الاستحمام بالماء البارد: هل يُطيل عمر الإنسان؟
الاستحمام بالماء البارد يمكن أن يكون منعشاً بقدر ما هو مريح في الصيف، حيث يساعد الماء البارد على التخلص من حرارة الجسم المرتفعة، وفي الشتاء نكافئ أنفسنا ببعض الماء الساخن للتخفيف من برودة الجسم. لكن يبدو أن الاستحمام بالماء البارد في الشتاء له فوائد صحية وعقلية جمة أثبتتها العديد من الأبحاث والدراسات العلمية. ليس هذا فحسب بل إن الاعتياد على الاستحمام بالماء البارد يمكن أن يطيل عمر الإنسان. دعونا نناقش هذا الموضوع بشكل أكثر تفصيلاً لنتعرف على فوائد الاستحمام بالماء البارد.
تجربة الاستحمام بالماء البارد
استخدم الطبيب اليوناني أبقراط الماء البارد لعلاج أخطر الأمراض. وقد أفادت العديد من الدراسات أن غمر المريض في ماء بارد أو عادة الاستحمام بالماء البارد أو المثلج له فوائد جمة لا حصر لها، وأن أولئك الذين يتبعون هذا النظام في حياتهم لديهم أمراضاً أقل بنسبة 29% من أولئك الذين لا يفعلون ذلك[1].
قال لي صديق قديم أنه شرع في الاستحمام بالماء البارد لمدة أسبوع كامل وهو لم يعتد على ذلك من قبل، لقد كانت فكرة الوقوف تحت الماء البارد كل يوم في أوقات البرد القارس تحدياً مجنوناً. لكنه اكتشف في النهاية أن الأمر لم يكن بهذه الصعوبة. أما ما دفعه لذلك هو ما قرأه عن فوائد هذا الفعل في الصحة الجسدية والنفسية ومكافحة الأمراض.
بدأ تنفيذ هذه الفكرة وحصل بالفعل على عدد لا حصر له من المزايا. لن تنزع هذه الفكرة من عقلك متعة الاستحمام بالماء الساخن، لكن عليك أن تنزع من عقلك هذه الرغبات وأدخل تحت الماء البارد لمدة 30 ثانية يومياً بعد الاستحمام لمدة دقيقتين. يقول الصديق أنه شعر بدافع كبير. وأدرك أن الماء الساخن يتركه في حالة من التفكير العميق، لكن الماء البارد يوقظ الدماغ، ولا يجعلك تفكر سوى في هذه اللحظة فقط.
لم يعجبه الأمر في البداية، وشعر أن أول 15 ثانية كانت تبدو وكأنها الأبد. ولكن بمجرد أن اعتاد جسده على الماء البارد تغير كل شيء. حيث بدأ في التركيز على ما يشعر به، وكان على علم بكل جزء صغير من كيانه. وفجأة شعر بتوتر كتفيه، فأرخاهما، وأدرك أن تنفسه كان سريعاً، فأبطأه، وبمجرد خروجه شعر بدافع ونشاط كبير لمواجهة اليوم. جلس بهدوء أثناء تناول وجبة الإفطار وكتب قائمة بالمهام التي يجب عليه القيام بها في ظل نشاطه المفرط الذي يشعر به.
عاد في اليوم التالي لنفس التجربة. حدث معه نفس الأمر، حيث شعر ببعض الخوف عند التفكير في الماء البارد، لكنه لم يفهم ما يحدث، وقال لنفسه:
“إذا كان الأمر جيداً وأعجبني كثيراً.. فلماذا لا يزال من الصعب عليّ الدخول تحت الصنبور”.
كان يعلم أن الأمر لن يكون سهلاً في البداية، ومع ذلك استمر في تجربة الاستحمام بالماء البارد لمدة سبعة أيام. وقد تغيرت حياته إلى الأبد.
نمط الحياة الصحي
هناك العديد من المعمرين في العالم الذين تخطت أعمارهم المائة عام، ولا زالوا محتفظين بصحتهم الجسدية والعقلية. وقد ذكر العديد منهم أن الأمر يتعلق بنمط الحياة الصحي، واتفقوا على أهمية الطعام الصحي، وممارسة الرياضة، والنوم مبكراً، وضرورة الحفاظ على علاقات صحية. لكن ما لم يلاحظه الكثير أنهم كانوا يذكرون دائماً الاستحمام بالماء البارد أو التعرض للبرد بشكل عام.
يقال إن نمط الحياة هذا يؤدي إلى إطالة عمر الإنسان، ويمنحه المزيد من التركيز والانضباط في الحياة، دون الحاجة إلى منبهات أو وسائل مساعدة على التركيز مثل القهوة. كما أن الاستحمام بالماء الساخن يزيد من هرمون التستوستيرون. لكن هل هذا صحيح؟ قبل أن نكتشف ذلك، علينا أن نفهم بعض الأشياء.
إذا ألقينا نظرة سريعة على حياة أولئك الذين حققوا نجاحات كبيرة في الحياة من المشاهير سواء كانوا رواد أعمال أو رياضيين أو فنانين وما إلى ذلك سنفهم بالتأكيد لماذا وصلوا إلى تحقيق هذا النجاح. فهم يتبعون عادات النجاح التي ذكرنا بعضها فيما سبق، لكن الغريب في الأمر هو أن الجميع يقولون إنهم يستحمون بالماء البارد كل يوم. يستيقظ الواحد منهم في الساعة الرابعة صباحاً، ويمارسون الرياضة لمدة ساعتين يومياً، ويأكلون جيداً، ولا يصابون بالمرض، ويتبرعون للجمعيات الخيرية، وينقذون العالم مرة واحدة في الأسبوع 😀
لا يستطيع معظم البشر الحفاظ على نمط الحياة الناجح، هذا لأن يومنا مشغول للغاية بأشياء تتعلق بحياة الناس العاديين غير المشاهير 😉 . ولكن عادة التعرض للماء البارد هو أمر جيد بلا شك لإطالة العمر وتحسين نوعية الحياة[2]. وهذه من المؤشرات التي يدعمها العلم. نعم. كما هو الحال في العلاقة الرومانسية، كلما كان الجو بارداً وأقل سخونة في حياتنا، زاد احتمال استمراره. ومن المنطقي إذا كان هذا صحيحاً، فإن العكس له تأثير عكسي. وهذا يعني أنه كلما زادت درجة حرارة أجسامنا، كلما زاد تأثيرها السلبي على حياتنا، وحينها لن نحصل على الخلود البيولوجي! ولن تطول أعمارنا.
أهمية الاستحمام بالماء البارد
لكي نفهم سبب أهمية “المحفز البارد” لجسم الإنسان على المستوى التطوري، دعونا نعود بضعة آلاف من السنين إلى الوراء. لقد كان البشر في الماضي يواجهون الطبيعة بكافة تقلباتها، واستطاعوا التكيف معها طوال تاريخهم. ولعب البرد دوراً هاماً في ذلك. حيث كان الجسم يتكيف مع البرد من خلال زيادة إنتاج الحرارة عن طريق التمثيل الغذائي المتسارع[3].
خطت البشرية خطوة إلى الأمام، واستطاع الإنسان أن يتخلص من هذه الضغوط الطبيعية المتمثلة في البرد، بعد اكتشاف النار. ومن ثم أصبح إشعال النار للتدفئة وسيلته للتخلص من البرد. ومع ظهور الحضارة أدت العديد من الاختراعات البارعة إلى مكافحة هذا البرد الطبيعي. لقد أصبح الإنسان ينعم الآن بالسترات الحرارية الدافئة، أو يمكنه ببساطة تشغيل الدفايات الموجودة في المنزل أثناء البرد، كما يمكنه أن يحصل على الدفء وهو يقوده سيارته إلى عمله.
أدى كل ذلك إلى حرمان أجسامنا من المحفز البارد الطبيعي، ومع اختفاء هذا المحفز ظهرت الأمراض المتعلقة بالتمثيل الغذائي والتوازن الهرموني. لذلك فإن الحل الأمثل لعودة الجسم إلى طبيعته هو تحفيزه بشكل واعي بالبرد، ويعمل ذلك ببساطة من خلال الدش البارد العادي سواء في الصيف أو الشتاء. أما الأفضل من ذلك كله، هو العمل على التكيف مع البرودة، على سبيل المثال يمكنك ارتداء ملابس خفيفة في فصول الشتاء. وكلما تكيفت مع برودة الجو، كلما قل احتمال شعورك بالبرد.
تحسين الدورة الدموية
البرد يعزز الدورة الدموية، ويقلل تمدد الأوردة ويسهل عودة الدم إلى القلب، ولهذا السبب يمكن أن يكون الاستحمام بالماء البارد مفيداً للأشخاص الذين يعانون من الدوالي والقصور الوريدي المزمن. وقد ثبت تأثير الماء البارد على الأوعية الدموية، كما إنه يتمتع بتأثيرات مريحة، ويساعد على تقليل حالات التوتر والقلق. ومن خلال زيادة الدورة الدموية، تتحسن أيضاً مرونة الجلد، عن طريق زيادة إنتاج الإيلاستين والكولاجين، ومكافحة احتباس السوائل وتأخير ظهور السيلوليت. وكل هذا يؤدي إلى تحفيز جهاز المناعة[4]. ونتيجة لذلك، إذا كان على جسمك التعامل مع الفيروسات والبكتيريا، فمن المحتمل أن يكون أفضل بكثير إذا قمت بالاستحمام في الماء البارد من حين لآخر.
إن الاستحمام بالماء البارد مفيد لدورتك الدموية: فالبرد يمنح عضلاتك دفعة من الطاقة. وينطبق هذا أيضاً على قلبك، الذي يحفز الدورة الدموية.
تقوية جهاز المناعة
اخترع سيباستيان نيب العلاج بالمياه الباردة منذ أكثر من 100 عام، وكان يعتقد حينها أن الاستحمام بالماء البارد يقوي جهاز المناعة. وقد أثبت العلماء في إحدى الدراسات[5] فعالية الماء البارد. بدأت الدراسة بمنح المرضى الذين يعانون من التهاب الشعب الهوائية المزمن حمامات باردة ثلاث مرات في الأسبوع، واستمر الأمر لعدة أشهر. وكانت النتيجة أن الاستحمام بالماء البارد بانتظام قلل من تكرار الإصابة بالعدوى. وقد زاد عدد الخلايا الليمفاوية في دم المشاركين بنسبة 13%. وهذا يعني أن جهاز المناعة قد تم تعزيزه. أكدت الدراسة أن الاستحمام المنتظم بالماء البارد على مدى فترة طويلة من الزمن يمكن أن يقلل بشكل فعال من التعرض للإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي.
إن الاستحمام بالماء البارد مفيد لجهاز المناعة لديك: مثل كل عضلة، تحتاج الدورة الدموية إلى التدريب للحفاظ على لياقتك البدنية. وهذا بالضبط ما يفعله الماء البارد. الانكماش والتمدد المنتظم يجعل جسمك يعتاد على درجات حرارة مختلفة. وهذا يعني أن جسمك مستعد جيدًا للأيام الباردة والرطبة.
تسكين الآلام وعلاج الالتهابات
إذا كنت تعاني من ألم جسدي، فإن الاستحمام بالماء البارد يمكن أن يساعد في تقليله. يحدث هذا عندما تنخفض درجة حرارة الجسم من خلال الاستحمام بالماء البارد. يؤدي ذلك إلى تقليل التشنجات العضلية وإطلاق عدد أقل من المواد الالتهابية، وبالتالي يقل الالتهاب، بينما تنخفض الوذمة والحرارة في المنطقة. وهو نفس السبب الذي يجعل من المستحسن وضع الثلج لتقليل الالتهاب عندما تتعرض لضربة. ولا ينبغي أن تكون درجة الحرارة منخفضة جداً للاستفادة من فوائدها. فالعديد من الأطباء الذين يتحدثون عن فوئد الاستحمام بالماء البارد يقصدون أن درجة الحرارة يجب أن تتراوح بين 20 إلى 25 درجة مئوية، وليس الاستحمام بالماء المثلج.
الاستحمام بالماء البارد وإنقاص الوزن
يحتوي الجسم على أنسجة دهنية بيضاء وبنية. وظيفة الخلايا الدهنية البيضاء هي تخزين السعرات الحرارية غير المستخدمة، وهي المسؤولة في كثير من الأحيان عن السمنة. ووظيفة الخلايا الدهنية البنية هي توليد الحرارة عندما يكون الجسم بارداً، وهي بحاجة إلى الكثير من الطاقة وحرق السعرات الحرارية. وبالتالي فإن الاستحمام بالماء البارد ينشط الأنسجة الدهنية البنية. وهذه هي الطريقة التي يحرق بها الجسم السعرات الحرارية[6]. فإذا كنت ترغب في الاستفادة الكاملة من هذا التأثير، قم بالتبديل من الاستحمام بالماء الساخن في الصباح إلى الماء البارد، وواظب عليه.
إن الاستحمام بالماء البارد صحي بالنسبة لوزنك؛ فبرودة الماء تحفز حرق الدهون لأن الجسم يحاول تعويض البرودة عن طريق إنتاج الحرارة. لذا هو يأخذ الطاقة اللازمة من احتياطيات الدهون لديك. وهذا أمر مؤكد علمياً.
تحسين الجلد والشعر والبشرة
تنقبض الأوعية الدموية عندما يكون الجو بارداً، وتتوسع مرة أخرى عندما يكون الجو دافئاً. وهذا يحفز الدورة الدموية ويجعلك مستيقظاً تماماً. وهو هذا يجعل بشرتك تبدو أكثر نضارة ووردية. هذا بالإضافة إلى أن الماء البارد يغلق المسام ويمنع جزيئات الأوساخ من الاستقرار والتسبب في الشوائب. كما يمكن لدرجات الحرارة المرتفعة جداً أن تهاجم الطبقة الواقية الطبيعية للبشرة وتحرمها من الرطوبة. يستفيد شعرك أيضاً من الاستحمام البارد. حيث يغلق الماء البارد البشرة العلوية وينعم بصيلات الشعر الدقيقة، مما يجعل الشعر يبدو أقوى وأكثر صحة.
أخذ حمام بارد صحي للبشرة والشعر: فالماء البارد يتسبب في انكماش أسطح الجلد والشعر. وهذا يعني أنهم يفقدون كمية أقل من السوائل. ومع ذلك، لا يجب الاستحمام بماء بارد جداً حتى لا تغلق المسام تماماً. وإلا فإن جل الاستحمام لن يتمكن من اختراق الجلد والعمل.
تعافي العضلات
إننا ننظر إلى المرآة لنرى كيف تحسنت بشرتنا، ويقع نظرنا على العضلات، وهنا نتساءل: إذا كان الاستحمام بالماء البارد يحسن الدورة الدموية والأداء الرياضي، فهل يمنحنا المزيد من العضلات؟ الجواب هو نعم، على الرغم من أن العلاقة غير مباشرة. فما يفعله التعرض للبرد هو زيادة مستويات الأكسجين في الدم، وتحسين القدرة على التحمل، مما يزيد من تعافي الجسم إلى أقصى حد.
أخذ حمام بارد صحي لعضلاتك: بعد التمرين المكثف، تصبح عضلاتك ساخنة ومتوترة. الماء البارد يسرع عملية التجدد ويهدئ الأنسجة ويمنع آلام العضلات.
علاقة الاستحمام بالماء البارد بهرمون التستوستيرون
يعتقد الكثير من الرجال أن الاستحمام بالماء البارد يزيد من هرمون التستوستيرون إلى مستويات غير متوقعة. يجب أن تكون ذكراً لتتمكن من الغطس تحت الماء المثلج في أوج برد الشتاء، فهذا العمل يجعلك تشعر وكأن مليون إبرة تخترق كل جزء من جسدك. فكيف لا يؤدي مثل هذا العمل الذكوري إلى زيادة هرمون التستوستيرون؟ الحقيقة هي أن الاستحمام بالماء البارد ليس له أي تأثير على هرمون التستوستيرون كما يعتقد الكثير.
تخبرنا دراسة قديمة يعود تاريخها إلى عام 1991 أن التعرض للبرد لم يكن له أي تأثير على مستويات هرمون التستوستيرون[7]. لكن هناك دراسة أحدث تعود إلى عام 2007 تخبرنا بالعكس تماماً. حيث تشير إلى أننا إذا وقفنا تحت دش الاستحمام، وشعرنا بألم البرد الذي لا يطاق، فإن هرمون التستوستيرون ينخفض في الدم[8]. ولذلك فإن تأثير الاستحمام بالماء البارد على هرمون التستوستيرون لم يُثبت علمياً على الأقل حتى الآن.
ضبط مستويات السكر في الدم
إن أول ما يتبادر إلى الذهن عندما نفكر في الاستحمام البارد – بصرف النظر عن حقيقة أننا نريد معطفاً – هو أنه مفيد للدورة الدموية. ويقول البعض أنه مفيد حتى بالنسبة للدوالي والسيلوليت، وربما يتوقع هؤلاء أنه إذا تحسنت الدورة الدموية، فإن الدوالي والسيلوليت تتحسن. لكن لا نستطيع أن نقول الكثير عن علاقة التعرض للبرد بالدوالي والسيلوليت، ولكن ما يمكننا قوله أن الاستحمام بالماء البارد يحسن الدورة الدموية. أما أكثر دراسة[9] أذهلتني في الحقيقية هي تلك التي تشير إلى أن مستويات السكر في الدم تتحسن عند الاستحمام بالماء البارد. لكن كيف ذلك؟
تقول هذه الدراسة أن الاستحمام بالماء البارد يزيد من مستويات هرمون الأديبونيكتين بنسبة 70%. وهذا الهرمون هو المسؤول عن تنظيم نسبة الجلوكوز في الدم. ولدى مرضى السكر في العادة مستويات منخفضة جداً من هذا البروتين.. يا لها من صدفة. الغريب في الأمر أننا إذا أردنا مضاعفة مستويات هذا الهرمون في الدم علينا بالاستحمام بالماء البارد ونحن صائمون، وهذا الأمر يطيل العمر، كما أوضحت التجارب التي أجريت على الفئران[10].
إن الجوع والبرد يجعلان الإنسان يعاني بشدة، لكنه يتم تعويضه عن هذه المعاناة بالعيش لفترة أطول. إذن خلاصة القول التعرض للبرد يساوي تنظيم أفضل لجلوكوز الدم.
تقليل القلق والتوتر
لقد عرضنا فوائد الاستحمام بالماء البارد على المستوى الجسدي، ولكن ماذا عن المستوى النفسي. يرتبط الاستحمام بالماء البارد بشكل مباشر بالتوتر والقلق وحتى الاكتئاب. فنحن البشر مخلوقات غريبة وعجيبة. حيث يأتي القلق من التفكير كثيراً في المستقبل، بل والإفراط في التفكير. لكن إذا جربنا وضع أنفسنا تحت حمام بارد لفترة من الوقت، سيختفي كل هذا التوتر (على الأقل لفترة من الوقت). نحن نشعر بتلك اللحظة ولا نعطي لعقولنا وقتاً للتفكير في القصص الخيالية التي نخلقها في رؤوسنا. هل تعتقد أن هذه النظرية التي أخبرك بها هي قصتي الخيالية أيضاً؟ الجواب لا بالطبع. فهناك العديد من الدراسات التي تكشف عن تحسن مباشر لكل من يعاني من أعراض الاكتئاب والقلق باستخدام العلاج بالماء البارد[11].
يعمل التعرض للبرد على تقليل القلق والتوتر من خلال إطلاق هرمون الإندورفين، وهو الهرمون الذي يمنحنا الشعور بالسعادة. يزيد الاستحمام بالماء البارد هذا الهرمون، وهو مهم جداً بالنسبة للشخص المصاب بالاكتئاب، حيث يجعله سعيداً كما لم يشعر منذ فترة طويلة.
السعادة والبرد وطول العمر
يساهم التعرض للبرد في إطالة عمر الإنسان، ولا يتوقف الأمر على ذلك فحسب، بل يحسن جودة الحياة اليومية. ويمكننا أن نمتثل لأسلوب حياة صحي من خلال ذلك الأمر بالإضافة إلى بعض الأمور الأخرى مثل التعرض للشمس من أجل المزيد من فيتامين د المباشر، دون الحاجة إلى الحبوب والأدوية المختلفة. والقيام بالأنشطة البدنية في الهواء الطلق، فهي تساهم في تحسين وظائف المناعة. بالإضافة إلى المزيد من العلاقات الاجتماعية، وقد أشرنا في مقال سابق عن أن العلاقات الصحية عامل حاسم في أن تكون أكثر سعادة، وهو ما يرتبط ارتباطاً مباشراً بطول العمر. وأخيراً الطعام الصحي فهو من أهم الأمور التي تساعد على إطالة عمر الإنسان، لذا يجب الاهتمام به قدر الإمكان، والابتعاد عن الوجبات السريعة، والمشروبات الغازية، والتدخين.
تعليمات الاستحمام بالماء البارد
إن أخذ حمام بارد في منتصف الشتاء يمكن أن يعتبر عملاً من أعمال الشجاعة والبطولة، لذا يفضل معظم البشر الاغتسال بالماء الساخن في أيام الشتاء الباردة. لكن إذا نظرنا للفوائد الجمة التي يمنحنا إياها الاستحمام بالماء البارد يمكننا خوض هذه المغامرة. فماذا عليك أن تفعل مع هذا التحدي؟
المرحلة الأولى: حمام الوجه البارد
ليس عليك أن تبدأ بالاستحمام مباشرة بالماء البارد، ويمكنك أن تبدأ بشيء صغير. افتح صنبور الماء البارد واغسل وجهك بالماء لبضع دقائق. حيث يتأثر الجسم بالبرد بسهولة من خلال الوجه واليدين. إذا كان الماء البارد منعشاً وغير مؤلم، فقد حققت هدفك. وما عليك سوى الانتقال إلى المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية: تكييف المياه
قف في الحمام واستحم بشكل طبيعي، في درجة الحرارة المعتادة التي ترغب بها. بعد بضع دقائق، ابدأ في جعل الصنبور أكثر برودة. التعرض للماء البارد سيكون مؤلماً في البداية، ولكن بعد بضع ثوان ستعتاد عليه. خذ نفساً عميقاً وركز على جسمك والبرد. استمر على هذا الوضع لمدة تتراوح ما بين 10 إلى 20 ثانية فقط. إذا صمدت هذا الوقت ستندهش أن البرودة لم تعد تزعجك. وعندما تصل إلى أقل درجة حرارة، سيكون لديك رأس صافي بشكل غريب بعد بضع ثوان. هذه هي الدورة الدموية.
المرحلة الثالثة: الاستحمام بالصدمة الباردة
إذا أكملت الخطوة الثانية بشكل جيد، عليك الانتقال إلى المرحلة التالية. تستند هذه المرحلة على التعرض مباشراً للماء البارد عن الاستحمام، فيما يشبه الصدمة. تنفس بعمق وتركيز، ثم افتح صنبور الماء البارد مباشراً وواجه المياه ولا تبعد عنها. بعد لحظات لم تعد تشعر بالبرد، وما عليك إلا الوقوف تحت الماء البارد لمدة ثلاث دقائق.
الخطوة الرابعة: الحمام البارد
الحمام البارد لم يعد مشكلة؟ دع حوض الاستحمام يمتلئ واستلقي فيه. نحن نقترب أكثر فأكثر من الانضباط الأعلى. إذا كان الحوض ممتلئاً فأجلس فيه أولاً، وبعد دقيقتين استلقي بكامل جسمك. واترك الماء البارد ينساب إلى جسمك. عليك الانتظار في ذلك الوضع قدر الإمكان، وإن لم تستطع انتظر لثلاث دقائق.
الخطوة 5: حمام الثلج
إذا كنت قد اجتزت جميع المراحل السابقة، وتريد أن تذهب إلى مستوى أعلى، فإن حمام الثلج مناسب لك. وهذه الخطوة مناسبة إذا كانت درجة حرارة الماء الأبرد من الصنبور لا تزيد عن 8 درجات مئوية. دع حوض الاستحمام يمتلئ كالمعتاد وضع كيس أو كيسين من مكعبات الثلج. وحاول أن تبقى في الماء لمدة خمس دقائق على الأقل.
إذا كان بإمكانك أن تجتاز المرحلة الخامسة، فهنيئاً لك، فأنت واحد من النخبة القوية! الجدير بالذكر أن التدريب على الاستحمام بالماء البارد والمثلج يجعلك أكثر مرونة وأكثر تصميماً وأكثر حزماً في الحياة الواقعية. ويتطلب الأمر بعض الشجاعة والجهد لتحقيق ذلك. ولكن الأمر يستحق، وهذا يجعلك أكثر قوة ويأخذ التمثيل الغذائي الخاص بك إلى مستوى جديد.
المراجع
[1] The Effect of Cold Showering on Health and Work: A Randomized Controlled Trial.
[2] Cold Therapy for Boosting Health and Improving Longevity.
[3] Physiology of Cold Exposure.
[4] Possible stimulation of anti-tumor immunity using repeated cold stress: a hypothesis.
[5] Health effects of voluntary exposure to cold water – a continuing subject of debate.
[6] Unexpected evidence for active brown adipose tissue in adult humans.
[7] Effects of physical exercise and cold stimulation on serum testosterone level in men.
[8] Possible stimulation of anti-tumor immunity using repeated cold stress: a hypothesis.
[9] Cold exposure increases adiponectin levels in men.
[10] Cold exposure reverses inhibitory effects of fasting on peripheral glucose uptake in rats.
[11] Adapted cold shower as a potential treatment for depression.
ربما سأخوض هذا التحدي يوما ما
الله معك