ينظر المجتمع إلى المرأة المطلقة على إنها شيء هامشي لا يستحق الاعتناء والرعاية، وتأتي نظرة المجتمع للمطلقات من الاعتقاد بأنهن اللاتي تسببن في هدم بيوتهن، ويسعين لخراب بيوت الآخرين ونصب شباكهن حول الأزواج. في هذا التقرير نناقش القضية مع جميع الأطراف المعنية في السطور التالية.
نظرة الرجال للمرأة المطلقة
في البداية كان سعينا إلى معرفة رأي الرجل ونظرته إلى المرأة المطلقة، هو ما جعلنا نسأل العديد من الرجال عن آرائهم. ونوجز هذه الآراء فيما يلي.
يرى أحد الرجال (49 عاماً) أن هناك مساواة بين الرجل والمرأة، ويعتقد أن المرأة حرة في عيش حياتها كما تريد، فإذا لم تشعر بالراحة والأمان والسكينة مع شريك حياتها فمن حقها أن تطلب الطلاق، وعليها ألا تهتم بما يقوله الناس في المجتمع عنها، فهذا المجتمع مصاب بانفصام الشخصية يرفض في العلن ما يفعله في الخفاء. فهو يتهم المرأة المطلقة زوراً وبهتاناً بأنها السبب في خراب البيت، برغم أن الزوج قد يكون هو السبب الفعلي. وعند إمكانية زواجه من امرأة مطلقة، أجاب بأنه على استعداد من الزواج منها، ولا يخشى مما يقوله الناس. فهذه المطلقة إنسان في الأول والأخير تستحق أن تعيش حياتها كما تريد دون إجبار أو ترهيب.
يرى آخر (30 عاماً) أنه لن يعلم على وجه التحديد ما السبب الحقيقي الذي أدى إلى الطلاق بين الزوجين، ومن هذا المنطلق فإن الحقيقة ستظل غائبة، فكلاهما سيكون لديه وجهة نظر سليمة نوعاً ما. فمن الممكن أن الزوج لم يستطع العيش مع هذه الزوجة لأي سبب كان. وعند سؤاله إذا كان بإمكانه الزواج من مطلقة، رفض رفضاً قاطعاً متعللاً أنه يفضل المرأة التي لم تتزوج من قبل. أما بالنسبة للسبب فلم يرغب في توضيحه.
يقول آخر (40 عاماً) إن المرأة المطلقة تخلت عن كل شيء وهدمت بيتها، فكل المشكلات الزوجية يمكن حلها بالتفاهم، لكن كونها تقرر الطلاق فهي بمثابة خائنة لهذه العشرة، ولا تستحق النظر إليها بعين الرأفة والرحمة. كان بإمكانها أن تحل جميع مشاكلها دون اللجوء إلى الطلاق لكنها قررت ألا تفعل ذلك. وعن إمكانية زواجه من مطلقة كانت الإجابة واضحة من حديثه. حيث يقول أنا لا أئتمن المطلقة على بيتي فبإمكانها هدم البيت في لحظة وطلب الطلاق مرة أخرى.
اقرأ أيضًا: قبول الذات: كيف تقبل نفسك في 10 خطوات؟ |
معاناة المرأة المطلقة
أما بالنسبة لرأي المطلقات أنفسهن في هذه القضية، تقول إحدى المطلقات “48 عاماً” بعض الناس في المجتمعات العربية ينظرون إلى المرأة المطلقة على أنها خائنة، ولا تستحق الحياة مادامت مطلقة. وهم لا يسألون أبداً عن السبب في فشل حياتها الزوجية.
كما أن كثير من الناس ينصحون إخوانهم وأصدقاءهم وأبناءهم بعدم الزواج من مطلقة أو حتى من أرملة دون أي سبب معقول. فما هو ذنب شابة أجبرتها أسرتها على الزواج من رجل مسن لا لشيء إلا إنه ثري يملك أموالاً كثيرة؟ وما ذنب زوجة أرادت الخلاص من إنسان لا يراعي الله فيها؟ ما ذنب مطلقة عانت من تدخلات أهل الزوج الذين أفسدوا عليها حياتها؟ وما ذنب مطلقة سرق الرجل الذي تزوجته مالها وشبابها؟ ألا يستحق هؤلاء الضحايا الرحمة والعطف من المجتمع؟
وتقول مطلقة أخرى (45 عاماً) ينظر المجتمع للمرأة المطلقة على إنها آثمة ارتكبت جرماً، ولم تؤد واجباتها الزوجية على أكمل وجه، ونظرات الشفقة وأصابع الاتهام تطاردها أينما حلت. بينما يحرمها المجتمع غالباً من حقها في أن تخوض تجربة جديدة. لكن الرجل المطلق دائماً ما ينظر إليه على إنه مغلوب على أمره لم يجد السعادة مع من اختارها. حتى لو لم يكن ذلك صحيحاً ومن حقه أن يختار من تناسبه فهو رجل بإمكانه أن يتزوج من جديد. فالطلاق لا يعيبه مثلما يعيب المرأة.
تقول إحدى المطلقات (33 عاماً) إن المطلقة متهمة في نظر المجتمع بأنها مقصرة وتصرفاتها كلها مشبوهة. وهي خاطفة للرجال من وجهة نظر النساء. فالنساء تصيبهن الغيرة والخوف على أزواجهن. حيث يخشين من المطلقات خاصة.
اقرأ أيضًا: كيف يصل الإنسان إلى مرحلة النضج العاطفي؟ |
رأي علم النفس في المرأة المطلقة
إن من أكثر فئات المجتمع تهميشاً هي المطلقات. فهي لا تعاني نفسياً فحسب من نظرة المجتمع إليها، بل تزداد معاناتها من شعورها بالوحدة واليأس والإحباط والقلق والتوتر التي تصاحب عملية الطلاق نفسها. حيث تشعر بأنها غريبة ووحيدة تقف أمام طوفان الألسنة التي لا ترحم وحدها. فالمجتمع يترصد بها ويترقب حركاتها وأفعالها، ولا يحاول أحد أن يساعدها كي تجتاز محنتها والشروع في بدء حياة جديدة تختارها بنفسها.
يشير الدكتور حامد زهران أستاذ الصحة النفسية إلى أن المجتمعات الشرقية عامة تنظر إلى المرأة المطلقة نظرة مليئة بالظلم. فهي مذنبة وليست لها قيمة اجتماعية. حيث يرونها عبئاً على المجتمع، ونادراً ما يرون أنها تستحق أية فرصة لإقامة حياة زوجية جديدة. وهذه النظرة نابعة دون شك من أفكار اجتماعية متخلفة وغير عادلة، فلا ينظر المجتمع للرجل بمثل هذه النظرة الدونية ولا ينتقص أبداً من حقوقه أو حريته بسبب كونه مطلقاً وهذا يثبت مدى التردي الذي وصلت إليه العلاقات الاجتماعية في مجتمعاتنا الشرقية.
اقرأ أيضًا: هل المرأة هي المسؤولة عن تحديد نوع الجنين؟ |
ماذا تفعل المطلقة؟
هناك نوعان من النساء، أحدهما ضعيفة تستسلم لليأس والإحباط سريعاً، وهذا النوع يمكن هزيمته بسهولة. أما النوع الآخر فهي النساء القويات التي لا تستسلم لظروف وصعوبات الحياة. وسواء كان الطلاق هو قرار المرأة أو الرجل فإن الحياة بعد الطلاق لن تخلو من المعاناة كما أشرنا بذلك آنفاً. وبعد الطلاق فإن المرأة الضعيفة تستلم لليأس والقلق والتوتر والإحباط. ثم تبدأ في عزل نفسها عن المجتمع، وتعيش في عزلة وحيدة حتى يقضي عليها الاكتئاب. فالاكتئاب مرض نفسي يأكل الإنسان من الداخل.
لكن المرأة القوية التي لا تستسلم تعد الطلاق مجرد تجربة أخرى من تجارب الحياة التي اكتسبت منها خبرة عظيمة. ومن هنا تقرر هذه المرأة ألا تستسلم للمعاناة، ولا تلق بالاً لنظرة المجتمع لها ولا لكلامهم. ثم تجلس لتقرر ما يمكن أن تفعله في حياتها الجديدة. حيث يمكنها أن تبدأ في الدراسة من جديد أو ممارسة هواية جديدة، أو العمل في مكان أخر إذا كانت امرأة عاملة، وإن لم تكن يمكنها البحث عن عمل لتقضي فيه وقتها.
لكن عليها الحدز من التفكير في البحث عن الزواج مرة أخرى، فالزواج سيأتي مرة أخرى عاجلاً أو آجلاً، وفي ذلك الوقت ستمتلك القدرة على الحكم السليم على الشخص الذي تريد الزواج به بعد أن تعلمت من تجربتها السابقة. وعليها ألا تمتثل إلى نظرات الناس في المجتمع، ولا تبالي بآرائهم، فلا أحد من الناس ولا حتى أقرب المقربين سيعيش حياتك أنتِ، ولن يعاني أحد منهم بدلاً منك. لذا عليك الاختيار من أي نوع من النساء تكونين؟!