أسلوب حياةفلسفة

تأملات عن النميمة: ما وراء جلسة القيل والقال

يوصي الحكماء بأن نتجنب النميمة من أجل حياة هادئة وسعيدة، فالتحدث بشكل سيء عن الآخرين يلوث تفكيرنا ويغذي المشاعر السيئة، كما يتناقض مع الحب والتعاطف مع الآخرين. ولا تؤدي النميمة إلا إلى توسيع المسافات وتعميق الخلافات. إنها تقوض كرامتنا وتجعلنا أسوأ، وتدعونا إلى التشكيك في مدى استحقاقنا للثقة؛ فمن اغتاب غيرك في حضرتك، ثرثر في عيوبك مع غيرك. كل هذا صحيح. ولكن هل يمكننا حقًا التوقف عن النميمة؟

التضامن غير المتوقع

أليس صحيحًا أن النميمة غالبًا ما تساعدنا على التغلب على الإحباط؟ أليست وسيلة تساعد على جعلنا لا نُطاق في بعض الأحيان؟ ألا تعزينا في مواجهة الكرب أو الغضب الذي نتحمله في صمت؟ والأكثر من ذلك: ألا تعمل النميمة على خلق تضامن غير متوقع بين ضحايا الطاغية أو الشخص المزعج؟ ومن خلال مشاركة أحكامنا، ألا نتمكن على الأقل من تحديدها وإعادة تأكيدها؟

هناك العديد من الأشخاص لديهم قدرة كبيرة على التسبب في أذى الآخرين، وتحويل حياتهم إلى جحيم مستعرة، وهناك آخرون لا يشغلهم سوى التسبب في إزعاج غيرهم، ووضع العقبات، وهم موجودون داخل كل مجموعة أو جماعة اجتماعية. أليست النميمة هي مشاركة رفض هؤلاء، للتخفيف من وطأة أذيتهم إذا لم نستطع مواجهتهم؟

وظيفة النميمة

النميمة والشر
النميمة والغيبة

تؤدي النميمة وظيفة هامة، ومن المحتمل أننا لا نستطع تجنبها على الأقل بشكل كامل ودائمًا، لأنها جزء من العيش داخل المجتمع. فمنذ اللحظة التي لا نستطع فيها قول كل شيء علانية، نشعر بالحاجة إلى قول ذلك، بصوت هامس. ويشير الواقع إلى أننا لا يمكننا التعبير عن كل شيء بشكل مباشر، وذلك لأن مثل هذا التعبير قد يكون مكشوفًا للغاية، أو غير مناسب، أو ربما نكون مخطئين. هذا مع العلم أن إظهار الاختلاف لا يحظى دائمًا باستقبال جيد؛ فالكثير سيعتبرونه هجومًا عليهم، كما أن وضع جميع أوراقنا على الطاولة يجعلنا عرضة للخطر. هناك قوة الآخر الذي يستطيع أن ينقلب علينا إذا اعتبرنا أعداء. لذا نضطر إلى الاختباء وراء بعض الأكاذيب في كثير من الأحيان. قد تجعلنا الحقيقة أحرارًا، لكن كوننا أحرارًا ليس دائمًا هو ما يفيدنا؛ يمكن أن تكون الحرية ترفًا لا يمكننا تحمله. وممارسة الحرية لا تساعدنا دائمًا على العيش في سلام.

النميمة والاستياء والحسد

لماذا نغتاب الناس
أسباب النميمة والغيبة

لا يمكننا أن نكون مع النميمة، ولا يمكن أن نكون أصدقاء الأكاذيب أو الاستياء أو الحسد. كلهم يسمموننا، ويدمرون علاقاتنا، ويتعارضون مع الحب والكرامة التي تدعو إليها الأخلاق الكريمة. لذا علينا رفضهم جميعًا، ولكن قبل ذلك علينا أن نفهمهم. يجب أن نفهم أن كل منهم يؤدي وظيفة، وأنه حتى في هذا المستنقع يمكن للمرء أن يجد الدعم والملجأ، وأنه لا يوجد صلاح حقيقي لم يتم تلطيفه بالانحدار إلى الجحيم. الاستياء، حتى لو جعلنا نعاني، يمكن أن يساعدنا في الإصرار على الدفاع عن أنفسنا ضد أولئك الذين يسحقوننا. يدفعنا الحسد إلى الأمام عندما نعتقد أننا قد تخلفنا عن الركب. وفي النميمة قد نجد قوة التضامن للدفاع عن أنفسنا عندما لا نجرؤ على ذلك بعد.

لكن التحدث من وراء ظهرك هو أمر جبان ولئيم، ولا شك أن الشجاعة والثبات قيم رائعة؛ ومن ناحية أخرى، فإن الكذب، والاختباء، والنميمة، كلها أمور كريهة. هذه هي الطريقة التي يجب أن ننظر إليها في المشروع الأخلاقي الخاص بكل منا، فبعد جلسة القيل والقال، يشعر المرء بالتعب والقذارة، لكن من ناحية أخرى يساعدنا الهمس على الشعور بتضامن الآخرين، فربما شككنا في أننا كنا على حق، وقد حررتنا مشاركة شكوكنا من بعض عدم اليقين؛ وربما اكتشاف أننا لسنا وحدنا يخفف من شعورنا بالذنب. أو ربما كنا ببساطة بحاجة إلى التحدث إلى شخص ما حتى نتوقف عن التحدث مع شياطيننا. تخفف النميمة في بعض الأحيان من أثقال الحياة اليومية التي يمكن أن تغرقنا، لكن علينا أن ندفع ثمن هذه القذارة، وذلك بالوعي أننا لم نتصرف بشكل جيد، وأننا قضينا على ذلك الضوء، وقتلنا الشفافية وإمكانية الحب.

مستنقع من العفن

أعتقد أن القيل والقال في حد ذاته لا يهم كثيرًا. ما يهم هو ما يتم فعله بعد ذلك مباشرة وما بعد ذلك بقليل. ومن الأفضل ألا نمارسها بشكل متكرر حتى لا تصبح طريقة للحياة؛ فالنميمة تتحرك في مستنقع من العفن، وسرعان ما سيختلط عليك الأمر، وحينها ستجد من الصعب أن تكون مصدرًا للثقة أو التعاطف أو الإعجاب. الثرثار – مثل الحسود والمستاء – كائن غارق في عجزه، كائن يبدو ضعيفًا وهشًا، ولا يتوقع منه النبل أو الشجاعة أو الإخلاص. يمكن للنقد أن يكون خلاقاً إذا أعقبه جهد لإيجاد بديل.

عندما تصبح النميمة عادة، ستكون مثل الوحل الذي لا يمكن الخروج منه للقيام بشيء آخر. ولهذا السبب، يجب أن يأتي الوقت الذي نوقف فيه ذلك، ونسكته، ونرفضه. ربما حان الوقت لصنع السلام، وإعادة بناء التعاطف، والتفكير بشكل إيجابي، فإما أن تتغلب على القيل والقال وإما أن تغرق فيه.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!