دين

قصة السامري: هل صنع العجل الذهبي أم صنعه النبي هارون؟

قصة السامري مع عجل بني إسرائيل إحدى قصص القرآن التي تدور حول شخصية غامضة صنعت العجل الذهبي ليعبده بني إسرائيل. ورغم أن القرآن لم يذكر أية معلومات عن هذا الرجل إلا أن هناك العديد من الروايات التي تحمل تفاصيل كثيرة رواها المفسرون. فما هي قصة السامري مع العجل الذهبي في القرآن وفي روايات المفسرين وفي الكتاب المقدس؟

السامري في القرآن

تبدأ قصة السامري في ذلك الوقت الذي ترك فيه النبي موسى قومه من أجل الذهاب للقاء ربه على الجبل ليتسلم ألواح الشريعة التي تحمل الوصايا العشر. ومن المتعارف عليه أن موعد هذا اللقاء كان بعد ثلاثين يوماً، وزادها الله عشرة أيام أخرى، ليكون المجموع أربعين يوماً. على الجانب الآخر من القصة أمّر النبي موسى أخاه هارون على بني إسرائيل لحين عودته. ومن هنا تبدأ القصة مع السامري.

لما شعر بني إسرائيل بأن موسى قد تأخر عليهم حاول السامري أن يضلهم فطلب منهم أن يخرجوا جميع الزينة والحلي التي حملوها معهم من مصر. وما إن وضعها السامري على النار حتى أمست عجلاً ذهبياً له خوار، فصاح القوم قائلين إن هذا إلهكم وإله موسى، وقد نسى موسى أن هذا الإله موجود هنا بين أيدينا وذهب للقائه على الجبل.


هارون وبني إسرائيل

حاول هارون أن يثنيهم عن عبادة ذلك العجل وأخبرهم بأن هذا التمثال لا ينفع ولا يضر. وينبغي عليكم أن تنتظروا وصول موسى. امتثل بعضاً منهم لحديث هارون ولكن البعض الأخر أبى أن يعبد ذلك العجل الذهبي. واستمروا على هذه الحال حتى عاد موسى حاملاً معه الألواح. وما إن رآهم حتى ألقى الألواح من يده وصرخ في وجوه القوم قائلاً: هل طال عليكم وقت انتظاركم أم تريدوا أن يحل عليكم غضب الله؟! ثم أمسك بلحية أخيه هارون وقال له: لماذا لم تفعل شيئاً إذ رأتهم على هذا الوضع. أجابه هارون أن خشي أن يقول القوم بأني فرقت بين بني إسرائيل فكما ترى هناك البعض منهم في جانبي والبعض الأخر ظلوا عاكفين على هذا الإله. فلو أني تدخلت بينهم لصارت الأمر كارثة.

اقرأ أيضًا: قصة تيه بني إسرائيل: لقد أهلكتنا يا موسى!

قصة السامري مع موسى

بعد أن أخبر هارون موسى بأن الذي صنع لهم العجل هو السامري، انطلق إليه ليسأله عما فعله. قال له السامري: لقد أبصرت شيئاً لم يفكر فيه أحداً غيري، وقبضت قبضة من أثر الرسول ثم ألقيتها على ذلك العجل. وهذا الأمر هو ما سولته لي نفسي. هنا أخبره موسى أن يرحل وينعزل عن بني إسرائيل، حتى يأتي أمر الله ويقضي نحبه.

انطلق السامري في طريقه. وعاد موسى إلى بني إسرائيل ليجتمع بالجميع كي يكفروا عما اقترفوه. فطلب من المؤمنين أن يقتلوا الذين عبدوا العجل منهم. وهكذا فعلوا فلم يتبق منهم سوى من آمن. وبعد أن انتهوا من هذا الأمر أحرق موسى والذين معه العجل الذهبي وألقوه في اليم.

وإلى هنا يسدل الستار على قصة السامري كما ذُكرت في القرآن، دون مزيد من التفاصيل التي رواها العديد من المفسرين في كتاباتهم حول شخصية هذا الرجل الذي يدعى السامري. تلك القصص التي تدخل في عداد الأساطير أو الخرافات التي لا يمكن أن يتقبلها العقل.

اقرأ أيضًا: قصة قارون: نهاية أغنى الأغنياء في التاريخ

قصة السامري مع جبريل

من هو السامري ولماذا صنع العجل الذهبي
صورة رمزية لبني إسرائيل يسجدون للعجل الذهبي

يتحدث العديد من المفسرين عن شخصية السامري، منذ ولادته في ذلك العصر الذي كان يقتل فيه فرعون مصر أبناء بني إسرائيل. ففي ذلك الوقت صارت كل امرأة تلد غلاماً تنطلق به سراً في جوف الليل إلى صحراء أو وادي أو جبل أو غار فتخفيه عن أعين الرقباء من رجال فرعون. فيقيض الله له ملكاً من الملائكة يطعمه ويسقيه حتى يختلط بالناس. وكان الذي ربى السامري هو جبريل.

كان السامري في عهد موسى يحدث بني إسرائيل عن هذا العجل الذهبي الذي كان معبوداً شهيراً في مصر بحديث جذاب طيب في مبالغات مقصودة. فكانوا كلما رأوه أو سمعوا به من السامري ازدادوا إعجاباً به وتعلقهم بهذا العجل. فقال لهم هارون أن هذا العجل إنما هو فتنة.

اقرأ أيضًا: أمنون وثامار: قصة الحب المحرمة التي ذكرت في التوراة

فتنة السامري

وعلى الجانب الأخر كان موسى يتحدث مع الله على الجبل حين أخبره الله أن قومه قد فتنوا من بعده. فقال موسى: كيف يفتنون وقد رأوا الآيات والمعجزات وقد أنجيتهم من قوم فرعون. وعندما عاد إلى قومه ألقى الألواح من يده. ثم انطلق يلوم أخيه هارون على عدم التصرف حيال ما فعله بني إسرائيل. فما كان إلا أن أخبره بأنه خاف أن يفرق بينهم.


هل مات السامري

انطلق موسى إلى السامري فسأله. فقال له السامري، لقد رأيت فرس جبريل لحظة انشقاق البحر، وكلما سار على قطعة من الأرض جرداء تحولت إلى اللون الأخضر، فحملت قبضة من أثر جبريل وحينما صنعت له العجل ألقت من هذا الأثر عليه. وتستمر أحداث القصة كما ذكرها القرآن حول قتل بني إسرائيل لبعضهم البعض تكفيراً عن ذنوبهم. ومن ثم يلعن موسى السامري، وكانت اللعنة عبارة عن سيره في الأرض دون أن يمسه أحد أو يقترب منه أحد حتى يأتي أمر الله فيموت.

اقرأ أيضًا: يوشع بن نون: فتى موسى الذي قاد حروب بني إسرائيل

حقائق عن القصة

وإلى هنا تنتهي قصة السامري كما ذكرها الرواة، واستقى منه العديد من المفسرين تفسيراتهم للقرآن. وكان علينا سردها لنتبين بعض الحقائق. أولها أن القرآن لم يذكر في معرض حديثه عن قصة موسى أن النساء كانت تحملن أطفالهم لتلقيهن في الصحراء وتقوم الملائكة على رعايتهم. أما الأمر الثاني، فهو تربية الملاك جبريل لشخصية مثل السامري، فهل من المعقول أن يربي جبريل أحد ثم يحاول هذا الشخص بعد ذلك أن يفتن قوم بعبادة غير الله. الأمر الثالث هو أن اختلاف العديد في تفسير كلمة “الرسول” التي ذكرت في الآية ” قبضة من أثر الرسول” هو ما جعلهم يشرعون في سرد مثل هذه القصة. بينما الرسول في هذه الآية لا يمكن أن يدعي أحد أنه يعلم المقصود به. وفي النهاية نقول كما أخبرنا في قرآنه الكريم: ” لا يعلم تأويله إلا الله”.

اقرأ أيضًا: قصة عصا موسى: حكايات غريبة ومعجزات حقيقية

السامري في الكتاب المقدس

لم يذكر الكتاب المقدس قصة السامري الذي يعد الشخصية الرئيسية في قصة العجل الذهبي في القرآن. ولكن هناك قصة أخرى ذكرها الكتاب المقدس حول شخصية تدعى ” السامري الصالح” ولسوف نتحدث عنها في مقال أخر. لكن هذه الشخصية التي يتحدث عنها الكتاب المقدس ليس لها علاقة بالعجل الذهبي وقصته مع بني إسرائيل. فهل معنى ذلك أن قصة العجل الذهبي لم يذكرها الكتاب المقدس؟ بل على العكس القصة مذكورة بتفاصيلها في الكتاب المقدس، وتتشابه أحداث هذه القصة مع القصة التي ذكرها القرآن إلا في اختلاف وحيد. وهو أن الذي صنع العجل الذهبي لبني إسرائيل كان هارون أخو موسى، فهارون في قصة الكتاب المقدس هو الشخصية البديلة للسامري في القرآن.


وإلى هنا يسدل الستار عن قصة من قصص القرآن والكتاب المقدس، وتتمحور هذه القصة حول شخصية من أكثر الشخصيات المبهمة التي لم نعلم عنها الشيء الكثير.


المصادر:

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!