الحلقة الخامسة من مسلسل Dekalog: “لا تقتل”

You are currently viewing الحلقة الخامسة من مسلسل Dekalog: “لا تقتل”
مراجعة الحلقة الخامسة من مسلسل الوصايا العشر

مسلسل Dekalog أو الوصايا العشر هي سلسلة أفلام درامية من إخراج المخرج البولندي العظيم كريستوف كيسلوفسكي، وهي عبارة عن نسيج متشابك رائع من الفلسفة، والتردد الأخلاقي، والشعور الإنساني الذي يجسد تفوق وقوة التعبير السينمائي على الكلمة المكتوبة. في السطور التالية نسجل ما ينتج عن تجربة هذه التحفة. ونقول تجربتها لأن أفلام كيسلوفسكي لا تُرى بل يتم تجربتها؛ فإلى تجربة الحلقة الخامسة من سلسلة Dekalog بمزيد من التفصيل.

الحلقة الخامسة

تتمحور قصة الحلقة الخامسة من سلسلة Dekalog حول الوصية الخامسة من الوصايا العشر “لا تقتل”. وهي عبارة عن تصوير مكثف ومفزع لرعب القتل. تتمحور القصة حول ثلاث شخصيات منفصلة في البداية، لكن تتقاطع مساراتها بشكل غير متوقع مع تطور حبكة الفيلم. لا نحصل سوى على القليل فقط من خلفية كل شخصية، ولكن مع تقدم القصة نتعرف على دواخلهم النفسية.


الشخصيات الثلاث

الشخصية الأولى هي بيوتر وهو محامي شاب يجري مقابلة عمل مع شركة محاماة بارزة. إنه شاب ذكي وحساس ونقي وملتزم بأعلى مُثل العدالة، ويكشف لمحاوريه عن قناعاته الراسخة التي تعارض عقوبة الإعدام. الشخصية الثانية هي سائق تاكسي وهو رجل في منتصف العمر يعيش في المجمع السكني الذي يربط جميع حلقات السلسلة بعضها ببعض. يمارس سائق التاكسي أنشطته اليومية، ويبدو أنه شخصية ماكرة وغير متعاطفة مع الناس، حيث نجده يرفض أن يحمل معه زوجان داخل سيارته ليحميا بها من البرد القارص. كذلك نراه ينظر شبقاً إلى الفتيات الصغيرات، ويجد تسليته في إخافة الكلاب الصغيرة على الطريق. أما الشخصية الثالثة فهي جاك وهو شاب غاضب ومنعزل يبلغ من العمر عشرين عاماً. يتجول جاك في المدينة بلا هدف، ويبحث عن المتاعب أينما ذهب، وإن لم يجدها يسببها. نرى جاك وهو يرمي الحجارة على الزجاج الأمامي للسيارات على الطريق السريع، ويخيف الطيور التي تهبط لتلتقط طعامها، ويضرب الشخصيات الأضعف عندما لا يراه أحد.

ينعكس انفصال الشخصيات واغترابها في التصوير السينمائي المميز الذي لا يحتوي سوى على عدد قليل من اللقطات التأسيسية. تعزلهم الحلقة الخامسة من سلسلة Dekalog عن بعضهم البعض وعن بيئتهم من خلال التركيز على اللقطات المقربة للأفراد طوال معظم فترات الحلقة. ومن خلال القيام بذلك، يرفع صانعو الحلقة السرد إلى المستوى المجرد – يبدو الأمر كما لو أن الشخصيات الرئيسية الثلاث كانت منخرطة في حوار ما فوق المستوى مع بعضها البعض.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم The Double Life of Véronique: لغز يُشبه الحياة

جريمة القتل

لا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يشك المشاهد في أن جاك سوف يرتكب جريمة قتل، وسرعان ما يختار سائق التاكسي سيئ الحظ ليكون ضحيته. مشهد القتل ليس قصيراً، كما هو الحال في معظم الأفلام، ولكنه طويل ووحشي بشكل مؤلم، ويستغرق الأمر بعض الوقت حتى يموت سائق التاكسي فعلياً. لكننا ما زلنا في منتصف الحلقة الخامسة من مسلسل Dekalog فقط، وستحتل جريمة قتل أخرى النصف الثاني.

يُقبض على جاك بعد فترة وجيزة، ويدان بارتكاب الجريمة، وعلى الرغم من الجهود التي بذلها محامي الدفاع بيوتر، يُحكم على جاك بالإعدام. يصور باقي الفيلم المكائد اللاإنسانية للنظام القانوني والعقابي الحكومي أثناء التحضير لجريمة القتل الثانية وتنفيذها: الإعدام.

اقرأ أيضًا: سينما إنجمار برجمان: التصورات المظلمة للرغبات البشرية

عقوبة الإعدام

مراجعة الحلقة الخامسة من مسلسل Dekalog
مشهد من الحلقة الخامسة

دفعت وحشية تسلسل الإعدام العديد من المراجعين إلى رؤية الفيلم على أنه بيان ضد عقوبة الإعدام في المقام الأول. لكن كيسلوفسكي اعترض على هذا التوصيف: فهو ليس ضد عقوبة الإعدام في حد ذاتها، بل هو ضد القتل بشكل قاطع. وللتأكيد على هذا التمييز، ابتعد كاتبا السيناريو بيسيفيتش وكيسلوفسكي عن التصوير المعتاد لجريمة القتل، والذي يركز على الضحية – الإصابة، والمعاناة، والموت. وبدلاً من ذلك، ينصب التركيز في الحلقة الخامسة من مسلسل Dekalog على وحشية القاتل والقتل، بغض النظر عن براءة الضحية. وللتأكيد على هذا التركيز، فإن الضحيتين اللذان تعرضا للقتل أبعد ما يكونا عن كونهما شخصيات يمكن التعاطف معها.

يقتل جاك الشخصية البغيضة – سائق التاكسي – في النصف الأول من الحلقة. نحن مجبرون على مواجهة عدم مشروعية هذا الفعل، مهما كانت الضحية غير محبوبة. وفي النصف الثاني من الحلقة، ينصب التركيز على آلة القتل المجتمعية التي تنفذ عقوبة الإعدام. ولكن على عكس العديد من الأفلام المعارضة لعقوبة الإعدام والتي تصور الإيذاء والإعدام غير المشروع لرجل بريء كان ضحية للظروف، ليس هناك أي شك على الإطلاق حول ذنب جاك. فهو أكثر بغضاً من سائق التاكسي. ومع ذلك فهو إنسان، تماماً كما كان سائق التاكسي الذي توقف حتى يعبر الأطفال الطريق.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم A Hidden Life: ملحمة وجودية عن الإنسانية والجمال

الهشاشة البشرية

يُمنح بيوتر نصف ساعة أخيرة لمقابلة جاك في الزنزانة قبل إعدامه مباشرة، ويعلم المزيد عنه. هناك بعض التلميحات التي تم الكشف عنها في هذا المشهد بأن ذكريات جاك عن أخته الصغرى المحبوبة، التي تعرضت للدهس والقتل قبل خمس سنوات، أثارت غضب القاتل عندما رأى سائق التاكسي ينظر شبقاً إلى شابة صغيرة. لكن هذا ليس تفسيراً أو تبريراً لفعل جاك الشنيع – فهو يذكرنا فقط بوجود الضعف والهشاشة البشرية. ولا يستحق منا الشفقة.

إن التركيز على لاإنسانية القتل في حد ذاته، وبعيداً عن معاناة الضحية، يجعل الحلقة الخامسة من مسلسل Dekalog أقل إقناعاً كقصة ولكنه أكثر عقلانية. وذلك لأن اللغز الأخلاقي الذي يكمن وراء هذه الحلقة يتمحور حول بيوتر ذو التفكير الاجتماعي، وليس على الشخصيتين الأخريين المهتمتين بذواتهما فقط – سائق التاكسي وجاك. وبالتالي، اعتماداً على ذوقك، قد تجد أن هذا الأسلوب السردي البعيد إما يضعف الحجة أو يقويها.

اقرأ أيضًا: فيلم Happy As Lazzaro: حكاية استعارية فلسفية وشاعرية

القيم المفقودة

ربما يقول الجميع تقريباً إنهم يعارضون القتل عموماً. لكن المسألة تصبح أكثر غموضاً بالنسبة لهم عندما يُطرح موضوع معاقبة القتلة الأشرار. إذن كيف يمكن الحفاظ على النظام الاجتماعي في عصر تراجع القيم هذا؟ وكيف يجب أن يتفاعل المجتمع مع هذه الحالة الاجتماعية المنتكسة، وهي حالة تنتج خطاة صغار مثل سائق التاكسي وخطاة كبار مثل جاك. هل يجب الانتقام فقط من خلال معاقبة هؤلاء الأشخاص الذين ضلوا طريقهم، والذين فقدوا قيمهم؟ أم ينبغي فعل شيء للمساعدة في استعادة تلك القيم المفقودة؟

من المؤكد أن الآلية الجزائية التي تنفذ إعدام جاك لا قيمة لها وغير إنسانية مثل جاك نفسه. وهذا لا يدعم القيم الاجتماعية، بل يزيد من الحط من قيمة المجتمع. إن تنفيذ “العدالة” هذا هو مجرد عمل انتقامي حيواني، ولا يوجد دليل مقنع على أن عمليات الإعدام لها تأثير رادع على جرائم القتل. إذن ما هو المردود المستمد من عقوبة الإعدام؟

اترك تعليقاً