فلسفة

العقلانية: طريق البحث عن الحقيقة

العقلانية هي نظرة معرفية تميل إلى اعتبار العقل والاستدلال المنطقي هو الطريق الأمثل والوحيد للوصول إلى الحقيقة. أي أنها تصف كل ما يمكن أن يوجد وما يمكن التفكير فيه. يترتب على هذه النظرة الفلسفية العديد من النتائج المثيرة للاهتمام. حيث سيتبع الايمان بهذه الفلسفة أن كل شيء يمكن تصوره فهو ممكن بالفعل؛ في حين أن الأشياء التي لا يمكن تصورها فهي مستحيلة. وعلى ذلك نجد أن كل ما في الكون لا يخرج عن نطاق تصورتنا أو معرفتنا. باختصار، ترى العقلانية أن العقل البشري يحمل في داخله المفتاح لفهم بنية الواقع المطلق. للحصول على معرفة أعمق بالواقع.

مفهوم العقلانية

العقلانية هي وجهة النظر الفلسفية القائلة بأن المعرفة تُكتسب من خلال العقل، دون مساعدة الحواس. والمعرفة الرياضية هي أفضل مثال على ذلك، لأنه من خلال التفكير العقلاني وحده يمكننا أن نصل إلى أعماق العلاقات العددية، وبناء البراهين، واستنتاج مفاهيم رياضية أكثر تعقيداً من أي وقت مضى. يمكننا حتى أن نتصور أن شخصاً ما محبوساً في غرفة بدون خبرة حسية على الإطلاق قد يصل إلى مستوى متطور من المعرفة الرياضية. وقد تمسك العديد من الكتاب القدامى والعصور الوسطى بالعقلانية، وأبرزهم أفلاطون والفلاسفة الذين اتبعوا التقليد الأفلاطوني. وفي منتصف القرن السابع عشر، تطورت العقلانية تطوراً فريداً على يد الفلاسفة الذين رأوا أن مفاهيمنا العقلية الأكثر أهمية هي فطرية أو وراثية. ومن هذه المفاهيم نستنتج حقائق أخرى بيقين مطلق.


العقلانية ومصدر المعرفة عند أفلاطون

حياة أفلاطون

العقلانية كونها نظرية معرفية فهي تفرق بين نوعين من الحقائق: حقائق تجريبية وحقائق عقلية. أما الحقائق التجريبية فهي ممكنة وجزئية ونسبية، ومصدرها الإدراك الحسي، والإنسان أياً كان قادر على إدراكها. ولعل أفضل مثال على ذلك هو محاورة “مينون” لأفلاطون التي تلتزم العقلانية بغرض التدليل على السمة الأبدية للحقيقة. حيث يطلب سقراط من أحد خدام مينون، وهو عبد صغير، حل مسألة هندسية. ورغم أنه لم يدرس العلوم الرياضية، إلا أنه وفق في حلها، وذلك بتذكر معارف كانت كامنة في عقله. حيث يعتقد سقراط أن مصدر المعرفة عند الإنسان يأتي من حضور النفس البشرية في العالم الإلهي.

اقرأ أيضًا: الفلسفة الهيلينية: كيف امتزج الدين بالفلسفة؟

العقلانية في الفلسفة الإسلامية

يعد ابن رشد أحد أهم فلاسفة المسلمين الذين انتهجوا مذهب العقلانية في فلسفتهم. حيث يتخذ ابن رشد دليلاً على العقلانية في مجال العلاقة بين الشريعة والحكمة. وهو يحدد هذه العلاقة على ضوء نظريته عن المعرفة. إذ يفرق بين ثلاثة أنواع من المعرفة: خطابية، وجدلية، وبرهانية، وأدقها البرهانية لأنها تبدأ من المبادئ الأولية للعقل، وهي واضحة بذاتها. ويستنتج منها نتائج تشترك في الوضوح والبداهة، وفي يقين المقدمات. وطريق البرهان هو طريق الحكمة إذ ” الحكمة” هي النظر إلى الأشياء بحسب ما تقضيه طبيعة البرهان”.

اقرأ أيضًا: النظرية العلمية: المفهوم والمعايير وأهم النظريات العلمية

العقلانية في الفلسفة الحديثة

المذهب العقلاني
رينيه ديكارت

من المتعارف عليه أن رينيه ديكارت هو مؤسس العقلانية في الفلسفة الحديثة بلا منازع. فيرى أن العقل واحد عند بني البشر أجمعين. وهذا العقل هو ما يجعلنا متفردين؛ أو بالأحرى هو ما يميزنا عن باقي المخلوقات. أما بالنسبة لاختلافنا في الأفكار والآراء فيرجع إلى تباين الطرق في استخدام العقل.

مثل غيره من المفكرين في ذلك الوقت، انجذب ديكارت إلى فكرة الطريقة العلمية في البحث، والتي عند اتباعها ستمكنه من تحقيق اكتشافات جديدة ودفع حدود المعرفة. وهكذا ابتكر طريقته الخاصة. تلك الطريقة التي تمثل نقطة انطلاقها في القضاء على جميع الآراء السابقة، وإنشاء المعرفة من جديد على أسس متينة فقط.

ووفقاً لديكارت، فإن المعرفة التي نحصل عليها عادةً من خلال التعليم والخبرة الحياتية هي مزيج غير منهجي من الحقائق والأكاذيب. وغالباً ما يكون من المستحيل بالنسبة لنا التمييز بسهولة بين الاثنين. إنها تُشبه تماماً تلك الفوضى والتخطيط السيئ الذي نراه في المدن القديمة حينما تتوسع ببطء من قرى صغيرة إلى مناطق حضرية كبيرة، مضيفة عشوائياً حياً تلو الآخر. فإذا أردنا إضافة نظام لمثل هذه المدينة الفوضوية، فسيكون من المستحيل القيام بذلك عن طريق تجديد منزل واحد في كل مرة. والعلاج الوحيد هو هدم المدينة بأكملها والبدء من جديد.

وبالمثل، يقول ديكارت أنه على الرغم من أنني قد أحاول تحسين قاعدة بيانات المعرفة الخاصة بي من خلال فحص حقيقة واحدة في كل مرة، فإن هذا أيضاً لن ينجح. والإجراء الوحيد الجدير بالثقة بالنسبة لي هو التخلص من مجموعة معتقداتي بالكامل والبدء من جديد. مثلما يتم تخطيط المدن الأكثر تنظيماً بواسطة مهندس معماري واحد من الألف إلى الياء. كذلك يجب أن أفعل الشيء نفسه عند إعادة إنشاء قاعدة بيانات المعرفة الخاصة بي.

قواعد المنهج الديكارتي 

وهكذا، كما يقول رينيه ديكارت، يجب علينا التخلص من مخططاتنا المعرفية القديمة والمضطربة. وبعد ذلك، يجب أن نتبع أربع قواعد محددة للتحقيق ستمكننا من بناء نظام متماسك بشكل منهجي.

  1. القاعدة الأولى

    تعد القاعدة الأولى في العقلانية هي قبول الأفكار الواضحة والمتميزة التي لا تقبل الشك. يصف هنا تجربته الخاصة عند تطبيق هذه القاعدة. بينما كان أولها عدم قبول أي شيء على أنه حقيقي ما لم أكن أدرك بوضوح أنه كذلك. وهذا للتخلص من التحيز في الأحكام، وألا أقبل فيها أكثر مما تم تقديمه إلى ذهني بوضوح بحيث لا يكون لدي أي فرصة للشك فيه. وجهة نظره هي أن أساس معرفته يجب أن يكون فقط الحقائق التي يعرفها على وجه اليقين والتي يمكنه التعرف عليها على هذا النحو بسبب الوضوح والتميز اللذين تظهرهما.

  2. القاعدة الثانية

    هي أنه، عند محاولته حل المشكلات. “يقسم كل من الصعوبات التي فحصتها إلى أكبر عدد ممكن من الأجزاء، وكما بدا ضرورياً حتى يمكن حلها بأفضل طريقة ممكنة”.

  3. القاعدة الثالثة

    تنص القاعدة الثالثة في العقلانية على أنه يجب أن يبدأ بأبسط العناصر، ويعمل على العناصر الأصعب والأكثر تعقيداً.

  4. القاعدة الرابعة

    لجعل التعداد مكتمل للغاية والمراجعات عامة بحيث يجب أن أتأكد من عدم حذف أي شيء”. أدرك ديكارت أنه إذا بدأ فعلياً برفض جميع آرائه السابقة، فإنه سيدخل مؤقتاً إلى منطقة محرمة لا يستطيع أن يصدق أو يثق فيها بأي شيء حتى يبدأ نظام المعرفة النهائي الخاص به. ولكن كيف يتصرف خلال ذلك الوقت؟ هل يصبح ملحداً أم تاجر مخدرات أم سارق بنك؟ لذا أنشأ منهجاً أخلاقياً مؤقتاً لمعالجة هذا القلق. وتمنى أن يظل على المسار الصحيح حتى يكمل نظام المعرفة الخاص به.

المنهج الأخلاقي

وضع ديكارت لنفسه عدد من القواعد التي ينبغي عليه الالتزام بها حتى يصل إلى المنهج المعرفي. وتتمثل هذه القواعد في الآتي:

  • أولاً، يطيع قوانين بلده ويلتزم بإيمانه بالله.
  • ثانياً، سيكون ثابتاً في متابعة المواقف، حتى لو بدت مشكوكاً فيها.
  • ثالثاً، كما أوصى الرواقيون، سيركز على تغيير رغباته بدلاً من محاولة تغيير العالم من حوله.
  • رابعاً، سيختار أفضل مهنة ممكنة، والتي قرر أن تكون مهنة فيلسوف.

لقد وضع ديكارت المنهج الذي ينبغي علينا اتباعه حتى يصل إلى أمثل قيادة لذلك العقل في طريقه للبحث عن الحقيقة. وقد كانت هذه مجرد نبذة مختصرة عن الفلسفة العقلانية ومفهومها.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!