المعنى الحقيقي لأسطورة القرود الثلاثة الحكيمة

You are currently viewing المعنى الحقيقي لأسطورة القرود الثلاثة الحكيمة
تحليل أسطورة القردة الثلاثة الحكيمة

تمتلىء أساطير وقصص الثقافات القديمة بالعبر والحكم التي لا تزال صالحة حتى عصرنا الحالي. ويرتبط شكل القرود الثلاثة الحكيمة بفكرة أنه من الأفضل ألا ترى أو تسمع أو تتكلم بالشرور. لكن هذا التفسير الشائع يختلف عن معنى رمزية هذه القصة في الأساطير الصينية. في السطور التالية نخوض معاً رحلة للتعرف على المعنى الحقيقي الذي ترمز له قصة القرود الثلاثة الحكيمة.

قصة القردة الثلاثة الحكيمة

تعود أصول أسطورة القردة الثلاثة الحكيمة إلى الأساطير الصينية القديمة. وهم ثلاثة قردة الأول يدعى ميزارو وهو قرد يغطي عينيه كي لا يرى، والثاني يدعى كيكازارو وهو قرد يغطي أذنيه كي لا يسمع، والثالث يدعى إيوازارو وهو قرد يغطي فمه كي لا يتكلم.

تبدأ القصة بإرسال الآلهة لهذه القرود الثلاثة إلى البشر كمراقبين ورسل بين عالم الآلهة والعالم البشري. وكان الهدف هو أخذ شهادة عن أفعال البشر السيئة لإخبارها فيما بعد لآلهة الأساطير الصينية. ورغم أن القردة الثلاثة مرسلون من قبل الآلهة إلا أنهم كانوا يعانون من نقص. فلقد خلقتهم الآلهة بواسطة تعويذة سحرية أعطت كل واحد منهم ميزتين وعيباً واحداً.

كان كيكازارو القرد الأصم، مسؤولاً عن مراقبة البشر، وهو الذي ينقل ملاحظاته إلى ميزارو القرد الأعمى، الذي ينقلها بدوره إلى إيوازارو القرد الأخرس. وعلى الرغم من أن إيوازارو لم يستطع التحدث، إلا أنه كان بإمكانه التواصل مع الآلهة، وبالتالي كان مسؤولاً عن تنفيذ العقوبات التي أرسلتها الآلهة إلى البشر بسبب أفعالهم السيئة.


تعاليم الأسطورة

استخلصت تعاليم واستنتاجات مختلفة من أسطورة القردة الثلاثة الحكيمة على مدار الوقت. ومن أكثرها شيوعاً أنه لا ينبغي للإنسان أن يستمع إلى ما يدفعه لارتكاب أفعال سيئة، ولا يرى الأفعال السيئة على أنها شيء طبيعي، ولا يتكلم بدون أساس. باختصار، تدعونا الأسطورة إلى الحفاظ على أرواحنا نظيفة من الانحرافات. ولكن على الرغم من أن هذا التفسير هو الأكثر انتشاراً، إلا أن أسطورة القردة الثلاثة الحكيمة تذهب إلى أبعد من ذلك في معناها الأصلي. حيث يؤكد الكثير أن تعاليمها قريبة من المبادئ المذكورة في قانون سانتاي الفلسفي والأخلاقي الصيني.

اقرأ أيضًا: القصة الكاملة لأسطورة هرقل اليونانية

قانون سانتاي الفلسفي

أسطورة القردة الثلاثة الحكيمة
رمزية أسطورة القردة الثلاثة الحكيمة

لم يكن قانون سانتاي الفلسفي الصيني يدعو الناس إلى نقاء الروح، بل إلى عيش الحياة بسلام وسكينة واسترخاء. وهو أمر مشابه لما اقترحته الفلسفة الرواقية في اليونان القديمة. ومع ذلك فإن هذا القانون ليس مطابقاً تماماً للفلسفة الرواقية. حيث أن سانتاي هي مدونة لقواعد السلوك التي توصي بحكمة عدم رؤية أو سماع الظلم ولا التعبير عن الاستياء، لأن هذه المشاعر السلبية ستظل معك طوال يومك، مما تجعله سيئاً. ومن هذا المنظور كان لأسطورة القردة الثلاثة الحكيمة دوراً كبيراً في استرضاء الناس والدعوة إلى الهدوء بعيداً عن القيل والقال.

من ناحية أخرى، هناك من يقترح أن القرود الثلاثة الحكيمة يمكن أن تكون تمثيلاً للوجوه الثلاثة للإله الياباني القديم فاجرا. وعلى الرغم من أن أصل هذه الأسطورة صيني، إلا أن الحقيقة هي أنها أصبحت شائعة في اليابان. حيث اكتسبت معنى جديداً. ومع ذلك، غالباً ما يرفض الخبراء هذه الفكرة، لأن هذه الأسطورة لا يمكن أن تكون قد نشأت في الصين وهي تفكر في الآلهة اليابانية.

اقرأ أيضًا: أشهر الخرافات في العالم وأصولها الغريبة

تشبيه المرشحات السقراطية

على الرغم من عدم وجود تفسير نهائي لأسطورة القردة الثلاثة الحكيمة، فقد استفاد الكثير بمرور الوقت من هذه الأسطورة لعمل تشبيهات أو مقارنات مع التعاليم الأخرى للثقافة الغربية. ومن هذا المنظور يمكننا أن نشير إلى واحدة من أقوى التشابهات مع الأسطورة المذكورة وهي مبادئ المرشحات السقراطية. والمرشحات السقراطية عبارة سلسلة من الإرشادات التي اقترحها سقراط – وفقاً لأفلاطون – من أجل التعايش الجيد في المجتمع أو على الأقل توخي الحذر عند التحدث. يحكي أفلاطون هذه الحكاية عن سقراط. حيث يقول:

اقترب طالب من سقراط في أحد الأيام ليحاول إخباره ببعض الشائعات التي سمعها بعد أن صدمته تماماً. رفض سقراط الاستماع لمثل هذه الشائعات في البداية. ولما رأى إصرار الطالب على إخباره بها، سأله سقراط عن ثلاثة أشياء أصبحت بمرور الوقت المرشحات السقراطية:

كان السؤال الأول الذي طرحه سقراط على تلميذه هو ما إذا كان ما سيقوله له صحيحاً: “هذا الشيء الذي ستخبرني به حقيقي؟ أي هل تعرف بكل تأكيد ما إذا كان هذا صحيحاً؟ يُعرف هذا باسم مرشح الحقيقة.

أما السؤال الثاني الذي طرحه سقراط هو ما إذا كان ما سيقوله له تلميذه خيراً أم شراً: “هل ما ستخبرني به خير؟” يُعرف هذا بمرشح الخير.

أخيراً، سأل سقراط تلميذه عما إذا كان ما سيقوله له مفيداً أو ضرورياً بأي شكل من الأشكال: “هل ما ستخبرني به مفيداً أو ضرورياً بأي شكل من الأشكال؟” يُعرف هذا بمرشح الضرورة.

طرح سقراط هذه المرشحات الثلاثة للتأكد من أن ما سيقوله له تلميذه مهم حقاً. ووفقاً للفيلسوف، فهي مرشحات يجب أن نأخذها جميعاً في الاعتبار قبل التعبير عن أنفسنا. وكما ترى، هناك تشابه واضح بين ما اقترحه الفيلسوف اليوناني وأحد أكثر المعاني شيوعاً المنسوبة إلى أسطورة القردة الثلاثة الحكيمة.

اترك تعليقاً