعب، وشجعهم على استكشاف العالم بأنفسهم، وإيجاد طرقهم الخاصة للحصول على المتعة والشعور بالحرية في الاستمتاع بالأشياء المحيطة بهم.

وجد باحثون من جامعة كورنيل قبل بضع سنوات أن الأطفال الذين يعيشون في المدن الكبيرة، ولا يلعبون في الهواء الطلق يعانون من مستويات أعلى من القلق والتوتر، مقارنةً بالأطفال الذين يعيشون في البيئات الريفية ويخرجون للعب في الطبيعة. وقد طور هؤلاء قدراً أكبر من المرونة في مواجهة الشدائد، مما ساعدهم على التعامل بشكل أفضل مع المشكلات.

وهذا يعني أن الأطفال يحتاجون إلى وقت للعب، ولكنها ليست تلك الألعاب التكنولوجية التي يقدمها الكبار لهم، بل هي الألعاب المجانية التي يمكنهم من خلالها إطلاق العنان لخيالهم وأنشطتهم في الطبيعة. يمارس الأطفال خلال هذا النوع من الألعاب اليقظة الذهنية لأنهم يستمتعون تماماً بالحاضر. إن لحظات اللعب الحر لا تساعدهم على التعلم فحسب، بل تساعدهم أيضاً على الاسترخاء وتحفيز الإبداع وتسمح لهم بتطوير التنظيم الذاتي والمهارات والصفات الأساسية لسلامتهم العاطفية التي ستؤدي في النهاية إلى تعزيز السعادة.

عالم الأطفال العاطفي

يعاني الأطفال من القلق والخوف، وتختلف مشاكلهم عن مشاكل الكبار، لكن هذا لا يعني أنها أقل أهمية. لذا عليك الحذر من التقليل من أهمية هموم الأطفال أو قلقهم أو حزنهم، فإذا فعلت ذلك فإنك تنقل لهم فكرة أن مخاوفهم غير صحيحة ولا قيمة لها. لذلك، إذا كنت ترغب في تربية الأطفال تربية صحيحة فمن الضروري أن تضع نفسك مكانهم وأن تكون قادراً على فهم تأثير كل تجربة على عالمهم العاطفي. وبهذه الطريقة، لن تختصر المسافات وتقوي العلاقة فحسب، بل ستكون أيضاً مستعداً بشكل أفضل لمساعدتهم عندما يحتاجون إليك.

لا يجب على الأطفال استكشاف العالم من حولهم فحسب، بل يجب عليهم أيضاً اكتشاف عالمهم الداخلي. ويجب أن يصبح الآباء مرشدين في تلك الرحلة. الخبر السار هو أن الذكاء العاطفي ليس قدرة فطرية ولكنه قدرة مكتسبة يمكن أن تبدأ في التطور في وقت مبكر جداً من الحياة.

لقد لوحظ أنه من عمر 2-5 سنوات، يبدأ الأطفال في فهم المشاعر مثل الخوف أو الإحباط أو خيبة الأمل. يمكن للوالدين اتخاذ الخطوات الأولى من خلال التعاطف مع مشاعر أطفالهم والتحقق منها، بدلاً من التقليل من شأنها. ومن المهم أيضاً مساعدتهم على تحديد مشاعرهم لأن الأطفال الصغار غالباً ما يفتقرون إلى المفردات اللازمة لتصنيف عالمهم العاطفي بشكل صحيح.

على سبيل المثال، إذا كان طفلك يبكي لأنه لا يستطيع الخروج للعب في الحديقة، فبدلاً من تجاهل إحباطه أو التقليل منه، يمكنك أن تقول: “أنا أفهم أنه من المخيب للآمال أن السماء تمطر، ولا يمكنك الخروج للعب”. بهذه الطريقة يمكنك التحقق من صحة ما يشعر به ومساعدته على فهمه. ومن ثم يمكنك أن تسأله عما يود أن يفعله ليشعر بالتحسن، مما يشجعه على القيام بدور فعال في إدارة عواطفه. الذكاء العاطفي لا يضمن السعادة، لكنه يساهم في تحقيق حالة من الصفاء والأمان التي نحتاجها جميعاً لنكون سعداء.

القواعد والحدود

المرونة والصرامة مع الطفل
من الضروري وضع القواعد التي لا تقيد حرية الطفل

الانضباط ضروري في كل البيوت. الهدف من الانضباط هو مساعدة الأطفال على اختيار السلوكيات المقبولة وتعلم ضبط النفس. وعندما تضع القواعد سيحاول الأطفال اختبارها، وهو أمر ضروري كي يصبحوا بالغين مسؤولين يتحملون عواقب أفعالهم. إن وضع القواعد في المنزل يساعد الأطفال على فهم توقعاتك وتطوير ضبط النفس. ويمكن أن تتضمن بعض القواعد، على سبيل المثال، عدم مشاهدة التلفاز حتى الانتهاء من الواجب المنزلي وعدم السماح بسلوكيات مثل الضرب أو الإهانات أو المضايقة المؤذية. وكي تتمكن من ضبط النظام، عليك بالتحذير أولاً ثم اتبعه بالعواقب، التي يمكن أن تكون فقدان الامتيازات كمشاهدة التلفاز مثلاً، وعلى قدر الخطأ يكون العقاب، فإذا كان الخطأ كبيراً يمكن أن يستمر العقاب لعدة أيام. لكن من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الآباء هي عدم متابعة تنفيذ العقاب، فلا يمكنك أن تعاقب طفلك بعدم مشاهدة التلفاز لمدة يومين، وتتجاهل العقاب في اليوم التالي. إن كونك متسقاً مع نفسك يعلمهم أن يكونوا مسؤولين.

يحتاج الأطفال إلى قواعد في حياتهم. تساعدهم القواعد على معرفة ما يمكنهم وما لا يمكنهم فعله وتعطي معنى لعالمهم. ومع ذلك، فإن الكثير من القواعد يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى اختناق الأطفال، وتقييد حقهم في التعبير عن أنفسهم بحرية والاستماع إلى آرائهم. وبالتالي، عليك أن تأخذ في الاعتبار آراء الأطفال واحتياجاتهم ورغباتهم. وهذا لا يعني إفساد أطفالك، بل تعليمهم الدفاع عن حقوقهم وإيصال فكرة أن جميع الآراء متساوية في الأهمية، حتى لو لم تكن على حق دائماً.

التشجيع على تحمل المسؤولية

إحدى طرق تعزيز احترام الأطفال لذاتهم هي السماح لهم بالمشاركة في بعض المهام والقرارات المنزلية. وبهذه الطريقة، فإنك تعزز أمنهم وثقتهم بأنفسهم، بينما تشجعهم على أن يكونوا أكثر استقلالية. فمن خلال إعطائه المسؤوليات منذ الصغر، فإنك تساعده على الثقة بقدراته وتكوين صورة أكثر واقعية عن نفسه. بديل ممتاز لتشجيعهم على تحمل المسؤولية هو تكليفهم بمهام يومية صغيرة في المنزل، مثل تنظيف الأطباق أو إطعام الحيوان الأليف أو إعداد كتبهم لليوم التالي، وبهذه الطريقة، سيبدأ الطفل في أن يكون أكثر وعياً بسلوكياته، وتحمل المسؤولية عن أفعاله.

الأشخاص الذين يشعرون بالامتنان لما لديهم وما يحدث في حياتهم يكونون أكثر سعادة ويشعرون بالرضا تجاه أنفسهم. لذلك، من المهم أن تعلم طفلك أن يقدر ويشعر بالامتنان للأشياء المادية وغير المادية التي يمتلكها، من ألعابه وكتبه إلى الكعك الذي تخبزه له جدته أو المساعدة التي يقدمها له إخوته. وبهذه الطريقة، سيتعلم أن يقدر كل ممتلكاته الثمينة وسيكبر ليصبح شخصاً بسيطاً ومتواضعاً.

تعزيز احترام الطفل لذاته

أفضل طرق تربية الأطفال
كيف تعزز احترام الطفل لذاته

يبدأ الأطفال في تطوير إحساسهم بذاتهم عندما يرون أنفسهم من خلال عيون والديهم. حيث يستوعب أطفالك نبرة صوتك ولغة جسدك وكل تعبيراتك. تؤثر كلماتك وأفعالك كوالد على تنمية احترامهم لذاتهم أكثر من أي شيء آخر. إن الثناء على الإنجازات، حتى الصغيرة منها، سيجعل الأطفال يشعرون بالفخر، والسماح لهم بالقيام بالأشياء بأنفسهم سيجعلهم يشعرون بالقدرة والقوة. وعلى العكس من ذلك، فإن التعليقات الساخرة أو المقارنات السلبية مع الأطفال الآخرين ستجعلهم يشعرون بأنهم لا قيمة لهم.

ينبغي عليك تجنب العبارات المتحيزة أو استخدام الكلمات الجارحة أو تعليقات مثل “كم أنت غبي!” أو “أنت تتصرف كالطفل أكثر من أخيك الصغير!”. هذه العبارات والتعليقات يمكن أن تسبب نفس الضرر الذي تسببه الضربات الجسدية. لذا اختر كلماتك بعناية وكن رحيماً. أخبر أطفالك أن كل الناس يخطئون وأنك مازلت تحبهم، حتى عندما لا توافق على سلوكهم.

ردود الفعل السلبية في تربية الأطفال

هل سبق لك أن فكرت كم مرة في اليوم كان لديك ردود فعل سلبية تجاه أطفالك؟ ربما تجد أنك تنتقدهم مرات عديدة أكثر مما تمدحهم. قل لي كيف سيكون شعورك إذا عاملك مديرك بهذه الطريقة السلبية، حتى لو كان ذلك بحسن نية؟ إن النهج الأكثر إيجابية هو التعرف على تصرفات الأطفال الجيدة: “لقد رتبت السرير دون أن أطلب منك ذلك، هذا رائع!” أو “كنت أشاهدك وأنت تلعب مع أختك وكنت صبوراً للغاية”. ستكون هذه التعليقات أكثر فعالية في تشجيع السلوك الجيد على المدى الطويل من التوبيخ المستمر.

تأكد من العثور على شيء يستحق الثناء كل يوم. كن كريماً في المكافآت. يمكن لحبك واحتضانك ومدحك أن يصنع العجائب وعادةً ما يكون مرضياً بدرجة كافية، وستجد قريباً أنك تقوم بتنمية المزيد من السلوكيات التي ترغب في رؤيتها.

كوالد، عليك مسؤولية تصحيح وتوجيه أطفالك. والطريقة التي تعبر بها عن توجيهاتك التصحيحية لها تأثير كبير على كيفية تلقي الطفل لها. فعندما يتعين عليك مواجهة طفلك، تجنب إلقاء اللوم أو الانتقاد أو محاولة العثور على خطأ؛ كل هذا يمكن أن يضعف احترام الذات لطفلك ويسبب الاستياء، لكن بدلاً من ذلك، ابذل جهداً لتعليم وتشجيع أطفالك، حتى عند تأديبهم. تأكد من أنهم يعرفون أنه على الرغم من أنك تريد وتأمل في الأفضل في المرة القادمة، فإن حبك غير مشروط.

الفشل جزء من الحياة

من الجيد أن تعترف بإنجازات الأطفال لأن ذلك يتيح لهم معرفة أنك فخور بهم ويشجعهم على الاستمرار. ولكن في الحياة لا نحقق دائماً ما خططنا للقيام به، ففي بعض الأحيان نفشل مهما حاولنا، ولا بأس في ذلك، فالفشل جزء من عملية التعلم. يعد التعامل مع الإحباط الناتج عن الفشل أيضاً جزءً من الحياة، وكلما أسرع الأطفال في تعلم هذا الدرس، كلما بدأوا في الشعور بالسعادة بشكل أسرع لأنهم سيتوقفون عن لوم أنفسهم على أخطائهم. إحدى الطرق لتعليمهم كيفية التعامل مع هذا النوع من المواقف هي التركيز على الجهد وليس الهدف، وتهنئتهم على الجهد الذي بذلوه في المهمة، حتى لو لم يتمكنوا من إكمالها.

أولوية التواصل في تربية الأطفال

لا تتوقع من الأطفال أن يفعلوا كل شيء لمجرد أنك كوالد “تقول ذلك”. إنهم يريدون التفسيرات تماماً مثل البالغين. وإذا لم نقضي وقتاً في الشرح، سيبدأ الأطفال في التشكيك في قيمنا ودوافعنا، وما إذا كانت مبررة أم لا. الآباء الذين يمارسون ذلك مع أطفالهم يسمحون لهم بالفهم والتعلم دون إصدار أحكام قيمية. كن واضحاً، إذا كانت هناك مشكلة، قم بوصفها وعبر عن مشاعرك، وادعو طفلك لإيجاد الحل معه. ولا تنس تقديم الاقتراحات وتقديم البدائل. وكن أيضاً على استعداد للاستماع إلى اقتراحات طفلك، وتناقش معه، واجعله يشارك في صنع القرار.

السعادة معدية

السعادة معدية. وهذا ما أكدته دراسة أجريت في جامعة كاليفورنيا، حيث وجد الباحثون، بعد دراسة أكثر من 5000 طفل أصبحوا بالغين لمدة 20 عاماً، أن أولئك الذين كانوا محاطين بأشخاص سعداء شعروا بسعادة أكبر مقارنة بأولئك الذين كانوا محاطين بأشخاص تعساء. لذلك، إذا كنت تريد تربية أطفال سعداء، فابدأ بالسعادة. انقل لهم تلك الطاقة الطيبة ومتعة الحياة وحساسية الاستمتاع بالتفاصيل الصغيرة وعلمهم أن يشعروا بالامتنان لكل ما لديهم في الحياة.

ربما يبدو الأمر أنانياً للبعض، لكن الحقيقة هي أنه لتربية أطفال سعداء، يحتاج الآباء أولاً إلى أن يكونوا سعداء. ولا يمكننا أن ننسى أنه خلال السنوات الأولى من الحياة، يطور الأطفال المهارات المعرفية والاجتماعية والعاطفية التي من شأنها وضع أسس صحتهم العقلية في وقت لاحق من الحياة، وللآباء والأمهات تأثير هائل في تلك المرحلة، وخاصةً في المجال العاطفي.

المراجع

1.    Author: James H Fowler and Nicholas A Christakis, (12/05/2008), Dynamic spread of happiness in a large social network: longitudinal analysis over 20 years in the Framingham Heart Study, www.bmj.com, Retrieved: 04/17/2024.

2.    Author: Katie A. McLaughlin, Margaret A. Sheridan, Florin Tibu, and Charles A. Nelson, (04/20/2015), Causal effects of the early caregiving environment on development of stress response systems in children, www.pnas.org, Retrieved: 04/17/2024.

3.    Author: Nancy M. Wells and Gary W. Evans, (05/11/2003), Nearby Nature: A Buffer of Life Stress among Rural Children, www.journals.sagepub.com, Retrieved: 04/17/2024.

4.    Author: Terrence Sanvictores and Magda D. Mendez, (09/18/2022), Types of Parenting Styles and Effects On Children, www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved: 04/17/2024.

 

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!