فيلم Happy As Lazzaro: حكاية استعارية فلسفية وشاعرية
Happy As Lazzaro هو فيلم إيطالي ساحر ومدهش له طبقات أنيقة من الجمال والمعنى والرمزية. إنه حكاية استعارية فلسفية وشاعرية تكشف الصورة القبيحة للنظام الرأسمالي. في المقال التالي نتعرف على قصة فيلم Happy As Lazzaro ثم نستعرض مراجعة فيلم Happy As Lazzaro بشيء من التفصيل.
معلومات عن فيلم Happy As Lazzaro
- البلد: إيطاليا | فرنسا | سويسرا | ألمانيا.
- اللغة: الإيطالية.
- تاريخ الإصدار: 30 نوفمبر 2018.
- المخرج: أليس روهرواتشر.
- الكاتب: أليس روهرواتشر.
- وقت العرض: 128 دقيقة.
- النوع: دراما | فانتازيا | غموض.
- التصنيف: (PG-13) يجب إرشاد الآباء، غير مناسب لمن هم دون سن 13 عام.
- فريق التمثيل: أدريانو تارديولو | أغنيس جراتسياني | ألبا روهرواتشر.
- التقييم: 7.5.
قصة فيلم Happy As Lazzaro
تدور قصة فيلم Happy As Lazzaro في الجبال وسط إيطاليا. حيث يعيش مجتمع القرية الصغير حياة شاعرية بسيطة في وئام مع الطبيعة. إنهم يزرعون الحقول ويحلبون الأبقار ويطبخون ويأكلون وعندما يحل الليل ينام الجميع. لكن لازارو يعيش على منحدر عالِ مع الأغنام. لازارو شاب بسيط ليس لديه أحد غير جدته، ولا يعلم شيئاً عن والديه. إنه شخص بطيء وسعيد دائماً ولا يرفض لأحد طلباً، لذا يستغله الجميع. باختصار إنه رجل البساطة المقدس.
ذات يوم يأتي إلى القرية المنعزلة عن العالم موظف ليحصل على المحصول من المزارعين، ويمنحهم في المقابل القليل من ضروريات الحياة. يعمل الموظف تحت أمرة سيدة أرستقراطية قوية تمتلك الأرض وقصر عظيم، والجميع في القرية يعمل من أجلها.
لا يعلم جميع سكان القرية أي شيء عن العالم الخارجي. وفي الوقت ذاته يحاول مستغليهم أن يبقيهم في حالة من الجهل، من خلال نسج العديد من القصص والأساطير التي تمنعهم من عبور الجسر فوق النهر. ذلك الجسر هو الطريق الوحيد إلى العالم الخارجي وقد دمرته عاصفة قوية منذ زمن.
تنتقل السيدة وابنها البالغ إلى القصر للاستجمام خلال العطلة الصيفية. وفي ذلك الوقت يصادق الابن الكاره لأمه لازارو الساذج، ويعجب بالمكان الذي يعيش فيه. ثم يخبره أنهما ربما يكونا أخوة غير أشقاء. يفرح لازارو بهذا الأمر، وسرعان ما يقترح عليه الارستقراطي الشاب أن يكتب رسالة إلى والدته ليبدو أن عصابة اختطفته وتطلب فدية. وعندما يفعل ذلك وتحصل الوالدة على الرسالة لم تعر هذا الأمر أي اهتمام لأنها تعلم جيداً ألاعيب ابنها العاق.
ينتظر الاثنان طويلاً دون جدوى. وذات يوم من الأيام يصاب لازارو بالحمى الشديدة فيمكث في فراشه لبضعة أيام، لم يستطع خلاله أن يذهب إلى صديقه. وعندما شعر بتحسن بسيط انطلق على الفور ليصعد الجبل ليقابل صديقه ويخبره عن سبب غيابه، لكن تنزلق قدمه ويسقط من قمة الجبل قتيلاً.
العودة إلى الحياة من جديد
في هذه الأثناء تحاول حبيبة الارستقراطي الشاب الاتصال بالشرطة لتبلغ عن اختفائه. وعندما تأتي الشرطة تكتشف هذه القرية المنعزلة عن العالم. وتلقي القبض على السيدة القوية، وتحاكم ويتم مصادرة جميع أموالها. وتحرر الشرطة الفلاحين العبيد من هذه العبودية. وتنقلهم إلى المدينة، ليعيشوا كما كانوا في فقر مدقع بجوار خطوط السكك الحديدية.
بعد مرور عشرين عاماً على موت لازارو يعود للحياة مجدداً. ويذهب إلى القرية فلا يجد فيها أحد ولكنه وجد بعض اللصوص يسرقون القصر. يخبره اللصوص أنهم هنا من أجل نقل الأثاث، فيصدقهم ويساعدهم، ويطلب منهم عنوان صديقه. كان يرغب في العودة معهم إلى المدينة، لكنهم رفضوا وأخبروه إذا كان عليه الوصول إلى المدينة عليه السير على الأقدام من هذا الطريق.
يسير لازارو طويلاً حتى يصل إلى وجهته، فيتعرف على أحد سكان القرية وقد كبر في العمر. وخلال رحلته تتعرف عليه امرأة من أهل القرية وتحمله معها حيث تعيش مع باقي أفراد عائلتها. تعتقد العائلة أنه شيطان أو روح شريرة بعد أن رأوا أنه مازال شاباً. ثم يلتقي بعد ذلك بصديقه عن طريق الصدفة وهو يعيش الآن في فقر مدقع نتيجة حجز البنك على أمواله.
يرغب لازارو في مساعدته فيذهب إلى البنك. ويطلب من موظفيه أن يسترجعوا مال صديقه. يعتقد الجميع في البنك أنه يحمل سلاحاً. وعندما علموا أن السلاح الذي يمتلكه هو مقلاع بدائي، ينهال الجميع عليه ضرباً حتى يموت.
تنويه هام: تستند قصة فيلم Happy As Lazzaro على واحدة من أغرب القصص التاريخية التي ذُكرت في الكتاب المقدس، وهي قصة إقامة لعازر من الموت.
اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Holy Spider: الأرملة السوداء تنظف شوارع المدينة المقدسة |
مراجعة فيلم Happy As Lazzaro
“البشر كالبهائم.. حيوانات.. اجعلهم أحراراً، وسيدركون أنهم عبيد محاصرون في بؤسهم. إنهم يعانون الآن، لكنهم لا يعرفون ذلك. أنا أستغلهم وهم يستغلون ذلك المسكين. هذه سلسلة لا يمكن إيقافها “.
تعبر هذه الجملة أبلغ تعبير عن فكرة فيلم Happy As Lazzaro العامة. فلازارو شاب يتيم يعيش مع عدة عائلات في قرية منعزلة، تستغلهم جميعاً السيدة الأرستقراطية، دون أن يعلموا ذلك. وبدورهم يستغلون الشاب البسيط، لكنه – كما يشير العنوان – يعيش بسعادة، غير مدرك لأنانية أو دناءة رفاقه، ومستعد دائماً لتقديم أي نوع من الخدمات لهم. سرعان ما ندرك قداسته الاستثنائية عندما يتولى زمام الأمور من حارس ليلي يحمي الدجاج في المزرعة من تهديد الذئب. حيث يخبره الحارس أنه يكفيه مناداته إذا أراد الرحيل. وعندما يفعل لازارو ذلك لا يحصل على إجابة، فينظر إلى القمر ويقول له أن الآخر لم يسمعه. هذا مع الأخذ في الاعتبار أن تواصله مع الآخرين ضئيل وممتص للذات، فإن حقيقة أن إحدى جمله الأولى تحتوي على القمر أو أكثر شيء غامض من الحياة الآخرة كمحاور تؤكد علاقته الوثيقة بشكل عام مع الطبيعة أو الألوهية.
البطل الزائف
لازارو في فيلم Happy As Lazzaro شخصية تتميز باللطف الشديد والتفاني والطيبة. كما تتمتع بنوع من النقاء الداخلي الذي يجعله غير قادر على تكييف نفسه مع العالم الحقيقي وقبحه. ومن خلال تصرفات لازارو وسلوكه يبتعد عن الشكل البشري، ومن هنا تحاول المخرجة ربطه بالمسيح، لكن هذه الأفعال الرائعة والمعجزة التي قدمها لازارو في نهاية الفيلم حينما أخذ الموسيقى معه أينما رحل، لم تلعب أي دور إيجابي في الحياة الاجتماعية الحقيقية لأنطونيا وعائلتها أو تانكريدي الذين يعانون من الفقر والانحطاط، ونتيجة لذلك تصبح إقامة لعازر من الموت كنوع من الهجاء والنقد الهادىء دون ضجيج. وهي أقرب إلى الصورة المتعالية أو النبوية منها إلى الحقيقة. حتى في مشهد النهاية حينما يهدد موظفي البنك وعملائه، الذين يعتبرون وكلاء الرأسمالية في عالم ما بعد الحداثة، تصل هذه السخرية والضعف في التوصيف إلى ذروتها.
في النهاية نجد أن لازارو أشبه ببطل زائف أكثر من كونه بطلاً حقيقياً خرج من أعماق الأنقاض والقذارة ليكون قادراً على التغيير في الحياة الأرضية و الشخصيات المتورطة معه. لكن إذا نظرنا إلى فكرة التغيير الإيجابي نجد أن أنطونيا وعائلتها هم الذين استطاعوا إخراج أنفسهم من الأزمات الحالية، وفي النهاية بقرارهم العودة إلى أراضيهم لزراعتها من جديد. فإذا فعلوا ذلك أصبحوا رمزاً لانتصار البروليتاريا على الرأسمالية وتمكنوا من الحفاظ على كرامتهم المفقودة بسبب الفساد الذي استحوذ عليهم وهربوا منه. ومن ثم يتحول اغترابهم الشديد في حياتهم في المدينة إلى ثقة في ذواتهم، أو بمعنى أبسط يصبحون أنفسهم في النهاية.
الصراع الطبقي
يمكن رؤية الصراع الطبقي والعداء الواضح بين البرجوازية والبروليتاريا بوضوح في فيلم Happy as Lazzaro. وهو أحد الموضوعات الرئيسية في الفيلم. ولسوف نتناول هذا الموضوع خلال مراجعة فيلم Happy As Lazzaro بشيء من التفصيل حتى يكون القارىء على دراية كاملة.
ناقش كارل ماركس في كتابه “رأس المال” فائض القيمة في النظام الرأسمالي. حيث قسم ماركس قيمة البضائع التي ينتجها العامل إلى ثلاثة أجزاء: رأس المال الثابت ورأس المال المتغير وفائض القيمة. رأس المال الثابت هو الآلات التي يتم استهلاكها في عملية الإنتاج وترتبط تكلفة الإهلاك بها فعلياً. أما رأس المال المتغير فهو قيمة الأجور المدفوعة للعمال وتعادل قيمة وقت العمل (الوقت اللازم لإنتاج عنصر من السلع، في ظل ظروف الإنتاج العادية ومتوسط درجة المهارة السائدة في ذلك الوقت) لإنتاج السلع. بينما تسمى القيمة المتبقية للمنتجات بعد خصم تكاليف الأجور والاستهلاك فائض القيمة. رأس المال المتغير الوحيد هو عمل العامل، القادر على خلق فائض القيمة (الربح).
على سبيل المثال، إذا كان العامل يعمل 14 ساعة في اليوم، فإن ناتج عمل يومه يساوي 14 ساعة من العمل، لكنه يتقاضى أجراً مقابل 6 ساعات فقط من العمل. هنا، يشكل الفرق بين ناتج العمل اليومي للعامل (14 ساعة عمل) والأجر المدفوع له (6 ساعات عمل) فائض القيمة، وهو الربح الذي سرقه صاحب العمل الرأسمالي. وبما أن العمل هو المصدر الرئيسي للقيمة الاقتصادية، فعندما لا ينجح العمال في تحصيل قيمة كامل ناتج عملهم، يكون هناك استغلال.
في قصة فيلم Happy as Lazzaro، ما يحدث في النصف الأول من الفيلم، وفقاً لتفسير ماركس، يتجاوز مفهوم الاستغلال، لأن العائلات الريفية في نظام الأسياد والعبيد الذي عفا عليه الزمن لا تتحمل فقط العمل غير المأجور والقسري مقابل الخبز، بل نراهم مدينين باستمرار للنظام الرأسمالي، وهذا ينبع من جهلهم وعزلتهم.
رمزية الذئب
هناك موضوع آخر يجب التنويه إليه خلال مراجعة فيلم Happy As Lazzaro وقد أشار إليه الفيلم بصورة متكررة وهو موضوع الذئب، وهذا الحيوان له رمزية كبيرة في الفيلم، فعلى الرغم من أننا نعتبر الذئب حيواناً وحشياً يهاجم حياة الحيوانات والبشر، إلا أن هذا المفهوم يتحول إلى طبيعة معاكسة تماماً. حيث أن الذئب هو من يجد لازارو وينقذ حياته، ويرافقه حتى النهاية بطريقة خارقة للطبيعة. من ناحية أخرى، نستمع من أنتونيا إلى قصة أخرى تتمحور حول قصة ذئب عجوز يهاجم قطعان الأغنام والحيوانات الأليفة، والتي ترمز إلى خطط هروب الرأسماليين وانهيار نظامهم الاستغلالي. أما المفارقة فهي أن الذئاب ليست دائماً الحيوانات الجائعة التي تعيش في البراري، فالذئاب اليوم يرتدون ملابس بشرية ويرتكبون جميع أنواع الجرائم مثل السرقة والعدوان والدمار، ولا تحمل سوى العلامات الخارجية للإنسانية والحضارة.
هذا المفهوم أكده فيلم آخر في عام 2018 هو فيلم Hold the Dark وقدم على الشاشة باعتباره المفهوم الرئيسي للفيلم. أخرج هذا الفيلم جيريمي سالينر، وهو مقتبس من رواية تحمل نفس الاسم كتبها ويليام جيرالدي، وهي واحدة من أفضل روايات العقود الأخيرة، وتعكس الصورة الوحشية للذئب كحيوان مفترس، في إشارة إلى الطبيعة القبيحة والوحشية للإنسان.
الأداء في فيلم Happy As Lazzaro
يبقى وجود أدريانو تارديولو في الدور القيادي، هو العمود الفقري للفيلم، فهو يمس جوهر الرجل الصالح بصورة عاطفية رائعة. كما أن الطريقة التي ينخرط بها في الحوار ولغة جسده والتعبير الهادئ الدائم لوجهه تخلق شخصية تجمع فيها السذاجة والرحمة بشكل فريد. هناك أداءات أخرى تثير الإعجاب مثل أداء ألبا روهرواشر الذي يوازن بشكل مثالي بين الحنان والصلابة، لكن في الحقيقة فالفيلم جاء مثل ما هو عليه بفضل تارديولو. فإذا كان النص هو الذي يقدم الفكر السياسي للفيلم، فإن الممثل الشاب يعطيه العمود الفقري العاطفي.