دين

قصة تيه بني إسرائيل: لقد أهلكتنا يا موسى!

مكث بني إسرائيل في التيه قرابة الأربعين عاماً. فبعد أن نجاهم الله من فرعون وقومه، وبعد أن رأوا المعجزات العديدة وبعد أن أنعم الله عليهم بنعم لا تعد ولا تُحصى لم يقدروها حق قدرها لذا كان عقابهم أن يمكثوا في صحراء التيه لفترة أربعين عاماً. فما هي قصة تيه بني إسرائيل مع نبيهم موسى؟

صحراء التيه وشكوى بني إسرائيل

بعد أن انشق البحر وعبر منه بني إسرائيل إلى الصحراء، دخلوا في دائرة مغلقة تنتهي من حيث تبدأ، وتبدأ من حيث تنتهي. وفي هذا الوقت كانوا لا ينفكون عن لوم موسى قائلين له: لقد أهلكتنا يا موسى، وأخرجتنا من البنيان والعمران إلى هذا التيه القفر، وتحت حرارة الشمس الحارقة، ينبغي عليك يا موسى أن تدعو ربك ليرحمنا من هذا العذاب. فما كان من موسى إلا أن دعا الله ليستجيب له ويظللهم بالغمام فيقيهم حر الشمس ويجعل لهم عموداً من نور يضيء لهم طريقهم في ظلام الليل.


المن والسلوى

لم يكتف بني إسرائيل بهذا الأمر في سنوات التيه بل انطلقوا إلى النبي موسى ليسألوه عن الطعام. فدعا موسى ربه لينزل عليهم الله المن. بينما المن هو طعام يتساقط على الشجر مثل الثلج. وفيه ما يكفيهم كل يوم من طعام. وكان المن أشبه بالعسل في حلاوته وطعمه، إلا أن بني إسرائيل سرعان ما أصابهم الممل من هذا الطعام. لذا ذهبوا إلى موسى ليطلبوا منه أن يأكلوا اللحم. وهنا أنزل الله عليهم السلوى. وهو طير يشبه أفراخ الحمام والسمان، بعثه الله عليهم في التيه. حيث أمطرت به السماء وكانت الريح تأتي به إليهم كل يوم فيحلمونه ويأكلونه.

اقرأ أيضًا: قصة السامري: هل صنع العجل الذهبي أم صنعه النبي هارون؟

عيون الماء في تيه بني إسرائيل

تيه بني إسرائيل 40 سنة
صورة رمزية لبني إسرائيل في صحراء التيه

ولما أصابهم العطش في صحراء التيه انطلقوا إلى موسى ليسألوه عن الماء. فما كان من موسى إلا أن ضرب بعصاه الحجر فانبثقت منه عيون ماء ليشرب قومه من بني إسرائيل. ومع كل هذه المعجزات ورغم كل تلك الطلبات التي لا تنته لم يكتف بني إسرائيل. بينما عادوا لسؤال موسى عن طعام أخر غير هذا المن وذلك السلوى. لقد اشتاقت أنفسهم إلى الثوم والبصل والفول والعدس وهي أطعمة يستحيل زراعتها في هذا التيه، فما كان لهم أن يستبدلوا هذا الطعام الذي أنزل عليهم من السماء بطعام أهل الأرض.

اقرأ أيضًا: قصة قارون: نهاية أغنى الأغنياء في التاريخ

موت هارون

وظل بني إسرائيل على هذا الوضع أربعين سنة مات خلالها موسى وهارون، وكانت وفاة هارون أسبق من وفاة موسى. حيث أوحى الله إلى موسى أنه متوف هاون وأمر موسى أن يحضر معه هارون إلى جبل معين في التيه. فما كان من موسى إلا أن نفذ أمر الله فانطلق في التيه ومعه أخوه هارون الذي لم يكن يدري شيئاً عن هذا الجبل.

وإذا هما بشجرة لم يريا مثلها من قبل في التيه. بينما بجانب هذه الشجرة بيتاً بداخله مخدع للنوم. فلما رأى هارون ذلك البيت أعجبه وفتن به. ولما نظر إلى المخدع دعته نفسه إلى النوم عليه. فقال لموسى: إني أحب أن أنام على هذا المخدع. فقال له موسى: نم. بينما قال هارون: أخاف أن يأتي صاحب هذا البيت فيغضب. فقال له موسى: أنا أكفيك شره فنم. قال لموسى: هل تنام إلى جواري، فأجابه موسى: أنا إلى جوارك حتى إذا ما جاء صاحب البيت غضب علينا جميعاً. فوافق هارون أن ينام بمفرده على المخدع، وبعد ذلك غاط هارون في سبات عميق بعد أن أخذه الموت. ولذلك مات هارون خلال تيه بني إسرائيل في الصحراء.

اقرأ أيضًا: قصة بقرة بني إسرائيل: حكاية بقرة تكشف هوية قاتل

تشكيك بني إسرائيل

حمل موسى جثة أخيه هارون وحضره للدفن، وبعد أن قام بدفنه انطلق عائداً إلى قومه. وعندما رأه بني إسرائيل يأتي بمفرده صاحوا به: أين هارون؟ فقال لهم موسى: لقد مات هارون. فما كان من قومه إلا أن استنكروا ذلك بل واتهموا موسى بقتله. وقالوا له: أنت كاذب، فلقد قتلته لمعرفتك أننا نحبه. بينما تضرع موسى إلى ربه وشكي له قومه، فأوحى الله إليه أن ينطلق مع قومه إلى قبر أخيه هارون، وحينما وصلوا إلى هناك نادى الله هارون أن قم. فقام هارون من الموت ليسأله موسى: أأنا قتلتك، فأجابه هارون أن لا.

إلى هنا يسدل الستار على قصة التيه الذي قضى فيه بنو إسرائيل أربعين عاماً، وكان ذلك نتيجة حتمية لكفرهم وتشكيكهم في كل ما جاء به موسى. ورغم المعجزات التي صنعها الله على يد موسى أمامهم إلا أنهم مازالوا متشككين في قدرة الله تعالى.

اقرأ أيضًا: قصة عصا موسى: حكايات غريبة ومعجزات حقيقية

لم يتبق سوى أمر بسيط وهو أن قصة التيه قد ذكرها القرآن في محكم آياته. بينما تشتمل قصة التيه كما ذكرها القرآن على الغمام والمن والسلوى كما عرضناها، إلا أن قصة موت هارون وإقامته من الموت لم يذكر عنها القرآن أي شيء ويعتقد أنها جاءت إلينا من الإسرائيليات. لذا وجب التنويه.


المصادر:

  • القرآن الكريم.
  • الكتاب المقدس – العهد القديم.
  • تفسير القرآن العظيم – ابن كثير.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!