غموض

كيف غيّرت الألعاب النارية الاحتفالات عبر العصور؟

تبهر الألعاب النارية الكبار والصغار على حد سواء، فمن منا لا يشعر بالبهجة عندما يرى هذا المشهد السحري للألوان المذهلة على الخلفية المظلمة لسماء الليل. إننا نستمتع برؤية أشجار النخيل والشلالات والنجوم، وكل أنواع الرسومات التي لا حصرها لها في مختلف الاحتفالات. لكن هل تساءلت من قبل عن تاريخ اختراع الألعاب النارية، ومن اخترعها؟ إن تاريخ اختراع هذه الألعاب يشوبه الغموض والطرافة في الوقت ذاته. فهل كنت تعلم أن اختراعها جاء عن طريق الصدفة. دعونا نخوض سوياً رحلة إلى مجاهل التاريخ لنكتشف سر هذا الاختراع، ومما يتكون، وكيف تظهر هذه الألوان المبهجة والأصوات المدوية؟ ونوضح الاحتياطات اللازمة عند استخدام الألعاب النارية كذلك.

قدمت الصين للبشرية العديد من الاختراعات العظيمة، فلا يمكننا أن ننسى صناعة الورق والطباعة والبوصلة والحرير وغيرها من الاختراعات الهامة. كما يعود الفضل لها كذلك في اختراع البارود الذي كان مقدمة للألعاب النارية التي نستخدمها في الوقت الحالي في الاحتفالات والمهرجانات. لقد اخترع الصينيون الألعاب النارية في القرن السابع الميلادي، وكانت تستخدم حينها – حسب الثقافة الصينية الشعبية – في طرد الأرواح الشريرة والاحتفالات المختلفة في الصين.

قصة اختراع الألعاب النارية

بدأت القصة منذ أكثر من 1000 عام بعد اختراع المسحوق الأسود – البارود – في الصين القديمة، حيث كانت المواد الخام اللازمة لاختراع البارود متاحة بالفعل في ذلك الوقت. مواد مثل الملح الصخري، والفحم، والكبريت. كان هناك راهب صيني يدعى لي تيان يحاول جمع المواد اللازمة لاختراع الذهب. حيث كان اختراع الذهب حلم أي خيميائي في كل العصور. وعندما دخل إلى معمله بدأ بخلط الفحم والكبريت ونترات البوتاسيوم معاً. وما إن فعل ذلك حتى نتج عن خلطته خليطاً أسوداً هشاً. وعندما أشعل النار على هذا الخليط انفجر. أصابته المفاجأة بالصدمة وسقط على الأرض، إلا إنه حين نظر إلى موضع الانفجار وجد أشكال رائعة من الألوان. مما جعله يعتقد أنه نوعاً من السحر.

قام الطباخ من مقامه ليستكشف الأمر عن قرب لكنه لم يجد أية سحر، ولا يوجد سوى بقايا احتراق وانفجار هذه المواد فحسب. جمع بعض هذه المواد مرة أخرى وحاول أن يضعها داخل عصا خيزران ويوقد عليها وحينها انفجرت كذلك محدثة دوياً يصم الآذان.

طرد الأروح الشريرة

طرد الأرواح الشريرة
الأساطير الصينية القديمة

كان الصينيون في العصور القديمة يؤمنون بالأرواح الشريرة والأشباح كعادة معظم المجتمعات في تلك العصور الغابرة، وقد اعتقد الراهب لي تيان أن هناك روحاً شريرة متمثلة في تنين تطارده أينما حل. وبعد أن رأى هذا الانفجار الذي أحدثته عصا الخيزران لمعت في رأسه فكرة استخدام هذا الضجيج في إخافة التنين. وضع المواد وأشعل العصا فأحدثت دوياً عظيماً أخاف التنين ففر هارباً.

ترتبط هذه الأسطورة القديمة بقصة اختراع البارود، وكما هو معروف أن معظم الأساطير تحتوي في طياتها بعض الحقائق، حيث كان البشر يمزجون الواقع بالخيال في العصور القديمة لتخرج لنا أساطير وحكايات لا تزال حاضرة في الثقافة الإنسانية حتى وقتنا الحالي. لكن على الرغم من تعدد القصص والأساطير التي دارت حول هذا الاختراع العجيب، إلا أن الأمر المؤكد هو أن اختراع الألعاب النارية ظهر في الصين، ثم انتشر بعد ذلك إلى جميع دول العالم من خلال الغزو المغولي[1].

انتشر اختراع البارود في جميع أنحاء الصين، وفي عهد سلالة سونغ الحاكمة (960 – 1279 ميلادية) كان الصينيون يطلقون بالفعل الصواريخ الأولى التي كانت تُعرف آنذاك باسم السهام النارية. وسرعان ما بدأ استخدام البارود في البداية لأغراض عسكرية لبث الخوف والرعب في نفوس الأعداء. ثم ظهرت البنادق البدائية التي تستخدم البارود، وكانت اللبنة الأولى لاختراع أسلحة اليوم.

الألعاب النارية تنتقل إلى العالم

اختراع الألعاب النارية
انتقلت الألعاب النارية من الصين إلى جميع أنحاء العالم

كان الاستخدام الأول لها خلال الغزو المغولي للصين في القرن الثالث عشر[2]. ومنذ ذلك الحين بدأ العالم يعرف عن هذا الاختراع العجيب عبر الغزوات المتتالية للمغول في جميع أنحاء العالم. ثم وصل إلى الشرق الأوسط عن طريق الهند. وهناك أطلق العرب والمسلمون على البارود – نترات البوتاسيوم – اسم الثلج الصيني، كما أطلقوا على الألعاب النارية اسم “الأزهار الصينية”.

أما في أوروبا فلقد كان السبب الرئيسي لمعرفة الأوروبيين به هو الرحالة ماركو بولو، فمن خلال رحلاته إلى الصين عرف الكثير عن ثقافتهم واختراعاتهم. ثم نقل ماركو بولو هذه المعارف إلى أوروبا، وقد حظي اختراع البارود على انتباه وإعجاب الأوروبيين، لذا حاولا تطويره وبدلاً من استخدامه في الترفيه والاحتفالات استخدموه في تطوير صناعة الأسلحة، فتوصلوا إلى اختراع البنادق والمدافع والصواريخ.

كان أول استخدام لهذا الاختراع في أوروبا عام 1379 في احتفال عيد العنصرة وهو أحد الأعياد في الديانة المسيحية، وفي القرن الثامن عشر، حظي المشهد الملون في السماء بشعبية كبيرة في بلاط النبلاء، وكانت تستخدم في المقام الأول لأغراض تمثيلية والتعبير عن الذات[3].

كانت القاعدة السائدة في عصر الباروك أنه كلما كان المهرجان أكثر فخامة وروعة، كلما كان المضيف أقوى. ولم يكن هناك مناسبة لم يتم فيها عرض الألعاب النارية سواء كان الاحتفال بالانتصار في المعارك أو زيارات النبلاء أو ولادة ورثة العرش. ولا يتعلق الأمر بإشعالها فقط، بل كانت تعتبر كشكل فني يتم تقديمه في نوع من العمل المسرحي.

العلم وراء الألعاب النارية

تفاعلات كيميائية
التفاعلات الكيميائية التي تنتج الألعاب النارية

يتطلب صنع جميع أنواع الألعاب النارية سواء كانت مفرقات أو عروض أو ألوان تضيء في السماء تفاعلات كيميائية محددة. ولكن تشتمل جميعها على الأنواع الأربعة الأساسية من المواد الكيميائية: العامل المؤكسد، والوقود، والصبغات، والمواد الرابطة.

يحتوي هذا الخليط النموذجي على الوقود، وعامل مؤكسد، مثل النترات، والكلورات، والبيركلورات، لتوفير الأكسجين اللازم للاحتراق، وكلوريدات المعادن، التي تحتوي على أيون الكلوريد الذي يساعد في توليد الألوان. وهناك أنواع محمولة باليد تحترق ببطء، وتنبعث منها لهب ملون وشرارات وتأثيرات أخرى. تصنع هذه الشرارات في العادة من سلك معدني مطلي بخليط من بيركلورات البوتاسيوم، والتيتانيوم أو الألومنيوم، والدكسترين[4]. وتحدث الطفرة الصوتية التي تسمعها بمجرد رؤية الومضات الساطعة للألعاب النارية عندما تتوسع الغازات الموجودة داخلها بشكل أسرع من سرعة الصوت.

من أين تأتي الألوان؟

من أين تأتي الألوان في التفاعلات الكيميائية
العناصر الكيميائية التي تنتج الألوان

ظهرت الانفجارات الملونة المشابهة لما نراه في ألعابنا النارية اليوم في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، عندما أضاف المخترعون الإيطاليون معادن مثل السترونتيوم لصنع ألعاب نارية حمراء، والباريوم لصنع ألعاب نارية خضراء. ومنذ ذلك الحين، بدأت تتمتع بأضواء وألوان جديدة ومثيرة[5].

عندما تبدأ الألعاب النارية، فإن الحبيبات الصغيرة العديدة من الغبار الأسود الناتجة عن الانفجار تشعل جزيئات معدنية (في الأملاح المعدنية)، والتي تمتص كمية كبيرة من الطاقة. وبمجرد أن تبدأ في التبريد، تبعث الجسيمات طاقة إضافية على شكل ضوء. يعتمد لون هذا الضوء على نوع المعدن. حيث تنتج العناصر الكيميائية المختلفة مجموعة واسعة من الألوان، مثل ما يلي:

  • الألعاب النارية الخضراء: ينتج كلوريد الباريوم اللون الأخضر.
  • الألعاب النارية الحمراء: ينتج كلوريد السترونتيوم اللون الأحمر.
  • الألعاب النارية الصفراء: ينتج الصوديوم اللون الأصفر.
  • الألعاب النارية الزرقاء: ينتج كلوريد النحاس اللون الأزرق.
  • الألعاب النارية البرتقالية: ينتج عنصر الكالسيوم اللون البرتقالي.

احتياطات السلامة

مخاطر الألعاب النارية
تعليمات السلامة عند استخدام الألعاب النارية

يجتمع الأصدقاء والعائلة في العديد من المناسبات والاحتفالات، لذا من الضروري أخذ احتياطات الأمان[6] إذا كان لابد من استخدام الألعاب النارية. وهذه مجموعة من النصائح اللازمة للاحتفال بأمان:

  1. تأكد من أن الألعاب النارية قانونية في منطقتك قبل شرائها أو استخدامها.
  2. يجب أن يشرف شخص بالغ على هذه الأنشطة حتى لا يتعرض أحد للإصابة.
  3. لا تسمح للأطفال الصغار باللعب بها أو إشعالها.
  4. احتفظ بدلو من الماء في متناول يديك في حالة نشوب حريق أو أي حادث آخر.
  5. قم بإشعالها واحدة تلو الأخرى، ثم ابتعد بسرعة.
  6. لا تحملها في جيبك أو تطلقها من عبوات معدنية أو زجاجية.
  7. لا تضع أي جزء من جسمك مباشرة فوقها عند إشعالها.
  8. العودة إلى مسافة آمنة مباشرة بعد إشعالها.
  9. لا تحاول إعادة إشعال أو التقاط الألعاب النارية التي لم تحترق بالكامل.
  10. لا توجهها أو ترميها على شخص آخر.
  11. قم برش الألعاب المحترقة بكمية كبيرة من الماء بعد الانتهاء قبل التخلص منه لمنع نشوب حريق في القمامة.

يعد هذا الاختراع في الوقت الحالي جزءاً لا يتجزأ من ثقافات الشعوب في جميع أنحاء العالم. حيث تستخدم في الاحتفالات والمهرجانات والمناسبات الثقافية. وتعد مقاطعة هونان في الصين هي عاصمة الألعاب النارية في العالم. وهي أكبر منتج ومصدر لهذه الألعاب إلى العالم أجمع.

المراجع

[1] History of the Invention of Fireworks.

[2] The Mongol Empire — the first ‘gunpowder empire’?

[3] The history of fireworks: from the Holy Spirit to the fires of hell.

[4] The chemistry behind fireworks.

[5] How do fireworks get their beautiful colors?

[6] Leave Fireworks to the Experts.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!