فيلم The Secret: قوة الجذب أم خداع العقول؟
هل تُصدق أن هناك سرًا يمكنه تغيير حياتك بالكامل إذا عرفت كيف تستخدمه؟ يفتح لك هذا السر أبواب النجاح والسعادة، ويضع العالم بأسره بين يديك.. هذا ما يعدك به فيلم The Secret، العمل الوثائقي الذي أثار الكثير من الجدل منذ ظهوره عام 2006.. لكن هذا الفيلم ليس مجرد قصة تُروى، بل رحلة عميقة إلى قلب أعظم أسرار الحياة: قوة الجذب أو قانون الجذب.. هكذا تم تقديمه لنا..
قانون الجذب
يتناول الفيلم الوثائقي الأسترالي “السر” فكرة تحقيق الذات، ولكن الدرجة التي يعكس بها هذا الفيلم الانحراف المزعج الحالي في الثقافة الحالية قد تكون أكثر أهمية من موضوعه الصريح. كتبت الفيلم المنتجة الأسترالية روندا بايرن وأخرجه درو هيروت. ورغم تصنيف الفيلم كفيلم وثائقي إلا إنه ينتمي بشكل أكثر تحديدًا إلى فئة المساعدة الذاتية والعروض الإعلامية الجديدة. ويتضمن الفيلم في الأساس سلسلة من المقابلات، تتخللها أحيانًا بعض الرسوم البيانية تصف “قانون الجذب” الزائف علميًا، والذي يُفترض أن قلة من الناس فقط هم الذين فهموه وأخفوا سره على مر العصور. وقد تم الكشف عنه أخيرًا للعالم بأسره من خلال هذا الفيلم.
قانون الجذب بسيط ويتلخص في الآتي: إذا كنت تريد شيئًا، فكل ما عليك فعله هو أن تتخيله وتؤمن بأنك ستحصل عليه؛ وبعد ذلك سيأتي إليك تلقائيًا. هذا كل شيء. يمكنك الرجوع إلى صفحات ويكيبيديا حول “السر” و”قانون الجذب”، ولكنك لن تحصل إلا على شرح مفصل لما ذكرته للتو..
قوة إقناع رسالة فيلم The Secret
قد يتساءل القارىء بعد هذا الوصف الموجز: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا أتناول هذا الفليم بالتحليل؟ أولًا هناك بعض الجوانب في هذا الفيلم بالذات تجعله مميزًا ويستحق المزيد من الدراسة. وثانيًا أن تصوير الفيلم جاء بشكل احترافي، ورغم الثرثرة الزائفة والمتكررة إلا أنه يتمتع بقيم إنتاج مرضية. كما يتميز بعدد من الشهود المعروفين أو المحترفين الذين يدلون بشهاداتهم، ويفترض أنهم يؤمنون بقانون الجذب، على سبيل المثال:
- جاك كانفيلد: متحدث في مجال تحفيز الذات ومؤلف معروف بكتابه “شوربة دجاج للروح” وهو الكتاب الذي حقق مبيعات ضخمة وتُرجم لأكثر من أربعين لغة.
- جون هاجلين: عالم فيزياء حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد، ونشر العديد من الأبحاث في الأدبيات الفيزيائية المهنية، لكنه أصبح مهتمًا بالوعي..
- فريد آلان وولف: عالم آخر متخصص في فيزياء الطاقة العالية، حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وكان عالمًا مقيمًا في قناة ديسكفري، وهو مثل هاجلين، مفتون بالارتباط المحتمل بين الظواهر الكمومية والوعي..
وربما أضافت هذه الشخصيات طابعاً مغريًا على الفيلم مما زاد من قوة إقناع الرسالة التي ينقلها. وساعد في توليد استقبال حماسي من جانب العديد من المشاهدين.
لماذا انقسم الجمهور؟
تباينت تقيمات الجمهور على موقع قاعدة بيانات الأفلام بشكل لافت للنظر. حيث حصل الفيلم على أعلى تقييم (10) من البعض وعلى أدنى تقييم (1) من البعض الآخر.. وهذا يعني إما أن الناس أحبوا الفيلم بشدة أو كرهوه بشدة..
لم يكن هذا التقسيم مجرد مسألة ذوق جمالي، بل يتعلق الأمر بموقف الاقتناع أو عدم الاقتناع برسالة الفيلم. وبالنسبة للعديد من الناس لا يتعلق الأمر بالجمال أو عدمه، بل بالصواب أو الخطأ.. وإذا لم تكن قد شاهدت فيلم The Secret أو كنت متشائمًا بعض الشيء، فقد تتساءل لماذا لا يطبقون “قانون الجذب” للعثور على الفتيات الجميلات أو على الثراء الفاحش. تحدث المحاضرون في الفيلم عن هذه الموضوعات بإسهاب في الواقع.. ويخبرونك أن نهجهم يشكل وسيلة أكيدة لكسب ود أفراد الجنس الآخر. كما يمكنك أن تكتسب ما يكفي من المال لشراء منزل كبير به حمام سباحة. وقد تتخيل أن هذا المستوى من المادية من شأنه أن ينفر أي شخص يتمتع بعقل سليم، ولكن هذا ليس صحيحاً على ما يبدو. حيث كانت النسخة الكتابية من هذا الفيلم – كتاب السر – هي الأكثر مبيعًا على موقع أمازون لعدة أسابيع بعد ظهور الفيلم بفترة وجيزة..
نماذج زائفة
الشيء المثير للاهتمام لا يتعلق بما إذا كان هذا صحيحًا أم خاطئًا، فلا شك أنه خاطئ تمامًا، ولكن يتعلق الأمر بالطريقة الواضحة التي تكشف بها هذه الأفكار عن فشل النظام التعليمي والثقافة بشكل عام في فهم ما هو صحيح.. نحن نعلم أن كل الثقافات حول العالم لديها العديد من القصص أو النظريات التي تساعد الناس على التوجه نحو “الحقيقة”، وفي نهاية المطاف نحو حياة مرضية. بعض هذه القصص صوفية أو دينية ولا يمكن إثبات حقيقتها، ولكن لأسباب مختلفة قد نقرر الإيمان بها ونشعر بأنها متفوقة على النظريات الأخرى المتنافسة حول العالم. ولكن في عالمنا الحديث توجد أنظمة للتفسير العلمي يمكن تطبيقها مرارًا وتكرارًا لإثبات أي شيء من خلال التجربة..
مكنت هذه الثقافة العلمية والتقنية المجتمعات من بناء المباني الشاهقة والطائرات النفاثة وأنظمة الاتصالات. ولكن هذا النموذج لم يتمكن من تقديم نماذج قابلة للاختبار تجريبيًا تغطي كافة جوانب العالم الذي نعيش فيه. وبالتالي فإن الوعي والعقل والعديد من مجالات الحياة البشرية الأخرى تقع خارج نطاق بناء النماذج العلمية. وبالنسبة لهذه المجالات الأخرى من الحياة، يتعين علينا أن نشكل معتقداتنا على أساس نماذج ثقافية أخرى ليست علمية تمامًا. ولكن من المؤسف أن العديد من الناس برغم تعرضهم لبعض هذه النماذج العلمية وحفظهم لها، لم يتم تعليمهم أو إفهامهم طبيعة التفكير العلمي بشكل عام. ونتيجة لهذا فإن هؤلاء الناس قد يؤمنون بالنماذج الزائفة دون النظر في قابليتها للدحض وإمكانية التحقق التجريبي منها..
مصباح علاء الدين
وهنا على وجه التحديد تكمن الحقيقة في أن كتاب “السر” ليس خاطئًا فحسب، بل إنه في الواقع ضار. إن هذا الكتاب يقدم نموذجه التبسيطي “قانون الجذب” باعتباره نموذجًا “علميًا”. ويصر على أن سره ليس شيئًا مرتبطاً بالمعتقدات الصوفية أو الدينية، بل إنه صحيح بشكل يمكن إثباته. ثم يمضي الكتاب في عرض مقابلات مع علماء فيزياء الكم وفلاسفة مختلفين من أجل وضع ختم السلطة العلمية المفترضة على الرسالة. وهذا هو السبب في أن الأشخاص الذين لديهم بعض المعرفة السطحية بالعلم قد يكونون أكثر عرضة لأكاذيب كتاب السر من غيرهم..
هذا عن الكتاب، فهل يمكننا أن نعتبر فيلم The Secret مجرد هراء غير مؤذٍ؟ ألا يمكن أن نخبر أطفالنا أن هناك مصباح علاء الدين الذي يخرج منه الجني لينفذ لهم كل ما يتمنوه؟ نعم يمكننا ذلك، ولكننا لا نحكي قصة علاء الدين للكبار ولا نقدمها كنموذج علمي صحيح يمكن الاستناد إليه في اتخاذ القرارات الحياتية، فضلًا عن ذلك أننا يجب أن نعلم أطفالنا أن يقدروا قيمة الأشياء المعنوية بدلًا من التركيز على المكاسب الأنانية والمادية..
وعود فيلم The Secret الزائفة
سيقول أحدكم وماذا عن الإيجابية، والإيمان بأنفسنا؟ ألا يسمح لنا هذا الفيلم بأن نحلم قليلًا ونقول “نعم.. نحن نستطيع”؟ كلا، ليس عندما يقدم وعودًا كاذبة مصممة لتغذية الجشع والطمع. ويزعم بلا أساس أن هذه الوعود لها دعم علمي. إذا كنت تريد أن تقول “نعم، نستطيع”، فأنت بحاجة إلى مسار سليم تتبعه من أجل تحقيق ما تريد. أنا أعتقد أن الحالات العقلية البشرية المرتبطة بالحب والتأمل والتفكير الإيجابي يمكن أن يكون لها تأثير ملموس ومفيد حقيقي على محيطنا. ولكن لا توجد في الوقت الحاضر أي نتائج قابلة للتكرار تجريبيًا.
قاعدة لا يمكن دحضها
كانت إحدى الفضائل العظيمة لنهضة العلم هي الإجراءات التي أسسها للتحقق التجريبي من صحة النماذج والنظريات الجديدة. يمكن اختبار أي مجموعة من المعتقدات في عالم التحقق التجريبي، وإذا لم يتم تأكيدها، يمكن رفضها باعتبارها خاطئة أو خرافية. وقد مكن هذا العلماء من إلقاء علم التنجيم في سلة المهملات، لأن تنبؤاته خاطئة تجريبيًا. ولكن، لسوء الحظ، لدينا مشكلة في توفير تعليم يستند على طبيعة التحقق التجريبي وقابلية التزييف، بدلًا من تعليم الناس حفظ الأنظمة القائمة على القواعد فقط. وكدليل مثير للقلق على ذلك، هناك دراسات تُظهر أن أكثر من 50٪ من حاملي الدكتوراه في الولايات المتحدة يؤمنون بالفعل بعلم التنجيم.
ولكن لا يوجد شيء أكثر خطأً من “قانون الجذب”. فهو يُقدَّم باعتباره نظرية علمية ويُفترض أن علماء الفيزياء الكمومية يؤيدونها. وبدلاً من القيام بما تفعله الأديان التقليدية من خلال أخذ الرؤى العميقة لمعلم مستنير وتقليصها إلى مجموعة عادية من القواعد، فإن فيلم The Secret بقانون الجذب يستغني عن السلطة الدينية تمامًا ويزعم بشكل مباشر أنه يعتمد على السلطة العلمية. ولكنه لا يعتمد على العلم، لأنه لا يستطيع ذلك. فهو يقدم لك قاعدة مبسطة لا يمكن دحضها، وغير قابلة للدحض، لأنك إذا لم تحصل على ما تريد، فهذا يعني أنك لم تتخيل وتؤمن بما يكفي، ويقدمها على أنها علم صارم.