أسلوب حياة

قانون الجذب: وهم النجاح أم سر الحياة؟

هل يستجيب الكون لرغباتنا؟

هل سبق أن طلبت من الكون أن يستجيب لرغباتك؟ أن تناديه كأنما هو كائن سحري يحمل في طياته قانونًا خفيًا يُدعى “الجذب” يمنحك ما تريد إن عرفت كيف تطلبه؟ يبدو الأمر أشبه بحكاية قديمة، أبطالها نحن، وضحاياها كذلك.. يعد قانون الجذب بتحقيق الأمنيات، ليس عليك سوى أن تغمض عينيك وتتخيل مكانًا شاغرًا لسيارتك، ثم أفتحهما لتجد المكان أمامك، وكأنما تآمر الكون ليسمع نداءاتك.. يمكن أن يحدث ذلك في الواقع، بل والعديد من المرات، وهذه المرات المعدودة كفيلة لتغرس بداخلك وهمًا بديعًا.. أنت تملك مفتاحًا للتحكم في مصير عالمك!

ولكن كما هو الحال دائمًا لم تسر الأمور كما ينبغي لها في كل مرة، وهنا تقف حائرًا حين لا يتحقق ما تمنيته، وكأنما قرر الكون فجأة أن يصم أذنيه.. لحظات الفشل هذه كفيلة بإثارة الأسئلة، لكنها تُدفن سريعًا تحت تأثير لحظات النجاح العابرة.. مع الوقت تكتشف الحقيقة.. نحن نصنع معان لحياتنا بطرق تفوق الخيال، وتدرك حينها أن ما كنت تعتبره “جذبًا” لم يكن سوى انعكاس لحساسية عقولنا تجاه احتياجاتنا، وتركيزنا الشديد على ما نرغب فيه. المكان الذي وجدته لسيارتك لم يظهر من العدم؛ بل كان موجودًا، لكن عقلك كان أكثر انتباهًا..

في تلك اللحظة تتساءل: ماذا عن المال؟ النجاح؟ السعادة؟ هل حقًا يمكن للأفكار وحدها أن تستدعي هذه الأشياء؟ أم أنها تحتاج إلى عمل وجهد وإصرار؟

دعونا قبل البدء في تناول موضوع قانون الجذب نتحدث عن بعض الأمور الهامة..

فن التفكير

فن التفكير المنطقي
طريقة التفكير الفلسفي

كان هناك اعتقادًا سائدًا في أسبرطة القديمة مفاده أن ساحة المعركة تتلوث حين يجرؤ غير المدربين من الرجال على خوض القتال فيها. حيث تفقد المعارك حينها نقاءها، ودقتها، واستراتيجيتها، لتتحول إلى فوضى من الحركات العشوائية التي تفتقر إلى فن القتال الراقي، ذلك الفن الذي لا يقدّره إلا المحاربون الأكثر تدريبًا ومهارة. لكن هذا المفهوم، فكرة “تلويث الساحة” لا يقتصر على الحرب فقط، بل يمتد ليشمل جميع المجالات الأخرى، بما فيها الفلسفة..

هناك مَن يفتقر إلى الخبرة في فن التفكير. أن تفكر فلسفيًا، بل أن تمارس العقلانية ذاتها، هو في حد ذاته فن يتطلب مهارة معينة. وأصعب هذه المهارات وأكثرها أهمية هي أن تكون صادقًا بقدر لا يمكن احتماله..

عندما يكون المرء على وشك التفكير في شيء ما، فمن الممكن أن يقع بسهولة في كونه مدافعًا عن أعمق غرائزه؛ وهذا يحط من شأن البحث عن الحقائق، أو على الأقل يفسد الاستنتاجات التي تم التوصل إليها… خذ مثلًا الأشخاص الذين يخشون الموت؛ تجدهم غالبًا، حتى وهم يستخدمون العقل، يدافعون عن فكرة وجود “حياة بعد الموت“. والمظلومون ربما ينحازون إلى المساواة، في حين يوجه عشاق الحرية منطقهم نحو اللذات. ومن أكثر الأخطاء شيوعًا وصعوبةً في التصحيح، هو الميل إلى فرض الأخلاقيات على الظواهر..

هل الخير والشر حقائق مطلقة؟

قانون الجذب الفكري
نسبية الأخلاق

لنجرِ تمرينًا ذهنيًا: تخيل عزيزي القارئ، أنك تقف أمامي وجهًا لوجه. الآن، تخيّل أننا في اللحظة نفسها، شعرنا بدافع مشترك يشير إلى ضرورة الإشارة إلى اليمين. نفعل ذلك في الوقت ذاته، ولكن المفاجأة أن يميني ويمنيك يشيران إلى اتجاهين متعاكسين. هنا، يبرز السؤال: مَن منا على صواب؟

الإجابة المنطقية هي أن “اليمين” يعتمد على الإطار المرجعي. ولو كررنا التمرين مع أشخاص آخرين، كل منهم في موقع مختلف، لكان هناك “يمينات” لا حصر لها، بعدد الأشخاص المشاركين. وفي النهاية، نستنتج أمرين: أولًا، أن “اليمين” دائمًا نسبي، وثانيًا، أنه لا وجود لليمين كقيمة مطلقة..

لكن ماذا لو طبقنا التمرين ذاته على “اليسار”، أو على اللون الأبيض، أو الحرارة، أو الضوء، أو حتى على الخير والشر؟ ستظل النتيجة ذاتها: ألوان بلا نهاية، يسارات لا تُحصى، وأخلاقيات متباينة، جميعها تعتمد على المرجعيات والظروف، مما يعني أنها نسبية ولا وجود لها بذاتها..

هل لا تزال تعتقد أن الخير والشر موجودان كحقائق مطلقة؟ حين تجد شيئًا في هذا الكون يُعدّ خيرًا أو شرًا بذاته، دون أن يعتمد على أي سياق أو مصلحة، ستجعلني أتراجع عن كلماتي، بل وستكون قد اكتشفت أيضًا معنى الحياة..

إن ما نسميه الخير والشر ليس إلا معيارًا نطلق عليه “الأخلاق”. هذه الأخلاق ليست سوى توافق اجتماعي، لكنه ضروري لضمان تعايش البشر معًا. إنها قواعد التعايش التي تضمن احترام حدود الآخرين، لكنها، في جوهرها، مجرد ابتكار بشري، نتاج اتفاق اجتماعي..

السر: قانون الجذب

كتاب السر وقانون الجذب
هل يتآمر الكون لتلبية رغباتك؟

بعد هذه المقدمة البسيطة يمكننا الدخول إلى الموضوع الأساسي ألا وهو الفلسفة الجديدة التي تجسدها فكرة “السر: قانون الجذب”..

ينص قانون الجذب على أن كل شيء يجذب ما يشبهه، بل ويذهب أبعد من ذلك ليزعم أن أفكارك قادرة على جذب الأشياء، وكأنها نوع من “التحريك الذهني الماورائي”. إذا أردت الصحة، فكّر في الصحة. إذا أردت المال، فكّر في المال. وإذا أردت السعادة، فكّر في السعادة. وبمجرد تركيز طاقتك على التفكير الإيجابي، فإن الكون سيستجيب لرغباتك..

لكن، إن كان ذلك صحيحًا، لماذا إذًا لا أجد بجواري تلك الممثلة الجميلة التي أعشقها، رغم أنني أفكر فيها بكل قوة كل يوم مستنفدًا كل طاقتي الكونية! لا أفهم لماذا لم يتآمر الكون بعد ليضعها في غرفتي!

سأكون منهجيًا في حديثي هنا، كي لا أنجرف في كتابة صفحات ممتلئة بالشتائم ضد هذه الفلسفة الزائفة. وهي تستحق ذلك، بلا شك..

أولاً، من أين أتى هؤلاء بفكرة أن هذا قانون كوني؟ هل يعرفون حقًا ما يعنيه “قانون” بالمعنى العلمي الدقيق؟ القانون هو ما يجب أن ينطبق في جميع الحالات، بغض النظر عن السياق أو الإطار المرجعي. حتى القانون الثاني لنيوتن ليس قانونًا مطلقًا، لأنه لا يصمد أمام السرعات القريبة من سرعة الضوء..

يمكنني إثبات أن “قانون الجذب” ليس قانونًا على الإطلاق، والدليل أنني لا أجد ممثلتي المفضلة بجواري!

بالنسبة للذين لا يعرفون شيئًا عن التسويق، أقول لهم إن إدراج عبارة “السر” ليس سوى أداة دعائية، فمن منا لا يريد معرفة سر ما؟ مَن منا لا يريد أن يعرف شيئًا لا يعرفه الآخرون؟ هذه الفكرة تستغل نزعة الإنسان نحو القوة والسيطرة. إذا عرفت “السر” ستحصل على القوة. هذه هي الصلة الأعمق.. تريد معرفة السر إذهب واشتر الكتاب..

الرجل والمرأة.. وخرافات قانون الجذب

الفرق في تفكير الرجل والمرأة
هل النساء أكثر قابلية لتصديق الخرافات؟

الغريب في الأمر أن النساء هن غالبًا الأكثر تصديقًا لهذا الهراء. وقد تأملت كثيرًا في سبب ميل النساء لتصديق الخرافات، وكل المؤشرات أشارت إلى طبيعتهن العاطفية الطاغية. الرجل، بطبيعته، عقلاني، ثابت، بارد، سلاحه هو المنطق، ولهذا ينجح في العالم. أما المرأة، فهي مخلوقة لتشعر، لتتبع حدسها، لتعيش اللحظة بكل مشاعرها..

يحمل كل الرجال بالطبع شيئًا من طبيعة المرأة، والعكس صحيح، وهناك رجال عاطفيون ونساء منطقيات. لكن ليست هذه هي القاعدة العامة، ولهذا تجد “قانون الجذب” وسائر المعتقدات السخيفة تكتسب شعبية كبيرة في أوساط النساء. كم مرة سمعت امرأة تقول: “اليوم أقرر أنني امرأة شجاعة ومستقلة… رغباتي تتحقق بالفعل، والكون يتآمر لصالحي.. أنا امرأة سعيدة”.. اسمع هذا وسترى شخصًا بعمق برطمان مربى؛ وإن كان قائل العبارة رجلًا، فلا يستحق الانتماء إلى جنسه..

الموقف العقلي تجاه الهدف

والآن نصل إلى لبّ المسألة: لماذا تعتقد أن الكون سيتآمر لمصلحتك؟ لماذا أنت بالذات وليس شخصًا آخر؟ فقط لأنك تركز وتريد ذلك؟ من قال لك إن الأفكار “تُجذب”؟ يمكن أن يكون لهذا تفسير غامض، لذا سأكون واضحًا..

في الواقع، عندما يضع المرء هدفًا معينًا في ذهنه، فإن أفضل طريقة لتحقيقه هو التحلي بأفضل سلوك وأفضل المهارات لتحقيقه.. إذا أردت المال يجب أن تعمل أو تصبح تاجرًا أو مستثمرًا أو حتى تسرقه أو تغسله أو تفوز باليانصيب، لكن بالطبع يجب أن يكون المال موجودًا أولًا..

لكن النقطة المهمة هي أن الموقف العقلي تجاه هدفك أو لنقل تركيزك، هو مجرد دعم نفسي، أداة يمكنك استخدامها لصالحك جنبًا إلى جنب مع الجهد الملموس (العمل، الدراسة، التفاوض، إلخ) حتى تتمكن من الوصول إلى هدفك والحصول على المال.. كما يمكن للرجال الأكثر تشاؤمًا وسلبية أن يحصلوا على المال إذا تصرفوا بشكل عملي وتعاملوا بحزم مع الحقائق. إن تخيل نفسك كمليونير هو مجرد تكييف عقلي أو تحفيز يمكن أن يمنحك الدافع، وبالتالي يساعدك، ولكنه ليس بأي حال من الأحوال قانونًا للجذب..

لا توجد أي طريقة يمكن من خلالها لطاقات كونية صادرة عن رغباتك أن تسافر عبر الفضاء، بدعم من وعي الكون، لتجد ما ترغب فيه وتأتيك به. هذا يعادل الإيمان بإله الشمس، وينم عن تفكيرك السطحي..

قانون الجذب وشفرة أوكام

التفكير السحري والتفكير المنطقي
هل يحقق قانون الجذب ما تفكر فيه؟

ذكرت في مقدمة المقال أن الأشياء الجيدة والسيئة كأفكار مجردة لا وجود لها بحد ذاتها.. قلت هذا لأن هذه “الفلسفة”، مثل العديد من المذاهب المليئة بالهراء، تضفي طابعًا أخلاقيًا على الظواهر. إذا ضرب البرق شخصًا وقتله، فإن هذا الحادث لا يحمل معنى أعمق من مجرد برق أصاب شخصًا.. إنه ليس جيدًا أو سيئًا في حد ذاته.. إنها ليست حقيقة جيدة ولا سيئة. إن الإنسان، باعتباره مخترع الأدوات الملموسة والمجردة، هو الذي يضفي الأخلاق على الظواهر على أساس ما يناسبه. يمكن لشخص أن يقول: “من السيئ أن يضرب البرق شخصًا ما ويقتله، لأنه أودى بحياة الشخص” لأن مفهوم الحياة بالنسبة له ذو قيمة.. أو قد يقول آخر “من الجيد أن يقتل البرق هذا الشخص لأن جثته ستصبح غذاءً للكائنات الحية الأخرى” لأن مفهوم الطبيعة يناسبه.. لكن مرة أخرى، من منهما على حق؟

لذا سأطرح عليك السؤال التالي مرة أخرى: لماذا يجب أن يتآمر الكون ليحقق رغباتك؟ ما الذي يجعلك تعتقد أن رغباتك جيدة وبالتالي تستحق أن تجذب أشياء جيدة؟ ينطبق الأمر ذاته على الأشياء السيئة، لأنك كما أشرنا تضفي الأخلاق على الظواهر.. ليس هناك فرق كبير بين قانون الجذب هذا وبين مفهوم الكارما. ربما الكارما أكثر تطورًا، ولكنها تعاني من العيب ذاته.. ولحسن الحظ، توجد “شفرة أوكام” لتزيل الزيف الذي تكتنف هذه الادعاءات المزركشة..

يزداد هذا التوجه أخلاقيًا عند الحديث عن “الامتنان” كمرحلة أساسية لتحقيق قانون الجذب.. يجب عليك أن تقول شكرًا وتكون ممتنًا.. لكن مَن أشكر؟ الحياة؟ الطبيعة؟ الكون؟ الإله؟ وماذا يجب أن أقول؟ شكرًا أيها الكائن الكوني الغامض لأنك أعطيتني الممثلة التي أرغب بها؟ حتى وإن كان ذلك يعني احتمالية أن يعيد الكون ترتيب نفسه بالكامل، مهما كانت الخسائر، من أجل إرضائي.. هل أنا الوحيد الذي يرى السخف في قانون الجذب هذا؟

الحقيقة الخفية وراء النجاح

انظر إلى كل الناجحين الذين عرفتهم في حياتك، وستكتشف أنهم لم يجلسوا متأملين الكون لينزل عليهم بالنعم. كانوا مقاتلين في ساحة الحياة، يواجهون الصعاب، يسقطون، ثم ينهضون من جديد. لم يكن النجاح بالنسبة لهم قانونًا سحريًا، بل رحلة شاقة ومليئة بالدروس..

أما السر الحقيقي، فهو أننا ككائنات بشرية نحتاج دائمًا إلى تفسير لما يحدث حولنا، حتى وإن كان خاطئًا. نبحث عن قصة نرويها لأنفسنا لنشعر بالاطمئنان. نُفضل الأوهام أحيانًا على الفراغ، ونصنع من الوهم حقيقة نتمسك بها، تمامًا كما يتمسك الأطفال بحكاية بابا نويل.. وفي النهاية، لا شيء يفوق لذة الإنجاز الحقيقي، ذلك الإنجاز الذي يُولد من رحم الجهد والعرق. لكن البعض يفضل وهم السحر على واقع الكفاح. وهذا هو التحدي الحقيقي: أن نختار العمل الجاد بدلاً من الإيمان بالسحر، وأن نواجه العالم بقلب شجاع وعقل مدرك بدلًا من الركون لراحة الوهم..

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫6 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!