إقامة لعازر من الموت: حكاية أغرب القصص في التاريخ

إقامة لعازر من الموت واحدة من أغرب القصص في التاريخ. هذا الرجل الذي أحياه المسيح يعد واحداً من الشخصيات التوراتية الغامضة. ومازالت حياته بعد عودته من الممات موضع حيرة وتساؤلات كثيرة. فمَن هو لازاروس؟ وكيف سارت حياته بعد أن قام من الموت؟

من هو لعازر؟

قصة معجزة إقامة لعازر وعودته إلى الحياة على يد نبي الله عيسى بن مريم معروفة في الإنجيل بحسب إنجيل يوحنا (11: 1-45). كان لعازر من بيت عنيا أخو مرثا ومريم وكان يعيش في بيت عنيا بالقرب من أورشليم ( إحدى ضواحي القدس الحالية). تُشير الرواية إلى أن عيسى أحب لعازر وأخواته، وأنه عندما مات لعازر بسبب المرض، بكى عيسى و “انزعج بشدة”. على الرغم من أن لعازر قد دفن لمدة أربعة أيام بحلول الوقت الذي وصل فيه عيسى إلى بيت عنيا، فقد أقامه عيسى من بين الأموات وخرج من القبر مرتدياً كفنه.

هذه المعجزة، التي شهدها العديد من اليهود الذين جاؤوا للحزن مع العائلة، ألهمت الكثيرين للإيمان بعيسى باعتباره المسيح. كان لعازر أيضاً حاضراً عندما دهنت أخته مريم قدمي عيسى بعطر غالي الثمن (يوحنا 12: 1-3).

لم يرد ذكر في العهد الجديد لحياة لعازر بعد إعادته إلى الحياة، لكن هناك العديد من الروايات المتباينة قدمتها الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والكاثوليكية عن الأحداث اللاحقة في حياته. ومن هذه الروايات:

هجرة لعازر ومارثا وماري إلى فرنسا، حيث أصبح أول أسقف لمرسيليا، قبل استشهاده.
سفر لعازر وأخواته إلى قبرص، حيث أصبح أسقف كيتيون.
هناك أسطورة أخرى تقول أنه ذهب إلى سوريا.

قصة إقامة لعازر طبقاً لإنجيل يوحنا

عودة لازاروس — صورة رمزية لمرثا أخت لعازر بعد موته

يقول الفصل 11 من إنجيل يوحنا:

” وكان رجل مريض وهو لعازر من بيت عنيا، من قرية مريم وأختها مرتا * فقال لهم عيسى عندئذ صراحة: قد مات لعازر* فلما وصل عيسى وجد أنه في القبر منذ أربعة أيام* فلما سمعت مرتا بقدوم عيسى خرجت لاستقباله، في حين أن مريم ظلت جالسة في البيت* فقالت مرتا لعيسى: يا رب، لو: كنت ههنا لما مات أخي* ولكنى ما زلت أعلم أن كل ما تسأل الله، فالله يعطيك إياه* فقال لها عيسى: سيقوم أخوك* قال: أين وضعتموه؟ قالوا له: يا رب، تعال فانظر* فجاش صدر عيسى ثانية وذهب إلى القبر، وكان مغارة وضع على مدخلها حجر* فقال عيسى: ارفعوا الحجر! قالت له مرتا، أخت الميت: يا رب، لقد أنتن، فهذا يومه الرابع.*فرفعوا الحجر* قال هذا ثم صاح بأعلى صوته: يا لعازر، هلم فاخرج* فخرج الميت مشدود اليدين والرجلين بالعصائب، ملفوف الوجه فى منديل. فقال لهم عيسى: حلوه ودعوه يذهب. ” فصل 11 من إنجيل يوحنا.

الشرح

في هذا السرد القصصي نجد أنه تم تقديم لعازر على أنه من أتباع عيسى الذي يعيش في بلدة بيت عنيا بالقرب من القدس. وتم التعرف عليه على أنه شقيق الأختين ماري ومارثا. وقد أرسلت الأختان رسالة إلى عيسى أن لعازر “الذي تحبه” مريض. فبدلاً من السفر فوراً إلى بيت عنيا، وفقاً للراوي، بقي عيسى عن قصد في مكانه لمدة يومين آخرين قبل بدء الرحلة.

عندما وصل عيسى إلى بيت عنيا، وجد أن لعازر قد مات، وأنه موجود بالفعل في قبره منذ أربعة أيام. يلتقي أولاً مع مارثا وماري. ثم تشعر مارثا بالأسف لأن عيسى لم يصل مبكراً بما يكفي لشفاء أخيها، ورد عيسى بالعبارة المعروفة:

” أنا القيامة والحياة: من آمن بي، رغم أنه مات، فسيحيا. ومن كان حياً وآمن بي فلن يموت أبداً “.

في حضور حشد من المعزين اليهود، جاء عيسى إلى القبر. ورغم اعتراضات مرثا، إلا أن عيسى جعلهم يدحرجون الحجر بعيداً عن مدخل القبر . ثم دعا لعازر ليخرج قائلاً له: ” تعال”. وفعل لعازر ذلك، وهو لا يزال ملفوفاً في كفنه. ثم دعا عيسى أحدهم ليخلع عنه كفنه ثم تركه يذهب.

بعد إقامة لعازر من الموت ينتهي السرد بالقول إن العديد من شهود هذا الحدث “آمنوا به”. ويُقال أن آخرين أبلغوا السلطات الدينية في القدس بالأحداث. بينما يذكر إنجيل يوحنا لعازر مرة أخرى في الفصل 12. فقبل ستة أيام من عيد الفصح الذي صُلب فيه عيسى، عاد عيسى إلى بيت عنيا وحضر لعازر عشاءً تقدمه مارثا، أخته. يجذب عيسى ولعازر معاً انتباه العديد من اليهود. ويذكر الراوي أن رؤساء الكهنة يفكرون في إعدام لعازر لأن الكثير من الناس يؤمنون بعيسى بسبب هذه المعجزة.

قبر لعازر

يقع أول قبر للعازر في العيزرية، وهي إحدى المدن الفلسطينية الواقعة شرق القدس. ولا يزال مكاناً للحج حتى يومنا هذا. كما بُنيت العديد من الكنائس المسيحية في هذا الموقع على مر القرون. لكن منذ القرن السادس عشر، احتل مسجد عزير موقع القبر ويوجد به مقام عزير الذي شيده صلاح الدين الأيوبي تكريماً لعزير المذكور في القرآن الكريم. هذا بالنسبة للمسلمين.

أما بالنسبة للمسيحيين فيعتقدون أن كنيسة لعازر التي شُيدت في العقد الخامس من القرن الماضي قامت على أنقاض كنيسة أخرى هي كنيسة القديس لازاروس الرومانية الكاثوليكية المجاورة، والتي صممها أنطونيو بارلوتسي وتم بناؤها بين عامي 1952 و 1955 تحت رعاية الرهبان الفرنسيسكان. وتعود تسمية هذه البلدة بهذا الاسم إلى لعازر شقيق مريم ومارثا كما ورد في الإنجيل.

وفي عام 1143، تم شراء الهيكل والأراضي من قبل الملك فولك والملكة ميليسيندي من القدس وتم بناء دير بنديكتيني كبير مخصص لمريم ومارثا بالقرب من قبر لعازر. بينما بعد سقوط القدس عام 1187، هجر الدير وسقط في الخراب ولم يبق منه سوى القبر والقبو الأسطواني. وخلال القرن السادس عشر، بنى العثمانيون مسجد العزير الأكبر لخدمة سكان المدينة من المسلمين.

أسقف كيتيون (لارنكا)

رغم إنه لا يوجد أي ذكر آخر لعازر في الكتاب المقدس، إلا أن الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والكاثوليكية تقدم روايات مختلفة عن الأحداث اللاحقة في حياته. بينما ترتبط هذه الروايات بشكل دائم بقبرص، حيث يُقال إنه أصبح أول أسقف لكتيون (لارنكا).

تقول روايات الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية إنه في وقت ما بعد قيامة المسيح، أُجبر لعازر على الفرار من اليهود بسبب شائعات عن مؤامرات على حياته وجاء إلى قبرص. وهناك عينه برنابا وبولس الرسول كأول أسقف لكتيون (لارنكا الحالية). وعاش هناك ثلاثين سنة أخرى، وعند وفاته دفن هناك للمرة الثانية والأخيرة.

خلال عام 890، تم العثور على قبر في لارنكا يحمل نقش “لعازر صديق المسيح”. بينما قام الإمبراطور البيزنطي ليو السادس بنقل رفات لعازر إلى القسطنطينية في عام 898. وتحتفل به الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية كل عام في 17 أكتوبر. وبعد نهب القسطنطينية من قبل الفرنجة خلال الحملة الصليبية الرابعة عام 1204، حمل الصليبيون رفات القديس إلى مرسيليا بفرنسا كجزء من غنائم الحرب. وفي القرن السادس عشر، زار راهب روسي من دير بسكوف قبر القديس لازاروس في لارنكا وأخذ معه قطعة صغيرة من الآثار. ربما أدت هذه القطعة إلى تشييد كنيسة القديس لازاروس في دير بسكوف، حيث يتم الاحتفاظ بها اليوم.

وفي يوم 23 نوفمبر 1972، تم اكتشاف بقايا بشرية في تابوت رخامي تحت المذبح، أثناء أعمال التجديد في كنيسة القديس لازاروس في لارنكا، وتم التعرف عليها كجزء من رفات القديس. بينما خلال شهر يونيو 2012، أعطت كنيسة قبرص جزءً من رفات القديس لعازر المقدسة لوفد من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بقيادة البطريرك كيريل من موسكو وعموم روسيا، بعد زيارة استمرت أربعة أيام إلى قبرص. بينما تم إحضار الآثار إلى موسكو وتسليمها إلى رئيس الأساقفة أرسيني من أسترا، الذي أخذها إلى دير زاكاتيفسكي، حيث تم وضعها هناك للتبجيل.

أسقف مرسيليا

تُشير بعض الروايات الأخرى إلى إنه بعد إقامة لعازر من الموت على يد المسيح تم إبعاد لعازر وماري ومارثا إلى البحر من قبل بني إسرائيل المعادين للمسيحية في إناء بدون أشرعة أو مجاديف أو دفة، وبعد رحلة معجزة هبطت في بروفانس وهي مدينة بالقرب من مرسيليا. كما يُقال أن العائلة انفصلت وذهبت إلى أجزاء مختلفة من البلاد. فذهب لعازر إلى مرسيليا، وهناك أصبح أول أسقف لمارسيليا.

خلال فترة حكم دوميتيان الإمبراطور الروماني الذي كان يضطهد المسيحية. تم سجن لعازر وقطع رأسه في كهف أسفل سجن سانت لازار. ثم نُقل جسده لاحقاً إلى بلدة أوتون، حيث دُفن في كاتدرائية أوتون. تلك الكاتدرائية التي تحمل اسم لازاروس حتى الآن. ومع ذلك، يدّعي سكان مرسيليا أنهم يمتلكون رأسه الذي ما زالوا يبجلونه.

لعازر في الإسلام

ظهر لعازر أيضاً في التقاليد الإسلامية في العصور الوسطى، حيث تم تكريمه كرفيق تقي لعيسى. على الرغم من أن القرآن لم يذكر أي شخص اسمه لعازر، إلا أنه من بين المعجزات التي ينسب إليها السيد المسيح تشمل إقامة الناس من الموت. وكثيراً ما تفصّل الروايات الإسلامية هذه المعجزة عن عيسى، لكنها تذكر لعازر من حين لآخر فقط. على سبيل المثال تم ذكر لعازر في كتابات الشيخ مصطفى صبري في حديثه التعريفي عن معجزات المسيح بشكل عام. كذلك تم ذكر شخصية لعازر في كتابات ابن الأثير.

لعازر في الأدب

تلمح العديد من الأعمال الأدبية من القرن العشرين إلى إقامة لعازر من الموت، بما في ذلك الروايات والقصص القصيرة والشعر والفن. وقد تناولت بعض الأعمال السينمائية والترفيهية شخصية لعازر أيضاً، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

الروايات والقصص والشعر

القصة القصيرة للروائي الأمريكي ترومان كابوتي “شجرة الليل” وقصص أخرى (1945).
رواية الكاتب الأمريكي جون نولز ” سلام منفصل” (1959). وهناك تلميحات أخرى في شعر القرن العشرين في أعمال مثل المجموعة القصصية “كتاب الجنون” للكاتب الروسي ليونيد أندرييف (1906).
قصيدة إدوين أرلينجتون روبنسون “لازاروس” (1920)، وقصيدة سيلفيا بلاث “سيدة لازاروس” التي نُشرت في مختاراتها بعد وفاتها (1965). تظهر إشارة إلى لعازر أيضاً في مذكرات الشاهد (1952) بقلم ويتاكر تشامبرز .
لازاروس ميت (2011) لريتشارد بيرد هي رواية مبتكرة وصفتها صحيفة صنداي بيزنس بوست بأنها “ليست رواية عادية: إنها رواية رائعة ومنحنية للنوع والتخريب لواحدة من أقدم القصص وأكثرها إثارة في الغرب الكنسي.
رواية ريتشارد زيملر الأكثر مبيعاً ” الإنجيل حسب لعازر ” (2019) مكتوبة من منظور لعازر نفسه. يقدم الكتاب يشوع بن يوسف (اسم عيسى العبري) باعتباره صوفياً يهودياً مبكراً ويستكشف الصداقة العميقة بين لعازر ويشوع، اللذين كانا – ضمن البيئة الخيالية – صديقين حميمين منذ الطفولة.تشمل موضوعات الكتاب كيف نتعامل مع فقدان الإيمان، والتضحيات الرهيبة التي نقدمها لمن نحبهم، والمعنى المتسامي لمهمة يشوع، وكيف نواصل العمل بعد معاناتنا من صدمة محطمة. لخصت مراجعة الأوبزرفر الرواية على أنها “قصة إنسانية للغاية عن التنافس والخيانة والاستيلاء على السلطة والتضحية … ولعل الجانب الأكثر بروزاً في هذه الرواية الشجاعة والجاذبية والتشويق.

إقامة لعازر في الأفلام السينمائية

فيلم (John Derhak’s The Bones of Lazarus (2012 هو فيلم مضحك للغاية وسريع الإيقاع وخارق للطبيعة يتتبع حياة متقاطعة في جزيرة كاريبية مزقتها الحرب وغنية بالموارد. تدور الحبكة حول فرضية أن لعازر بعد قيامته من الموت يصبح مخلوقًا خالداً. يبحث عن قلوب وأرواح الأشرار عبر الزمن.
فيلم الخيال العلمي لعام 2014 Interstellar، أُطلق اسم Lazarus على برنامج الفضاء الذي يهدف إلى توسيع وصول البشرية إلى عالم بعيد لمنع انقراضها.

ألعاب الإلكترونية تناولت إقامة لعازر

في بداية لعبة الخيال العلمي RPG Mass Effect 2، تم إحياء شخصية اللاعب Commander Shepard من خلال جهود إعادة الإحياء المعروفة باسم مشروع لازاروس.
تتميز لعبة الفيديو Doom بالطاقة الجهنمية التي يمكن إطلاقها في موجات يشار إليها في اللعبة باسم موجات لازاروس لإنشاء العائدون من الموت، وهو شكل من الشياطين تم إنشاؤه من الجنود القتلى المحسنين آلياً.

إقامة لعازر في العلوم

يُشير المصطلح العلمي “تصنيف لازاروس” إلى الكائنات الحية التي عاودت الظهور في سجل الحفريات بعد فترة من الانقراض الواضح.
مصطلح “متلازمة لازاروس” تُشير إلى حدث يعود فيه الشخص إلى الحياة بشكل عفوي (يبدأ القلب في النبض مرة أخرى) بعد التوقف عن الإنعاش. علامة لعازر هي رد فعل يمكن أن يحدث في شخص ميت دماغياً، مما يعطي مظهراً أنه عاد إلى الحياة.
يستخدم مصطلح لازاروس في لغة البرمجة كبرنامج يقوم بشكل خاص في إنقاذ الملفات التالفة وإعادتها إلى الحياة مرة أخرى.

انتهت قصة لازاروس أو إقامة لعازر من الموت. لكن التساؤلات مازالت تحوم حول هذه الشخصية حتى بعد موتها. ومازالت معيناً لا ينضب للقصص والحكايات الأدبية والفنية.

المراجع

1. Author: Jack Zavada, (3/4/2019), Lazarus.. A Man Raised From the Dead and a Close Friend of Jesus Christ, www.learnreligions.com, Retrieved: 10/20/2020.

2. Author: The Editors of Encyclopaedia Britannica, (4/16/2020), Lazarus.. biblical figure, www.britannica.com, Retrieved: 10/20/2020.

3. Author: The Editors Of Catholic Online, (10/5/2017), Lazarus of Bethany, www.catholic.org, Retrieved: 10/20/2020.

4. Author: The Editors Of Bible Study Tools Staff, (4/6/2018), Lazarus Raised from the Dead – Bible Story, www.biblestudytools.com, Retrieved: 10/20/2020.

5. Author: Mary Fairchild, (4/28/2019), The Raising of Lazarus Bible Story Study Guide, www.learnreligions.com, Retrieved: 10/20/2020.

نافذة نُطل منها على العالم

إقامة لعازر من الموت: حكاية أغرب القصص في التاريخ

من هو لعازر؟