غموض

نقار الخشب: معلومات مذهلة عن نجار الغابات

طائر نقار الخشب أحد أغرب الطيور الموجودة في الكون. ولطالما تعجب الإنسان من قدرته ومثابرته الطويلة على نقر أخشاب الأشجار بلا كلل أو ملل. ولهذا السبب يُطلق على هذه الطيور اسم “نجارين الغابات”. في هذا المقال نستعرض سوياً بعض المعلومات العجيبة والغريبة عن هذا الطائر العجيب.

شكل طائر نقار الخشب

معلومات عن نقار الخشب
وصف نقار الخشب

نقار الخشب هو طائر مميز بشكل لافت للنظر، يبلغ طوله 25 سم من المنقار إلى طرف الذيل، ويزن ما بين 74 إلى 95 جراماً. وهو في حجم الغراب تقريباً. لكن أهم ما يميز هذا الطائر هو ريشه الملون باللون الأسود والأبيض والأحمر، ومنقاره الحاد والقوي الذي يستخدمه لنقر الأشجار. كما يمتلك مخالب مدببة ومنحنية موجودة على أقدامه، تمكنه من تسلق جذوع الأشجار بسهولة. يتمتع كذلك بميزة خاصة أخرى، وهي أن جلده سميك بشكل غير عادي، وهذا ما يحميه من لدغات الحشرات التي تعتبر فرائسه المفضلة.

الأقدام والمخالب

يختلف طائر نقار الخشب عن غيره من الطيور في العديد من الصفات والخصائص التي يتميز بها وحده. فإذا نظرنا إلى الطيور على اختلاف أنواعها نجد أن معظمها يمتلك أقدام تحتوي على ثلاثة أصابع أمامية متوسطة الطول، وإصبع خلفي صغير. أما طائر نقار الخشب فإن قدمه تحتوي على أربعة أصابع كبيرة وقوية اثنين منهما أماميين واثنين خلفيين، وذلك نظراً لارتباط حياته بالقدرة على الإمساك بالأشجار بقوة. هذا بالإضافة إلى أن نهايات ريش الذنب مدببة الطرف وصلبة جداً إلى درجة أن هذا الطائر يمكنه الاتكاء على الشجرة بواسطة ذلك الريش.

منقار نقار الخشب الصلب

أين يعيش نقار الخشب
شكل منقار نقار الخشب ولسانه

أما أهم ما يميز هذا الطائر كما هو واضح من اسمه فهو المنقار، حيث يمتلك منقاراً شديد الصلابة يُطلق عليه “منقار الإزميل” وهو قوي جداً ومدبب. الجزء العلوي منه أطول قليلاً من الجزء السفلي وذلك لحمايته. ويستخدم نقار الخشب منقاره في تفتيت خشب الأشجار إلى جزيئات صغيرة تتناثر في الهواء أثناء نقره إياها بقوة وسرعة للوصول إلى إحدى اليرقات المختبئة.

ربما شاهد كثير منا هذا الطائر الذي يعمل بلا كلل أو ملل في النقر على الأشجار. وهو ما جعلنا نعتقد أن هذا الطائر ربما جن جنونه أو أصابه الخبل. وقد يظن البعض أن نقار الخشب ربما يصاب بصداع مميت أو يتهشم رأسه نتيجة لما يفعله. إلا أن هذا الأمر لا يحدث، بل وعلى الرغم من قوة ضرباته على الأشجار لا يصيبه أي أذى. فما الذي يحمي هذا الطائر وجسمه، ونحن نعلم أن متوسط عدد الضربات المتتالية التي يوجهها هذا الطائر إلى خشب الأشجار حوالي 16 ضربة في الثانية الواحدة. وهو ما يعني أن رأسه يتحرك بسرعة تصل إلى حوالي 2100 كم/ ساعة. وهذه السرعة تفوق ضعف سرعة انطلاق الرصاصة تقريباً. هذا ما سنتعرف عليه من خلال مناقشة خصائصه الفريدة.

جمجمة نقار الخشب

يتمتع نجار الغابات بعدد من وسائل الوقاية الفريدة في جسمه. حيث أن تصميم جسم هذا الطائر العجيب يتميز بالكثير من الخصائص التي تحميه من الصدمات العنيفة خلال نقره للأشجار. ومن هذه الخصائص أن جمجمته تتميز بإطار عظمي شديد الصلابة. هذا بالإضافة إلى أن الترتيب المحكم لعضلات عنقه ساهم في جعل رأسه ومنقاره يتحركان في خط مستقيم دون انحراف. بينما يساعد العنق على امتصاص الصدمات. وبدون هذه الخصائص الفريدة الموجودة في عضلات عنق طائر نقار الخشب لتمزق مخ هذا الطائر[1].

لسان نقار الخشب

أما الخاصية الأخرى التي يتميز بها طائر نقار الخشب فهي لسانه. حيث يمتلك لسان ذو طرف حاد شديد الصلابة ومزود بأشواك صغيرة تتجه للخلف. بينما يستطيع إخراجه بسهولة خارج منقاره بعد انتهائه من نقر الخشب الموصل إلى اليرقة. فيلتقطها به ويدفع بها إلى داخل فمه ثم يثني لسانه إلى الداخل ويدفع بها مرة أخرى إلى البلعوم.

أين يعيش نقار الخشب؟

سلوك الطيور
يعيش نجار الغابات في أي مكان توجد به الأشجار

يعيش نقار الخشب في أي مكان توجد فيه الأشجار؛ سواء في الغابات والمتنزهات أو في البلدات أو الحدائق الغنية بالأشجار. حيث تعتبر الأشجار موطناً للعديد من الحشرات، التي تعتبر غذائه المفضل. لذا نجد أن طيور نقار الخشب تنتشر في جميع أنحاء العالم، فهي توجد شمال أفريقيا وأجزاء من آسيا وفي أوروبا كذلك. وكلما زاد عدد الأخشاب القديمة أو الميتة في المنطقة، كلما زاد عدد طيور نقار الخشب الذين يفضلون الاستقرار هناك.

لا يتفق علماء الأحياء على عدد أنواع نقار الخشب الموجودة في جميع أنحاء العالم، إلا أن عددها يتراوح ما بين 12 إلى 25 نوعاً تتوزع في مناطق مختلفة، من جزر الكناري عبر شمال أفريقيا وكل أوروبا إلى آسيا الصغرى وأجزاء من آسيا. وتتنوع هذه الأنواع ما بين نقار الخشب ذو الظهر الأبيض، ونقار الخشب ثلاثي الأصابع، ونقار الخشب المخطط الصدر، وأحمر الصدر، وذو التاج البني، ونقار الخشب الأسود والأخضر[2].

ماذا يأكل طائر نقار الخشب؟

معلومات عن نقار الخشب
يتغذى نقار الخشب على يرقات الخنافس والنمل

يعد هذا الطائر من الطيور المشهورة بشراهتها للطعام. حيث يمكنه التهام أكثر من 900 يرقة من يرقات الخنافس أو تناول أكثر من ألف نملة في الوجبة الواحدة. وربما ما يفعله طائر نقار الخشب بالأشجار من أجل الحصول على طعامه من يرقات الحشرات أو النمل يساهم بشكل أو بأخر في تحقيق التوازن الطبيعي بين الكائنات الحية. فهذه اليرقات والحشرات الموجودة داخل لحاء الأشجار تقوم بإتلاف الأشجار – هذا بغض النظر عما يساهم به الإنسان في دمار الطبيعة – لذا فإن هذه الطيور تقدم أعمال جليلة للبشرية.

يتغذى نقار الخشب كذلك على الفراشات والدبابير والنحل، وبذور الصنوبريات والجوز والمكسرات والتوت وأيضاً فاكهة الأشجار. وعندما يحصل نقار الخشب على بعض الفاكهة ذات القشرة الصلبة فهو يقوم بتثبيتها في ثقوب الأشجار أو شقوق الصخور أو الجدران. وبهذه الطريقة يمكنه الوصول إلى المكونات الصالحة للأكل بمنقاره.

تحديد أماكن تواجد اليرقات

حار الكثير من المراقبين في الإجابة على سؤال: كيف يعلم طائر نقار الخشب أماكن تواجد اليرقات والحشرات الموجودة على بعد عدة سنتيمترات داخل جذوع الأشجار بدقة عجيبة؟ وقد اختلفت التفسيرات التي تفسر كيفية عمل هذا الطائر العجيب. ولسوف نتناول هنا عدد من هذه التفسيرات التي لا تعدو سوى احتمالات لا يقين بها[3].

التفسير الأول

أول هذه الاحتمالات أن طائر نقار الخشب يستطيع تحديد أماكن اليرقات عن طريق احساسه بالذبذبات الناتجة عن حركة اليرقات. لكن هذا التفسير غير مقنع، حيث أن هذا الطائر ينقر خشب الأشجار في الشتاء في الوقت الذي تكون فيه هذه اليرقات في البيات الشتوي. أي إنها لا تصدر أية حركات في ذلك الوقت. ولا تقوم بتحريك أجسامها.

التفسير الثاني

أما التفسير الثاني فيقول إن قدرة طائر نقار الخشب على تحديد أماكن فريسته تعود إلى تمتعه بأذنين حساستين تمكنانه من سماع اليرقة أثناء تحركها داخل الشجرة أو أثناء تناولها طعامها، واستدلوا على ذلك برؤيتهم له وقد توقف عن النقر والميل برأسه نحو الشجرة. وهذا التفسير كذلك غير مقنع ويشبه كثيراً التفسير الأول. فاليرقات خلال البيات الشتوي لا تحرك أجسامها مطلقاً. مما يؤدي إلى عدم معرفة الطائر بأماكنها.

التفسير الثالث

يشير التفسير الثالث إلى أن قدرة هذا الطائر على تحديد أماكن اليرقات والحشرات داخل جذوع الأشجار يعود إلى قدرته على تمييز الخشب المصمت من الخشب الأجوف الذي يوجد به فراغات تحتوي على فريسته. وذلك بملاحظة الأصوات الصادرة من الخشب الذي ينقره. كما قيل إن الطائر ربما يضع في اعتباره أن لون خشب الأشجار الذي تختبئ تحته اليرقات يختلف قليلاً عن لون باقي الأخشاب وهو يحدد من خلال ذلك المكان المراد بدقة متناهية. تعددت التفسيرات المختلفة بشأن هذا الأمر، ولم يصل علماء الطيور حتى الآن إلى السبب الحقيقي وراء معرفة نقار الخشب مكان تواجد هذه اليرقات.

بناء عش الزوجية

طيور غريبة
عش نجار الغابات فوق الأشجار

ومن عجائب هذا الطائر أيضاً هو بناءه لعشه. فهو يبني أعشاشه داخل الأشجار عن طريق النقر كذلك. كما إنه يمتاز بقدرة رهيبة على تشكيل الأخشاب في عشه الذي يحفره في الأشجار الجافة. وحينما ينتهي من بناء العش ينقر عدة نقرات بطريقة معينة ليدعوا بها زوجته لتطير إليه من أجل مشاهدة بيت الزوجية. وبالإضافة إلى بناء طائر نقار الخشب لعش الزوجية، فإنه يبني كذلك العديد من العشوش أو حفر مئات الثقوب الصغيرة في الأشجار من أجل تخزين بعض ثمار البلوط الذي يحب تناوله في الشتاء.

التكاثر والتزاوج

معلومات عن طائر نقار الخشب
نقار الخشب يطعم صغاره

يتقاتل ذكور نقار الخشب مع بعضهم البعض خلال موسم التزاوج من أجل الفوز بالأنثى، ويفتحون مناقيرهم على نطاق واسع ويرفعون ريش رؤوسهم. وبمجرد أن ينتصر أحد الذكور يتزاوج مع الأنثى، يبقى الاثنان معاً لموسم التكاثر[4]. ويقومان معاً بإنشاء تجويف تكاثر بعمق 30 إلى 50 سم بمناقيرهم. وبعد التزاوج تضع الأنثى من أربع إلى سبع بيضات بيضاء اللون. يقوم الذكور والإناث باحتضانها بالتناوب لمدة تتراوح من 11 إلى 13 يوماً.

يتم إطعام الصغار من قبل كلا الوالدين لمدة تتراوح من ثلاثة إلى أربعة أسابيع حتى يصبحوا مكتملي النمو ويقوموا بمحاولاتهم الأولى للطيران. وتصبح هذه الطيور ناضجة جنسياً في عمر سنة واحدة. ويمكن أن يعيش الطائر إلى ما يصل إلى ثماني سنوات.

الهروب من الخطر

تشكل الحيوانات المفترسة الصغيرة، وكذلك الطيور الجارحة مثل الصقور أو البوم البني وغيرها خطورة على طيور نقار الخشب. لكن يتمتع هذا الطائر بقدرات عقلية عجيبة. حيث يلجأ إلى إخفاء نفسه إذا شعر أن هناك خطر يهدده. ومن ثم يلصق نفسه بجذع الشجرة الذي يوجد عليه. فإذا شعر أن العدو يتبعه فإنه يحاوره بالاتجاه نحو اليمين تارة واليسار تارة أخرى واضعاً في اعتباره أن يكون هناك دائماً أحد الفروع التي تكون بمثابة عائق يفصل بينه وبين عدوه. ويستمر في ذلك حتى تحين اللحظة المناسبة فيطير بسرعة تقترب من 25 كيلو متراً في الساعة. ويضاعف سرعته إذا طارده صقر مثلاً.


على الرغم من روعة هذا الطائر العجيب، إلا أن العلم لم يصل حتى الآن إلى الإجابة عن الكثير من الأسئلة التي تتعلق بحياة هذا الطائر. هذه الأسئلة على غرار: كيف يستطيع هذا الطائر تحديد أماكن اليرقات داخل الأشجار؟ وكيف يستطيع الاستمرار في بذل هذا المجهود الشاق دون كلل من أجل الحصول على هذا الصيد المتواضع؟ وكيف يستطيع استخدام نقراته في ارسال رسائله إلى آخرين من فصيلته؟ وغيرها من الأسئلة التي لا تزال بلا إجابة.

المراجع

[1] Why Do Woodpeckers Resist Head Impact Injury: A Biomechanical Investigation.

[2] Woodpeckers: distribution, conservation, and research in a global perspective.

[3] Why do woodpeckers peck? New discovery about bird brains sheds light on intriguing question.

[4] Woodpeckers: Drumming up a Mate.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!