غموض

قضية آرمين مايفيس: الجريمة الأغرب في التاريخ

هناك العديد من الجرائم التي من فرط بشاعتها أصابت المجتمع بصدمة، واحدة من أفظع هذه الجرائم في التاريخ نفذها القاتل الألماني آرمين مايفيس الذي أنهى حياة رجل آخر ثم التهمه في عام 2004، وكانت هذه القضية سبباً رئيسياً في تغيير القانون الألماني. فماذا حدث؟ دعونا نخوض رحلة مروعة لنتعرف على أبشع جريمة قتل في التاريخ. كان آرمين مايفيس أحد أكثر المجرمين الساديين المعروفين في التاريخ. هذا على الرغم من أنه أنهى حياة ضحية واحدة فقط، إلا أن هذه الحادثة كانت قاسية ودموية لدرجة أنها تركت بصمة دائمة على المجتمع الألماني. وقد أطلقت وسائل الإعلام على هذا القاتل لقب آكل لحوم البشر في روتنبورغ. حيث قام المجرم بقتل وتقطيع أوصال رجل اتصل به عبر الإنترنت بهدف إشباع خيالاته الجنسية المظلمة.

تنويه: يحتوي هذا المقال على محتوى مخصص للكبار فقط، ولا يناسب الجميع، وغير ملائم لمن هم دون 18 عاماً

حياة آرمين مايفيس

قضية آرمين مايفيس
قصة آرمين مايفيس

كان لدى أرمين مايفيس طفولة طبيعية على ما يبدو، حيث عاش في الريف محاطاً بعائلته منذ طفولته. لكن في وقت ما غادر والده وإخوته المنزل، وتركوا آرمين وحيداً مع والدته، وهي امرأة باردة ومسيطرة لأقصى حد. هذا الأمر جعله يشعر بالوحدة القاتلة، لدرجة أنه شرع في تخيل صديق وهمي اعتبره أخاً له.

شب آرمين في المنزل الريفي وخلال مرحلة مراهقته بدأ يشعر بالانجذاب الجنسي تجاه الشخصيات الخيالية التي خلقها، وسرعان ما ظهرت عليه بوادر الانجذاب تجاه الشباب الآخرين في قريته. وصلت به هذه الرغبة الملحة إلى درجة رغبته في أكلهم لتحقيق الاتحاد المطلق. لكن حتى الآن لم يجرؤ المراهق الصغير على فعل أي شيء تجاه هذا الأمر.

ترك آرمين مايفيس هذه الرغبات المظلمة وراء ظهره وقرر الالتحاق بالجيش، وهناك عانى كثيراً كي يكون محبوباً بين أقرانه في الجيش، ورغم ذلك بدا عليه أنه تخلص من وحدته وأفكاره الجنسية ووضعها جميعاً في الخلفية. وبعد عقد من بدء خدمته العسكرية قرر ترك الجيش لرعاية والدته التي أصابها الكبر. ظل يرعى والدته لفترة قصيرة حتى وافتها المنية. وفي تلك اللحظة شعر بالارتياح وعاد إليه شعوره بالوحدة مجدداً.

إعلان غريب على الإنترنت

كانت رغبته في تذوق لحوم البشر تلح عليه بشدة، ولكنه لم يستطع أن يقدم على تنفيذ جريمة ليتسنى له تذوقها. توصل أخيراً إلى فكرة مفاداها أن يضع إعلاناً على الانترنت يطلب فيه شخص ليأكله. كان إعلاناً غريباً من نوعه، فهل تعتقد أن هناك إنسان يريد أن يؤكل؟!

لم يكن العثور على مثل هذه الضحية بالمهمة السهلة. لذا حاول هذه الفكرة واتصل بطباخ وطلب منه أن يقدم له أحد ليأكله، وفي المقابل سيحصل الطباخ على مبلغ من المال نظير مساعدته، لكن الشرط الوحيد هو موافقة الشخص الذي سيؤكل على ذلك. كان طلباً غريباً لم يعهده الطباخ من قبل، ومع ذلك عرض عليه اثنين من مساعديه، لكنهما لم يكونا متأكدين تماماً من اتخاذ هذه الخطوة. لقد كان الأمر صعباً على آرمين مايفيس لأن ممارسة أكل لحوم البشر تتطلب بالنسبة له أن يرضى الشخص الآخر بكامل رغبته في أن يؤكل.

الضحية الغريبة

أشهر آكلي لحوم البشر
صورة الضحية

 استمر في التفكير في طريقة أخرى، ولم يمض وقتاً طويلاً حتى تلقى مايفيس اتصالات عبر الانترنت من شخص يدعى ارماندو برينديس، وهو مهندس يعيش في برلين. اعترف له بأنه ثنائي الجنس، وإنه كان يستمتع بالممارسات المازوخية[1] في حياته الجنسية، وأخبره أنه موافق على طلبه بأن يأكله. وأخيراً التقى الرجلان شخصياً لتنفيذ الخطة المتفق عليها.

وفي اليوم المحدد جاءه برينديس وهو تحت تأثير الكحول والأدوية، وأخبره أنه لا يشعر بأي نوع من الألم. ثم طلب من مايفيس علانية بتر قضيبه. لم يلبي القاتل طلبه فحسب، بل قرر أيضاً تناوله. وبعد ذلك قام بتقطيع أوصال الضحية، وسجل هذا المشهد المروع بالفيديو. وكأن كل ذلك لم يكن كافياً فقرر تخزين ما تبقى من اللحوم لاستهلاكها في الأيام التالية.

القبض على القاتل

حقيقة أن آرمين مايفيس ارتكب جريمة قتل واحدة فقط لم يكن قراره. فلقد خطط القاتل لمواصلة ممارساته الفظيعة في أكل لحوم البشر. وبعد أن أنهى حياة برينديس وأكل لحمه، واصل البحث عن ضحايا جدد على الانترنت. ومن المفارقة أن هذا هو ما أدى إلى القبض عليه من قبل السلطات.

ادعى مايفيس في أحد المنتديات أنه أكل لحماً بشرياً، وهو ما رفع حالة التأهب، ولذلك تمكنت الشرطة من القبض عليه بعد عام من مقتل برينديس. صدمت هذه الجريمة المروعة المجتمع الألماني بأكمله، ولكنها كانت أيضاً مصدر إلهام للمجموعات الموسيقية من نوع الميتال[2]. حيث تم تأليف أغانٍ مختلفة حول جريمة قتل البشر وأكل لحومهم، وهو الأمر الذي استنكره القاتل نفسه.

الجوانب القانونية لقضية آرمين مايفيس

قضية آرمين مايفيس
كيف غيرت القضية القانون الألماني

شغلت قضية آرمين مايفيس الرأي العام الألماني، ولم تترك أحداً غير مبال، ولا حتى المهنيين الذين كانوا جزءً من الإجراءات القضائية. وعلى عكس ما كان متوقعاً، خلص الأطباء النفسيون الذين قاموا بتقييم القاتل إلى أنه لا يعاني من أي مرض نفسي. أي أن مايفيس تصرف وهو على علم تام بما كان يفعله.

حاول الادعاء محاكمة القاتل الألماني بتهمة القتل، والحكم عليه بالسجن مدى الحياة[3]. ومع ذلك، كانت هذه القضية معقدة بشكل خاص لأن الضحية أعطى موافقة صريحة على قتله وأكله. وكانت هذه هي النقطة التي استخدمها الدفاع، الذي حاول إقناع المحكمة باعتبار الجريمة عملاً مشابهاً للقتل الرحيم. وبطبيعة الحال، فإن تصنيف الجريمة على هذا النحو يحمل عقوبة أقل بكثير للمجرم. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها محامو مايفيس في الدفاع عنه، فقد حُكم على المجرم أخيراً بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل في عام 2004.

المثير للدهشة أن الأخبار التي خرجت من السجن عن أحد أكثر القتلة دموية في التاريخ تشير إلى أنه يتصرف بطريقة مثالية في السجن، فلم يكن مثيراً للمشاكل، وسلوكه في الزنزانة لطيف ومهذب.

علامة فارقة في القانون الألماني

شكلت قضية آرمين مايفيس علامة فارقة في القانون الألماني. ليس فقط بسبب عنصر أكل لحوم البشر والسادية، ولكن أيضاً لأنها كانت جريمة متفق عليها بين المجرم وضحيته. وحقيقة عدم وجود تشريع محدد لهذه المواقف كاد أن يمنح آرمين مايفيس حريته. بينما كانت هناك شكوك كثيرة من جانب المهنيين أنفسهم حول كيفية تصنيف فعل بهذه الخصائص.

أخيراً، خلص القاضي إلى أن جريمة القتل لم تكن بدافع الشر، بل بدافع الخيال الجنسي غير المحدود. وكما ذكرنا في البداية، سعى مايفيس إلى الشعور بالاتحاد مع رجل آخر إلى ما هو أبعد من الحدود البشرية، وبالتالي يرغب في أكل لحمه لاستيعاب شخصه. وبغض النظر عن الدافع الأساسي، فإن الأمر الواضح هو أن جريمة القتل التي ارتكبها الألماني كانت حدثاً قاسياً على جميع المستويات. هذا على الرغم من أن القاتل دافع عن نفسه حتى النهاية من خلال الادعاء بأن برينديس كان يريد كل ما فعله به، إلا أنها لا تزال جريمة قتل كاملة.

وفي اللحظات الأخيرة من المحاكمة القضائية، أعرب مايفيس عن اعتذاره عما حدث، رغم اعترافه في الوقت نفسه بعدم قدرته على تعويض ما ارتكبه.

تعد قضية آرمين مايفيس بلا شك واحدة من أكثر القضايا الجنائية غموضاً وقسوة في التاريخ الإجرامي. ومع ذلك، فقد سمح هذا بإعادة تقييم الوضع القانوني لممارسات مثل أكل لحوم البشر. وهكذا، تم فتح مناقشات كثيرة حول الحدود بين التخيلات الجنسية الشخصية وسلامة الأشخاص المعنيين وسلامتهم. فهل الرغبة تبرر الأفعال؟ على ما يبدو لا.

هوامش

[1] المازوخية هي اضطراب نفسي يشعر من خلاله المريض بالمتعة عندما يتعرض للتعذيب الجسدي أو النفسي.

[2] الميتال هو لون من ألوان موسيقى الروك التي تتميز بالصوت العالي والرتم المشدد وكثافة الطبول.

[3] الحكم على آكل لحوم البشر الألماني بالسجن مدى الحياة.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!