فن

تحليل فيلم The Virgin Spring: لماذا أثار كل هذا الجدل؟

فيلم The Virgin Spring هو أحد أفلام المخرج السويدي إنجمار برجمان المثيرة للجدل. حيث صنع هذا الفيلم في تلك الفترة التي كان يصور فيها الاختبارات الوجودية للإيمان الديني. وبالتحديد بعد تحفته الفنية الرائعة The Seventh Seal، وقبل ثلاثية صمت الإله. بينما حقق هذا الفيلم نجاحاً عالمياً كبيراً بعد حصوله على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية عام 1961. لكن لماذا أثار هذا الفيلم الجدل؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال تحليل فيلم The Virgin Spring بشيء من التفصيل.

قصة فيلم The Virgin Spring

تدور أحداث الفيلم حول كارين – بيرجيتا بيترسون – وهي ابنة مدللة عذراء لأب يدعى توري – ماكس فون سيدو – وزوجته ماريتا – بيرجيتا فالبرج – التي تنطلق في رحلة بعد الظهر عبر الغابة مع شقيقتها بالتبني إنجيري – جونيل ليندبلوم – لتقديم الشموع للكنيسة. وفي الطريق تصادف بعض الرعاة في الغابة بعد أن تركتها شقيقتها لخوفها من دخول الغابة ليقوم هؤلاء الرعاة باغتصابها وقتلها وسرقة ملابسها. وبعد ذلك يعود الرعاة إلى البلدة من أجل بيع ملابس الفتاة المقتولة باهظة الثمن. لكن دون علمهم يحاولون بيع هذه الملابس إلى عائلة الفتاة. ومن ثم يعلم والدها بهذا الأمر فيحاول الانتقام لمقتل ابنته.

لن نخوض كثيراً في تفاصيل القصة نظراً لأننا سنتناول مشاهد الفيلم بالتحليل فيما بعد.

اقرأ أيضًا: ثلاثية صمت الإله: (1) تحليل فيلم Through a Glass Darkly.. رأيت الله

لماذا أثار هذا الفيلم الجدل؟

هناك أمران يميزان هذا الفيلم. أولهما: أن إنجمار برجمان يؤلف سيناريوهات أفلامه بنفسه، ولكن في هذا الفيلم يكسر هذه القاعدة. حيث كتبت هذا الفيلم الروائية أولا إيساكسون، وقد استندت في قصتها إلى أسطورة تعود إلى القرن الثالث عشر. وهي الأسطورة التي تحكي قصة سبب بناء كنيسة القرن الثاني عشر في كارنا بالسويد. وقد أجرى بيرجمان وإيساكسون بعض التعديلات على هذه القصة التي سأناقشها أدناه. أما الأمر الثاني الملحوظ في هذا الفيلم أنه كان أول تعاون لبرجمان مع المصور السينمائي سفين نيكفيست. وهو الذي سيعمل معه في الغالبية العظمى من أفلامه اللاحقة.

أما بالنسبة للجدل الذي أثير حول هذا الفيلم فلقد جاء من هذا السيناريو الذي يدور حول قصة انتقام، وهذه القصة نشاهدها كثيراً فيما يسمى الأفلام التجارية. لذا عاب العديد من النقاد على إنجمار بيرجمان واتهموه بأنه يحاول أن يصنع فيلماً تجارياً على غير عادته. وعلى الرغم من ذلك فلقد حصل هذا الفيلم على جائزة الأوسكار كأفضل فيلم بلغة أجنبية. لكن لماذا؟ ربما يكون الانتقام هو الموضوع الرئيسي في السرد إلا أن موضوع الإله الصامت مازال متأصلاً في الحكاية. وهو ما يجعل من هذا الفيلم أكثر من مجرد فيلماً للاستغلال التجاري.

اقرأ أيضًا: ثلاثية صمت الإله: (2) تحليل فيلم Winter Light.. الحقيقة المؤلمة

تحليل فيلم The Virgin Spring

يمر فيلم The Virgin Spring بأربع مراحل، وموضوع مكانة الله في هذه الحكاية أمر أساسي بالنسبة له.

المرحلة الأولى: كارين وإنجيري

تقدم بداية فيلم The Virgin Spring الحياة في منزل عائلة في العصور الوسطى، وأول شخص شوهد هو إنجيري، وهي الابنة بالتبني لتوري وزوجته ماريتا. في مشاهد البداية نرى إنجيري وهي تصلي للإله أودين وهو كبير الآلهة في الأساطير الإسكندنافية. ومن الواضح أن إنجيري ليست عذراء فهي تبدو حاملاً بطفل. أما العذراء الفعلية في الفيلم فهي كارين الابنة المدللة لهذه العائلة.

إنجيري ذات شعر داكن، وبشرة داكنة، وملطخة، وتشعر دوماً بالذنب والغيرة. كما إنها تخدم في المنزل ويعاملها الجميع بازدراء، خاصةً بعد أن أصبحت حاملاً، وبالتالي يُفترض أنها ذات أخلاق مشينة. لذا فهي تصلي لأودين، على أمل أن تتمكن من استدعاء الأرواح الشريرة على الأشخاص الذين تكرههم.

هنا لنا وقفة مع شخصية إنجيري، فهي لم تكن موجودة من قبل في القصة الأصلية. وهي من بين التعديلات التي قام بها برجمان على القصة. حيث لعبت هذه الشخصية دوراً مهماً في هذه القصة، لأنها تقدم تبايناً صارخاً مع كارين وتعمل على إبراز سماتها الأصلية.

أما كارين فهي شابة عذراء بريئة ومبهجة، ومعتادة على أن يخدمها كل من حولها لدرجة أنها مدللة بشكل ميؤوس منه. وهي أيضاً مسيحية مطيعة وتتقدم بصلواتها إلى الرب كل ليلة. ومن هنا يظهر التناقض بين المسيحية والوثنية. بينما تطلب كارين من إنجيري مرافقتها في رحلة الذهاب إلى الكنيسة لتقديم الشموع. وانطلق كلاهما على ظهور الخيل وتوجهوا عبر الغابة نحو الكنيسة

اللقاء في الغابة

خلال رحلتهما وقبل الوصول إلى الغابة تلتقي كارين بواحد من أصدقائها الذي يحاول مغازلتها، وهنا نرى الغيرة الشديدة التي تشعر بها إنجيري. ولكن قبل الدخول إلى الغابة تخاف إنجيري التي تؤمن بوجود السحر والأرواح الشريرة وتطلب من كارين العودة إلى المنزل. لكن كارين ترفض وتخبرها بأنها ستكمل طريقها وإذا أرادت هي أن تعود فيمكنها ذلك.

تستمر كارين في رحلتها بمفردها، وفي وسط الغابة تلتقي مع ثلاثة رعاة أخوة – شابان وصبي صغير – يحاول الثلاثة استجداء كارين من أجل أن تمنحهم بعض الطعام، فتفعل ذلك بنية حسنة. لكن كان من الجلي أن الرعاة لديهم نوايا خبيثة وبشعة تجاهها. ومع ذلك تحاول كارين تجاهل هذا الأمر ببراءة وتعرض عليهم مشاركتها الغداء.

في هذه الأثناء، لم تعد إنجيري إلى المنزل بل راقبت كارين عن كثب. وعلى مدار الدقائق السبع التالية، يُظهر الفيلم كيف اقترب الراعي الأكبر سناً من كارين ثم تناوب على اغتصابها بعنف مع أخيه. ربما لم يظهر هذا المشهد أي عري، ورغم ذلك كان مزعجاً بشدة، لذا تم حظره في عدد النسخ التي عرضت في الولايات المتحدة في ذلك الوقت.

 بعد أن قام الرعاة باغتصابها حتى الموت شرعوا في سرقة ثيابها التي تبدو باهظة الثمن من أجل بيعها في البلدة. ولم يتوقف الأمر على السرقة فحسب بل داسوا بوحشية وعنف على الشموع المقدسة التي كانت تحملها كارين. وهذا المشهد يظهر بوضوح مدى كراهية هؤلاء للرب. لكن الطفل الصغير كان يبدو خائفاً مما يحدث، فهو يبدو طيب القلب على العكس من شقيقيه.

العودة إلى المنزل

ينتقل بنا فيلم The Virgin Spring مرة أخرى إلى المنزل. حيث جاء إليه الرعاة بعد أن اقترفوا جريمتهم الشنعاء – دون علمهم أنه منزل الفتاة – ليبحثوا عن مأوى ينامون فيه. يستقبلهم توري والد الفتاة في المنزل ويقدم لهم الطعام. لكن زوجته خلال مرورهم عليهم لتعريفهم بأماكن نومهم يعرض عليها الراعي ملابس كارين الملطخة بالدماء، وأخبرها أنها تعود إلى شقيقته. هنا أصاب الذهول ماريتا ولكنها حافظت على رباطة جأشها. ومن هنا أغلقت على الرعاة الباب وذهبت إلى توري لتخبره بما فعله هؤلاء.

يحمل توري سيفه وأثناء ذهابه للانتقام من الرعاة يلتقي بإنجيري، التي تخبره بكل ما شاهدته. ومن ثم ينتقل إلى الرعاة ليقتلهم جميعاً بما فيهم الصبي الصغير. ثم يذهب للعثور على كارين في الغابة بمساعدة إنجيري.

التوبة

عند هذه النقطة سينتهي فيلم الانتقام التقليدي بسرعة. وفي الواقع، يبدو أن العديد من المشاهدين كانوا راضين عن هذه النهاية التي يقتل فيها الرعاة نتيجة لما اقترفوه إلا أنهم تحفظوا على قتل الصبي الصغير. لكن هذا الفيلم ينظر إلى هذا الأمر بشكل مختلف.

ربما كان الصبي الصغير لا ذنب له على الرغم من شهوده لهذه الجريمة، وبالمثل ربما كانت كارين مدللة وتستحق العقاب إلا إنها لم تكن تستحق ما حدث لها. لكن ماذا يقصد برجمان من هذه الأمور. هنا يبدو لنا واضحاً التزامه بفكرته الخاصة بصمت الإله، وإدانته لغيابه وعدم تحقيق العدالة على هذه الأرض. وهذا الأمر يظهر بوضوح في المشاهد الأخيرة من الفيلم.

اقرأ أيضًا: ثلاثية صمت الإله: (3) فيلم The Silence.. العثور على المعنى

تحليل نهاية فيلم The Virgin Spring

بعد انتهاء المذبحة ينظر توري إلى يديه ويستغفر الرب. لكن الآخرين مازالوا يشعرون بالذنب أيضاً. حيث تشعر إنجيري أن صلواتها إلى أودين لإحداث الفوضى على كارين كانت سبب وفاة أختها غير الشقيقة. وتقول ماريتا لزوجها:

“لقد أحببتها أكثر من الرب نفسه. وعندما رأيتها تفضلك، بدأت أكرهك. لقد قصد الله أن يعاقبني بهذا. أنا أتحمل العقاب”.

وعندما ذهبوا للعثور على جثة كارين انطلق توري من تلقاء نفسه ونظر إلى السماء قائلاً:

“يا الله، لقد رأيت ذلك. رأيت موت فتاة بريئة ورأيت انتقامي. وسمحت به… أنا لا أفهمك… ومع ذلك ما زلت أستغفرك.”

ثم يعد الله أن يبني كنيسة في هذا المكان الذي توفيت فيه ابنته تكفيراً عن ذنبه الذي اقترفه. وعندما يذهبون لرفع جثة كارين من الأرض، يتدفق نبع ماء من تحتها. وكلهم يرون أن هذه معجزة. لذا تغسل إنجيري يديها في الماء، وماريتا تغسل وجه كارين بالماء.

أعتقد الآن أن معظم المشاهدين يرون أن فيلم The Virgin Spring هو فيلم آخر من أفلام برجمان عن صمت الإله. فهو بمثابة فصل آخر في إدانة برجمان لغياب الله.

هنا تبحث الشخصيات في هذا الفيلم عن إله – سواء كانوا وثنيين أو مسيحيين – يمتلك بعض القوى السحرية التي ستساعدهم وتحل مشاكلهم. حيث تصلي إنجيري لأودين وماريتا وكارين للرب. إنهم جميعاً يبحثون عن علامات. لكن الله لا يجيب أبداً أو يتدخل في هذه الحكاية. وعندما يرون نبع الماء، فإنهم يفسروه على أنه إحسان الله، ولكن قد يكون مجرد حدث طبيعي آخر إلا أنهم يريدون تفسيره بطريقة تناسب رغباتهم.

اقرأ أيضًا:

في النهاية، وبعد تحليل فيلم The Virgin Spring لابد من التنويه إلى أن الأمر الأكثر أصالة لبرجمان عن مأزقه بوجود إله غائب تأتي عندما ينخرط توري في مونولوجه مع الله قائلاً:

“لا أعرف طريقة أخرى لصنع السلام مع نفسي إلا بيدي. لا أعرف أي طريقة أخرى للعيش.. “

وعده لله، كفارة منه، أن يعمل في أفقه وظروفه الشخصية وأن يفعل شيئاً جيداً بيديه. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يعرف بها كيف يعيش. وأعتقد أن هذه هي الطريقة التي رأى بها بيرجمان الأمر أيضاً.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!