مفهوم السعادة في الفلسفة والدين والعلم

You are currently viewing مفهوم السعادة في الفلسفة والدين والعلم
لماذا لا نحصل على السعادة الحقيقية في الحياة

إن السعادة البشرية مطلب عسير المنال، فالإنسان منذ وجوده على هذه الأرض وهو يسعى جاهداً للحصول على السعادة الحقيقة. لكن الغريب إنه يركض وراء شيء لم يصل إلى مفهومه. فما مفهوم السعادة في الفلسفة والدين والعلم؟ وهل السعادة في الحياة مجرد وهم؟ أم أننا لا نرغب مطلقاً في أن نكون سعداء؟

تعريف السعادة 

إذا حاولنا أن نصل إلى تعريف واضح للسعادة البشرية سنجد أننا أمام عقبة كبيرة، ألا وهي أن معظمنا تقريباً يربط بين السعادة والمتعة الوقتية العابرة. بل ويعتبرها نوعاً من أنواع السعادة. لقد اختلف جميع البشر تقريباً على اختلاف تصنيفاتهم في الوصول إلى مفهوم السعادة. سنجد تعريفات شتى من الفلاسفة وعلماء النفس ورجال الدين والسياسيين لمفهوم السعادة الحقيقية. لنلقي نظرة على ما قاله البعض في تعريف السعادة.


السعادة في الفلسفة

منذ بدايات ظهور الفلسفة، وقد حاول الفلاسفة الوصول إلى تعريف للسعادة البشرية. على سبيل المثال حاول أفلاطون باعتباره أحد أهم الفلاسفة في تاريخ البشرية أن يصل إلى مفهوم محدد للسعادة البشرية، وتوصل إلى أن السعادة الحقيقية تكمن في مكارم الأخلاق كالشجاعة والفضيلة والكرم الخير والحكمة. أما السعادة الحقيقية فليست في ذلك العالم وإنما في عالم آخر.

أما أرسطو فوصف السعادة بأنها الحياة الجيدة، والحياة الجيدة بمفهومه هي التي تشتمل على خمسة أمور منها الصحة الجسدية والثراء والنجاح العملي والسمعة الطيبة وسلامة العقل والاعتقاد.

رأى باروخ سبينوزا أن السعادة هي البهجة التي تعترينا حينما نتخلص من الأهواء والشهوات والأحكام المسبقة. أما الفيلسوف توما الأكويني فيقول أن السعادة البشرية في رؤية الجوهر الإلهي.

وقد تناول بعض الفلاسفة المسلمين هذه الفكرة. فعلى سبيل المثال رأى الفارابي أن السعادة غاية في حد ذاتها، وأن الـتأمل والتمتع بالمنطق السليم أحد أهم أسباب السعادة. كما رأى ابن سينا أعظم فلاسفة العصور الوسطى أن السعادة تحدث حينما نتخلص من الجسد الإنساني، ومن ثم ما يعرف بالروح تستطيع الاتصال بالعالم الروحاني الذي يشتمل على الاتصال بالإله.

أما بالنسبة لبعض فلاسفة العصر الحديث. نذكر على سبيل المثال الفيلسوف نيتشه الذي رأى أن السعادة في ازدياد القوة. كما ينظر إليها برتراند راسل على أنها الاستسلام للشعور بالحب. أما كيركجارد فيقول أن السعادة هي الانغماس في الحاضر والاستمتاع بالرحلة.

اقرأ أيضًا: عبارات عن السعادة تجعلك تشعر بالأمل والتفاؤل

السعادة في الأديان

تناولت شتى الأديان موضوع السعادة البشرية من أجل الوصول إلى مفهوم شامل لها. ومن ثم العمل على تحقيقها. إلا أن معظم الأديان تقريبا قد أقرت أن السعادة الحقيقة تكمن في القرب من الإله، ونيلها يكون في العالم الآخر. لكن ما يسترعي انتباهنا هنا أن بوذا مؤسس الديانة البوذية حينما ذكر السعادة قال عنها ان ليس هناك طريق للسعادة. فالسعادة هي الطريق. وهي فلسفة تأملية روحية ربما تدعو إلى الزهد في الحياة للحصول على السعادة على الرغم من عدم إيمان بوذا بالحياة الأخروية.

اقرأ أيضًا: أقوال عدمية عن الحب والصداقة والوحدة والدين والحياة

السعادة البشرية في علم النفس

خلال تسعينات القرن الماضي وضع عالم النفس مارتن سيليجمان نظرياته المتعلقة بعلم النفس الإيجابي. تلك الدراسات التي وضعت دراسة السعادة البشرية بشكل مباشر في مركز أبحاث علم النفس ونظرياته. أكدت دراسات سيليجمان على أهمية الوصول إلى الإمكانات الفطرية للفرد وخلق معنى في حياة المرء. ومنذ ذلك الوقت تم نشر آلاف الدراسات ومئات الكتب بهدف العمل على مساعدة الناس على عيش حياة تتمتع بالرضا ومن ثم الوصول إلى السعادة البشرية.

لكن على الرغم من كثرة الدراسات والأبحاث المتعلقة بهذا الأمر إلا أننا لم نصبح أكثر سعادة، وربما قد نكون نحن البشر قد تم برمجتنا على أن نكون غير سعداء. إن جزء كبير من هذه المعضلة يكمن في أن السعادة ليست مجرد شيء واحد يمكننا الحصول عليه.

اقرأ أيضًا: معضلة قنفذ آرثر شوبنهاور وبعض المعضلات الغريبة الأخرى

أسطورة السعادة البشرية

اقترحت الفيلسوفة جينيفر هيشت التي تدرس تاريخ السعادة في كتابها “أسطورة السعادة” أننا جميعاً نحن البشري نختبر أنواعاً مختلفة من السعادة. لكن بعض أنواع السعادة قد تتعارض مع بعضها البعض. لذا فإن من المستحيل أن نحصل على جميع أنواع السعادة في الوقت ذاته. على سبيل المثال إن الوصول إلى حياة تقوم على أسس متينة من الرضا مثل الوضع المهني الناجح والزواج الناجح وغيرها من مقاييس الحياة السعيدة يتطلب الكثير من الوقت والجهد والتضحية بالعديد من الملذات. لكن مع ازدياد السعادة في أحد مجالات الحياة، فإنها غالباً ما تنخفض في مجال آخر.


ألن يكون من الرائع حقا أن..

لماذا لا نشعر بالسعادة باستمرار
فلسفة السعادة

إن جميع البشر تقريباً ينظرون إلى ذكريات الماضي بنظرة سعيدة مبهجة نوعاً ما، ومع ذلك يرون أن المستقبل يحمل كثيراً من الأمل والإمكانات والسعادة. هنا تزداد هذه المعضلة إرباكاً. نظراً للطريقة التي تعالج بها أدمغتنا تجربة السعادة. لننظر إلى هذه الأمثلة لتبسيط المسألة:

جميعناً بلا استثناء قد اختبرنا في الحياة مقولات من أمثال ” ألن يكون من الرائع حقاً أن نذهب إلى الجامعة؟ ألن يكون من الرائع أن نقع في الحب؟ ألن يكون من الجميل أن نتزوج؟ ألا يبدو من جميلاً أن يكون لدينا أطفال؟ وهكذا دواليك لن نتوقف على أمر واحد. فدائما ننظر إلى المستقبل بصورة وردية. لكن حينما نحصل على ما نريد نجد أننا فقدنا معنى السعادة. من هنا تبدأ رحلة البحث من جديد عن نوع أخر من السعادة. لكن لن نجد أحداً ما يقول ” أليس هذا رائعاً الآن؟!”

بكل تأكيد ماضينا ومستقبلنا ليسا دائماً أفضل من الحاضر. ومع ذلك، ما زلنا نعتقد أن هذا هو الحال دائماً. تلك هي النقطة الهامة التي تعزل الواقع القاسي عن أذهاننا التي تفكر في السعادة الماضية والمستقبلية. لقد قامت الكثير من الفلسفات على هذا الأمر. بل هناك ديانات كاملة قامت على الوعد بالسعادة المستقبلية سواء كان ذلك في جنة عدن أو الامتزاج بالروح الكلي للطبيعة أو الاتصال بالإله. لذا نجد أن السعادة الأبدية هي دائماً الجزرة المتدلية من نهاية العصا الإلهية.

اقرأ أيضًا: الفلسفة الرواقية: كيف نحيا حياة جيدة؟

كيف تعالج أدمغتنا تجربة السعادة البشرية

هناك دليل على سبب عمل أدمغتنا بهذه الطريقة. حيث يمتلك معظمنا شيئاً يسمى الانحياز الإيجابي، وهو الميل إلى الاعتقاد بأن مستقبلنا سيكون أفضل من حاضرنا. لقد أشار علماء النفس المعرفي إلى هذا الأمر بمبدأ بوليانا. وهذا المبدأ يقوم على أساس أننا العقل البشري يميل إلى معالجة وتذكر المعلومات الممتعة من الماضي أكثر من المعلومات غير السارة. بالطبع هناك استثناء لهذا الأمر لدى الأفراد المصابين بالاكتئاب الذين غالباً ما يركزون على الإخفاقات وخيبات الأمل الماضية. إن هذا هو السبب الرئيسي في أن الأيام الخوالي تبدو جيدة جداً. لأننا نركز على الأشياء الممتعة ونميل إلى نسيان الأشياء المزعجة.


خداع الذات كميزة تطورية

يمكن أن تكون هذه الأوهام حول الماضي والمستقبل جزءً تكيفياً من نفسية الإنسان، فخداع الذات هو الذي يمكّننا في الواقع من مواصلة الكفاح في الحياة. فإذا كان ماضينا عظيماً ومستقبلنا يمكن أن يكون أفضل، حينئذ يمكننا شق طريقنا للخروج من الحاضر المزعج إلى المستقبل الوردي.

كل هذا يخبرنا بشيء عن الطبيعة العابرة للسعادة البشرية. لطالما عرف الباحثون في مجال العاطفة شيئاً يسمى حلقة المتعة المفرغة. هذه الحلقة تتمثل في أننا نعمل بجد للوصول إلى هدف ما، ونتوقع السعادة التي سيجلبها الوصول إلى هذا الهدف. لكن لسوء الحظ، بعد الوصول إلى الهدف سرعان ما نفقد السعادة، ومن ثم نعود إلى نقطة البداية من جديد. لنبحث عن شيئاً أخر نعتقد أنه سيجعلنا سعداء لنطارده. هكذا باستمرار في حلقة مفرغة من المتعة العابرة.

لكن هذا ما ينبغي أن يكون عليه الأمر، على الأقل من منظور تطوري. عدم الرضا عن الحاضر وأحلام المستقبل هو ما يحفزنا، في حين أن الذكريات الدافئة الغامضة للماضي تطمئننا أن المشاعر التي نسعى إليها يمكن أن تتحقق. في حقيقة فإن من شأن النعيم الدائم أن يقوض تماماً إرادتنا في تحقيق أي شيء على الإطلاق.

اقرأ أيضًا: الصوفية الحقيقة ليست تجارب خارقة للطبيعة

أسباب السعادة البشرية

هناك العديد من الأشياء التي تجعلنا نشعر بالسعادة الحقيقية. أو بالأصح الأسباب التي تجعلنا سعداء. على سبيل المثال المال أو الثراء كما أشار  أرسطو. فهل المال فعلاً يسبب السعادة. وإذا كان الوصول إلى السعادة يمكن في الكثير من المال. فلماذا ينتحر المئات من أصحاب المليارات من أمثال رايجاين هواي الملياردير التايواني صاحب شركة فالكونستور للبرمجة الذي أطلق رصاصة على رأسه. الملياردير الألماني أدولف ميركل الذي نام على سكة القطار ليقوم بدهسه. رجل الأعمال البريطاني بول كاسل الذي قفز أمام القطار. هويبرت بوميستر، واين باي والقائمة تطول. ولماذا يركض أصحاب المليارات للحصول على السلطة والجاه إذا كان المال يحقق لهم السعادة؟ ينطبق هذا الأمر كذلك على أصحاب السلطة والشهرة كذلك، فلم تحقق لهم كل هذه الأمور شيئاً من السعادة.

لا ينبغي أن يكون هذا محبطاً؛ بل على العكس تماما. قد يساعدنا إدراك أن السعادة الحقيقية موجودة على تقديرها أكثر عند وصولها. علاوة على ذلك، فإن فهم أنه من المستحيل أن تكون لديك السعادة في جميع جوانب الحياة يمكن أن يساعدك على الاستمتاع بالسعادة التي تحصل عليها الآن.


في النهاية لابد من الاعتراف بأن لا أحد يمتلك كل شيء. هذا الاعتقاد يمكن له أن يقلل من الشيء الوحيد الذي يعرفه علماء النفس أنه يعوق السعادة الحقيقية ألا وهو الحسد.

المراجع:

1.     Author: Heather Craig, (12/10/2020), The Philosophy of Happiness in Life (+ Aristotle’s View), positivepsychology.com, Retrieved: 1/17/2021.

2.     Author: Kendra Cherry, (10/26/2020), What Is Happiness?, www.verywellmind.com, Retrieved: 1/17/2021.

3.     Author: Frank T. McAndrew, (8/12/2016), Why you shouldn’t want to always be happy,theconversation.com, Retrieved: 1/17/202.

This Post Has One Comment

  1. مصطفى محمد رسن

    مقالك كان بمثابة عزاء للبؤساء والتعيسين امثالي _ شكرا جزيلا

اترك تعليقاً