من أين جاءت العلاقة بين الطعام والحب؟

You are currently viewing من أين جاءت العلاقة بين الطعام والحب؟
الطعام والحب علاقة أبدية

اختبر الكثير منا هذا الشعور، عندما نقع في الحب عادة ما نفقد شهيتنا، كما لو كنا لا نحتاج إلى الأكل. ففي تلك اللحظات تتسارع نبضات قلوبنا ونشعر بوخز معين في معدتنا. يقول عالم النفس فرويد: “الحاجتان الأساسيتان للإنسان هما الطعام والحب”. في العامية نعبر عن هذا الإحساس بأن هناك عصافير في معدتنا، ويأتي هذا الشعور من إفراز الجسم للأدرينالين والكورتيزول وهما هرمونات يفرزها الجسم لتشل عضلات المعدة من أجل تركيز كل الطاقة في مناطق أخرى من الجسم. لكن من أين جاءت العلاقة بين الحب والطعام؟ للإجابة على هذا السؤال دعونا نعود إلى البدايات.

رابطة غير مرئية

تبدأ علاقة الطعام والحب منذ الولادة، وتنشأ من خلال علاقة الطفل مع الأم. حيث يرتبط الطعام والحب ارتباطاً وثيقاً في الأيام الأولى من حياة الطفل، فهو يحتاج إلى الرضاعة وكذلك إلى حماية الأم ودفئها. والثدي هو الرابط الذي يوحدهما خلال الأيام الأولى من الحياة. ومع الوقت تتشكل رابطة غير مرئية تربطهما معاً مدى الحياة.

لكن ليس الحب كل شيء، لأن المعاناة والألم ينتقلان كذلك في تلك اللحظات الأولى، حيث تبدأ جميع المشاعر التي تشعر بها الأم مثل الوحدة أو الحزن أو الفرح أو الرضا في الانتقال إلى طفلها، سواء كانت الأم واعية بذلك أم لا. تنتقل هذه الانطباعات إلى عقل الطفل، ليولد جزء مهم من اللاوعي. هذا الفعل البسيط في الأشهر الأولى هو ما سيحدد لاحقاً الحياة المستقبلية للمولود.

تأتي العلاقة بين الحب والطعام من هذه الفترة، ويمكننا أن نستنتج أن هذا هو المكان الذي سينشأ فيه التوازن في تناول الطعام أو الشره للطعام أو الرفض للطعام. فإذا وجدنا أنفسنا نعاني من نقص الحب، نحاول تعويض هذا النقص من خلال تناول الطعام بشكل تدريجي. وإذا رأينا البعض يتناول الطعام بشراهة عندما يكون غاضباً أو متألماً فهي محاولة لملء هذا الفراغ الذي يشعرون به والذي يشير إلى نقص في حب نفسك.

اقرأ أيضًا: كيف نجعل حياتنا مريرة دون أن ندري؟

الشره المرضي وفقدان الشهية

العلاقة بين الطعام والحب
صورة رمزية للشره المرضي

إن الشره المرضي للطعام يخفي دائماً الحاجة إلى الحب والدفء والاهتمام. فعندما يبكي الطفل نميل إلى إسكاته في معظم الأحيان عن طريق إدخال شيء ما في فمه مثل الماء أو الحليب أو اللهاية. وفي نفس الوقت نحاول أن نمنحه الاهتمام والدفء من خلال المداعبات والعناق. تظل هذه الرسالة محفورة في أذهاننا حتى عندما نكبر. عندما نعاني من بعض المشكلات والصراعات نستحضر دون وعي ذلك الأمن والراحة التي نتصورها من خلال أفواهنا، ونلجأ إليها بطريقة غير صحية.

فقدان الشهية هو النقيض التام للشره المرضي للطعام، حيث يمنع التحكم في الطريقة التي ننظم بها حياتنا، ومكونه الرئيسي هو الهوس والحاجة المبالغ فيها للسيطرة. ومن هنا نشعر بفقدان الشهية للطعام إذا فقدنا السيطرة في مواقفنا المختلفة.

اقرأ أيضًا: قبول الذات: كيف تقبل نفسك في 10 خطوات؟

الطعام والعواطف

هناك رابط معقد للغاية بين الطعام والعواطف، فالعواطف هي المكونات الأساسية للحياة، نحن نشعر بالجوع فنأكل، نشعر بالعطش فنشرب، نشعر بالحزن فنبكي، نشعر بالسعادة.. وهكذا. لكن هل يمكن لهذه المشاعر أن تؤثر على نظامنا الغذائي؟

التنفس هو الرابط الأول بيننا وبين الحياة، والطعام ثانياً. إذا لم نتنفس ولم نأكل ونشرب فلن نبقى على قيد الحياة. فالطعام ليس مجرد طعام، بل هو أيضاً وسيلة نتلقى من خلالها الغذاء الأساسي لتنمية الصحة العقلية والعاطفية للإنسان.

منذ اليوم الأول الذي جئنا فيه إلى هذا العالم، بدأنا نشعر بالسعادة الأولى من خلال الطعام. وفي مواجهة الغضب أو الحزن أو البكاء، يظهر صدر الأم أو كوب الحليب. ترتبط حلاوة الحليب بالحنان والدفء، ويأتي بالراحة من القلق والتوتر الناجم عن الجوع، وتأتي الحماية والأمان والرضا والحب … نتعلم أن نحب أمنا باستخدام لغة للتواصل مع الحياة من خلال الارتباط بالطعام. “نتعلم أن نأكل ونتعلم أن نحب في نفس الوقت”.

اقرأ أيضًا: أفضل التوصيات للمحافظة على نمط حياة صحي ومثالي

ذكريات الطفولة

حب الطعام
ترتبط تفضيلات الطعام بذكريات الطفولة

اعتدنا في طفولتنا على ربط بعض الأطعمة بمشاعر معينة، ولهذا السبب هناك روائح ونكهات للطعام تعيد لنا ذكريات لا حصر لها. بعضها ممتع، والبعض الآخر ليس كذلك. وفي بعض الأحيان نبني تفضيلاتنا الغذائية أو نفورنا على عواطفنا في الماضي. على سبيل المثال، ربما ترتبط رائحة الخبز بالريف ذلك المكان الذي نشأنا فيه. وكل قضمة منه تعيدنا إلى حنان الجدة ومحبتها، والرابطة العاطفية التي كانت موجودة بيننا. وربما نكره الحليب ونشعر منه بالغثيان لأنه ارتبط في أذهاننا بتلك اللحظات السيئة التي كنا مجبرين فيها على الجلوس لفترة حتى ننتهي من شربه.

دعونا نضع أنفسنا أمام أي وجبة يتم إعدادها، سنجد بكل تأكيد رابطاً عميقاً بينها وبين مرحلة الطفولة سواء كنا نحبها أم لا. وحتى جلوسنا ونحن نشاهد فيلماً مع العائلة ونأكل الفشار والحلويات ونحتسي المشروبات الغازية. كل هذه الأمور تذكرنا بحب العائلة ودفئها في الماضي.

اقرأ أيضًا: لماذا نحب الطعام الحار؟ وما هي فوائده وأضراره؟

اضطرابات الأكل

يرتبط الطعام بتلك اللحظات التي نشعر فيها بالأمان، ومرافقة من نحب، لذا نلجأ إليه لملء الفراغ العاطفي والراحة والعثور على لحظات الأمان التي فقدناها. كما لو أن لهذا الطعام تأثيرات سحرية، أو يمتلك قوة خاصة كما كنا نعتقد في طفولتنا. في المواقف الصعبة أو البيئات المؤلمة يمكن للشخص تخدير نفسه من خلال البحث عن ملاذ بالطعام، وأي لحظة يشعر فيها المرء بالإحباط أو التوتر يرغب في تخفيف قلقه من خلال الأكل. لكنه من أجل القضاء على مخاوفه ومشكلاته يسقط في فخ تبني عادات غير صحية أو الوقوع ضحية لاضطرابات الأكل.

ومع ذلك، فإن هذه الاستجابة ليست هي نفسها في جميع الناس. حيث يمكن أن يكون الأمر بالعكس في بعض الحالات. ففي حين يمكن لشخص ما أن يأكل كثيراً عندما يكون حزيناً فإن البعض يفقد شهيته للطعام. هذه هي الطريقة التي تعمل بها أدمغتنا وترتبط بطفولتنا كما أشرنا. ومن هنا يأتي السؤال ماذا نفعل تجاه هذا الأمر؟ وكيف يمكن للآباء والأمهات مراقبة عادات الأكل للأبناء وتجنب الوقوع في تبني عادات غير صحية؟

اقرأ أيضًا: لماذا نحب استهلاك المواد المرعبة؟

الطعام وسيلة للمكافأة

عادات الأكل
سبب المشكلة

لنعود إلى سبب المشكلة كي نستطيع حلها، في البداية علينا أن ندرك جيداً أن الأطفال يقلدون ما يحيط بهم في بيئتهم. ويمكن بسهولة اكتساب عادات الأكل غير الصحية من الآباء أو الأمهات. لكننا نساهم بشكل أكبر في المشكلة من خلال جعل نظرتهم إلى الطعام وكأنها راحة ومكافأة. على سبيل المثال، إذا شعر الطفل بالممل نمنحه طعام، والطفل الذي يبكي ويزعجنا ولا نعرف كيف نهدئه نمنحه طعام، الطفل الذي يبذل مجهوداً في الدراسة ويحصل على درجات عالية نكافئه بالطعام. وهكذا ينظر الأطفال إلى الطعام وكأنه مكافأة ووسيلة للسعادة والراحة. ومن هنا تأتي العلاقة بين الطعام والحب.

اقرأ أيضًا: من أين جاءت فكرة الأكل بالأعواد الصينية؟

الطعام لن يحل مشاكلنا

يتساءل البعض كيف يمكننا تجنب استخدام الطعام لتهدئة أنفسنا ومكافأة أنفسنا إذا كنا نربط دون وعي مزاجنا والعديد من المواقف بالطعام؟

علينا أن ندرك أن الطعام يجلب المتعة ويخفف من التوتر والقلق، ولكنه لا يحل مشاكلنا، بل يهدئها مؤقتاً ويمكن أن يضر بصحنا بشكل كبير. من هنا يجب علينا أن نتعلم أن الطعام هو وسيلة لتغذية أجسامنا وليس بديل لشيء آخر. ولهذا يجب أن نبحث عن أنشطة ممتعة أخرى مثل القراءة والاستماع إلى الموسيقى والرقص والمشي والدردشة وسنخلق عادة صحية.

ولا يتعين علينا قمع رغبتنا في تناول الطعام من أجل المتعة، والاستمتاع بإعداد لذيذ ومشحون عاطفياً من وقت لآخر أمر صحي أيضًا. يمكننا أن نتعلم إقامة توازن بين العواطف والطعام، وفهم أن هذه القصة العاطفية التي استغرقت العمر لتتطور أو لا تزال تتطور، هي جزء مهم مما نفكر فيه ونشعر به ونفعله في حياتنا وأن كل شيء يرتبط ببعضه البعض. سيكون من الصعب قول ما إذا كان ما نعيشه ونشعر به في طفولتنا له علاقة بما نختاره ونفعله ونشعر به اليوم، لكن ما يمكننا قوله دون تردد هو أن اضطرابات الطعام تتحدث عن عالمنا العاطفي، وهي أعراض قد تحذرنا من وجود بعض الصراع الداخلي.

إن التوقف عن التفكير فيما يحدث لنا، وما نشعر به، ووضع الكلمات عليه، يمكن أن يكون مفيداً للغاية لأننا سوف نفهم ما الذي يحفز سلوك الأكل العاطفي ويمكننا البدء في اتخاذ الخطوات اللازمة للتوقف عن فعل ذلك. علينا القيام بتعديل الروتين الذي يمكن أن يكون ضاراً وتحسين عاداتنا الغذائية.

اقرأ أيضًا: أكل الحشرات: فوائد وأضرار أغرب عادات الطعام

في الختام لا يسعنا سوى القول بأن التخلص من عادات الأكل غير الصحية ليس بالأمر السهل، ولكن مجرد الرغبة في القيام بذلك يجعل ذلك ممكناً. ما علينا سوى حب أنفسنا ومحاولة ملء فراغنا العاطفي بالطريق السليم وليس عن طريق الأكل. علينا إشباع جوعنا الجسدي فقط عن طريق الطعام، وعلينا إشباع عواطفنا عن طريق الحب.

اترك تعليقاً