فلسفة

الدليل على وجود الله: فرضية مثيرة للاهتمام

حاول الإنسان منذ العصور القديمة العثور على دليل قاطع على وجود الله. سعى الفلاسفة والعلماء ورجال الدين، كل في مجاله، للبحث عن أدلة كافية تثبت وجود الله. حاول الفلاسفة إيجاده في مبدأ ميتافيزيقي، بينما سعى معظم العلماء لاكتشافه في أعماق المادة، أما رجال الدين، متجاوزين كلا الحُجتين، فقد وضعوه في مجال لا يُمكن الوصول إليه إلا من خلال الإيمان. وعلى الرغم من مرور قرون من النقاش حول هذه المسألة، فإن سؤال: “هل الله موجود؟” لا يزال حتى اليوم سؤالًا تصعب الإجابة عليه. ولكن هناك فرضية مثيرة للاهتمام يمكن أن تكون أحد الأدلة على وجود الله. دعونا نتعرف عليها..

الله نور

يبدو من الضروري لإيجاد الوضوح حول هذه المعضلة تعريف الله بشكل عام. تأتي كلمة الله في اللاتينية Deus والتي تعني “كائن من نور” حيث كان يُنظر إلى الآلهة في البداية على أنها كائنات مكونة من الضوء. يشير الصوفيون أيضًا إلى تجارب يظهر فيها الله ككائن من نور، كطاقة مضيئة مليئة بالخير. وتشير الأديان إلى أن الله هو “كائن من نور”، على سبيل المثال نجد في المسيحية:

ثم كلمهم يسوع أيضًا قائلًا: “أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة” – يوحنا (8:12)

كما نجد في القرآن الكريم:

“الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم” – النور 35.

 يمكننا إذن أن نفترض أن الله، إذا كان كائنًا من نور، فهو طاقة تظهر في شكل ضوء، مما يفتح أمامنا مجالًا لتحليل وجوده. إذا كان الله نورًا، فعلينا إذن أن نعتمد على الدراسات المتعلقة بالضوء لكشف وجوده.

الضوء.. الموجة.. الجسيم

فيزياء الكم
الموجة

الضوء هو ظاهرة مثيرة للاهتمام لأنه يتصرف كموجة وكجسيم في الوقت ذاته. الموجة هي انحناء أو دائرة تتشكل على سطح شيء ما. دعونا نفكر في الموجة التي تظهر على الماء عند إلقاء حجر. الضوء، مثل الماء في البركة، ينتشر في تموجات. تغطي هذه التموجات، أثناء امتدادها، مساحة هائلة أثناء حركتها. ولو أردنا تحديد كل النقاط التي تمسها تلك الموجة أثناء انتشارها، مثل البركة بأكملها، سيكون ذلك مستحيلًا؛ فالموجة توجد في أماكن كثيرة في الوقت نفسه. وعلى النقيض من ذلك، فإن الجسيم يثبت موقعه في نقطة معينة، مثل ثقب رصاصة. الشيء الغريب بشأن الضوء هو أن الموجة والجسيم يتواجدان في حالة تراكب، أي في الوقت نفسه.

تحتوي موجة الضوء على جميع المواقع المحتملة للجسيم في مجال احتمالي. وبهذا المعنى، فإن الموجة هي احتمال خالص، احتمال أن يكون الجسيم الضوئي في أي مكان داخل المجال. وفي الموجة لا يوجد شيء محدد، بل كل شيء ممكن. ويظل هذا الاحتمال قائم حتى يقوم وعي من خلال عملية المراقبة، فتنهار الموجة وتحدد حالة الجسيم. حينها يتحول الاحتمال إلى حقيقة، أي يختفي التراكب ويظهر الجسيم فقط. تتصرف جميع الجسيمات دون الذرية بنفس الطريقة، مما يعني أن الواقع الذي نعرفه، قبل الانهيار، هو مجرد احتمال.

الواقع والاحتمالات

الدليل على وجود الله
غرفة مظلمة

لنأخذ مثالًا. تخيل أننا دخلنا إلى غرفة مظلمة وأبقينا أعيننا مغلقة؛ لن نرى شيئًا. لنفترض أن هذا الظلام يشبه موجة الاحتمال حيث لا شيء محدد، وكل شيء يمكن أن يكون في أي مكان. طالما لم نفتح أعيننا، يبقى كل شيء ممكنًا. الآن، تخيل أننا نرمش مرة واحدة. خلال تلك اللحظة التي كانت فيها أعيننا مفتوحة، انهار الظلام، ولم يعد احتمالًا وأصبح حقيقة مكانية. فقط في تلك اللحظة الوجيزة ظهرت الأشياء، والمساحات، والمسافات. نرمش مرة أخرى فينهار الاحتمال ويتحول إلى واقع جديد: الأشكال، والألوان، الأحجام. وهكذا نستمر في فتح أعيننا. كل مرة نفتح فيها أعيننا، يكون ذلك أشبه بلقطة تصويرية، صورة ثابتة للواقع المكاني الذي يتخذ شكله بعد الانهيار. إذا بدأنا في فتح أعيننا باستمرار وربطنا كل صورة ملتقطة مع الأخرى، فإن الإطارات المترابطة تمنحنا إحساسًا بالحركة، وهذا هو الزمن. مجموع الملاحظات التي تحدث في كل جزء من الثانية تخلق الواقع الزماني/المكاني الذي نعيش فيه.

الله.. المراقب الأعظم

الوعي الكمي
الدليل على وجود الله في فيزياء الكم

نحن خالقي الواقع. وبدون ملاحظتنا، لن يكون هناك شيء لأن كل شيء سيظل في ظلمة الاحتمال. بهذا المعنى، نحن أشبه بالآلهة، نخلق العالم الذي نعيش فيه. ولكن إذا كنا نحن من ينهار كموجة الاحتمال لتصبح واقعًا، فكيف يمكن لنا، نحن أنفسنا كواقع، أن نكون هنا لنقوم بالانهيار؟ بمعنى آخر، يحتاج الواقع إلى وعي يهدم الموجة، والوعي بدوره يحتاج إلى وعي آخر يهدم الموجة لتجعله موجودًا لينهار. هذا ما يسميه الفيزيائيون “التسلسل الهرمي المتشابك”. يوضح علماء الفيزياء هذا الأمر على النحو التالي: لا يوجد انهيار دون مراقب (راصد)؛ ولا يوجد مراقب أيضًا دون انهيار.

الوعي هو نوع من النور الذي يضيء الواقع الداخلي والخارجي ويجعل من الممكن ظهور العالم أمامنا. يعتمد هذا النور بالضرورة على نور آخر، نور يتمتع بالوعي لأن الكائن الواعي وحده هو القادر على هدم الاحتمالات. ما هو الله إذن؟ من هذا المنظور، الله هو وعي كمي، المراقب الأعظم لكل ما نلاحظه، الكيان الذي يجعل من الممكن للكائنات أن تجعل الواقع ممكنًا.

إنها علاقة تداخل بين الوعي. الوعي البشري يعتمد على وعي الله، ونشاطنا الخلاق يكتسب قيمته فقط بفضل النشاط الخلاق لله. في المثال أعلاه، كل “فتح” للعين الخلاقة ليس سوى عدسة الإنسان التي، عندما “تستيقظ”، تسمح للطاقة الأبدية للنور بالمرور من خلالها وإظهار العالم. وفي كل جزء من الثانية، يخلق الله الكون عبر وعينا. فإذا كنا موجودين، فالله يجب أن يكون موجودًا. وهذا هو الدليل على وجود الله في فيزياء الكم..

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!