إلى متى يدوم الحب؟ وهل هناك حب للأبد؟

You are currently viewing إلى متى يدوم الحب؟ وهل هناك حب للأبد؟
هل يستمر الحب للأبد

كم من الوقت يمكن أن يستمر الحب؟ وهل هناك حب مدى الحياة؟ لطالما دارت مثل هذه الأسئلة في رؤوسنا، لكننا لم نجد لها إجابة شافية يمكن أن تريحنا. يتوقف 90% من الأزواج عن حب بعضهم البعض بعد حوالي ثلاث سنوات.. هذا ما يقوله العلم. وعلى الرغم من أن علم الأعصاب أكد أن هذا الحب الكيميائي الذي يستند على الهرمونات يتلاشى مع الوقت، إلا أن هناك شيئاً يحيي الأمل من جديد في نفوسنا. يمكن أن يكون هناك تاريخ صلاحية للحب بالنسبة لمعظم الأزواج، لكن هناك بعض الممارسات التي إذا فعلوها يمكن أن يستمر الحب الرومانسي لعقود من الزمن.

بصيص من الضوء

إن قبول فكرة أن يقول لك العلم أن الحب يدوم فقط لثلاث سنوات كان بمثابة ضربة قاسية لهؤلاء الرومانسيين البؤساء، ولهذا السبب كان من المريح أن ينتهي الأمر بدراسات أخرى تحلل أدمغة الأزواج الذين تزوجوا منذ عقود، وقالوا إنهم لازالوا يشعرون بنفس المشاعر التي شعروا بها خلال اللقاء الأول مع الحبيب. جعلتنا هذه الدراسات الجديدة نرى بصيص من الضوء في نهاية النفق.

هل كان هؤلاء الأزواج واقعين في الحب حقاً؟ أم أنهم يقولون ذلك فحسب؟ وإلى متى يدوم الحب الحقيقي؟ وهل هناك حب يستمر للأبد؟ من منا لا يريد أن يشعر على الدوام بأنه يعيش الحياة مع تلك التتبيلة الهرمونية التي تشعر فيها وكأنك عائد إلى منزلك تطفو على سحابة من المشاعر الطيبة الرقيقة الرائعة؟ سيكون من المؤسف جداً أن تفقد هذه المشاعر كل ثلاث سنوات. وسيتعين عليك أن تخرج مرة أخرى لمقابلة أشخاص جدد، والوقوع في الحب مرة أخرى، وتكرر هذه العملية مراراً وفي كل مرة تعتقد أنك قابلت حب حياتك. تخيل ما يكلفه الأمر، ليس الوقوع في الحب فحسب، بل وجود ذلك الحب المتبادل. فما الذي يميز هؤلاء الأزواج الذين يزعمون بعد عقود من الزواج أنهم يحبون بعضهم البعض مثل زوج من المراهقين في حالة حب. قبل أن نعرف السر وراءهم علينا في البداية فهم سياق الفكرة كاملة.


لماذا نقع في الحب؟

لماذا نقع في الحب
مشاعر الحب الأولية

تقول لنا العلوم أننا كبشر ننجذب إلى هؤلاء الأشخاص الذين نعتبرهم مناسبين لنا من الناحية البيولوجية. حيث تخبرنا غرائزنا بالشخص المناسب الذي يجب أن نتزوجه بحيث تكون ثمار تلك العلاقة (الأطفال) أكثر احتمالية للولادة والعيش والنمو. وهذا يعني أن الوقوع في الحب هي مسألة إحصائيات لفرض القانون الوحيد الذي يحكم الطبيعة: بقاء النوع.

يفترض العلماء أن شعور الإنسان بتلك المشاعر الرائعة عند الوقوع في الحب يستمر حوالي ثلاث سنوات. لكن لماذا يستمر الحب ثلاث سنوات؟ أحد التفسيرات هو أن هذا هو مقدار الوقت الذي يحتاجه البشر لحدوث التزاوج، لكي تحمل المرأة، وتمر الأشهر التسعة من الحمل، ثم يخرج الطفل إلى الوجود. ومن الطبيعي أن يحتاج الطفل لرعاية طوال تلك السنوات الأولى الأكثر ضعفاً في حياته، لذا لابد من وجود الأم والأب بجانبه.

اقرأ أيضًا: كيف نجعل حياتنا مريرة دون أن ندري؟

شيء يتجاوز العاطفة

لكن هنا يجب التفريق بين الافتتان والحب، لأنه على الرغم من صحة أن كلاهما يبدأن بنفس الطريقة في الدماغ، حيث يفرز ما يسمى بهرمونات الحب التي تجعلنا نشعر بالسعادة والبهجة والنشاط، وما إلى ذلك، إلا أنه يمكننا القول إن الافتتان يبدأ في الرأس ولكن الحب يستمر في القلب. ومن المنطقي أن كل هؤلاء العلماء الذين يقولون إن الحب يدوم فقط لثلاث سنوات، يقصدون الافتتان وليس الحب. ومع ذلك يمكن تحويل هذا الافتتان بما يحمله من مشاعر رائعة إلى حب ناضج حقيقي.

دعونا لا نكذب على أنفسنا. فالوصول إلى الحب الناضج الذي يستمر للأبد هو بالتأكيد أعظم إنجاز في العلاقة الزوجية الصحية. ما عليك سوى النظر إلى معدلات الطلاق لتعرف أن القليل فقط من الأزواج هم الذين نجحوا في تكوين علاقة صحية تقوم على شيء يتجاوز العاطفة. تهتم الطبيعة بأن يكون لدينا ثلاث سنوات مع تلك العاطفة، مع ذلك اللهب وتلك النار وذلك الافتتان. الطبيعة تريد الافتتان قبل الحب، لذا علينا أن نتصرف الآن، بحيث لا تحركنا تلك الشهوات وتقضي على علاقاتنا في بداياتها. ماذا لو أردنا أن نتجاوز هذا الشغف لننتقل إلى الحب الواعي الناضج الراسخ؟ وكيف يستمر الحب للأبد؟

اقرأ أيضًا: كيف تتحدث مع شريك حياتك عن موضوع صعب؟

متى ينتهي الحب؟

إلى متى يدوم الحب
هل ينتهي الحب؟

يقول بعض الأزواج الذين قضوا عقوداً من الزواج أنهم مازالوا واقعين في حب شركائهم بجنون. ولم تكذب فحوصات الدماغ التي سنناقشها الآن. انظر حولك وسترى أنه عندما يختفي تأثير الحب العاطفي يختار العديد من الأزواج إنهاء العلاقة بدلاً من محاولة إيجاد حل للمشاكل الزوجية التي تظهر. كم منا سمع تلك العبارات من قبل: “يخبرني زوجي أنه فقد الأمل”. “لم أعد أشعر بما اعتدت عليه من قبل”. “أين ذهب رونق الحب؟”. من الطبيعي أن ينتهي هذا الافتتان خلال فترة قصيرة من عمر العلاقة، سواء كانت ثلاث سنوات أو أكثر أو أقل، لكن ما يستمر هو الحب الناضج.

وهذا الحب الناضج لا يأتي إليك أو يذهب عنك كما في الافتتان، بل هو نشاط يقوم به طرفي العلاقة للوصول إليه. فبعد فترة شهر العسل مباشرة، وعندما يذهب الافتتان نرى الزوجين على حقيقتهما. وتلك الأصوات أو التشنجات اللاإرادية التي كان يصدرها الزوج أثناء تناول الطعام والتي بدت لطيفة جداً بالنسبة للزوجة، الآن فجأة لا يمكنها تحملها. والملابس التي كانت ترتديها زوجته والتي طالما أعجب بها لم يعد يطيق أن يراها ترتديها. وهكذا يأتي الاستياء والنفور.

اقرأ أيضًا: ما وراء الخلافات المتكررة بين الزوجين؟

الافتتان والحب

الفرق بين الحب والافتتان جوهري. وإذا أدركنا الفرق جيداً سنفهم ما الذي يجعلك ترغب في القتال من أجل تحقيق علاقة صحية أو عدم الرغبة في القتال على الإطلاق. فالافتتان شعور هوسي مخادع، يطمس رؤيتنا، ولا يجعلنا نرى العواقب المنطقية. وهذا هو ما باعته لنا الأفلام الرومانسية بشكل جيد، لأنها تبيع أفضل إذا ناشدت المشاعر بدلاً من المنطق. أما الحب الناضج فهو تضافر المشاعر والمنطق. بمعنى أنك خلعت نظارتك الوردية لترى الحياة على حقيقتها. نعم أنت تشعر بالحنان والحب والدفء، ولكن تتقبل عيوب الآخر ولا تتجاهلها.

يخبرنا العلم أن المرأة تحتاج إلى أقصى قدر من الدعم التي يمكنها الحصول عليه خلال تلك السنوات الثلاثة الأولى من العلاقة. وذلك بعد أن اختارت الرجل المناسب لها. يرتبط الرجل بالمرأة من خلال تلك المشاعر التي تنتابه. وإذا كانت هناك علاقة حميمة سيشعر كلاهما بمزيج هرموني من هرمونات الحب الخمسة التي تجعلهما يشعران بنفس تأثير إدمان المخدرات[1]. ويستمر هذا التأثير طوال فترة الثلاث سنوات اللازمة لحمل المرأة وإنجابها ورعاية الطفل. بعد هذه السنوات يختفي تأثير الافتتان، لكن يستخدم بعض القلة المحظوظة هذا الافتتان كسماد لإنبات الحب الناضج.

يشتمل الحب الرومانسي طويل الأمد على أنماط نشاط عصبي مشابهة لتلك الموجودة لدى طيور الحب في سن المراهقة، أو البالغين الذين يقعون في الحب. ولكن هناك بعض الاختلافات المهمة جداً بين الاثنين، والمثير للدهشة أن هناك العديد من مناطق الدماغ التي يتم تنشيطها في الحب الرومانسي طويل الأمد مقارنةً بالمرحلة الافتتان الأولى. تلك هي المناطق الغنية بالمواد الأفيونية والسيروتونين ولا تنشط سوى في العلاقات الناضجة طويلة الأمد.

اقرأ أيضًا: كيف تتخلص من صعوبة التعبير عن المشاعر؟

هل هناك حب يدوم مدى الحياة؟

أسس العلاقة العاطفية الناجحة
إلى متى يدوم الحب

هل هناك حب مدى الحياة؟ الإجابة البسيطة هي نعم، لكن دعونا نفند هذه الإجابة بشكل أكثر تفصيلاً. ففي حين أن الوقوع في الحب هو يانصيب هرموني، إلا أن السر وراء الحب مدى الحياة هو نفس سر أصحاب الملايين: العمل. فإذا استمر طرفا العلاقة في العمل على نموها وتطويرها بنفس الطريقة المتبعة في الحياة المهنية سيكون هناك علاقة حب ناضجة وصحية تدوم مدى الحياة. لكن ما الذي يمكن العمل عليه. هناك عدة أمور يجب الحفاظ عليها في العلاقة وهي كالتالي:

  • الرغبة في الاتحاد مع شريك حياتك.
  • تركيز الاهتمام بالعلاقة.
  • طاقة أكبر مع شريك حياتك.
  • تعزيز الانجذاب الجنسي.
  • وجود الدافع لعيش حياة سعيدة.
  • التفكير في شكل حياتك إذا حدث انفصال.

ينبغي الاهتمام بهذه العوامل كلها بشكل استباقي من قبل كلا الطرفين حتى يمكن تطوير الحب الهرموني والعاطفي والغريزي البحت إلى علاقة ذات جذور أعمق في الأرض. وقد أصبح العلم الآن قادراً على التحقق من وجود هذا الحب الناضج، أو حب الحياة، أو الحب الحقيقي على اختلاف المسميات. حيث أجرت عالمة الأنثروبولوجيا هيلين فيشر وفريقها بحثاً من شأنه أن يمنح الأمل للرومانسيين البؤساء. قام فريق البحث بمسح أدمغة أشخاص في الخمسينيات من عمرهم مضى على زواجهم أكثر من 20 عاماً، بالإضافة إلى أشخاص قالوا إنهم وقعوا في الحب مؤخراً. ادعى الجميع أنهم ما زالوا يحبون شركائهم بجنون. فماذا كانت نتيجة الدراسة؟

اقرأ أيضًا: الكذب والخداع بين الزوجين: لا مزيد من الأسرار

حالة من النضج العاطفي

شروط علاقة الحب الحقيقي
أسس الحب الناضج

أظهرت نتائج الدراسة[2] أن نشاط الدماغ لدى العشاق الأكبر سناً المتزوجين منذ عقود، هو نفس نشاط دماغ العشاق الصغار الذي بدأت علاقتهم منذ أقل من سبعة أشهر. والفرق الوحيد والمهم جداً هو أن مناطق أدمغة العشاق الأكبر سناً المرتبطة بالقلق لم تكن نشطة. وكان لديهم نشاط في المناطق المسؤولة عن الهدوء والسكينة في الدماغ. هذا بالإضافة إلى نشاط مناطق أخرى من الدماغ متعلقة بعلاقات الحب طويلة الأمد. حيث تنشط نفس المناطق التي تتعلق بالأمومة[3] في الحب الرومانسي (المهاد والمادة السوداء). وهي مناطق تحتوي على الكثير من مستقبلات الأوكسيتوسين والفاسوبريسين، وهي الهرمونات التي تجعل الأم مجنونة بابنها.

يعني هذا أن العلاقات طويلة الأمد يمكن أن تستمر في الحفاظ على مشاعر الافتتان الأولى، وفي نفس الوقت تصل إلى حالة من النضج العاطفي والهدوء طالما تم الحفاظ على الرابطة العاطفية. ولكن لننتظر للحظة، لقد رأينا جميعاً أن هذا الشغف يختفي أليس كذلك؟ نعم بالتأكيد، لكننا لا نقول إنه إذا قمنا بمسح أدمغة جميع الأزواج الذين تزوجوا لفترة طويلة سنجد نفس الشيء، فما نراه لا يوجد سوى عند بعض الأزواج.. ما نريد معرفته هو: كيف نصبح هذا النوع من الأزواج؟

اقرأ أيضًا: كشف أسرار متلازمة ستوكهولم في الزواج

الحب والحميمية

الحقيقة أن هؤلاء الأزواج استمروا في العمل على تطوير العلاقة، وأعطوا أهمية كبيرة لكل ما هو حميمي. ولا نقصد بالحميمية ممارسة الجنس التقليدي، فالجنس ليس سوى وجه واحد فقط من العملة، مجرد بطاقة واحدة من بطاقات الكوتشينة. ما يحتاجه الزوجان لاستمرار هذا الشعور ليس الجنس فحسب، بل أيضاً المودة الجسدية غير الجنسية. يُقال إن العلاقات الفاشلة هي نتيجة عدم رغبة أحد الطرفين أو كليهما في بذل ما يكفي من الجهد في العلاقة، وهو أمر يتفق عليه المتزوجون منذ عقود، فبناء العلاقة والحفاظ عليها يتطلب عملاً واعياً: الحب. وهذا يعني توفير المساحة، والوقت، وأنشطة الترابط الجسدي غير الجنسية على محمل الجد لمواصلة تعزيز هذا الجزء من العلاقة الحميمية، وهو الأمر الذي سيؤثر على هرمونات كلا الشريكين مع الوقت. هذه الهرمونات هي التي جعلت هؤلاء الأزواج يبلغون عن مستويات جيدة من النشاط الجنسي على الرغم من زواجهم منذ عقود.

اقرأ أيضًا: هل نصبح أكثر حكمة وشجاعة كلما تقدمنا في العمر؟

حياة واحدة

يوجد في علم النفس مقياس يسمى مقياس إدراج الآخر في الذات[4]، وهو يفترض أن العلاقات الرومانسية تعمل على توسيع إحساسنا ب “الأنا” عندما ندمج شريك الحياة في علاقة طويلة الأمد كجزء من هويتنا. أي أننا نقوم بتوسيع إحساسنا بالذات من خلال وجهات نظر الشريك وموارده وخبراته كما لو كانت تجاربنا الخاصة من خلال هذه العلاقات، وتصبح الحياة التي عاشها الزوجان منفصلان هي حياة واحد تخص كل واحد منهما.

هناك نتيجة أخرى مثيرة للاهتمام من تحليل أدمغة هؤلاء العشاق بعمق، وهي أن لديهم تنظيماً أفضل للألم والتوتر بفضل الحب الرومانسي. وأظهرت عمليات المسح أنه عندما يكون الحب الرومانسي في أوجه تنشط النواة المتكئة، وهي منطقة في الدماغ تنظم استجابتنا للألم والتوتر. ومن هنا ندرك أن وجود شريك حياة نحبه ونبني معه علاقة رومانسية طويلة الأمد يقلل من الألم والتوتر بشكل كبير، وهو ما يمنحنا مشاعر الأمان والثقة في الطرف الآخر. ومن المؤكد أن هذا الأمر بالذات هو ما تبحث عنه النساء أكثر من الرجال، وذلك بسبب غريزة الحاجة للحماية.

مراجع

[1] The neural basis of romantic love.

[2] Neural correlates of long-term intense romantic love.

[3] The Neurobiological Basis of Love: A Meta-Analysis of Human Functional Neuroimaging Studies of Maternal and Passionate Love.

[4] Pair-Bonding as Inclusion of Other in the Self: A Literature Review.

This Post Has One Comment

  1. طيف

    واحد من أفضل المواقع على الإطلاق.

    أعتقد أن مسألة الحب، مسألة مبعثرة و مشوهة، وذلك لأن تعريفات الحب تختلف من شخص إلى آخر، وبالتالي تختلف معها المعايير التي يتم من خلالها تقييم الحب وقوته..

    مسألة الحب كالبناء، فهي تحتاج لبذل الكثير من الجهد، لتكوين أساس قوي، يستطيع أن يصمد إلى النهاية، كما أن انعدام الوعي بالاختلافات السيكولوجية بين الرجل والمرأة، سبب أساسي في تكوين شحنات من شأنها أن تقتل بريق الحب..

    ملاحظة: من الجميل وضع مقال يتحدث عن هذا الموضوع ( سيكولوجية الرجل والمرأة )

اترك تعليقاً