تحليل فيلم Naked: تحفة وحشية تشكك في أخلاقيات العالم

You are currently viewing تحليل فيلم Naked: تحفة وحشية تشكك في أخلاقيات العالم
تحليل فيلم "عاري" للمخرج البريطاني مايك لي

فيلم Naked هو تحفة وحشية، تصادمية حول المجتمع والاغتراب واليأس الوجودي. تتناول القصة رحلة شاب عدمي محروم من حقوقه، لكنه يتمتع بسحر فكري عميق. يلتقي خلال رحلته العديد من الشخصيات في شوارع لندن ليتحدث معهم حول فلسفته. إنه ليس فيلماً تسهل مشاهدته، ولكن مع المشاهدة المتكررة، يصبح أكثر فهماً. وعلى الرغم من أن الكثير من المشاهدين قد لا يتفقون مع تصرفات أبطال الفيلم أو آراءهم الوجودية، إلا أن هذا لا يمنع إنه أحد أكثر الأفلام عمقاً وقوة في السينما البريطانية. في السطور التالية نتعرف على قصة فيلم Naked ثم نقدم تحليل فيلم Naked بمزيد من التفصيل.

معلومات عن فيلم Naked

  • البلد: المملكة المتحدة.
  • اللغة: الإنجليزية.
  • تاريخ الإصدار: 14 مايو 1993.
  • المخرج: مايك لي.
  • الكاتب: مايك لي.
  • وقت العرض: 131 دقيقة.
  • النوع: دراما | كوميديا.
  • التصنيف: (R) للكبار فقط، يحتوي الفيلم على مشاهد فاضحة وعنيفة.
  • فريق التمثيل: ديفيد ثيوليس | ليزلي شارب | كاترين كارتليدج | جريج كروتويل.
  • التقييم: 7.7.

قصة فيلم Naked

تدور قصة فيلم Naked حول جوني الذي يضطر إلى الفرار من مانشستر في سيارة مسروقة بعد ممارسة الجنس العنيف مع امرأة في زقاق خوفاً من الوشاية به. يصل إلى لندن ويختار البقاء مع صديقته السابقة لويز، التي تعيش في مسكن مستأجر مع فتاتين أخرتين، ولديها مشاعر مختلطة حيال رؤيته. وعلى الرغم من ارتباطه السابق بلويز، إلا أن جوني يمارس الجنس مع رفيقتها في السكن صوفي. وصوفي فتاة سهلة الإغواء وسهلة الإساءة كذلك، ويبدو أنها مدمنة نوعاً ما.

رحلة عبثية

يبيت جوني ليلته في المسكن ثم ينطلق في رحلة عبر شوارع لندن حيث يلتقى بشخصيات مختلفة بما في ذلك شاب اسكتلندي مصاب بالفصام وغاضب على الدوم يبحث عن صديقته. يساعده جوني في العثور عليها ثم يذهب ليجلس أمام مدخل شركة ليقرأ كتاباً، وخلال هذا الوقت تدور مناقشات بينه وبين الحارس الليلي للشركة حول التناسخ وسفر الرؤيا وبعض القضايا الفلسفية. يخبر الحارس أن وظيفته أكثر الوظائف مللاً، لكن لا يتفق معه الحارس فهي تمنحه بعض الوقت للتفكير في الحياة والتأمل. ويعلم من الحارس أنه يتلصص على امرأة في المبنى المقابل للشركة. ومن هنا يتركه جوني ويذهب إلى المرأة، ويخبرها بالأمر. ليكتشف أنها امرأة مسنة وسكيرة، يحاول أن يقيم معها علاقة، لكنه سرعان ما يتوقف ويخبرها أنه يراها مثل أمه.

يعود جوني إلى تجواله في لندن، فيغازل نادلة تعاني من الاكتئاب تستضيفه في منزلها، يخوض معهم بعض النقاشات، ولكن سرعان ما تغضب النادلة وتطرده إلى الخارج. يعود إلى الشارع ويطلب من سائق شاحنة يعمل في لصق الإعلانات على الحوائط في الليل، أن يحمله معه. وخلال بعض المناقشات معه ينتهي به ملقياً على الأرض بعد أن أوسعه السائق ضرباً. ينهض جوني متثاقلاً ويسير في الشوارع الجانبية فيتقابل مع بعض الشباب الذين يضربونه كذلك كنوع من التسلية.

يتحامل على نفسه ليصل إلى منزل صديقته لويز، حتى تقوم بعلاجه. وبعد العلاج تطلب منه أن يرحل معها، ويوافقها، لكن عندما تذهب لتستقيل من عمله يسرق بعض الأموال ويهرب بها ليعود من جديد إلى الشارع. وعلى الجانب الآخر نجد جيريمي، وهو شاب ثري عدمي كذلك يمارس السادية مع الفتيات، ويخبرهم أن سوف ينتحر في عيد ميلاده الأربعين لأنه لا يريد أن يشيخ ويصاب بالمرض. إلى هنا تنتهي القصة فإلى تحليل فيلم Naked.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Hell: كيف تكون الحياة في قلب الجحيم؟

تحليل فيلم Naked

قصة فيلم Naked
مشهد من فيلم Naked

قبل الخوض في تحليل فيلم Naked علينا القول بأنه يمكن تصنيف أفلام السينما على نطاق واسع إلى قسمين أفلام سلبية وأفلام نشطة. يسمح لك النوع الأول بالجلوس والاستقبال السلبي خلال المشاهدة، وبعد فترة قليلة تنسى التجربة بأكملها. بينما النوع الثاني يتحداك ويستفزك، ويمتد إلى ما وراء حدود السينما. هنا تبدأ في التفكير لساعات، وربما لأيام فيما شاهدته على الشاشة. إن أعظم الأفلام في تاريخ السينما تتبع هذه الفئة الأخيرة. وعلى الرغم من أنها تبدو غير مفهومة في كثير من الأحيان إلا أن المشاهدة المتكررة تكشف الستار عن العديد من الألغاز الفكرية فيها. فيلم Naked من هذه النوعية من الأفلام.

أسلوب مايك لي

مايك لي هو أحد المخرجين الأكثر تميزاً في بريطانيا، وله أسلوب يتميز به يجعل أي فيلم من أفلامه يمكن التعرف عليه على الفور. وللوهلة الأولى قد يبدو أن فيلم Naked صنع على عجل، فهناك استخدام مكثف للكاميرات المحمولة، ويبدو الحوار كما لو كان مرتجلاً إلى حد كبير. لكن في الواقع فإن الأمر أكثر تعقيداً من هذا. حيث سمح مايك لي للممثلين بتطوير الشخصية والقصة الخلفية لشخصياتهم. وطلب منهم التفاعل مع بعضهم البعض ومع العالم الخارجي بينما لا يزالون داخل الشخصية. ولم يكن عليهم مناقشة أدوارهم بشكل غير رسمي مع بعضهم البعض، ولكن كان عليهم الكشف عن طبيعة شخصياتهم أثناء التمثيل. ثم تم تقطير أفضل حوار في النص.

هذا نهج محفوف بالمخاطر في صناعة الأفلام، لأنه يلقي الكثير من العبء على الممثلين لتطوير أدوارهم بشكل مقنع، وخلق دراما مركزة كذلك. فيلم Naked هو أفضل مثال على عمل مايك لي الذي يجمع فيه جميع العناصر معاً لصنع فيلم مظلم وخفيف، ولكنه مثير بدرجة كبيرة.

بطل أم خصم

يشتهر المخرج الإنجليزي مايك لي بصنع أفلام حلوة ومريرة في الوقت ذاته، لكن فيلم Naked كان نادراً، فهو فيلم مر تماماً. وعلى الرغم من أن هناك لحظات حلوة عرضية، لكنها لا تنتهي بأي خلاص للشخصيات. تتحدد النغمة الرئيسية للفيلم عبر بطله جوني، ولكن لا يمكننا تسميته بطلاً فهو خصم، معارض لكل ما يراه. وبالتأكيد ليس أكثر الرجال جاذبية، فهو هزيل ومريض وغير مهندم. وبغض النظر عن هذه الصفات هناك صفات أخرى يتميز بها جوني، إنه سادي وكاره للنساء، وعنيف. وقد حدث ذلك مراراً وتكراراً بشكل ملحوظ بعد أن أخبرته صوفي أنها تحبه، ويبدو الأمر كما لو أنه يرغب في قتل مشاعرها من خلال إساءة معاملتها. وربما خلف هذا المظهر الخارجي المغرور يكمن كره عميق للذات. فعندما يُعرض عليه الحب يستجيب بقسوة، وفي النهاية يبتعد، وبحلول نهاية الفيلم يمكننا أن نرى هذا كنمط.

ورغم كل تلك الصفات المشينة إلا أنه من السهل أن تقع في حبه، ويعود ذلك جزئياً إلى سحر ديفيد ثيوليس في هذا الدور. فلا تزال هناك سمات مميزة في طبيعة جوني، فهو يقرأ الكتب، ويتحدث بطريقة واضحة، وقادر على استخدام فلسفته وعقله للتأثير على الناس. هذه الصفات يجب أن تجعل جوني رجلاً أفضل، لكنه يستخدمها ليجعل نفسه يبدو ذكياً، ولإحباط الآخرين. حيث يدلي بتصريحات طنانة، ويسخر من الآخرين باستخدام لغة عالية المستوى لا يمكنهم فهمها بالكامل. إنه يتفوق على الأشخاص الذين لديهم آراء مختلفة عنه. لكنه لا يزال يتمتع بالذكاء والقدرة على التفكير أكثر من غيره. جوني أفضل وأسوأ من الناس من حوله. فلديه فهم أسرع من أقرانه، لكنه يحتقرهم لافتقارهم إلى هذه القدرة.

العادة ليست مثيرة

تشعر معظم شخصيات فيلم Naked بالملل، نظراً لأنهم أهملوا حياتهم الداخلية. جوني كذلك يشعر بالملل (رغم أنه ينفي ذلك)، وذلك لأنه لا يتلق أي حافز من أي شخص في مستواه العقلي. وهذا الملل الذي يشعر به يجعله أكثر وحشية. حيث يوجه صرخة محبطة إلى لويز قائلاً:

“هذه هي مشكلة الجميع – كلكم تشعرون بالملل الشديد. تملكون طبيعة فسرت لكم، وتشعرون بالملل منها. تملكون جسداً بشرياً تم تفسيره لكم، وتشعرون بالملل منه، تملكون كوناً تم تفسيره لكم، وتشعرون بالملل منه. لذا فأنتِ الآن تريدين إثارة رخيصة فحسب، الكثير من الإثارة الرخيصة. ولا يهم كم هي مبهرجة أو فارغة طالما أنها جديدة، طالما أنها تومض وتصدر أصواتاً بأربعين لوناً مختلفاً.”

لا تستطيع لويز الرد إلا بقولها إنها تشعر بالملل. فلا يمكنها مجاراة عقل جوني المتسابق. إن وجهها متعب ومتهالك، وتستمر في التدخين، فالعادة ليست مثيرة أبداً. لكن لماذا هي معجبة بجوني؟ يبدو أنه أكثر لطفاً معها، وليس لعلاقتهما أي جانب عنيف. فهل كانت تمثل جانبه الخلاصي؟

مجتمع بلا هدف

يغادر جوني المنزل هرباً من الإهتمام الشديد بالنساء، لكن مغامراته المختلفة في الشوارع لن تصل به إلى شيء. حيث يصادف شاباً يبحث عن صديقته، ويجتمعا أخيراً، وتحدث مشاجرة عنيفة أمام جوني. وفي الجزء الأكثر إثارة للاهتمام من الفيلم، يلتقي جوني بحارس أمن يُدعى برايان. وبدلاً من طرد حارس الأمن لهذا المتشرد، يدعوه برايان جوني إلى المبنى. وتبدأ محادثات طويلة بينهما يستخدم فيها جوني عقله لتحويل أحلام برايان في المستقبل إلى رماد.

يذهب في وقت لاحق لزيارة المرأة التي يتلصص عليها برايان، ليجدها مسنة سكيرة، يقوم بإغواءها في البداية لكنه يرفضها في النهاية قائلاً لها: “تبدين مثل أمي”. يغازل نادلة ذات وجه حزين تدعوه إلى منزلها ليلاً، لكنها تنقلب عليه بشكل غير متوقع وتطرده. يُنقل جوني في عربة رجل يضع ملصقات، لكنه يتعرض للاعتداء من قبل العامل الغاضب. فيما بعد تقوم عصابة بضرب جوني دون سبب. كل هذه الأحداث عشوائية، وتظهر مجتمعاً مفتتاً بلا هدف أو معنى.

هل المال يمنح المعنى

في هذه الأثناء، يرعب زائر غير متوقع لويز وصوفي. إنه كلب متعجرف ومنحرف يسمى سيباستيان هوك. ربما يكون مالك العقار السكني أو لا يكون لا أحد يعرف. يغتصب صوفي، ويحاول مع لويز. هذا الكلب السادي يشبه جوني، فهو بليغ في حديثه، ومتنمر سادي. ويشارك جوني في مقاربة العدمية والكراهية للنساء. يتحدث بلهجة راقية، لكنه في الأساس حيوان، وهو أمر ينعكس في عدد المشاهد التي نرى فيها صدره العاري. إنه وحشي وعنيف في غرفة النوم.

قال ذات مرة: “سأنتحر في عيد ميلادي الأربعين”. هذا ما كان يمكن أن يتصرف به جوني لو كان لديه مال سيباستيان وتعليمه. يمتلك سيباستيان شقة كبيرة، لكنها تبدو فارغة بشكل غريب، وتحتوي على أثاث قليل جداً مقارنةً بحجم المساحة الموجودة بها. إنه يعكس صورة جوني الأخرى إذا كان ثرياً، ويبدو أن امتلاك المال لا يضيف قيمة أو معنى أخلاقياً لحياة المرء أكثر من عدم امتلاكه على الإطلاق.

سلبية النساء

يبدو أن معظم النساء في هذا الفيلم متلقيات سلبيات لاهتمام الذكور المسيئين. لكن لويز هي الوحيدة القادرة على التمسك بالإيجابية، حيث رفضت جوني في البداية، ولم تعد له، وبينما أرعبها سيباستيان، إلا أنها هي التي دفعته أخيراً إلى مغادرة المنزل من خلال تهديده. هناك أيضاً زميلة السكن الثالثة ساندرا، وهي شخصية مضطربة ومتسلطة تواجه صعوبة كبيرة في إنهاء جملة. إنها غائبة عن معظم الفيلم، لكن يبدو أن وصولها إلى النهاية أدى إلى استعادة سحرية لنوع من النظام.

صورة لليأس والعبث

الصورة العامة التي تتركها قصة فيلم Naked هي صورة اليأس والعبث. وينعكس هذا في الشوارع المتهالكة المغطاة بالقمامة والمباني الرديئة، والمساحات الداخلية للمنازل المليئة بالمهملات. كذلك تتمثل مهمة برايان في حراسة مبنى ليس أكثر من مساحة فارغة. والرجل الذي يضع الملصقات يقضي نصف وقته في وضع إعلانات لأحداث جديدة، والنصف الآخر يلصق إعلانات جديدة على القديمة. كلتا الوظيفتين هي تمرين في العبث.

شخصيات عارية

إن شخصيات الفيلم عارية مجازياً. لقد جُردوا من مهنة ذات مغزى، ومن علاقات صحية ومن أي شعور بالهدف في حياتهم. إنهم محاصرون في بريطانيا البائسة ما بعد مارجريت تاتشر، وهناك إشارة موجزة لمارجريت تاتشر في الفيلم. حيث يصرخ الشاب الاسكتلندي باسم “ماجي” وهو يبحث عن صديقته. فيخبره جوني مازحاً: “لقد ذهبت”.

هذه الشخصيات لا تشعر بالسعادة على الإطلاق، ولا يوجد مخرج صحي لعواطفهم ، لذلك يلجأ الرجال إلى العنف، فلا نرى تجارب جنسية صحية في الفيلم، فكل الجنس يحتوي على مستوى من القسوة. ولا توجد كذلك روابط عائلية، ويبدو أن الشخصيات ليست لها جذور فحسب، بل يبدو أنها لا تريدها أيضاً.

ليس هناك عزاء لهذه الشخصيات البائسة الموجودة داخل قصة فيلم Naked، فالتفكير في المستقبل هو التفكير في الانتحار (سيباستيان) أو نهاية العالم (جوني). وبالنظر إلى بؤس الوجود اليومي الذي يعاني منه الأبطال، قد يبدو هذا الأمر مرحب به تماماً. وحتى الدين لا يوفر لهم الراحة. حيث يعبر جوني مراراً وتكراراً عن عدم إيمانه بالله. وعلى الرغم من أن لديه الكثير من النظريات حول سفر الرؤيا، لكن كلها تنبؤات قاتمة حول نهاية العالم. يقول جوني في ختام حديثه الصاخب لبريان:

“لا يهم عدد الحيوات التي تعيشها في الماضي أو المستقبل، لأن ستخترق جميعها بالحزن والألم والمرض والموت. كما ترى يا برايان، الله لا يحبك. الله يحتقرك. إذن لا أمل، والجنس البشري مجرد جزء من الآلة التي يعيد الشيطان بواسطتها خلق نفسه”.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم The Naked Island: قصيدة سينمائية عن الحالة البشرية

بعد تحليل فيلم Naked ضع في اعتبارك عند مشاهدة فيلم مثل هذا، لا تتوقع أن يكون لديك أي لحظات محببة أو سعيدة. فهدف مايك لي من الفيلم هو ببساطة نقل الوحشية التي تقودها الكآبة ومسألة الوجود الإنساني.

اترك تعليقاً