ماذا يعني التعاطف في علم النفس؟

You are currently viewing ماذا يعني التعاطف في علم النفس؟
مفهوم التعاطف في علم النفس

التعاطف في علم النفس هو مفهوم يولد الكثير من الارتباك. إننا نشير إليه ببساطة على كونه القدرة على وضع نفسك في مكان الآخر، ومعرفة ما يشعر به هذا الشخص أو حتى يفكر فيه. ومع ذلك لا نعرف إذا ما كنا نتمتع بهذه الصفة أم لا، ولا نعرف كيف نستخدم هذا التعاطف وفي أي موقف. في السطور التالية نناقش هذا المفهوم بالتفصيل، ونتعرف على كيفية تطوير التعاطف؟

ما هو التعاطف؟

التعاطف ليس غزيرة فطرية نولد بها، بل مهارة نكتسبها ونتعلمها. إنها بمثابة عضلة تحتاج إلى الاستخدام لتطويرها وتقويتها، لذلك لا تتوقع أن يسقط عليك التعاطف من السماء. من الضروري في البداية تحديد ماهية التعاطف. لكن عندما نواجه هذا المصطلح سرعان ما يصيبنا الكثير من الارتباك، لأن أحد الأخطاء الكبرى عند تعريفه هو وضع أنفسنا مكان الشخص الآخر. لا يمكننا أن نشير إلى هذا التعريف على أنه خطأ بالكامل، ولكنه بسيط لأقصى درجة. لذا دعونا في البداية نحاول تفكيك هذا التعريف.

إن التفكير في أنه يمكننا وضع أنفسنا في مكان شخص آخر حتى ولو كان من أقرب الأقرباء – شريك حياتك، الوالدين، الأصدقاء – ومهما كانت درجة معرفتك به هو أمر يحبطنا، لأن هذا في الواقع لا يمكن أن يتحقق. فأنت لم تختبر نفس الموقف، ولا تمتلك الخبرات التي يمتلكها الشخص الآخر، وليس لديك نفس القدرات. هذا بمثابة مقارنة التفاح بالموز، فلا يمكننا وضع هذا مكان ذاك لاختلافاتهما الشاسعة. لذا لا يمكن مقارنة تجربتك بتجربة شخص آخر، ومن الطبيعي ألا تشعر بنفس الشعور الذي يشعر به الآخر. التعاطف ليس ذلك.

يعني التعاطف في علم النفس إظهار أننا نفهم ما يشعر به الشخص الآخر، ونتقبل شعوره، ونعلمه أننا نفهمه، حتى لو لم نكن في موقف مشابه من قبل. ويشتمل التعاطف على استخدام الايماءات والقرب، والاستماع النشط، والتواصل اللفظي. ويشير علماء النفس إلى ضرورة الاستماع إلى القصص والتجارب والصراعات والمخاوف التي يختبرها الآخرون من أجل تقوية التعاطف لدى المرء. باختصار عليك أن تتفهم عدم ارتياح الآخر، وألمه، وغصبه، وما إلى ذلك.

اقرأ أيضًا: المشاعر السلبية: التعريف والأهمية والأنواع وكيفية التحكم فيها

التعاطف والنشأة

تعريف التعاطف
علاقة التعاطف بالنشأة

لكن التعاطف في علم النفس هو أكثر بكثير من مجرد معرفة ما يشعر به الشخص الآخر. فهو ينطوي على الاستجابة بطريقة مناسبة للعاطفة التي يشعر بها الشخص الآخر. هذا يعني، إذا أخبرك أحدهم أنه انفصل للتو عن شريكه وابتسمت وصرخت “هذا رائع!”، فأنت لا تقدم رداً متعاطفاً، ناهيك عن الرد الذي كان يتوقعه صديقك.

تبدأ قصة اكتساب التعاطف منذ الطفولة، فالأطفال تقلد سلوك الآباء. ومن هنا نجد أهمية أن ينشأ الأطفال في منزل تكون فيه مشاعر الآخرين مهمة. ويهتم فيه الآباء على الدوام بالحوار والمناقشة البناءة، واحترام الاختلافات في الرأي. يخرج من بيئة كهذه أشخاصاً يتمتعون بقدرات أكبر على التعاطف مع الآخرين. إن البيوت الي تُناقش فيها المشاعر بصراحة، سواء كانت مشاعر إيجابية أو سلبية، تخلف مساحة آمنة للأطفال لتعلم الحديث عن مشاعرهم والتعرف على مشاعر الآخرين. وعلى العكس من ذلك تلك البيوت التي يعاني فيها الآباء من الأنانية، ولا يتحدثون عما يمر به كل فرد من أفراد الأسرة، تخرج أشخاصاً يصدرون دوماً أحكاماً على سلوك الآخرين، ويتجاهلون المشاعر، مما يؤدي بهم إلى مزيد من عقد النقص.

اقرأ أيضًا: معلومات عن علم النفس للمبتدئين

التعاطف والرحمة

يرتبط التعاطف بالرحمة لأن التعاطف يدفع الإنسان إلى الشعور بألم الآخرين ومعاناتهم، وبالتالي يريد مساعدتهم، وهذا الأخير هو ما تعنيه الرحمة. فمن السهل على معظم الناس أن يكون لديهم رد فعل تعاطفي تجاه الأذى الجسدي الذي حدث لشخص آخر. على سبيل المثال، نعلم جميعاً شعور الألم الذي يصيبنا عندما نتعرض للاصطدام بزاوية الطاولة، ولأننا عانينا جميعاً من هذا الأمر نشعر بألم الشخص الذي نراه تعرض له، لكن مع ذلك يتفاعل بعض الناس مع هذا بالضحك. وبهذه الطريقة يبتعدون عن الاستجابة العاطفية.

يقول هيتشكوك:

“من السهل أن تضحك على شخص سقط في بالوعة، لكن إذا اقتربت ونظرت إليه ستجد رأسه قد شج ويعاني من نزيف من الدماء”.

هذا التعاطف عندما يكون الألم جسدياً، ولكن ماذا إذا كان الألم نفسياً أو عاطفياً؟ هنا قد يكون من الصعب معرفة ما يشعر به الشخص الآخر، ويتطلب درجة أعلى من الاهتمام والوعي.

اقرأ أيضًا: كيف يحررنا الصدق؟

عدم التعاطف

يمكن ملاحظة الافتقار إلى التعاطف من خلال ردود أفعال الآخرين. فعندما يركز الشخص في المقام الأول على نفسه، وعلى إشباع رغباته، وعلى راحته الشخصية، فإنه لا يهتم بما قد يشعر به الآخرون، وليس لديه استجابة تعاطفية تجاههم. ويأتي عدم التعاطف كذلك من النشأة والبيئة التي تربى فيها الطفل. ففي بعض الحالات نجد الأب الذي يستجيب بلا مبالاة لابنته الصغيرة وهي تعرض عليه بحماس أحدث رسوماتها. إنه غير مدرك لخيبة أمل الطفل تجاه هذا الأمر. هناك كذلك الزوج الذي يعود إلى المنزل متعباً ويجلس لمشاهدة التلفزيون وهو ينتظر زوجته حتى تعود من عملها، لتهتم بطهي الطعام، ورعاية الأطفال.

اقرأ أيضًا: هل يمكننا الوثوق في الحدس؟

أمثلة على إظهار التعاطف وعدم التعاطف

أمثلة على التعاطف
قصص عن التعاطف مع الآخرين

إن مشاهدة فيلم والشعور بحزن بطل الرواية هو مثال بسيط على كيف نشعر بالتعاطف. رؤية طفل يبكي عندما يفقد أمه يحرك مشاعرنا. كما أن رؤية امرأة عجوز محتاجة تجعلنا نشعر بالأسف والعجز. وبالمثل، فإن الاستماع إلى مشاكل شريكنا في العمل ومعرفة مدى تأثيرها عليها يسبب لنا أيضاً نوع من عدم الراحة، أو رؤية صديقنا يمر بطلاق مرير يترك معنوياتنا النفسية منخفضة. إننا نواجه كل يوم العديد من المواقف التي يمكن أن تختبر قدرتنا على التعاطف من عدمه.

على العكس من ذلك، لا يشعر الكثير من الناس بأي شيء ولا يتفاعلون عندما يرون أماً تحاول السيطرة على طفلين وهي تضعهما في السيارة جنباً إلى جنب مع الحقائب عند عودتها من السوق. قد يعرض الشخص الذي يتمتع بمستوى معتدل من التعاطف المساعدة في حمل الحقائب، لكن الكثير قد يمرون على هذا الموقف بلامبالاة، وربما يفكرون “أنها ليست مشكلتي”.

اقرأ أيضًا: نظرة على الصداقة الحقيقية

كيفية تطوير القدرة على التعاطف

كيف تطور التعاطف مع الآخرين
تعزيز التعاطف لدى الإنسان

إن الأشخاص الذين يتمتعون بقدرة أكبر على التعاطف لديهم قدرة أكبر على قراءة عقول الآخرين. فهم قادرون على الحصول على قدر كبير من المعلومات حول الشخص الآخر من لغته غير اللفظية، أو كلماته، أو نبرة صوته، أو وضعه، أو تعبيرات وجهه، إلخ. وبناءً على هذه المعلومات، يمكنهم معرفة ما يحدث بداخله وما يشعر به. علاوة على ذلك، ونظراً لأن المشاعر والعواطف غالباً ما تكون انعكاساً للفكر، فيمكنهم أيضاً استنتاج ما قد يفكر فيه هذا الشخص.

يمكن لأي شخص زيادة قدرته على التعاطف من خلال مراقبة الآخرين عن كثب أثناء التحدث إليهم. ومنحهم اهتمامه الكامل ومراقبة جميع الرسائل التي ينقلها ذلك الشخص. وبذل جهد لوضع نفسه في مكانهم و “قراءة” ما يشعرون به. فإذا كنت أثناء التحدث إلى شخص ما، أكثر وعياً بكلماتك الخاصة، وما ستقوله لاحقاً، وما هي المخاوف التي تدور في ذهنك، فستكون قدرتك على قراءة الشخص الآخر ستكون كبيرة. وهذه بعض النصائح التي يمكن تساعدك في تقوية التعاطف:

أصقل فضولك

إحدى الركائز العظيمة للتعاطف هي فهم أن كل شخص مختلف، وكذلك يختلف السياق الذي يحيط به. لذا فإن الأمر الضروري أن يكون لديك فضول للتعرف على شخصيات جديدة والتعمق في حياتهم، ويمكن أن أقدم لك عدة خيارات لفعل ذلك، لتختار منها ما يناسب ظروفك.

  • اقض بعض الوقت في التعرف على أشخاص أفضل لم تتعمق بهم. اسألهم عن حالهم، ليخبروك عن أنفسهم وكيف تبدو حياتهم (ما يقضون وقتهم في القيام به، وهواياتهم، وعملهم …).
  • تابع أشخاصاً من خلفيات غير خلفياتك على وسائل التواصل الاجتماعي واستمع إلى ما سيقولونه. قد لا توافق على ما يقولونه، وهنا يكمن السحر.
  • قم بزيارة أماكن جديدة، مطاعم مختلفة، سافر إلى مناطق لا تعرفها. لست مضطراً للذهاب بعيداً جداً، فبالتأكيد يمكنك اكتشاف المناطق المجهولة في مدينتك.

افحص تحيزاتك

كل الناس لديهم تحيزات وأفكار نمطية، لأنها تساعدنا على معالجة المعلومات بسرعة. ومع ذلك، يمكن أن يكون لهذا تأثير على التعاطف. ففي كثير من الأحيان نحكم – دون علم – على الآخرين بناءً على مظهرهم وثقافتهم وطريقة معيشتهم وعملهم وما إلى ذلك. حدد هذا التحيز وفكر فيه، وتذكر أن كل شخص مختلف، ولا تقع في فخ القفز إلى الاستنتاجات.

تعلم كيفية الاستماع

الاستماع ضروري عند تنمية التعاطف. أنا لا أشير إلى الاستماع السلبي الذي تقوم فيه بالعديد من الأشياء في وقت واحد، بل الاستماع النشط الذي تُظهر أنك منتبه وأنك مهتم بالموضوع المعني.

نحن ما نراه في المنزل. إذا كان آباؤنا أناساً متعاطفين ومستعدين لمساعدة الآخرين، فسنكون نحن أيضاً، وكذلك أطفالنا. هذه الأعمال التعاطفية الصغيرة تجاه الآخرين تُحدث فرقاً كبيراً في حياتهم، وبالتالي في حياتنا. يسمح لنا التعاطف بإثراء علاقاتنا وتحسينها من خلال جعل الآخر يشعر بأنه مسموع ومرئي ومفهوم، ومع الممارسة ستتمكن من تقوية هذه المهارة وترى نتائجها المذهلة.

 

اترك تعليقاً