علوم

ما لا تعرفه عن دماغك: الحقيقة وراء قدراته الكاملة

هل سمعت يومًا أننا نستخدم فقط 10% من دماغنا؟ هذه العبارة التي تتردد في الأفلام والكتب وحتى في الأحاديث اليومية، تبدو كأنها بوابة لعالم من الإمكانات الخفية. ماذا لو كنا نستطيع استخدام الـ90% المتبقية؟ هل سنصبح أذكياء بشكل خارق؟ أم أننا سنمتلك قوى عقلية تفوق الخيال؟ لكن، ماذا لو كانت هذه الفكرة مجرد أسطورة لا أساس لها من الصحة؟ في هذا الموضوع، سنكشف الحقيقة وراء هذه خرافة ال 10% الشائعة، ونرى كيف يمكن للعلم أن يزيح الستار عن الأوهام التي نصدقها بسهولة.

خرافة مثيرة للاهتمام

لا أخفيكم القول، عندما سمعت هذه الأسطورة للمرة الأولى صدقتها، يجب أن أعترف بذلك. لقد سقطت على وجهي بلا سؤال. وعند البحث في الإنترنت عن بعض المراجع، وجدت أيضًا خرافة أخرى تقول أن ألبرت أينشتاين استخدم 30% فقط من دماغه. هذه الخرافة، مثل العديد من الخرافات الأخرى، من السهل هضمها، ويتم أخذها بسرعة على أنها “حقيقة” علمية، وتمر دون الكثير من التدقيق، لأن الهدف هو أن تطلق العنان لخيالك وتقنع نفسك بأن إمكانياتك أعظم. لكنهم لا يخبروننا حتى بكيفية الوصول إلى 100% من الدماغ.

الأمر المضحك في هذا الأمر هو أن مروجي هذه الخرافة يزعمون أنه إذا تمكنا من الوصول إلى 100٪، فسوف نكون قادرين على إتقان التحريك عن بعد. إذن هل يستخدم الجيداي في حرب النجوم الحد الأقصى؟ لكن دعونا نترك هذا جانبًا لأن التحريك عن بعد سيتم التعامل معه من قبل أحد الأشخاص الذين ليس لديهم تنين في المستقبل غير البعيد وفي مجرة ​​ليست بعيدة جدًا.

دعونا نعود إلى الدماغ. هذا الخرافة مثيرة للاهتمام، ليس بسبب ما تدّعيه، بل بسبب الطريقة التي انتشرت بها. لا يوجد أي دليل علمي يدعمها، فهي مجرد شائعة انتقلت حرفيًا من جيل إلى جيل. وكما يُقال، لديها شيء غامض يجعلها “عالقة في الأذهان”.

أصل الخرافة

خرافة استخدام ال 10% من الدماغ
من أين جاءت خرافة استخدام ال 10% من الدماغ

لم يكن الطب كما هو عليه الآن منذ ما يقرب من 100 عام. حيث استطاع الطب في ذلك الوقت دراسة 10% فقط من دماغنا، أو بالأحرى، وجد أن 10% من الدماغ لها استخدام، وتم العثور على وظيفتها المباشرة تجاه وظائف الكائن الحي. لا يمكنني الجزم بأن هذا ما حدث بالضبط، ولكن من السهل افتراض أن هذا المفهوم قد أُسيء فهمه، مما أدى إلى ظهور هذه الخرافة القديمة. لقد مضى قرن تقريبًا على انتشار هذا الاعتقاد.

شهدت العلوم الطبية تقدمًا هائلًا منذ ذلك الحين، ومن بين المجالات التي لها صلة وثيقة بهذه الخرافة علم الأعصاب، وهو الفرع الطبي الذي يدرس بنية الدماغ، ووظيفته، وتطوره، وجيناته، وكيميائه الحيوية، وتأثير الأدوية عليه، والأمراض التي تصيبه. والدماغ، بطبيعة الحال، هو العضو الرئيسي في الجهاز العصبي المركزي.

أجزاء الدماغ ووظائف الجسم

كانت إحدى الطرق الفعالة قديمًا هي مراقبة المرضى الناجين من السكتات الدماغية عن كثب. إذا توفي المريض لأي سبب (ليس بالضرورة بسبب السكتة)، كان الأطباء يجرون تشريحًا لدماغه لدراسته. على سبيل المثال، إذا كان المريض غير قادر على الكلام بعد إصابته بسكتة دماغية، وعند وفاته لوحظ أن التلف كان في الفص الصدغي الأيسر، يستنتج العلماء أن هذه المنطقة مسؤولة بشكل مباشر عن وظيفة النطق. وبهذه الطريقة، تم اكتشاف وظائف الدماغ تدريجيًا.

توجد اليوم العديد من التقنيات المتقدمة والذكية لدراسة الدماغ، مثل التخطيط الكهربائي للدماغ لقياس النشاط الكهربائي للدماغ، والتصوير بالرنين المغناطيسي، وهو الأكثر دقة حتى الآن، بالإضافة إلى تقنيات أخرى متطورة تتيح دراسة وظائف الدماغ بشكل غير جراحي.

وبعد أكثر من 100 عام من الدراسات الناجحة، يمكن القول إننا نعرف جميع أجزاء الدماغ تقريبًا ووظائفها المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، هناك فرع مهم من العلوم الطبية يسمى التشريح العصبي، وهو لا يدرس الدماغ فحسب، بل جميع الاتصالات العصبية داخله، والتي أصبحت مفهومة بشكل شبه كامل. وبفضل هذا الفهم العميق، أصبح بإمكان الأطباء تحديد المناطق المحتملة للتلف في الدماغ استنادًا إلى الأعراض والسلوكيات التي يعاني منها المريض.

هل نحتاج إلى ال 90% من دماغنا؟

خرافة استخدام ال 10% من الدماغ
أسطورة العشرة بالمئة من قدرة الدماغ

دعونا نتحدث قليلًا عن التصوير بالرنين المغناطيسي. هذه الأجهزة معروفة جدًا، وبعضها يشبه أجهزة التسمير الاصطناعي. لقد رأيناها في الأفلام، وهي مشهورة في مسلسل Dr. House. دون الخوض في الكثير من التفاصيل، يعمل التصوير بالرنين المغناطيسي على جعل الجسم يصدر إشارة تردد لاسلكي، تلتقطها هوائيات خاصة، ثم يتم تحويلها إلى صورة مفصّلة جدًا لدماغنا تُعرض على الشاشة. على الرغم من أننا نتحدث عن الدماغ هنا، يمكن استخدام الرنين المغناطيسي لفحص الجسم بأكمله أيضًا.

يمكن بفضل هذه التقنية رؤية الإصابات الداخلية للدماغ، واكتشاف بعض الأمراض، أو تحديد أماكن التلف أو الأورام. وكما ذكرنا سابقًا، عندما يشتكي المريض من مشكلة معينة، يمكن فحص دماغه لتحديد المنطقة المسؤولة عن الوظيفة المتأثرة. وبسبب الحساسية العالية لهذه التقنية، تمكن العلماء من رؤية أن الدماغ نشط في العديد من الوظائف مثل الجوع، والنوم، والحب، والغضب، والسعادة، وغيرها، مما يثبت أنه يُستخدم بالكامل تقريبًا.

لذلك، من الضروري توضيح أمرين للقضاء على هذه الخرافة نهائيًا؛ أولًا أن الدماغ معروف بشكل كبير بفضل الدراسات الحديثة، وثانيًا، لا توجد مناطق غير مفيدة في الدماغ. كل جزء له وظيفة محددة، ولا يوجد فيه “مساحات فارغة” أو “غير مستخدمة” في الشخص السليم. بمعنى آخر، الخرافة التي تقول إننا نستخدم فقط 10% من دماغنا هي محض خيال.

إذا صدقنا خرافة ال 10% فقط من أدمغتنا، فهذا يعني أننا لا نحتاج إلى الـ 90% الأخرى. إذًا، بإمكاننا إزالة 90% من أدمغتنا ولن نواجه أية مشاكل، أليس كذلك؟

يبلغ متوسط ​​وزن دماغ الإنسان حوالي 1.4 كجم. إذا أزلنا 90%، يتبقى لدينا حوالي 140 جرامًا من الدماغ، أي ما يعادل حجم دماغ الخروف تقريبًا. ومن المعروف أن تلف جزء صغير من الدماغ لأي سبب كان قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على قدراتنا الحركية أو الإدراكية أو الحسية.

وجهة نظر التطور

هذه الفكرة غير منطقية تمامًا من منظور تطوري.. لماذا؟ لأن الدماغ عضو مكلف جدًا من حيث الطاقة والتطور. الدماغ البشري ضخم ويستهلك كميات هائلة من الطاقة. فكيف يمكن أن تحتفظ الطبيعة بجهاز بهذا الحجم، بينما نستخدم منه فقط 10%؟

كما أن الدماغ البشري له تكلفة عالية، حيث أن تطور دماغنا كان على حساب صعوبات الولادة، فرأس الجنين البشري كبير مقارنة بحجم قناة الولادة، وقد أدى ذلك إلى تقصير فترة الحمل، ما يجعل الأطفال البشر يولدون غير مكتملين نسبيًا ويحتاجون إلى رعاية طويلة. كما أن تطور شكل الحوض الأنثوي لتسهيل الولادة أثر كفاءة المشي على قدمين لدى الإناث.

إن الطبيعة لا تهدر الموارد، ولا يسمح التطور بوجود عضو بحجم الدماغ إذا لم يكن مفيدًا بالكامل. لو كنا نستخدم فقط 10% منه، لما كان حجمه الكبير ميزة انتقائية، ولأصبحت هذه الزيادة في الحجم عبئًا غير ضروري.

ومن ثم يمكننا أن نستنتج أننا نستخدم الدماغ بأكمله، على الرغم من أن بعض الناس يبدو أنهم لا يفعلون ذلك، مثل أولئك الذين يؤمنون بالخرافات دون أن يسألوا… كما فعلت أنا ذات مرة!

في النهاية، فإن خرافة استخدام ال 10% من الدماغ ليست سوى قصة جميلة نريد تصديقها، لأنها تمنحنا الأمل في أننا نمتلك إمكانات هائلة غير مستغلة. لكن الحقيقة العلمية تقول إن كل جزء من دماغنا له وظيفته، وكل خلية عصبية تساهم في جعلنا ما نحن عليه. ربما لا نحتاج إلى أساطير لنبرر إمكاناتنا، بل نحتاج فقط إلى فهم أنفسنا بشكل أفضل، واستغلال ما نمتلكه بالفعل. فدماغنا، بكل تعقيداته، هو بالفعل معجزة تستحق الاكتشاف.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!