فيلم Earthlings: صرخة مدوية في وجه الإنسانية
فيلم Earthlings ليس مجرد فيلم وثائقي عادي، بل هو نافذة على واقع مخفي. يكشف الفيلم النقاب عن العلاقة المعقدة بين البشر والكائنات الأخرى التي تشاركهم الأرض. ويحث المشاهدين على إعادة النظر في نمط حياتهم ومواقفهم تجاه العالم من حولهم. يدعو هذا الفيلم الصادم المشاهدين إلى مواجهة أسئلة جوهرية عن الأخلاق والرحمة والعدالة، ويترك أثرًا عميقًا في وعي الجمهور. دعونا نخوض رحلة، عبر مزيج مذهل من الصور المؤثرة والحقائق الصادمة، ربما تغير نظرتك إلى الحياة بأسرها..
أبناء الأرض
صدر فيلم Earthlings عام 2005، وهو فيلم وثائقي من إخراج شون مونسون، ويعني عنوان الفيلم بالعربية “أبناء الأرض”. يطلب منا هذا العمل الرائع التفكير بشكل أصيل في هويتنا الحقيقية. ويذكرنا بقوة وبشكل مزعج في بعض الأحيان بسمة أساسية من سمات وعينا، شيء عن أنفسنا تتجاهله في الغالب ثقافتنا الحالية ألا وهو الرحمة والتعاطف. حيث يخبرنا ببعض الحقائق غير المريحة التي ربما يفضل معظمنا تجنبها. ورغم كوننا نتعاطف ونشعر بالرحمة تجاه البشر الآخرين، إلا أننا نحاول الهروب من التعاطف الطبيعي الذي يجب أن نشعر به تجاه الكائنات الأخرى على هذا الكوكب. هذا الأمر بمثابة نفاقًا جماعيًا نقبله دون تفكير، ليأتي لنا فيلم Earthlings ليصفعنا على وجوهنا ويظهر لنا ما هو موجود لنراه، إذا نظرنا فقط بشكل مباشر وصادق..
فيلم Earthlings هو عمل مصنوع بعناية شديدة. يقوم جواكين فينيكس بدور الراوي فيه، ويحمل في طياته موسيقى تصويرية مؤثرة وحزينة، بالإضافة إلى لقطات نادرة من داخل صناعة تربية الحيوانات التي ربما لم يكن من السهل الحصول عليها. ولكن بسبب بعض الصور المزعجة في الفيلم وحقيقة أن الفيلم هو جزئيًا فضح للممارسات الهمجية في مختلف قطاعات المجتمع، وخاصة صناعة اللحوم والألبان، واجه مونسون صعوبات في الحصول على توزيع جيد للفيلم. ولكن الأفلام يجب أن تكون أكثر من مجرد ترفيه هروب. هذا الفيلم له أهمية اجتماعية تحفز الفكر، وأحث جميع القراء على البحث عنه ومشاهدته..
ينطوي فيلم أبناء الأرض على رؤية مفادها أنه يجب علينا استعادة مشاعر التعاطف تجاه سكان الأرض الآخرين إذا كان مقدر لحضارتنا الإنسانية أن تبقى على قيد الحياة. ويؤكد على أنه رغم اختلاف الكائنات الحية إلا إنهم يشتركون جميعًا في بعض المشاعر الأساسية، وهي الرغبة في الصحبة، والفرصة لعيش حياة طبيعية، والرغبة في التحرر من الألم والموت العنيف..
التمييز بين الأنواع
يتسم جميع البشر بقدرتهم الفطرية على التعرف على مشاعر الآخرين داخل مجموعتهم الاجتماعية المباشرة والتفاعل معها بتعاطف وفهم. ومع ذلك، ندرك جميعًا وجود أفراد لا يوسعون هذا التعاطف ليشمل أشخاصًا من مجتمعات أخرى، أو أعراق مختلفة، أو حتى الجنس الآخر، وغالبًا ما يُوصف هؤلاء بأنهم “غير متحضرين” بمفهومنا الحديث..
هناك نوع آخر من التحيز ضيق الأفق، يُطلق عليه “التمييز بين الأنواع” وهو أقل شيوعًا، ويمر في العادة دون إدراك أو انتقاد. يتمثل هذا التحيز في عجز البعض عن مد جسور التعاطف نحو الكائنات الأخرى التي تشاركنا الحياة على هذا الكوكب. فالحيوانات، برغم اختلافها عنا، كائنات واعية وحساسة، تسعى مثلنا إلى الصحبة، وعيش حياة طبيعية، وتجنب الألم. ويمكن أن نسقط جميعًا في فخ هذه العنصرية والتمييز، ونغض الطرف عن هذا الشكل الخفي من الظلم…
يستهل فيلم Earthlings بعرض مشاهد مؤثرة توثق الفظائع النازية والإبادة الجماعية التي ارتُكبت بحق اليهود، مما يثير في ذهن المشاهد حالة من التناقض المعرفي المربك. كان اليهود ضحايا معاملة قاسية “كالحيوانات”، ولكن الفيلم يدفعنا لطرح سؤال مختلف: هل يحق لأي كائن، حتى الحيوانات، أن يُعامل بهذه الوحشية؟ أم أن جذور معاملة النازيين لليهود تكمن في التقبل الاجتماعي لتحويل الحيوانات إلى مجرد أدوات وأشياء؟
يمضي الفيلم بعد ذلك في استعراض النطاق الواسع لتحيز المجتمع الحديث ضد الأنواع الأخرى، حيث يتناول بالتدريج خمسة مجالات رئيسية:
- الحيوانات الأليفة.
- الغذاء.
- الملابس.
- الترفيه.
- التجارب العلمية.
ترتيب هذه المحاور ليس عشوائيًا، بل تم بعناية فائقة، مما يمنح سرد الفيلم قوة الحجة، وبذلك ينجح مونسون في تقديم حجته بأسلوب مؤثر يكشف عن عمق هذا التحيز الخفي في المجتمع.
الحيوانات الأليفة
قد يبدو للوهلة الأولى أن فئة الحيوانات الأليفة تمثل المجال الذي تُعامل فيه الحيوانات بشكل جيد وتحظى بالحب والرعاية.. أليس كذلك؟ ولكن حتى في هذا الجانب الذي يبدو الأكثر رحمة، يظهر أن الكثير من الناس يفتقرون إلى العناية الحقيقية والاهتمام الصادق بالحيوانات التي يدّعون محبتها. فبينما يستمتع البشر برفقة الكلاب والقطط، غالبًا ما يتعاملون معها كألعاب أو أشياء للترفيه، دون الوفاء بمتطلبات رعايتها الأساسية.
تشير الإحصاءات إلى أن حوالي 25 مليون حيوان أليف يُترك سنويًا في الشوارع ليصبح ضالًا، ويلقى حوالي 9 ملايين منها حتفه في النهاية. كما يتم التخلص من 16 مليون حيوان سنويًا عن طريق القتل الرحيم بواسطة السلطات المحلية أو مآوي الحيوانات. ومن المثير للاهتمام أن الفيلم يدعي أن 50٪ من الحيوانات التي يتم إحضارها إلى الملاجئ كانت من قبل القائمين على رعايتها.
صناعة الغذاء
ينتقل فيلم Earthlings بعد ذلك إلى موضوع على النقيض تمامًا. إن هذه الكائنات التي تسعى إلى الحياة والخلاص من الألم تُذبح على نطاق واسع لتصبح طعامًا لنا. يستهلك معظمنا اللحوم بشكل يومي، إلا أننا نتجنب التفكير فيما يعنيه أن كائنًا واعيًا قد تم ذبحه من أجل متعتنا. اللحم الذي نجده على أطباقنا يتم فصله تمامًا في أذهاننا عن الكائن الحي الذي كان يجسده ذات يوم. يبدو وكأن هناك تواطؤًا جماعيًا لإبعاد هذه الفكرة عن الأذهان “لا تفسد عليَّ عشاءي بالحديث عنه”، هكذا يقول الكثير في العادة.
ولكن عند مشاهدة الصور في هذا الجزء من الفيلم، يصبح من المستحيل تجاهل الحقيقة الواضحة التي تشير إلى أن هذه الكائنات تشاركنا أمرًا أساسيًا، فهي تشعر بالألم وتكافح للبقاء على قيد الحياة. ومع ذلك، فقد أنشأنا صناعة غذاء ضخمة وآلية، تعمل في الخفاء بعيدًا عن أعين الجمهور، والذبح الجماعي للحيوانات لا هوادة فيه وبأعداد هائلة تصل إلى 10 مليار حيوان سنويًا في الولايات المتحدة وحدها أي ما يعادل 19 ألف حيوان في الدقيقة..
تجاوزات قاسية
يُظهر فيلم Earthlings كيف تُنقل هذه الحيوانات المرعوبة بشكل قاسٍ. ثم يعرض بعض العمليات التي تتعرض لها مثل الوسم، ونزع القرون، والذبح، وكل ذلك يتم دون استخدام أي مواد مخدرة. قد تنطوي عملية الذبح نفسها على الاستخدام المتسرع والعشوائي للمسدسات “الرحيمة”، لكن النهاية دائمًا واحدة: تقطع حناجر الحيوانات بينما لا تزال قلوبها تنبض لتضخ أكبر قدر ممكن من الدم، مما يجعل لحمها أكثر لذة للاستهلاك البشري[1].
إن التجاوزات القاسية لصناعة اللحوم مفصلة بشكل مروع. وعلى الرغم من أن المشاهد قد يكون لديه بالفعل فكرة خافتة عما يحدث عمومًا داخل المسالخ، إلا أن التفاصيل الدقيقة لا تكفي لتوضيح ما يحدث. ما نراه هنا لابد وأن يلفت انتباه الجميع. ولكن هناك بعض الناس الذين قد يقرُّون بتجاوزات المسالخ، ولكنهم يتمسكون بالاعتقاد بأن صناعة الألبان أقل قسوة على الحيوانات على الأقل. ولكن صناعة الألبان أكثر قسوة من صناعة اللحوم في بعض النواحي، لأن الحيوانات تتعرض لإساءة معاملة شديدة لفترات أطول، ولا مفر من ذبحها عندما تنخفض إنتاجيتها.
المصير المروع
هل فكرت في المصير المروع الذي قد يؤول إليه العجل حديث الولادة عندما تلده البقرة الحلوب. هناك مسارات مروعة قد يسلكها:
إذا كانت أنثى، فقد تُربى لتصبح بقرة حلوب أخرى. لكنها ستخضع مثل أمها لعملية نزع القرون ثم تُلقح خلال عامها الأول (رغم أن العجول الطبيعية لا تكون جاهزة للأمومة قبل سن 3-5 سنوات). ثم يتم تغذيتها بالهرومونات وحلبها بواسطة الآلات بشكل مستمر، منتجة كمية من الحليب تفوق من 4 إلى 6 أضعاف ما تنتجه الأبقار الطبيعية. ستجبر على البقاء في حالة غير طبيعية تجمع بين الرضاعة والحمل الجديد على مدار عدة سنوات، حتى تنهار تمامًا من الإرهاق بعمر 4 سنوات تقريبًا (بينما يمكن أن تصل الأبقار الطبيعية إلى عمر من 20 إلى 25 عامًا). بعد ذلك، تنقل إلى المسلخ.
أما إذا كان العجل ذكرًا، فقد يقتل فور ولادته. وتستخدم المنفحة الموجودة في معدته لإنتاج الجبن. ويمكن استخدام جلده الطري لصنع الجلود الفاخرة. وتطحن جثته لتصبح علفًا للحيوانات.
وفي حال تم استخدامه لإنتاج اللحم، يجبر على العيش في قفص ضيق يمنعه من الحركة ونمو العضلات، مما يجعل اللحم أكثر طراوة. وتغذى العجول بنظام غذائي يفتقر إلى الحديد (للحصول على لحم بلون فاتح وجذاب)، ويحرم من الفراش والماء والضوء طوال حياته البائسة التي تمتد لأربعة أشهر فقط قبل المسلخ.
وقد يكون محظوظاً بما يكفي لتربيته من أجل لحومه. في هذه الحالة يتم إخصاؤه بسرعة دون تخدير، ووضع علامة عليه، وإزالة قرونه. وبعد عام أو عام ونصف من الرعي، يتم إرساله إلى حظيرة التسمين لتسمينه بشكل غير طبيعي باستخدام الهرومونات والمواد الكيميائية الأخرى لبضعة أشهر قبل الرحلة إلى المسلخ.
جنون الحيوانات
ويبدو أن الظروف التي تواجهها كل الحيوانات التي تربى في المزارع الصناعية شديدة القسوة إلى الحد الذي يجعل الحيوانات تصاب بالجنون حتمًا. وهذا موثق بوضوح في المقطع الذي يصور ما يحدث في صناعة تربية الخنازير. حيث تقطع ذيول الخنازير وتقص آذانها وتزال أسنانها من أجل تقليل الضرر الذي يحدث عندما تلجأ الحيوانات المجنونة إلى أكل لحوم بعضها في حظائرها المزدحمة.
لا يختلف الوضع بالنسبة لصناعة الدواجن، التي أصبحت تشكل نسبة متزايدة من النظام الغذائي الغربي. حيث يستهلك الأميركان الآن عددًا من الدجاج يوميًا يعادل ما كانوا يستهلكونه في عام واحد في عام 1930. ومن أجل الحد من آثار أكل لحوم بعضهم البعض التي تنشأ حتمًا عن ظروف معيشتهم المروعة، يتم قطع مناقير الدجاج بشكل روتيني، وهو إجراء مؤلم يؤدي أحيانًا إلى موتها.
يتناول فيلم Earthlings المأكولات البحرية كذلك.. ويذكر المشاهد بأن الأسماك، مثلها مثل غيرها من الكائنات الأخرى، لديها أنظمة عصبية متطورة تشير إلى أنها مخلوقات حساسة تشعر بالألم وتكافح من أجل البقاء. ومن المعروف أن الدلافين والحيتان مخلوقات اجتماعية وذكية بشكل خاص.. ويتناول الفيلم قصة اصطيادها وذبحها.
صناعة الملابس
تكمن أهمية تناول موضوع الطعام في بداية سرد مونسون في أن الصور المروّعة للمسلخ تلقي بظلالها القاتمة على بقية الحكاية. ينتقل السرد الآن إلى الحديث عن الملابس. حيث يذكرنا بأن الجلد هو في الحقيقة “لحم ميت”. وهذا يكفي لاستحضار بعض المشاهد السابقة. يتمثل جزء كبير من الطلب العالمي على الجلود في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا. بينما يأتي معظم هذا الجلد من مصدر مختلف عن الأبقار التي نتناولها، وهو الهند[2]. يقدس الهندوس الأبقار ويحميها القانون. لكن في ظل قطاعات اقتصادية تغمرها الفساد، يبدو أن الأبقار تُباع لتجار الجلود من قِبَل مزارعين هنود فقراء، بعد أن أُوهموا زورًا بأن ماشيتهم ستعيش حتى نهاية عمرها الطبيعي. كما يغطي هذا الجزء الظروف المروّعة لمزارع الفراء، إضافة إلى حقيقة صادمة بأن أكثر من 100 مليون حيوان بري يقتل سنويًا من أجل الفراء (25 مليونًا منهم في الولايات المتحدة وحدها).
صناعة الترفيه
يكشف هذا الموضوع عن حقيقة مؤلمة، وهي أن ثقافتنا قد جعلتنا نعتاد على إساءة معاملة الحيوانات إلى درجة أننا لم نعد ندرك أن الترفيه بالحيوانات هو مجرد استغلال بشع لكائنات بريئة عن طريق تحويلها إلى أدوات تسلية لنا. قال مارك توين ذات مرة:
الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يسبب الألم من أجل الترفيه، مدركًا تمامًا أنه ألم..
ينتقل السرد في هذا القسم بين مواضيع مثل مسابقات رعاة البقر، وترويض الحيوانات، وسباقات الكلاب والخيول، والمعارض الحكومية، والسيرك، وحدائق الحيوان، ومصارعة الثيران، وبالطبع الصيد باعتباره رياضة. يذكرنا الفيلم في فقرة السيرك كيف تجبر الحيوانات على أداء أفعال تتناقض مع طبيعتها – أفعال تسلّي البشر لكنها غريبة عن هذه الكائنات. ولا يتم ذلك إلا باستخدام الهيمنة والخوف والألم كأساس لعملية التدريب. أما عند زيارتنا لحدائق الحيوان، فإن ما نشاهده في الواقع ليس سوى عرضًا شاذًا للكائنات الحية. فلا يمكننا فهم طبيعة هذه الكائنات كحيوانات حقيقية، ولا إدراك كيفية عيشها في البيئات التي تطورت فيها بشكل طبيعي.
أما عن متعة الصيد، فحدث ولا حرج.. يقدم الفيلم بضع صور معبرة عن ذلك الأمر. وإذا أردنا أضافة المزيد يمكنك أن تفكر فيما يحدث في ولاية ويسكونسن الأمريكية خلال موسم صيد الغزلان، وهي ولاية تعتبر الأقل قسوة من بين الولايات الأخرى.. في موسم الصيد القصير في تلك الولاية، يقتل صيادوها أكثر من 200000 غزالًا سنويًا . أما الأمر الأكثر بشاعة هو تنظيم الدولة للأطفال من سن 10 إلى 15 عامًا رحلات صيد للغزلان[3].. أليس من الأفضل تربية الأطفال على رؤية مختلفة تمامًا للحياة البرية والعالم الذي نعيش فيه؟
التجارب العلمية
تتجه المناقشة في النهاية إلى موضوع التشريح الحي، أو ما يُعرف بـ”التجارب على الحيوانات“، وهو نهج يعتمد عليه العلم لمحاولة فهم التأثيرات الصحية المحتملة على البشر من خلال تعذيب الحيوانات وتشويهها. تتباين التقديرات بشأن عدد الحيوانات التي تخضع لهذه الإجراءات، لكن الأرقام قد تصل إلى 100 مليون حيوان سنويًا. ورغم ذلك، لا توجد أدلة واضحة على أن هذه الممارسات أدت إلى اكتشافات علمية ذات قيمة كبيرة.
تتعلق المسألة في الأخير بمن نحن حقًا، ومن نريد أن نكون؟ هل نحن قادرون على الاعتراف بمشاعر التعاطف الفطرية بداخلنا؟ نحن ندرك الألم في جميع الكائنات الأخرى، لكننا نتظاهر بعدم رؤيته.
قد تبدو كلمة “التمييز على أساس النوع” مصطنعة إلى حد ما.. لكن دعونا نستمع إلى كلمات عالم النفس البريطاني ريتشارد رايدر، الذي صاغ هذا المصطلح:
التمييز على أساس النوع يشبه العنصرية أو التمييز على أساس الجنس. وهو تحيّز قائم على فروق جسدية لا تحمل أي قيمة أخلاقية. نحن حيوانات بشرية مرتبطة بجميع الكائنات الأخرى؛ فكيف يمكننا تبرير اضطهادنا شبه الكامل لجميع الأنواع الأخرى؟ جميع الكائنات الحية يمكنها الشعور بالألم والضيق. الحيوانات تصرخ وتتلوى مثلنا.. وأنظمتها العصبية مشابهة لأنظمتنا، وتحتوي على نفس المواد الكيميائية التي نعرف أنها مرتبطة بتجربة الألم في أنفسنا..
صرخة إنسانية مدوية
يكمل فيلم Earthlings في العديد من الجوانب فيلمًا آخر يدعونا إلى تجنب استهلاك لحوم الحيوانات، وهو فيلم Eating لمايك أندرسون. وبينما يركز Eating على مخاوفنا الأنانية المتعلقة بصحتنا الشخصية واستدامة بيئتنا، فإنه يقدم حججه من منظور نفعي بحت لا يلعب فيه التعاطف دورًا. أما Earthlings، فيتوجه نحو إحساسنا الفطري بالرحمة، ذلك الشعور الذي يسكن داخل كل واحد منا، لكنه بحاجة إلى إيقاظ.
هناك اقتباسًا من كتاب هنري بيستون “البيت الخارجي” جاء في بداية الفيلم يقول:
إن الإنسان الذي يعيش بعيدًا عن الطبيعة العالمية، ويعتمد على أساليب اصطناعية معقدة، ينظر إلى الكائنات الحية من خلال زجاج معرفته المحدودة، فيرى صورة مشوهة بالكامل. يستخف بالحيوانات لافتقارهم للكمال، ولقدرهم المأساوي الذي جعلهم يتخذون أشكالًا أدنى من البشر بكثير. ونحن نخطىء في هذا؛ فالحيوان لا ينبغي قياسه بمعايير الإنسان. تحركت هذه الكائنات مكتملة ومتكاملة في عالم أقدم وأكثر كمالًا من عالمنا. وقد وهبوا امتدادًا للحواس التي فقدناها أو لم نصل إليها أبدًا، وتعيش بأصوات لن نسمعها أبدًا. إنهم ليسوا إخوة لنا، وليسوا تابعين لنا: إنهم أمم مغايرة، محاصرون معنا في شبكة الحياة والزمن.. سجناء بهاء الأرض ومخاضها[4]..
علينا أن ندرك هذه الصلة. يجب أن نتعلم رؤية الحيوانات ككيانات مكتملة، كرفاق لنا في هذه الرحلة المشتركة عبر الحياة والوقت. فيلم Earthlings ليس مجرد دعوة للتأمل، بل هو جرس إنذار لإيقاظ الرحمة بداخلنا. والاعتراف بالمكانة الحقيقية للكائنات الأخرى في هذا العالم. إنه صرخة إنسانية مدوية تسلط الضوء على المآسي التي تمر بها الحيوانات بسبب طمع البشر وتجاهلهم، لكنه في الوقت نفسه يمنحنا فرصة لاستعادة إنسانيتنا.
هوامش
[2] How India’s sacred cows are beaten, abused and poisoned to make leather for high street shops