الخوف من الهجر: كيف تتخلص من سجن هذه المشاعر؟

You are currently viewing الخوف من الهجر: كيف تتخلص من سجن هذه المشاعر؟
هل يمكن التخلص من مشاعر الخوف من الهجر؟

الخوف من الهجر هي مشاعر عاطفية نمر بها جميعاً، لكن هناك بعض الحالات المتطرفة التي يمكنها أن تؤثر على الصحة النفسية للمرء، وتسبب العديد من المشكلات في حياة الناس. في السطور التالية نتعرف على هذا أعراض الخوف من الهجر وأسبابه، كما نتعرف على كيفية التغلب على الخوف من الهجر؟

ماذا يعني الخوف من الهجر؟

الخوف من الهجر هو نوع من مشاعر القلق القوية التي تنتاب بعض الناس عند التفكير في فكرة فقدان شخص محل حب وتقدير. ولا يقتصر هذا الأمر بالضرورة على الشريك الرومانسي، بل يمكن أن يتجلى في الخوف من أن يصبح الإنسان في مهب النسيان.

يمر بهذه الظاهرة النفسية كل الناس تقريباً، وعندما تحدث تولد مستويات عالية من الضيق والقلق والانزعاج وفي أسوأ حالات يمكن لها أن تخرب حتى العلاقات الزوجية التي يسعى المرء للحفاظ عليها. بينما لا يشتمل الخوف من الهجر على التخلي الجسدي فقط، بل يمكن أن يشتمل على التخلي العاطفي كذلك. وعلى عكس ما يعتقده البعض، فإن الخوف من الهجر ليس اضطراباً نفسياً يمكن تشخيصه، بل يندرج تحت فئة فرعية من القلق، لكن مع ذلك يجب أن يؤخذ هذا الأمر على محمل الجد إذا ظهرت أعراضه.


أمثلة على الخوف من الهجر

أعراض الخوف من الهجر
الخوف من الهجر في واقع الحياة

لتوضيح معنى الخوف من الهجر بصورة أكبر نستعرض بعض الأمثلة من واقع الحياة اليومية. وربما المثال الأكثر شيوعاً الذي يفكر فيه معظمنا عند الحديث عن الخوف من الهجر هو علاقة الحب الرومانسية بين حبيبين. حيث يشعر أحد طرفي العلاقة بخوف شديد من هجر شريكه وفقدانه والانفصال عنه. مما يؤدي إلى سلسلة من الأحداث السيئة، والسلوكيات غير المريحة في العلاقة مثل تقييد حرية الشخص الأخر، وعدم الرغبة في تركه يذهب بعيداً لأي أمر من الأمور وغيرها من السلوكيات.

هناك موقف آخر يمكن ملاحظته داخل مجموعة من الأصدقاء. حيث نجد أن لدى هذه المجموعة عضو يخشى باستمرار أن تقرر بقية المجموعة استبعاده من خططهم، أو ربما يبالغ في ردود أفعاله تجاه المناسبات الخاصة التي لم يدعوه إليها أحد أصدقائه. وهذه الحالة تعد مثالاً واضحاً يكون فيها الخوف من الهجر ليس خسارة جسدية بل خسارة عاطفية. بل ويمكن أن يشعر المرء بأن أصدقاءه لم يعودوا يتحدثون معه كما كان من قبل، وغيرها من الأفكار والسلوكيات.

أما الحالة الأكثر خطورة هي الخسارة الحرفية، أي الوفاة. ومن الطبيعي أن تشعر بالخوف من موت أحد الأحباء، لأن الخسارة مؤلمة بلا شك. لكن هناك في بعض الحالات، يُظهر المرء خوفاً مبالغاً فيه من فقدان أحد أفراد أسرته إلى الأبد. وفي هذه الحالات يولد الخوف بدون سبب منطقي. لتوضيح هذه المسألة نقول أنه من الطبيعي أن تشعر بالخوف عندما يصاب أحد الأقارب الأكبر سناً بمرض خطير، لكن ليس من الطبيعي أن تشعر بالخوف في كل مرة يخرج فيها أحد الأقارب إلى الشارع.

اقرأ أيضًا: عن الشجاعة والجرأة: الجبناء يقتلهم الخوف

أعراض الخوف من الهجر

يتجلى الخوف من فقدان شخص ما بطرق مختلفة. وهناك العديد من أعراض الخوف من الهجر، لكن المؤشرات الأكثر شيوعاً هي ما يلي:

  • صعوبة الثقة بالآخرين.
  • عدم القدرة على إقامة علاقات طويلة الأمد.
  • الحساسية العالية للنقد.
  • تدني احترام الذات والشعور بعدم استحقاق الحب.
  • الميل للانخراط في العلاقات السامة.
  • الشعور بالذنب ولوم النفس عندما لا تسير الأمور على ما يرام.
  • اللجوء إلى الابتزاز العاطفي من أجل إبقاء الشخص الآخر إلى جانبهم.
  • التعلق بالآخرين بسهولة.
  • صعوبة أن تكون على طبيعتك في أي علاقة.
  • عدم الاستقرار العاطفي الذي يؤدي إلى الغضب والخوف.
اقرأ أيضًا: الثقافة الجنسية في الإسلام: هل الحديث عن الجنس عيب أم حرام؟

أسباب الخوف من الهجر

أسباب الخوف من الهجر
تعود أسباب الخوف من الهجر إلى مرحلة الطفولة

تعد نظرية التعلق من أفضل النظريات الموجودة حالياً لشرح ظاهرة الخوف من الهجر لدى البعض، وشعور البعض الآخر بالأمان في علاقاتهم.

تجارب الطفولة

تشير نظرية التعلق إلى أن تجارب الطفل مع والديه هي التي تحدد كيف سيتصرف في العلاقات المستقبلية. ونظراً لأن الآباء حاضرين كحماة، فإن الرابطة التي تنشأ بينهم وبين أطفالهم قوية للغاية ومؤثرة، واعتماداً على مدى الأمان الذي يحصل عليه الطفل سينمو لينظر إلى العلاقات بطريقة أو بأخرى.

ولتوضيح نظرية التعلق لبومبي بصورة بسيطة، يمكننا القول أن الطفل خلال السنوات الأولى من حياته يتعلق عاطفياً بمن يرعاه ويتفاعلون منه ويستجيبون لردود أفعاله، وكي يستكشف العالم من حوله يبدأ في تدمير وإتلاف مقتنيات الآباء، وتتوقف ردود أفعال الآباء على صحة الطفل النفسية والعاطفية فيما بعد. فهناك من يستجيبون معه، والبعض الأخر يفضل توجيه اللوم لسلوكياته مما يزرع بداخله القلق والتوتر من فعل مثل هذه السلوكيات مستقبلاً. ويؤثر الانفصال أو التخلي العاطفي عن الطفل مثل موت أحد الآباء أو الانفصال على نفسية الطفل مما يؤدي بدوره إلى التأثير على علاقاته المستقبلية.

كذلك تقسم عالمة النفس الأمريكية ماري أينسورث علاقة الطفل بوالديه إلى ثلاث فئات هم: التعلق الآمن، والتعلق الإنطوائي، والتعلق المشوش أو القلق. وربما أحد أسباب الخوف من الهجر هو التعلق القلق. حيث يكون الطفل قلقاً بشأن وجود والديه لحمايته أو ما إذا كان سيتمكنون من مساعدته إذا لزم الأمر، وهذا يمكن أن يطور ميلاً إلى قلق الانفصال والتشبث بالآخرين.

الصدمات السابقة

سبب آخر محتمل تمت ملاحظته هو الصدمة السابقة المتعلقة بالهجر أو الفقدان، ومن الأمثلة على صدمات التخلي هجر أحد الوالدين، فهذا الأمر يمكن أن يكون له تداعيات خطيرة على المرء سواء في مرحلة الطفولة أو في مراحل أخرى من الحياة كمرحلة المراهقة. ومن الأمثلة على ذلك صراع مراهق في منتصف عملية طلاق من والديه، أو الموت المبكر لأحد أفراد أسرته.

اقرأ أيضًا: أهم أسباب الهجرة الرئيسية في عالم اليوم

عواقب الخوف من الهجر

بمجرد معرفة الأسباب المحتملة لهذه السلوكيات، يمكننا فهم عواقبها. تشتمل عواقب الخوف من الهجر على ثلاثة أمور.

المعاناة من التوقعات الخاطئة

أول هذه العواقب هي التوقعات الخاطئة. فالمرء الذي يخشى الهجران يأمل ألا يتخلى عنه شركاؤه أو أصدقاؤه أبداً، وأي شخص يعاني من هذا النوع من القلق يمكن أن يفهم أن هذا لن يكون هو الحال دائماً، فمن الطبيعي أن يفقد الشخص طوال الحياة شركائه أو أصدقائه أو عائلته. بعبارة أخرى، فإن خلق هذه التوقعات غير الواقعية يعرض الشخص لخيبة الأمل والفشل، وهو ما يولد بالطبع مشاعر سلبية يمكن أن تؤثر على أدائه اليومي، فضلاً عن كونه أحد مسببات النتيجة التالية.

السلوكيات المقيدة للحريات

بعد التوقعات الخاطئة يأتي دور السلوكيات، فإذا كان لديك اعتقاد بأن الناس يجب أن يظلوا معك إلى الأبد، تزداد احتمالية أن تتصرف بطريقة معينة لتحقيق هذا الاعتقاد. على سبيل المثال، في حالة الزوجين، هناك سيناريو كلاسيكي حيث يكون لدى الزوج خطط للخروج مع أصدقائه لكن الزوجة تغضب وترغب في قضاء زوجها هذا الوقت معها. مما يؤدي إلى إحراج محتمل للزوج مع أصدقائه، وتقييد حريته. هذه السلوكيات المقيدة للحريات والإصرار على إبقاء الناس قريبة يدفعهم بعيداً دون وعي. لذا تخرب مثل هذه السلوكيات العلاقات لأنها تنبع من عدم الأمان الشخصي وليس من الرغبة المتبادلة في قضاء المزيد من الوقت معاً.

التلاعب العقلي

ربما تكون النتيجة الأخيرة هي أخطر النتائج الثلاثة المدرجة وهي أن الأشخاص الذين يخافون من الهجر هم أكثر الأشخاص التي يمكن التلاعب العقلي والنفسي بهم بسهولة على يد الأشخاص المتلاعبين. وعلى الرغم من أنه يمكن ملاحظة هذا الأمر في علاقات الصداقة، إلا أن الشيء الأكثر شيوعاً هو رؤية هذه السلوكيات السامة في العلاقات الزوجية. حيث يستغل الشريك خوف شريكه من الهجر للتلاعب به والإساءة إليه، وهو يعلم جيداً أنه سيسامحه.

اقرأ أيضًا: كيف تواجه أزمة منتصف العمر؟

كيف تتغلب على الخوف من الهجر؟

علاج الخوف من الهجر
كيف تتخلص من مشاعر الخوف من الهجر

الخوف من الهجر يشبه السجن. إنها مساحة مغلقة وخانقة تقطع كل علاقاتنا. لذا فإن فهم أسباب الخوف من الهجر وأعراضه يمكن أن يساعدنا في التغلب عليه، والتعامل مع هذه المواقف بشكل أفضل. في هذا القسم نقدم بعض الإشاردات والنصائح اللازمة للتغلب على الخوف من الهجر.

عد إلى البدايات

كما أشرنا آنفاً، فإن الخوف من الهجر يرتبط عادة بالتجارب السابقة. وسواء كانت تجارب في الطفولة أو مرحلة المراهقة، هناك دائماً شرارة تضيء نيران الخوف. يمكن أن يساعدك تحديد المكان الذي بدأ منه كل شيء في التغلب على الخوف من الهجر. لذا عد بالزمن إلى الوراء وقيم الطريقة التي كنت تتعامل بها مع الناس في الماضي. ثم اطرح على نفسك الأسئلة هل كنت دائماً خائفاً من أن يتم التخلي عنك؟ هل يمكنك تحديد متى بدأت هذه الأمور؟ وما الذي دفعك إلى ذلك؟ هل هو شيء بدأ مع علاقتك الجديدة؟ طرح أسئلة غير مريحة هو أداة لاكتشاف الحقيقة.

تخلص من لوم نفسك

إلقاء اللوم على الذات لن يساعدك في علاج الخوف من الهجر. ففي كثير من الأحيان نعود بالزمن إلى بدايات الطفولة ونلوم أنفسنا عن طريق طرح أسئلة على غرار: “لو كنت أفضل لما تخلى عني..” أو ” أنا لا استحق الحب” وغيرها من الأسئلة التي تؤجج المشاعر السلبية. فنحن كأطفال نميل إلى تحمل أنفسنا الذنب والمسؤولية، مما يدمر تدريجيا تقديرنا لذواتنا. لذا علينا أن نخرج من هذه الحلقة، ونتوقف عن إلقاء اللوم على أنفسنا، ونحلل الوضع الحقيقي لطفولتنا.

تقبل مخاوفك

لا تكون المخاوف دائمًا شيئاً سلبياً، فهي تساعدنا على الانتباه للمشاكل، وفي نفس الوقت تشير إلى نقاط ضعفنا للتغلب عليها. إن دراسة وفهم وقبول مخاوفنا هي الخطوة الأولى التي من خلالها نستطيع التغلب على الخوف من الهجر.

تعلم الشعور بالرضا عن نفسك

إن قبول الذات وتقديرها والرضا عنها هي خطوة مهمة يجب عليك إدراكها، فالخوف من الهجر يأتي عادةً بسبب مشاكل احترام الذات، وغالباً ما يكون مصحوباً بالغيرة وعدم الأمان وقلة الثقة وغيرها. لذا فإن معرفة نفسك أمر ضروري للعيش في علاقة صحية، يكون فيها لك الحرية في التعبير عن نفسك وأن تكون على طبيعتك، دون الانغماس في مزيد من الأكاذيب.

ابحث عن الأشخاص الذين يتقبلونك كما أنت

تعلم أن تتحلى بالصبر وامنحك نفسك الوقت اللازم للتعبير عنها. فليس هناك أي سبب للتسرع والحكم على الآخرين. ولا تطارد أولئك الذين يحاولون الابتعاد عنك أو الهروب. فالذين يحبونك بالفعل سيفعلون أي شيء للبقاء بجانبك.

اعتني بنفسك

هناك شيء آخر يمكنك القيام به للتغلب على الخوف من الهجر هو الاعتناء بنفسك. ويمكن لبعض العادات أن تساعدك على تحسين حياتك مثل:

  • ممارسة الرياضة.
  • تناول نظام غذائي متوازن.
  • توسيع دائرة أصدقائك.
  • القيام بالأنشطة الترفيهية دون مشاركة شريك أو صديق.
  • تجنب المواقف العصيبة.
  • الاعتناء بمظهرك الجسدي.
  • التوقف عن لوم نفسك أو مطالبة نفسك بالكثير.
  • ممارسة اليوجا والتأمل وأنشطة الاسترخاء الأخرى.

باختصار، أي نوع من النشاط يجعلك سعيداً فهو مرحب به. وستكتشف من خلاله أن السعادة تتحقق بطرق مختلفة (ليس فقط في النموذج الأولي للشريك بجانبك) وأنه يمكنك أيضاً تحقيقها بمفردك ومع الأشخاص من حولك.


في الختام فإن الخوف من الهجر مشكلة خطيرة لكثير من البالغين الذين يبحثون عن علاقة صحية، لذلك من المهم للغاية معالجته لأن هذا الخوف يمكن أن يسبب ضرراً حقيقياً لمن يعاني منه، مثل التواجد مع شخص ما خوفاً منه أو الشعور المستمر بالوحدة.

المراجع

1.       Author: Dan Brennan, (11/20/2020), Abandonment Issues: Symptoms and Signs, www.webmd.com, Retrieved: 12/7/2022.

2.       Author: Darlene Lancer, (10/29/2017), Are You Being Emotionally Abandoned, www.psychologytoday.com, Retrieved: 12/7/2022.

3.       Author: Zawn Villines, (9/8/2022), What to know about abandonment issues, www.medicalnewstoday.com, Retrieved: 12/7/2022.

اترك تعليقاً