الطعام الحار بين الفوائد الصحية والمخاطر المحتملة
يختلف فن الطهو في جميع أركان العالم، لكن هناك ثقافات لا تخلو أطباق طعامها من التوابل. والكثير منا يحب وضع التوابل في طعامه، لكن هل تساءلت يوماً ما لماذا نحب التوابل الحارة؟ إنه ليس سؤالاً تافهاً، فالإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يحب تناول الأطعمة الحريفة. لكن لماذا؟ وهل هناك أضرار في تناول الفلفل الحار في الأطعمة؟ وما هي الفوائد الصحية للطعام الحار؟ في هذا المقال نحاول الإجابة على هذه الأسئلة بمزيد من التفصيل.
لماذا نحب الطعام الحار؟
تعد التوابل عنصراً أساسياً في العديد من الثقافات حول العالم، وهناك العديد من الفوائد المثبتة علمياً للطعام الحار. كما أن هناك حقيقة أخرى اكتشفها العلماء حول الطعام الحار؛ وهي أن البشر هم النوع الوحيد الذي يفضل هذا النوع من الطعام. ولكن لماذا طور البشر طعم التوابل؟ ولماذا نحبها حارة؟ يبدو أن الإجابة على هذه الأسئلة، وفقاً للعلماء، مرتبطة تماماً بالشخصية.
الطعام الحار والشخصية
أجرت جامعة بنسلفانيا دراسة علمية[1] حول هذا الموضوع، وأعلنت عنها في أحد الاجتماعات السنوية التي يعقدها معهد تقنيي الأغذية (IFT) في الولايات المتحدة، وتوصلت الدراسة إلى أن طعم التوابل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بشخصية كل فرد. فماذا كانت النتائج التي حصل عليها العلماء؟
ما اكتشفه هؤلاء الباحثون هو أن هناك علاقة مباشرة بين الشخصية وطعم التوابل. ووفقاً للدراسة، فإن الأفراد الذين أظهرت شخصيتهم ميلاً واضحاً للحداثة، ومشاعر قوية للمخاطرة والمغامرة، كانوا نفس الأشخاص الذين يفضلون وجود الفلفل الحار في طعامهم، وبجرعات كبيرة. أما الشخصيات الأكثر هدوءاً فتميل إلى رفض الأطعمة الغنية بالتوابل الحارة. وعند التجربة لم تستطع المجموعة الأخيرة من تحمل جرعات صغيرة من التوابل الحارة قبل الشعور بإحساس حارق وشديد في الفم.
المتعة والألم
استنتج العلماء إذن أن تفضيل التوابل الحارة يعتمد على شخصيتنا. ولكنهم مع ذلك، لم يجيبوا على السؤال الأهم، وهو: لماذا نحب الطعام الحار؟ فعلى الرغم من أنه أمر غريب في جوهره، إلا أننا نحب ذلك. فالطعام الحار يحرق أفواهنا، ونشكو منه، وفي بعض الأحيان نذرف بعض الدموع. ومع ذلك لا نزال نحب هذه النكهة. ولكي نعرف سبب حبنا هذا علينا أن نتعرف على ما يحدث لأجسامنا عندما نستهلك طعاماً حاراً[2].
بمجرد أن يتلامس لساننا مع الفلفل الحار، فإن أول ما نشعر به هو إحساس عميق بالحرقان الناتج عن الكابسيسين، وهو أحد المركبات التي يحتوي عليها الفلفل الحار. ولكي يجعل الدماغ هذا الألم الناتج أكثر احتمالاً يبدأ في إطلاق الإندورفين، وهو أحد هرمونات السعادة التي تساعد على تخفيف الألم. مما يجعلنا نشعر بمزيج غريب بين اللذة والألم. ولهذا السبب، يصبح الكثير من الناس مدمنين على التوابل الحارة، ويسعون إلى زيادة جرعات الفلفل الحار، لأنه كلما زاد حرق الفم والألم الذي يتصوره دماغنا، زادت كمية الإندورفين، وزاد معها مستوى المتعة واللذة التي نشعر بها. هل علمت الآن لماذا نحب الطعام الحار؟ لكن لا يزال هناك سبب آخر.
راحة عميقة
إن السبب الآخر الذي يجعل التوابل الحارة ممتعة للغاية بالنسبة لنا لا يعود إلى تلك المتعة التي نشعر بها نتيجة الإندورفين الذي يطلقه دماغنا، ولكن يعود أيضاً إلى الشعور بالارتياح الذي يعقب ذلك. ولكي نفهم هذا السبب سنستعرض مثالاً بسيطاً. تخيل أنك داخل سيارة تسير بأقصى سرعتها، وفجأة ترى سيارة أخرى تقترب في اتجاهك بأقصى سرعة أيضاً. يبدو الاصطدام وشيكاً، ولا توجد وسيلة لإيقاف السيارة، وما نشعر به حينها أننا على وشك الاصطدام والانهيار. ولكن في اللحظة الأخيرة تحيد السيارة الأخرى عن الطريق وتجنبنا الاصطدام، ونخرج بأمان وسلام. هذا يمنحنا راحة كبيرة، وارتياحاً يترجم إلى متعة.
إن تناول الأطعمة الحارة يشبه ذلك إلى حد ما بالنسبة لأدمغتنا. فمنذ اللحظة التي نتذوق فيها الطعام الحار، يفسر دماغنا أن شيئاً سيئاً يحدث. لذا فإن رد فعله الأول هو إطلاق الإندورفين، ولكن إذا كان الموقف يهدد حقاً، فلن يكون هذا أكثر من مجرد مسكن. ولحسن الحظ، نحن لسنا في خطر حقيقي، وعندما يدرك دماغنا ذلك، فإن ما نشعر به هو راحة عميقة تترجم إلى متعة. إنه أمر معقد، أليس كذلك؟ لكن الآن أنت تعرف لماذا نحب الأطعمة حارة.
الفوائد الصحية للطعام الحار
أظهرت العديد من الدراسات العلمية[3] أن التوابل والأطعمة الغنية بالتوابل تعزز عملية التمثيل الغذائي، وتنشط الدورة الدموية، وتحسن الحالة المزاجية، وتساعد في التحكم في مستويات السكر في الدم. لكن إذا كان لديك معدة حساسة، يجب عليك تناولها باعتدال. ومن أهم فوائد الطعام الحار كذلك ما يلي:
-
تحسين الدورة الدموية
تشير الدراسات العلمية إلى أن مادة الكابسيسين[4] تمنع التهاب الشرايين، وتحسن الدورة الدموية في الجسم، وبالتالي يمكن أن تمنع أمراض القلب والأوعية الدموية. فعندما نأكل الأطعمة الغنية بالتوابل الحارة، ترتفع درجة حرارة الجسم، ويزداد تدفق الدم ويصل إلى القلب بشكل أفضل. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي العديد من المواد الحارة على مستويات عالية من فيتامينات A و C التي تساعد على تقوية جدران الأوعية الدموية.
-
حرق السعرات الحرارية
إذا كنت بحاجة لانقاص الوزن يمكن أن تكون الأطعمة الغنية بالتوابل الحارة حليفك الرائع. حيث يساهم الكابسيسين بزيادة سرعة القلب، وعملية الأيض، مما يرفع درجة حرارة الجسم ويحرق السعرات الحرارية بشكل أسرع، بالإضافة إلى منحنا الشعور بالشبع.
-
مكافحة السرطان
أظهرت العديد من الدراسات أن الكابسيسين قادر أيضاً على الحد من نمو الخلايا السرطانية. وتشير الإحصائيات إلى أن البلدان ذات الأنظمة الغذائية الغنية بهذه المادة لديها معدلات منخفضة للغاية من بعض أنواع السرطان.
-
القضاء على نزلات البرد والأنفلونزا
يرفع الكابسيسين درجة حرارة الجسم، وبالتالي يساعد على التعرق، مما يؤدي إلى توازن درجة حرارة الجسم في حالة الإصابة بالأنفلونزا أو الزكام. كما أنه يساعد على فتح الممرات الأنفية وتحسين الاحتقان وحتى التهاب الشعب الهوائية والتهاب الجيوب الأنفية والربو.
-
تحفيز إفرازات المعدة
إن تناول الأطعمة الحارة بكميات معتدلة يمكن أن يساعد على الهضم. كما يعتبر الزنجبيل من الأطعمة التي تمنع الغثيان والقيء أثناء الحمل أو العلاج الكيميائي.
-
القضاء على الجراثيم
من فوائد الطعام الحار أنها تعمل كمطهر للقضاء على الجراثيم والميكروبات ومنع التسمم. وقبل وجود أنظمة التبريد، كان يتم إضافة الفلفل الحار إلى الطعام لتسهيل حفظه.
-
مسكن طبيعي
تثير مادة الكابسيسين الدماغ فتجعله يفرز هرمون الإندورفين الذي يعمل كمسكن للألم. كما تستخدم المادة نفسها في بعض الصيغ الدوائية في أمراض مثل الصدفية والتهاب المفاصل الروماتويدي أو الألم العصبي.
العواقب السلبية للاستهلاك المفرط
إذا كنا نتحدث عن فوائد الطعام الحار في تحسين الهضم وعلاج بعض أمراض المعدة، فيجب تجنب التوابل إذا كنت تعاني من قرحة في المعدة أو غيرها من أمراض الجهاز الهضمي، حيث أن سوء استخدام هذه التوابل قد يسبب بعض التهيج. وبالمثل ، يجب تجنب الأطعمة الغنية بالتوابل الحارة في حالة حدوث نزيف أو أمراض الكبد أو أمراض المسالك البولية.
يمكن أن يؤدي الاستهلاك المفرط للأطعمة الحارة إلى تلف الغشاء المخاطي المعدي المعوي لأي شخص، مما يسبب الغثيان والقيء وآلام البطن والقرحة والإسهال والبواسير. وبالمثل، تربط بعض الدراسات بين الاستهلاك المفرط والمطول للكابسيسين وسرطان المعدة. وبالتالي، فإن استهلاك الأطعمة الحارة ممنوع على الأشخاص الذين يعانون من الأمراض التالية:
- قرحة المعدة والأمعاء.
- التهاب المعدة.
- متلازمة القولون المتهيّج.
- الارتجاع المعدي.
- البواسير.
- مشاكل في الكبد.
- النساء الحوامل أو المرضعات.
- الأطفال أقل من ست سنوات.
كيف تتخلص من الشعور الحارق؟
لا يمكن لكوب من الماء فعل أي شيء لمنع الشعور الحارق الناتج عن الكابسيسين، نظراً لان الكابسيسين غير قابل للذوبان في الماء. ولكن مع ذلك ينشأ إحساس عابر بالراحة عند شرب الماء، ولكنه تأثير وهمي سرعان ما يعود الشعور من جديد. أما الحل الأكثر فعالية هو الحليب من أصل حيواني، فهو يساعد على تقليل هذا الشعور بالحرقان الناتج عن بعض التوابل القوية.
خرافات حول الطعام الحار
هناك خرافة منتشرة مفاداها أن الطعام الحار يسبب البواسير، وهو من أضرار الطعام الحار. وهذا الأمر ليس صحيحاً. فإذا كان الشخص مصاباً بالبواسير، فعليه تجنب الأطعمة الغنية بالتوابل الحارة حتى لا تتفاقم حالته. لكن ليست التوابل الحارة نفسها هي التي تسبب البواسير.
هناك اعتقاد آخر هو أن من أضرار الطعام الحار أنه يسبب تقلصات لدى النساء الحوامل. ومع ذلك، لا توجد دراسات علمية تثبت ذلك. كما أنه ليس صحيحاً أن هناك علاقة بين استهلاك الأطعمة الغنية بالتوابل الحارة والولادات المبكرة. خرافة أخرى تقول أن التهاب المعدة ناتج عن أضرار الطعام الحار. والأمر في الواقع على العكس من ذلك. فأولئك الذين يستهلكون الفلفل الحار أو غيره من التوابل الحارة يحمون في الواقع الغشاء المخاطي في المعدة.
مراجع
[1] What is the link between personality and food behavior?
[2] Personality factors predict spicy food liking and intake.
[3] Consumption of spicy foods and total and cause specific mortality: population based cohort study.
[4] A review of the effects of Capsicum annuum L. and its constituent, capsaicin, in metabolic syndrome.