ماذا يحدث إذا زادت قوة حواس الإنسان أو ضعفت؟
التوازن في قوة حواس الإنسان نعمة كبيرة، لا يقدرها إلا من حُرم منها. ولو توقف الإنسان للحظة يتفكر فيها في نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، سيدرك أن أهم نعمه على الإطلاق هي الحواس الخمسة التي يدرك بها وجوده في الحياة. لكن ماذا يحدث للإنسان إذا زادت قوة حاسة أو أخرى من حواسه، وماذا يحدث إذا ضعفت إحداها. ربما يتخيل الكثير أن تمتع الحواس بالقوة القصوى ميزة تجعل منه إنساناً خارقاً للطبيعة، ولكن على العكس من ذلك. في السطور التالية نخوض سوياً رحلة ممتعة للتعرف على أهمية التوازن والاعتدال في حواس الإنسان.
حاسة البصر
واحدة من أهم حواس الإنسان الخمسة هي حاسة البصر، ومن آيات الله وإبداعه التوازن في قوة هذه الحاسة، فلو ضعفت حاسة بصر الإنسان قليلاً فسوف يُحرم من متعة رؤيته للمناظر الخلابة، وسحر الأفق الممتد، ويواجه صعوبة خلال سيره في الطريق، وفي التعرف على أقرب الناس إليه إلا من مسافة قريبة. كما سيحد ضعف البصر من ارتباطه بمجتمعه فيشعر بالوحدة القاتلة ويهجر كل وسائل الثقافة، ويُحرم من القراءة.
أما إذا ازدادت قوة حاسة بصر الإنسان فسوف يرى الأشعة الضوئية والحرارية في درجاتها المختلفة. ويشاهد البشر والحيوانات في الظلام التام بكل وضوح بواسطة ما تشعه أجسامهم من موجات حرارية. ولو كان طبيباً سيسطيع بسهولة تشخيص إصابة المريض بالحمى بمجرد رؤيته. وسوف يصير من السهل على الإنسان معرفة ما إذا كانت الأجهزة الكهربائية مثل المكواة ساخنة أم باردة بمجرد النظر إليها. كما إنه سوف يشاهد ألواناً لم يسبق له رؤيتها من قبل. لكن في مقابل كل تلك المزايا هناك أمراً لن يستطيع تحمله ويمكن أن يقلب حياته رأساً على عقب. ويحولها إلى جحيم مستعرة، وهي رؤيته لملايين الفيروسات والبكتريا الضارة والنافعة، وكذلك تلك التي تتطاير مع الرذاذ عند العطس والسعال. وتنتشر في الهواء وتختلط بالأطعمة. وهو ما يصيب الإنسان بالاشمئزاز من طعامه وبالذعر من المرض، وبالرعب من الموت. لذا كان التوازن في قوة حاسة البصر لدى الإنسان أمراً عظيماً وهبه الخالق له.
حاسة السمع
حاسة أخرى من حواس الإنسان الخمسة الأساسية، هي حاسة السمع. ومع ندرك أهمية الاعتدال في حواس الإنسان. فإذا ضعفت حاسة سمع الإنسان فسوف يكون من الصعب عليه التفاهم مع غيره. نظراً لغياب اللغة الثرية بالكلمات والمرادفات. فاللغة تكتسب من الاستماع إليها. ولذلك تتقلص شيئاً فشيئاً ويظل المتحدث يبذل جهداً بالغاً في التفوه بكل كلمة على أمل أن يستمع إليها غيره. أضف إلى ذلك المضايقات التي تحدث من اقتراب المستمع من المتحدث. بل وسيكون من الصعب أن يتحدث الإنسان إلى جماعة من الأشخاص في أمر مهم. ونتيجة لذلك يدخل في عزلة ويتقوقع داخل نفسه ويصيبه الملل القاتل، ويحرم من متعة الاستماع إلى أجمل الألحان وإلى أصوات الطيور المغردة وتساقط قطرات المطر.
أما في حالة زيادة قوة حاسة السمع فسوف تصير ضوضاء السيارات وضجيج آلات المصانع كصوت الرعد وقصف المدافع وانفجار القنابل. بينما لن يتمتع الإنسان بسكون الليل في أكثر الأماكن هدوءً، بل لو إنه أقام في الصحراء فسوف تزعجه أصوات حركة عقارب ساعة يده، ودقات قلبه، وأصوات أنفاسه، وهضم الطعام وحركته داخل جسمه.
كذلك سيسطيع الاستماع إلى صوت ارتطام ذرات الهواء بجسمه فيزعجه ويختل عقله ويشقى بحياته. وهذا ما تعاني منه الفتاة البريطانية “وندي فراي” بسبب قوة حاسة سمعها فالأحاديث الجانبية وأصوات أجهزة التليفزيونات في المنازل البعيدة تصل إلى أذنيها، وأصوات مصابيح النيون والأجهزة الكهربائية وحركات الفراشات من مسافات بعيدة تصيبها بالمتاعب والصداع النصفي. وكذلك أصوات تحرك المكواة على الملابس وانبعاث اللهب من أجهزة إعداد الطعام تصيبها بالأرق الشديد. فالضجيج يملىء حياتها ويشتت تفكيرها ويحرمها من النوم. إنها تتمنى أن تكون مثل غيرها حتى تنعم بحياة طبيعية.
اقرأ أيضًا: معلومات عن جلد الإنسان: طبقات فوق طبقات من التعقيد |
حاسة اللمس
هذه الحاسة من حواس الإنسان هي المسؤولة على الشعور، فإذا ضعفت قوتها فلن يشعر الإنسان بحب وحنو من يضع يده على كتفيه، ويفقد متعة الإحساس بالنسيم عند ملامسته لجسمه. وكذلك متعة الإحساس بالدفء، بل إن الإنسان لن يجد اختلافاً بين حرارة الفصول الأربعة. ولن يشعر بالحكمة من اختلافها، وللأسف ربما احترقت أجزاء من جسم الإنسان وتفحمت أثناء يقظته دون أن يشعر بها.
أما إذا زادت قوة حاسة اللمس والإحساس عند الإنسان فسوف تكون أطراف أعصابه أكثر انتشاراً على سطح جسمه، ويصير ملمس الملابس الصوفية والقطنية أشبه بالإبر الحادة التي تؤلمه، وسوف يشكو من كثرة الأشواك، وصعوبة الحياة، وقلة الراحة والشعور بالحر الذي لا يحتمل والشكوى من البرد المميت.
اقرأ أيضًا: كيف تؤثر هرمونات السعادة الخمسة على الصحة النفسية؟ |
حاسة الشم
إن حاسة الشم من أهم حواس الإنسان الخمسة. فإذا كانت قوة حاسة الشم عند الإنسان أقل منها الآن، فإنه يحرم من التمتع بأجمل العطور، ولن تجذبه الورود والأطعمة الشهية، ولن تكون للروائح ذكرياتها التي لا تنسى في حياته. فرائحة البحر والكتب القديمة والجديدة، والأماكن الأثرية والحدائق والأماكن المختلفة وغيرها من الروائح تسجل في الذاكرة، وعندما نتنسمها نتذكر ما مضى فهي تمثل مستودع الذكريات الذي لا تمحوه الأيام.
بل إن الإنسان إذا ضعفت حاسة الشم لديه لن يتمكن من التمييز بين الجيد والفاسد من الكثير من الأطعمة، وربما تناول طعاماً فاسداً تسبب في مرضه أو موته. بينما إذا ازدادت قوة حاسة الشم، فإن الإنسان يستطيع التمييز بين الأعداء والأصدقاء من مسافات بعيدة عن طريق رائحتهم، وسوف ينفر من كثيرين من الذين يخالطهم بسبب روائحهم غير المستحبة. بل إنه سوف ينفر من نفسه وتصير حياه مأساة دائمة لا تنتهي فصولها.
اقرأ أيضًا: أهمية حاسة التذوق: كيف نشعر بمذاق الأطعمة؟ |
ان الاعتدال في قوة حواس الإنسان يؤكد على إبداع الله الذي خلق كل شيء بحكمة وقدر ورحمة وعلم لا يحيط به عقل البشر.
المراجع:
- أمور لا تصدق – فتحي محمد صالح.
- الشم .. السمع والكلام – د. سيد الفولي.