قصة هند بنت عتبة: آكلة أكباد البشر
هند بنت عتبة واحدة من النساء التي حظيت بشهرة عظيمة في تاريخ العرب، بل وفي التاريخ الإسلامي بالأخص. نظراً لفعلتها الشنعاء التي تتجاوز حدود الخيال؛ حينما أكلت كبد حمزة بن عبد المطلب بعد هزيمة المسلمين في غزوة أحد. وكانت فعلتها انتقاماً لمقتل أبيها وعمها وأخيها. فما هي قصة هند آكلة الأكباد؟
من هي هند بنت عتبة
إنها هند بنت عتبة بن ربيعة إحدى سيدات قريش التي وصفت بأنها أم الملوك وسليلة الحسب والنسب وربة الجمال والدلال. أبوها عتبة بن ربيعة واحد من أشراف قريش وبني كنانة. وتعد هند بنت عتبة مثالاً لجبروت المرأة في أفعالها وقوة شخصيتها. تبدأ حكاية هذه المرأة ليس من حسبها ونسبها وعلو قدرها كإحدى سليلات سادات قريش وأشرافها، ولا من شبابها وجمالها وأنوثتها الطاغية، ولا من شموخها وعزتها وقوة شخصيتها، ولا من كونها مضرب الأمثال بين القبائل العربية، بل لعل حكايتها تبدأ من زواجها من أحد سادات قريش وأغنيائها وهو “الفاكه بن المغيرة”.
قصة هند مع الفاكه بن المغيرة
تزوجت هند بنت عتبة من الفاكه بن المغيرة الذي كان واحداً من أثرياء قريش. ولعل أهم حدث في حياة هند هي تلك اللحظة التي عادت فيها قوافل قريش من رحلاتها التجارية في الصيف. حيث كان زوجها يمتلك الكثير مما تحمله هذه القوافل. ولما علم بعودة قوافله من رحلتها سارع إليها تاركاً زوجته هند في البيت نائمة. لكن عندما يعود إلى منزله تراه زوجته مغبر الوجه مغاضباً، ولما تسأله عن سبب ذلك. يصرخ في وجهها متسائلاً عن الرجل الذي كان بيته أثناء غيابه. هنا تتعجب الزوجة من حديثه وتشعر بأنه قد أصابه الخبل؛ فهل يعتقد أنها قد تخونه في غيابه. أخبرها الفاكه أنه لتوه رأى رجلاً يخرج من داره مهرولاً. لم تستطع هند الرد عليه بعد أن شعرت بجنونه. وانطلقت إلى بيت أهلها.
اقرأ أيضًا: زياد بن أبيه: أشهر أمير مجهول النسب في التاريخ الإسلامي |
هل كانت هند زانية؟
بدأت الكثير من المشادات بين الزوج الذي يعتقد بخيانة زوجته وبين أبيها عتبة بن ربيعة. وكاد الأمر أن يخرج عن السيطرة ليتحول إلى صراع لا يحمد عقباه. فهما من أشراف قريش وساداتهم، وكيف لهذا الزوج أن يتهم سيدة من سيدات قريش بهذه التهمة الشنيعة. في تلك اللحظة اقترح عدد من كبار قريش أن يذهب كل من الزوجين ومعهما الأهل إلى عراف اليمن ليكشف لهم حقيقة الأمر. وبالفعل خرج الزوج والزوجة مع أخيها وأبيها إلى عرافي اليمن، وقبل وصولهم إلى موطن العرافين خطرت لهند فكرة أعلنتها على مسامع أبيها عتبة. حيث أخبرته أنها ترفض أن تضع سمعتها بين يدي رجل تجهله. فربما ينطق هذا الرجل بكلمة تسمها بالعار طوال حياتها. وأشارت إلى أنها قبل أن تصل إلى هؤلاء العرافين عليها أن تختبر قدرتهم على كشف المجهول.
اقرأ أيضًا: قصة الثلاثة الذين خلفوا ساعة العسرة؟ ولماذا تاب الله عليهم؟ |
براءة هند من تهمة الزنا
استحسن الجميع رأيها، ومن هنا بدأت بجمع بعض بعرات الأبل وأخفتها في عدة أماكن متفرقات في مؤخرات الأبل ذاتها. ثم انطلقت القافلة في طريقها إلى العرافين. لكن الأمر الغريب أنهم حين وصلوا إلى هناك استقبلهم كبير العرافين وقبل أية حديث بينهم قال العراف لهند: ألديك شك في قدرتنا يا هند بنت عتبة؟ ولماذا أخفيت البعرات في مؤخرة الأبل؟
هند انتاب الجميع صدمة قوية مما رنا إلى سمعهم في تلك اللحظة، وقبل أن يستطيعوا التفوه والحديث استبقهم العراف وقال لهند: لقد اتهمك زوجك زوراً وبهتاناً.
هنا صرخ الزوج في دهشة قائلاً: كيف ذلك، لقد رأيت الرجل بأم عيني يخرج من بيتي. فأجابه العراف: أنه عابر سبيل رأى الباب مفتوحاً فدخل، وحينما وجد سيدة الدار اضطرب وخرج مهرولاً. وكل ما حدث والزوجة لا تعلم به شيئاً.
حاول الفاكه أن يعتذر من زوجته على شكه فيها لكنها أشاحت بوجهها عنه في غطرسة واضحة، وقبل أن ترحل القافلة إلى حيث جاءت ارتفع صوت العراف قائلاً: ستكونين يا هند أماً للملوك في المستقبل.
هنا عادت الدهشة تعلو الوجوه، وهنا أقبل عليها زوجها بعد أن كان شاهداً على صدق العراف وأدرك أنه ربما سيكون له شأناً عظيماً في المستقبل إذا أنجب منها ولداً وأصبح ملكاً ليعتذر منها مرة أخرى. لكنها رفضته وقالت له أنها ستحرص أن يكون هذا الملك من رجل غيره. مما يعني أنها تطلب الطلاق منه. ومن هنا تعود هند بنت عتبة إلى مكة مرفوعة الرأس.
اقرأ أيضًا: محمد بن أبي بكر: رأس ابن الخليفة تطوف مصر بعد جزها |
زواج هند بنت عتبة من أبي سفيان بن حرب
تقدم للزواج من هند بنت عتبة العديد من كبار سادات قريش وأشرافها. وخاصة عندما علموا بشأن النبوءة. فكل منهم يحدوه الأمل في أن يكون أباً لهذه الملوك. تقدم لها من بين الخطاب أبو سفيان بن حرب ذلك الرجل المتغطرس المعتز بجاهليته وبتقاليدها الرعناء. وقد وافقت على الزوج منه للكثير من التشابه في شخصيتهما.
مرت الأيام والسنوات. حتى ظهر رجل من بني هاشم يدعي أنه رسول من عند الله، ويأمر قومه بعبادة الله الواحد القهار وترك عبادة الأصنام. فأقبل عليه الناس ليستمعوا إلى حديثه. بل وآمن العديد من قريش به وبرسالته. وهنا شعرت هند وزوجها أن محمد بن عبد الله سيقضي على آمالهما وأحلامهما في أن يصبحا والدا الملوك كما يقول العراف. حيث أن محمد سحب البساط من تحدت أقدامهما. لذا ازداد بغضهما وكراهيتهما له، فهما يرون أنهما أحق بهذه المكانة التي تمتع بها رسول الإسلام.
اقرأ أيضًا: الحسين بن علي: قصة مأساة الشهيد بن الشهيد |
غزوة بدر
دار صراع كبير بين المسلمين وكفار قريش وفي مقدمتهم أبو سفيان بن حرب وزوجته هند. ليصل هذا الصراع في النهاية إلى الحروب والغزوات. وكانت غزوة بدر واحدة من المواجهات بينهما وانتصر فيها المسلمون وعادت قريش ذليلة كسيرة بعد أن ذاقت مرارة الهزيمة. حيث قتل العديد من أشرافها وساداتها، وكان من بين القتلى ثلاثة هم أقرب الناس إلى هند. لقد قتل أبوها عتبة وعمها شيبة وأخوها الوليد. فكانت فجيعة جسيمة ومصيبة فادحة، هذا إلى جانب وقوع ولدها حنظلة أسيراً في أيدي المسلمين. وفي تلك اللحظة ازدادت كراهية هند بنت عتبة لبني هاشم، وبعد أن علمت أن حمزة بن عبد المطلب له اليد العليا في مقتل أقربائها سعت إلى الانتقام منه.
اقرأ أيضًا: مقتل عثمان بن عفان: هل كان يستحق هذا المصير المأساوي؟ |
هند بنت عتبة تأكل كبد حمزة
عادت قريش بعد أن أعددت العدة للانتقام إلى قتلاهم في بدر، وفي يوم غزوة أحد راحت هند بنت عتبة تطوف في ميدان المعركة تنشد الشعر ووراءها ضاربات الدفوف من أجل إشعال حماسة المحاربين. ودار رحى الحرب بين المسلمين وكفار قريش. وفي خضم المعركة استدعت هند أحد العبيد وهو وحشي ووعدته بالمال والجاه إذا قتل حمزة بن عبد المطلب. لم يكذب الرجل خبراً وتخفى لحمزة ثم طعنه من وراء ظهره ليسقط حمزة مضرجاً بدمائه. ويخسر المسلمون الحرب بعد أن كادوا قاب قوسين أو أدنى من الانتصار لولا سعيهم إلى الحصول عل الغنائم. وقتل من المسلمين في ذلك اليوم عدد غير قليل.
بعد الغزوة شرعت هند في تفقد قتلى المسلمين، وراحت تشفي غليلها بالانتقام منهم، فتجدع أنوف القتلى وآذانهم وتنزع العيون من محاجرها وتقطع الأصابع والأطراف لتصنع منها عقوداً وأقراطاً تتحلى بها. وفي تلك اللحظة التي انتظرتها طويلاً وجدت ضالتها أخيراً وهي جسد حمزة ملقى على الأرض تمتزج دمائه برمال الصحراء. انحنت على الجسد المسجى وبقرت بطنه في قسوة ثم أخرجت كبده وراحت تلوكه بأسنانها في لذة تعبيراً عن الانتقام.
اقرأ أيضًا: خالد بن الوليد ومالك بن نويرة: القصة المثيرة للجدل في حياة سيف الله المسلول |
الفتح الإسلامي
بعد مرور السنوات تقوى شوكة المسلمين ليعودوا من المدينة إلى مكة. ويأتي الفتح الإسلامي وانتصار المسلمين على المشركين. بينما في ذلك الوقت يخرج أبو سفيان ليستطلع الأخبار عن تحركات جيش المسلمين نحو مكة. لكن الرسول محمد آثر السلام فقام ينادي على رأس الجيش قائلاً: من دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان وزوجته هند فهو آمن. وتلك كانت حكمة من النبي ليجمع شمل العرب تحت لواء الإسلام.
اقرأ أيضًا: سكينة بنت الحسين: صاحبة أول ندوة أدبية في التاريخ الإسلامي |
ماذا قال الرسول لهند عند إسلامها؟
تقول بعض الروايات أن هند قد أعلنت إسلامها يوم فتح مكة. حيث ذهبت إلى رسول الله لتطلب منه أن تدخل في دين الإسلام. فلما رأها الرسول في أول الأمر تذكر ما فعلته مع حمزة بن عبد المطلب، فأعرض عنها، لكنه سرعان ما عاد وسألها: هل تبايعيني على عبادة الله الواحد الأحد. قالت: نعم. ولما قال الرسول محمد لها: ولا يسرقن ولا يزنين. قالت له هند بنت عتبة: وهل تسرق الحرة وتزني؟ وفي نهاية حديثه قال لها: ولا يقتلن أولادهن. فأجابته هند: ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً. وكان لابد أن يعاهدها النبي على أن توفي بحسن إسلامها، وأن تنسى تماماً نبوءة العراف اليمني في أن تكون أم الملوك، لأن أولادها أصبحوا بعزة الإسلام وقرابتهم للرسول أصحاب جاه وسلطان ونفوذ أكثر من سلطان ونفوذ وجاه الملوك.
ربما تكون قصة هند بنت عتبة واحدة من القصص الشيقة في التاريخ الإسلامي على الرغم من بشاعة ما فعلته في حياتها. وبرغم أنها قد أعلنت إسلامها إلا الكثير من المسلمين لم يتسامحوا معها فيما فعلته بأسد الله حمزة بن عبد المطلب.
المصادر: