فيلم Eating, 3rd Edition: هل يقتلنا الطعام؟
ما الذي نأكله؟ وكيف يؤثر ما نأكله على صحتنا وحياتنا وحتى على كوكبنا؟ يطرح فيلم Eating, 3rd Edition الذي كتبه وأنتجه مايك أندرسون في عام 2009 أطروحة واضحة وصريحة مفاداها أن المشاكل الصحية الرئيسية التي نواجهها في حياتنا سببها عادات الأكل..
يدعونا الفيلم إلى التفكير مليًا في السؤال: هل يمكن للطعام أن يكون سببًا للأمراض وأيضًا مفتاحًا للشفاء؟ يقدم لنا أندرسون بأسلوب تحليلي وبيانات علمية دليلًا شاملًا عن تأثير التغذية النباتية في تحسين الصحة وتقليل المخاطر الصحية. استعد لرحلة معرفية تغيّر نظرتك للطعام وتدعوك لإعادة تقييم كل لقمة تضعها في فمك. دعونا نخوض رحلة إلى قلب رسالة الفيلم لنكتشف ما يعرضه من حقائق تجعل منه علامة فارقة في عالم التوعية الصحية..
رسالة فيلم Eating, 3rd Edition
إن أكلنا يقتلنا
يستشهد الفيلم بتصريح جراح عام أمريكي مفاده أن الأكل يقتل اثنين من كل ثلاثة أمريكيين كل عام.. لماذا؟ لأن الأمريكان وأولئك الذين ينتهجون نفس نمط حياتهم وعادات أكلهم في المجتمعات الأخرى يحشوون أنفسهم بالبروتين الحيواني والكوليسترول، بدلًا من تناول نظام غذائي قائم على النباتات وخالي من أي منتجات حيوانية.
تتمحور الأطروحة الأساسية للفيلم حول الحقيقة التي تقول أنه على الرغم من التحسن الذي طرأ على الثروة والرعاية الطبية على مدى نصف القرن الماضي، فقد تضاعف استهلاك الأميركيين من اللحوم خلال هذه الفترة، وهو ما كان له عواقب سلبية للغاية على الصحة العامة. ويستند سبب هذا التأثير الصحي السلبي إلى الحجة التالية:
- تمدنا الأطعمة ذات الأصل الحيواني بمستويات عالية من الكوليسترول أكثر بكثير مما يطلبه الجسم.
- يؤدي إرتفاع نسبة الكوليسترول في الدم إلى تصلب الشرايين.
- يؤدي تصلب الشرايين إلى إعاقة الدورة الدموية، مما يقلل من مناعة الجسم، وبالتالي تتمكن منه الخلايا السرطانية أو العدوى البكتيرية والفيروسية..
من هذا المنطلق يتضرر العامل الأول للصحة الجيدة، وهو قدرة الجسم على إصلاح نفسه.. لكن إذا اتبع المرء نظامًا نباتيًا بدون منتجات الألبان أو أي شيء مشتق من الحيوانات، فإن آلية إصلاح الجسم الذاتية لن تتأثر، وبالتالي يمكن تجنب العديد من المشاكل الصحية الخطيرة.
دراسة الصين
تعتمد أطروحة فيلم Eating, 3rd Edition على مزايا الاعتماد على مزايا النظام النباتي، وهي تردد صدى عمل أستاذ التغذية في جامعة كورنيل تي كولين كامبل الذي وثقه في كتابه الأشهر “دراسة الصين[1]“. استطاع كامبل وفريقه البحثي الوصول إلى معلومات غذائية مفصلة من منطقة كبيرة من الصين، وخلصوا إلى أن الأشخاص الذين استهلكوا كمية أقل من البروتين الحيواني قد انخفض لديهم حالات الإصابة بمجموعة واسعة من الأمراض والحالات الصحية.
تقول جين برودي، محررة التغذية في صحيفة نيويورك تايمز:
هذه الدراسة هي أكبر وأشمل دراسة أجريت على الإطلاق حول العلاقة بين النظام الغذائي وخطر الإصابة بالأمراض[2].
وسوف أترك للقارىء في الهوامش رابطًا لملخص النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة إذا أراد معرفة المزيد عنها[3].
يعرض فيلم Eating, 3rd Edition عدد من الشهادات المباشرة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بأمراض القلب والسرطان، واختاروا تجاهل البرامج العلاجية التقليدية التي أوصى بها أطباؤهم وتحولوا بدلاً من ذلك إلى أنظمة غذائية نباتية صارمة. وكانت النتيجة هي انخفاض حاد في نسبة الكوليسترول في الدم، وبالتالي شفائهم..
النظام الغذائي
ينتقل أندرسون بعد ذلك إلى التفكير في سبب الترويج والدعم المكثف للحوم ومنتجات الألبان في الولايات المتحدة. ويشير إلى أن هذه الدعاية تعود في المقام الأول إلى النفوذ السياسي لجماعات الضغط القوية التي تديرها صناعة اللحوم والألبان. لقد غسلت الدعاية أدمغة الجمهور الأمريكي ليصدقوا أن جميع الأطفال يجب أن يتناولوا ثلاثة أكواب من الحليب يوميًا، وهذا في الواقع ضار بصحة الأطفال، وهو ما أشار إليه كل من أندرسون في فيلمه، وتي كولين كامبل في بحثه. ثم يتناول الفيلم بإيجاز التأثير الضار للأطعمة القائمة على الحيوانات على ظاهرة الاحتباس الحراري والبيئة بشكل عام. وبعد تغطية سريعة للمعلومات حول التأثير الدرامي الذي تخلفه صناعة الأغذية القائمة على الحيوانات على البيئة، يخلص أندرسون إلى أن الشيء الأكثر فعالية الذي يمكنك القيام به للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري هو تغيير نظامك الغذائي.
نقد فيلم Eating, 3rd Edition
إن أسلوب السرد الذي استخدمه أندرسون في فيلم Eating, 3rd Edition بسيط بشكل مخادع، لكنه فعال ويستحق الإشادة، فلا يبذل أندرسون أي جهد لتسلية الجمهور أو التواصل بأسلوب غير رسمي أو متملق، بل يعتمد على الوضوح في السعي إلى إيصال رسالته الشاملة. وتتضمن الصور المرئية عناوين نصية كبيرة متكررة تلخص البيانات وتزيد من التكرار، وبالتالي تعزز الرسالة الرئيسية. لكن تكمن المشكلة الرئيسية في أن العديد من التأكيدات الواقعية الواردة في الفيلم، مثل قوله:
إن 85% من البالغين يعانون من تصلب الشرايين؛ ونصفهم يموت مبكرًا بسبب أمراض القلب..
أو
لقد تسبب ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم في عدد من الوفيات يفوق إجمالي ضحايا جميع حروب القرن العشرين، وكل الكوارث الطبيعية، وجميع حوادث السيارات مجتمعة!..
تحتاج هذه الإحصاءات إلى مصادر لتأكيدها، فلا يوجد مكان في فيلم Eating, 3rd Edition للاستشهادات المرجعية.
البيئة.. الصحة.. الأخلاق.. الروح
ومن وجهة نظر أخرى يمكننا أن نحدد أربعة مجالات رئيسية يساهم فيها اتباع نظام غذائي مساهمة حاسمة وهي:
البيئة
تستهلك تربية الحيوانات مساحات شاسعة من الأراضي مقارنةً بالزراعة لإنتاج كمية معادلة من السعرات الحرارية الغذائية المخصصة للاستهلاك البشري. بينما تهدر تربية الحيوانات موارد المياه العذبة الثمينة. نحن نواجه حاليًا أزمة غذاء عالمية بسبب استنزاف موارد الأراضي والمياه لصالح تربية الحيوانات. لو اعتمد البشر نظامًا غذائيًا نباتيًا، لما وُجدت هذه الأزمة. كما تسهم تربية الحيوانات بشكل كبير في إنتاج الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ولاسيما غاز الميثان، الذي يفوق تأثيره على الاحتباس الحراري بأكثر من عشرين ضعفًا تأثير ثاني أكسيد الكربون..
الأخلاقيات
يُقتل نحو 50 مليار حيوان سنويًا لتلبية استهلاك البشر، وفي كثير من الحالات لا يراعي القائمون على هذه الصناعة أن الحيوانات كائنات واعية مثلنا تشعر بالألم، وأنها لا تستحق القتل من أجل متعتنا الخاصة. أنا لا أدعو إلى التخلي الكلي عن أكل اللحوم، ولكن الحد منها طالما أن هناك بدائل يمكنها أن تحل محلها..
الصحة
لن أتحدث عن هذا الأمر كثيرًا، حيث أوضح الفيلم والدراسة أن النظام الغذائي الذي يعتمد بشكل أساسي على الحيوانات يعد ضارًا جدًا بصحة الإنسان.
الروح
يشعر معظم الأطفال الصغار بشكل غريزي بالانزعاج عندما يدركون لأول مرة أنهم يأكلون لحمًا مأخوذًا من حيوانات ميتة، لكن الكبار يقنعونهم بقبول ذلك. ذلك الانزعاج الأولي الذي شعرت به في ذلك الوقت كان صوت روحك الداخلية – الجوهر الحقيقي لما أنت عليه. عندما تقرر التوقف عن تناول الأطعمة الحيوانية، فإنك تستجيب لذلك الصوت الداخلي وتتبع مسار طبيعتك الحقيقية المفعمة بالرحمة.
أسلوب حياة جديد
تقدم كل من المجالات الأربعة المذكورة أعلاه سببًا مقنعًا في حد ذاته لاعتماد المرء على النظام النباتي. ولكن ينصب التركيز في فيلم Eating, 3rd Edition بشكل أساسي على الصحة، وهو المجال الثالث المدرج. وعلى الرغم من أن النسخة الحالية تضمنت على ما يبدو مواد إضافية تغطي التأثيرات البيئية (المجال الأول) وسوء معاملة الحيوانات (الأخلاقيات، المجال الثاني)، فإن التأثير الرئيسي للفيلم ينبع من الأطروحة الرئيسية المتعلقة بالكوليسترول والمرتبطة بالمواد الصحية، والتي تم تجميع الكثير منها لأول مرة في إصدار 2002 الأصلي.
هذا التركيز على الجانب الصحي أمر مفهوم؛ إذ أن أكثر من 70% من النباتيين يتبنون هذا النظام الغذائي في البداية فقط لأسباب صحية، لكنهم فيما بعد يوسعون تفكيرهم ليشمل بعض الأسباب الأخرى. وهكذا، ساعدهم التحول إلى نمط حياة نباتي على أن يصبحوا أرواحًا أكثر رحمة ومسؤولية. ومن هنا يجب على الجميع مشاهدة هذا الفيلم والتفكير في هذه الأمور..
فيلم Eating, 3rd Edition ليس مجرد وثائقي عن التغذية؛ بل هو دعوة صريحة للتفكير العميق في عاداتنا الغذائية وتأثيرها على صحتنا، وبيئتنا، وأخلاقياتنا. يقدم الفيلم رؤى مبنية على أدلة علمية وتجارب شخصية تترك المشاهد أمام تساؤل لا مفر منه: هل يمكن للتغيير فيما نأكل أن يغير حياتنا؟
هذا الفيلم ليس مجرد أداة توعية، بل هو محفز لاتخاذ قرارات جريئة نحو أسلوب حياة أكثر صحة ورحمة ومسؤولية. وبينما يركز على الجانب الصحي، فإنه يمهد الطريق لفهم أوسع يشمل القضايا البيئية والأخلاقية المرتبطة بالنظام الغذائي. ومع كل لقطة ومع كل معلومة يقدمها، يدعونا الفيلم لإعادة التفكير في علاقتنا مع الطعام وكيفية تأثيرها على العالم من حولنا.
هوامش
[1] The China Study: The Most Comprehensive Study of Nutrition Ever Conducted and the Startling Implications for Diet, Weight Loss, and Long-term Health