مراجعة فيلم Whiplash: الطريق إلى العظمة محفوف بالمخاطر
فيلم Whiplash هو فيلم درامي موسيقي، يمنحنا وجهة نظره الخاصة حول كيفية الوصول إلى مرتبة التميز والعبقرية. بينما يحاول الإجابة عن السؤال الأهم: ما الذي ينتج التميز سواء في مجال فني مثل الموسيقى أو الرسم أو الأدب؟ هل هو العمل الجاد أم المثابرة أم التنافسية أم العبقرية الخالصة؟ أو إنه شيء أخر؟ لقد سمعنا العديد من القصص حول العباقرة وطريقة صعودهم إلى العظمة، فكانت نتيجة بعض لحظات الإلهام، أو المعاناة في الحياة أو غيرها. لكن هذا الفيلم يتحدث عن شيء أخر. في هذا المقال نقدم مراجعة فيلم Whiplash.
قصة فيلم Whiplash
تدور أحداث فيلم Whiplash حول الفتى الطموح أندرو – قام بدوره الفنان مايلز تيلر – الذي يلتحق بمعهد موسيقي مرموق ليحقق حلمه بالوصول إلى أعلى مرتبة يمكنه الوصول إليها. لكن يواجه الفتى تحديات صعبة حينما يرغب في الالتحاق بالفرقة التي يدربها المعلم فليتشر – قام بدوره الفنان ج. سيمونز – صاحب الطرق التعليمية الفريدة من نوعها، فهو لا يتوان عن السباب والضرب وكل أنواع الإساءات اللفظية والجسدية، وذلك من أجل أن يخرج جميع إمكانيات هذه المواهب.
سنحت الفرصة أمام أندرو في المنافسة مع بعض المتدربين من أجل الانضمام إلى تلك الفرقة التي طالما تمناها، وفي وقت الاختبار الذي استمر قرابة الثمان ساعات من العزف المتواصل، استطاع بالفعل أندرو أن يثبت جدارته، ومن هنا واصل التدريب ليلاً ونهاراً من أجل الحفلة الموسيقية. لكن في يوم الحفل وخلال ذهابه إليه تعرض لحادث، ورغم جروحه الشديدة انطلق مسرعاً ليلحق به. لكن حينما وصل كان الستار قد أُسدل، ووقع مغشياً عليه.
عانى الشاب أندرو من ويلات معلمه، فهذا المعلم غريب الأطوار لا يؤمن مطلقاً بفكرة التحفيز التي تساعد طلابه على مواصلة التقدم، بل يؤمن بأن يؤمن فقط بأن التعذيب العاطفي هو السبيل الوحيد لاستخراج المواهب الكامنة في طلابه. لكن الشاب سأم أخيراً من معاملة هذا المعلم الفظ، وترك الدراسة في المعهد.
بعد مرور شهر على تركه الدراسة يتقابل مع فليتشر في أحد المقاهي ليخبره فليتشر أنه قد طرد من وظيفته بعد أن قدم العديد من طلابه شكوى للإدارة بأنه يسيء معاملتهم. وحاول أن يقنع أندرو بألا يتخلى على حلمه، كما دعاه لحضور حفلة موسيقية إلا أنها كانت خدعة منه. حيث كانت لديه رغبة قوية في عودة الطالب المنشق إلى صفوفه، فهو يرى فيه موهبة عظيمة يجب استغلالها.
يمتثل الطالب الطموح لهذا الأمر ويعود مجدداً، لكن يكتشف أن فليتشر لم يطرد من عمله وكل ما فعله كان خدعة لكن شغفه بقرع الطبول جعله يستمر. إلا أن فليتشر لم يتوقف عن أساليبه العدوانية. فهو يؤمن كما جاء على لسانه في الفيلم “لا توجد كلمتان في اللغة الإنجليزية أكثر ضرراً من Good Job” وهي فلسفته التوجيهية في الحياة. لذا يصل الشاب أندرو في النهاية إلى تحقيق ما كان يصبو إليه.
مراجعة فيلم Whiplash
حين مشاهدة هذا الفيلم الرائع تغرق أو لنقل تحاصر في عالم أندرو وفليتشر الخانق، والمؤلم في الوقت ذاته. حيث ينتابك القلق والتوتر طوال أحداث الفيلم، لكنه قلق مثير لأقصى درجة يمكن تخيلها. بينما تعتمد القصة على الشخصيات، وكل شخصية من الشخصيات تطوف في دوامة من الجنون.
لكن أهم ما في فيلم Whiplash هو الاهتمام الشديد بالتفاصيل. حيث نجد أن فليتشر لا يخبر أندرو أبداً عن نيته الحقيقية، لكنه يعرضها، ويعرضها في جلسة تحطيم أعصابه مع الأوركسترا، ويعرضها من خلال إيجاد بديل لأندرو. كان من الممكن أن يطلب أندرو المساعدة، لكنه يشعر بالعزلة وإذا بدا أنه يكره فليتشر وطريقته العدوانية في التدريس إلا أنه في الحقيقة شديد الولع به. فهذه الأساليب هي السبيل إلى تحفيزه في النهاية. أما المخرج داميان شازيل فاستطاع وضع الكثير من الشغف والجنون في كل مشهد من مشاهد الفيلم. كما أن موسيقى الفيلم لعبت دوراً وفعالاً في الفيلم، وهي ميزة أخرى تحسب لهذا المخرج الرائع. وبغض النظر عما إذا كنت على دراية بموسيقى الجاز أو لست على دراية بها فلسوف تستمتع بها طوال الوقت.
أما ما رفع مستوى هذا الفيلم فهو الأداء القوي للممثلين الرئيسيين مايلز تيلر و ج. سيمونز. لذا كان يستحق الأخير الفوز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد عن هذا الدور على وجه الخصوص. أما الفنان مايلز تيلر فكان أقل أهمية بالمقارنة مع ج. سيمونز، لكنه أظهر إتقاناً تاماً لدوره كذلك. فنطاق تمثيله مثير للإعجاب وهو قادر على نقل تحوله من موسيقي ناشئ إلى منافس لا يرحم.
يبطئ إيقاع الفيلم قليلاً قرب النهاية (كما لو أنه يمنح المشاهدين استراحة حسية) فقط ليعود مرة أخرى في النهاية. لقد كانت الدقائق الخمس عشرة الأخيرة من الفيلم فرحة خالصة حيث نرى أندرو يأتي بمفرده بأداء منفرد مذهل. وينتهي الفيلم وسط غضب من المشاهدين، فهذا النوع من الأفلام لا تتمنى انتهاءه.
نهاية فيلم Whiplash
بعد مراجعة فيلم Whiplash لابد لنا من الحديث عن النهاية. حيث يتمتع فيلم Whiplash بواحدة من أفضل النهايات في السينما الحديثة. حيث يتفق البعض مع فلسفة الفيلم، والبعض الآخر ليس كذلك. ومن أجل فهم رد فعل أندرو في النهاية، عليك أن تفهم ديناميكية العلاقة بين فليتشر وأندرو. ففي المشهد الافتتاحي للفيلم، نرى أندرو يتدرب بجد ويبذل قصارى جهده لإثارة إعجاب فليتشر.
من الواضح أن أندرو يقيّم فليتشر بدرجة عالية للغاية ورأيه يعني الكثير بالنسبة له. بينما في وقت لاحق، يمنح فليتشر أندرو فرصة من العدم للانضمام إلى فرقته المشهورة. مما يمنح أندرو فرصة ذهبية لتحقيق حلمه، ولكنه يضع ضغطاً هائلاً عليه للارتقاء إلى مستوى توقعات فليتشر.
يتنمر فليتشر على أندرو، ويشكك في مكانه في الفرقة ويصيبه بصدمة من الإساءة اللفظية والجسدية، لدرجة أن أندرو أقنعه والده بتقديم شكوى ضده. لكن ما فعله فليتشر هو ما ساعد أندرو لاجتياز كل الصعوبات، وفي النهاية فهم أندرو أخيراً طرق فليتشر، وابتسم فليتشر وأعطى إيماءة بالموافقة على حقيقة أن أندرو قد بلغ سن الرشد وأنه مادة “موسيقي رائع”، وهو الشيء الذي كان أندرو يتوق إليه طوال الفيلم.
إن مفتاح ذروة فيلم Whiplash هو مشهد أندرو وفليتشر في المقهى. فهذا المشهد يحدد دافع فليتشر لكل ما يفعله. حيث يظهر أن التزام فليتشر بالموسيقى لم يكن لمجرد نجاح فردي، بل أراد أن يستمر إرث موسيقى الجاز من خلال رعاية موهبة خام منذ البداية. فهو كفنان يرغب في إحداث ثورة في طريقة صنع الموسيقى. لقد أراد العثور على تشارلي باركر التالي ورأى الموهبة في أندرو. لذلك اصطحبه وبدأ في توجيهه. بينما صرح بوضوح أنه استخدم عمداً الضيق العاطفي لتحطيمه لجعله يحقق ما يفوق التوقعات. لقد كان يعلم أن أندرو طموح وملتزم ويحاول جاهداً أن يصل لمبتغاه، وبالتالي فهو محمي جيداً. لذلك بدأ العمل على بنائه من أجل العظمة الموسيقية.
في المشهد الأخير من فيلم Whiplash عرف أن أندرو هو الذي سيحمل الشعلة القادمة في موسيقى الجاز، وهو ما بدا بوضوح حينما قام بأداء أفضل أداء منفرد من شأنه أن يتردد صداه في السنوات القادمة وبالتالي إنقاذ موسيقى الجاز وتمكين الجيل القادم من موسيقيي الجاز ليحذو حذوهم.
تعقيب على الفيلم
لقد مررنا جميعاً بلحظات من الفشل وخيبات الأمل في الحياة والتي عملت كمحفز للابتعاد عن الأعراف التقليدية والقيام بشيء غير عادي. لقد مر جميع الأشخاص العظماء في التاريخ تقريباً بانهيار عاطفي مرهق قبل أن يتطوروا ليكونوا أفضل. لذا فمن أجل تغييَر إيجابي وأفضل، يجب على المرء أن يكسر المفاهيم المسبقة ويكون أكثر انفتاحاً وتقبلاً. وهذا ما حاول فليتشر تحقيقه مع أندرو.
لقد كان فليتشر مرشداً رائعاً ولكنه بكل تأكيد لم يكن مثالياً، ومع ذلك فهو مثال واضح عن الكيفية التي يجب أن يكون عليها المرشد في الواقع. حيث ينبغي أن يكون المرشد دائماً هو المسيطر، وكان فليتشر دائماً هو المسيطر. أما فيما يتعلق بوفاة الشاب شون، فلم يستطع والديه التصالح مع موته، وبالتالي بحثا عن شخص يتحمل المسؤولية عن وفاته. لذا ألقى باللوم على فليتشر. ومن الواضح أن نجاح شون قبل وفاته لن يكن ممكناً لولا الانهيار العاطفي الذي سببه له فليتشر. ومع ذلك، يختلف كل إنسان عن غيره ولكل منا إطار عقلي نفسي خاص به. يمكن للبعض أن يأخذ الضيق العاطفي ويستخدمه لصالحهم بينما يتلاشى معظمهم لأنهم لا يستطيعون التعامل معه. من هذا المبدأ لابد أن نشير إلى أن هذا النوع من التوجيه محفوف بالمخاطر. حيث لا يمكنك أبداً التأكد من الآثار المترتبة عليه.
في الختام وبعد مراجعة فيلم Whiplash فإن هذا الفيلم ربما يكون أحد أفضل الأفلام التحفيزية الملهمة القليلة التي أوصي بها بشدة، والتي استمتعت للغاية بمشاهدتها؛ وهو يستحق بكل تأكيد تلك الجوائز التي حصل عليها، فهو أحد الأفلام الملهمة التي تعلمنا أن لكل شيء ثمن، وما أقسى ثمن الوصول إلى العبقرية.