كيف يعمل التسويق العصبي؟

You are currently viewing كيف يعمل التسويق العصبي؟
مفهوم التسويق العصبي وتقنياته وأساليبه

يصعب علينا الاعتراف بأن الشركات تتلاعب بنا باستمرار من خلال ما يسمى بالتسويق العصبي. إننا نعيش في عصر الإعلانات، فليس هناك مكان في حياتنا لا تدخل فيه الإعلانات.. انظر حولك وستعرف جيداً. الإعلانات هي حليفنا العظيم، وعندما ندخل إلى أي متجر، فنحن مجرد دمى للنزعة الاستهلاكية.. أنا لا أحاول تخويفك، ولكن تعريفك بالحيل التي تستخدمها الشركات لكي تكون أكثر حذراً عند الشراء. في السطور التالية نتعرف على مفهوم واستراتيجيات التسويق العصبي التي من خلالها يحفز المعلنون الناس على استهلاك المزيد والمزيد.

ما هو التسويق العصبي؟

التسويق العصبي هو تطبيق تقنيات علم الأعصاب وعلم النفس على التسويق، والهدف من ذلك الحصول على معرفة وفهم أفضل لكيفية اتخاذ قرارات الشراء وكيفية تأثير العواطف عليها، ومستويات الاهتمام الذي يظهره الناس للمحفزات المختلفة.

لماذا يختار الشخص علامة تجارية معينة؟ وكيف يتفاعل الدماغ مع منتجات أو خدمات معينة؟ كيف يكون تأثير الإعلانات؟ وكيف تتولد عادات شراء معينة؟ وما هي الدوافع الحقيقية للاستهلاك؟ وغيرها من الأسئلة التي تعتبر جزءً من الأبحاث والنظريات التي يدرسها علم التسويق العصبي.

إذا أردنا فهم آليات الدماغ ينبغي علينا أن نركز على اللاوعي، حيث يتخذ المرء قراراته بشكل عام نتيجة لدوافع تنشأ في أعماق عقله الباطن، على الرغم من أن الدماغ يجعلنا نعتقد أننا نتخذ قراراتنا بشكل عقلاني. تشير دراسة[1] أجرتها جامعة هارفارد إلى أن 95% من قرارات الشراء يتم اتخاذها دون وعي.


دور التسويق العصبي في سلوك المستهلك

علم التسويق العصبي
التأثير على المستهلك

استخدم الباحثون على مدى عقود من الزمن تقنيات مختلفة لأبحاث التسويق مثل ديناميكيات المجموعة، أو الدراسات الاستقصائية أو المقابلات، لمحاولة فهم عملية اتخاذ القرار عند المستهلك. لكن أثبتت هذه الأساليب محدوديتها عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بنجاح أي حملة إعلانية. ويرجع ذلك في الأساس إلى أننا نعلم الآن أن القرارات لها عمليات لا واعية لا يمكن اكتشافها في هذا النوع من الدراسة. ولكي تعرف ما يريده المستهلكون، ليس عليك أن تعرف ما يقولونه، بل ما يشعرون به، وهنا بدأ التسويق العصبي يلعب دوراً أساسياً.

إننا لسنا كائنات عقلانية، والدليل على ذلك تجربة التسويق العصبي التي أجراها معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا[2]. ففي هذه التجربة تم تقديم خمس زجاجات من النبيذ تراوحت أسعارها بين 5 دولارات و90 دولار. كانت الحيلة هي أنه كان هناك ثلاثة أنوع مختلفة فقط من النبيذ، حيث تم استنساخ نوعين منها باستخدام زجاجة واحدة تحمل ملصقاً باهظ الثمن وأخرى تحمل ملصقاً رخيصاً. كان على المتذوقين تذوق النبيذ وجودته، وخلال ذلك تم توصيلهم بماسح ضوئي للدماغ، حتى يمكن مراقبة ردود أفعالهم الدماغية. وخلصت الدراسة إلى أن سعر الخمر ينشط أكثر الجزء المسؤول عن الإحساس بالمتعة في المخ.

تظهر هذه الدراسة وغيرها أهمية معرفة رد فعل الدماغ للمحفزات التي نتلقاها لتحديد ما إذا كانت ستجذب بالفعل مشاعر المستهلك المحتمل.

اقرأ أيضًا: هل الكوكاكولا الدايت أكثر صحة من الكوكاكولا العادية؟

أدوات التسويق العصبي لقياس العواطف

قياس عواطف المستهلك
تقنيات التسويق العصبي

يستخدم التسويق العصبي لمعرفة مشاعر وعواطف المستهلك العديد من الأدوات المختلفة، مثل تخطيط كهربية الدماغ (EEG) وتخطيط الدماغ المغناطيسي (MEG) والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). والجدير بالذكر أن التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي[3] هو الأداة التي ترسم بشكل أفضل هياكل الدماغ المشاركة في التفاعلات العاطفية. وما تحققه هذه الأداة هو اكتشاف التغير في تدفق الدم في مناطق مختلفة من الدماغ. وهذا مثير للاهتمام لأنه كلما زاد تدفق الدم، زاد النشاط في تلك المنطقة المحددة. ونظراً لأن التسويق العصبي يعتمد على العلم، فإنه يستخدم تقنيات القياس الكمي التي تسمح له بتفسير استجابة المستهلكين بشكل أفضل للمحفزات البصرية واللمسية والذوقية والسمعية والشمية. دعونا نرى تقنيات التسويق العصبي.

  • مخطط كهربية الدماغ: يعد من أشهر تقنيات التسويق العصبي؛ وهو يتألف من وضع أقطاب كهربائية على فروة رأس الشخص لقياس الإشارات الكهربائية التي تولدها وفقاً لمحفزات معينة.
  • التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي: يعتمد على تدفق الدم، وهو مسؤول عن تكوين صور لنشاط الدماغ البشري، مع هامش تأخير يصل إلى 5 ثوانٍ تقريباً. إنها واحدة من أكثر التقنيات دقة، ولكنها أيضاً واحدة من أغلى التقنيات.
  • قياس ردود أفعال الجلد: ويتم ذلك عن طريق وضع أقطاب كهربائية على الأصابع تبعث إشارات كهربائية عندما يتعرض المشارك لمحتوى إعلاني مختلف، وبالتالي تشير إلى ردود أفعاله العاطفية.
  • التعرف على الوجه: يتم ذلك بمساعدة برنامج ترميز الوجه والتخطيط الكهربائي للعضلات، ويتضمن وضع أقطاب كهربائية على عضلات الوجه للتعرف على المشاعر المعبر عنها، وكذلك مستوى شدتها.
  • تتبع العين: وهو يدرس الحركات التي تقوم بها العين عند تعرضها لصورة أو مقطع فيديو أو إعلان أو صفحة ويب. وبهذه الطريقة، يقوم بقياس العناصر الأكثر لفتاً للنظر؛ ولمزيد من الدقة يتم استخدام الشاشات المزودة بتقنية الأشعة تحت الحمراء.

يمكن استكمال هذه التقنيات بالاختبارات النفسية والتصوير المقطعي البوزيتروني وقياس معدل ضربات القلب.

اقرأ أيضًا: أضرار الوجبات السريعة ومخاطرها على الصحة

خصائص التسويق العصبي

استراتيجيات التسويق العصبي
سمات التسويق العصبي

يبحث التسويق العصبي في عمليات الدماغ، التي تجمع بين الانتباه والعاطفة والذاكرة. وخصائص التسويق العصبي تجعل منه أداة مهمة لتعزيز استراتيجيات التسويق والاتصالات والمبيعات والإعلان:

  • العلمية: يتم تحديد الأنماط السلوكية من خلال التقنيات العلمية.
  • الديناميكية: عقل الشخص يتغير، فهو لا يتصرف أو يفكر أو يتفاعل دائماً بنفس الطريقة؛ وبالمثل، لا يوجد شخص مثل آخر، لذلك يتكيف التسويق العصبي مع تلك الديناميكية.
  • التعقيد: عمليات الدماغ معقدة دائماً. وليس هناك طريقة للتغلب على هذا الأمر دون التعامل مع عوامل متعددة، مما يجعل التسويق العصبي متطوراً.
  • التباين: تختلف النتائج والقياسات والتحقيقات وفقاً لكل سياق.
  • التركيز: الاستراتيجيات المشتقة من التسويق العصبي يجب أن تركز على شيء ما؛ فهي ليست شاملة، ولكنها محددة.
  • التأثير: تمثل العوامل المتعددة التي يتعرض لها الفرد في تطوره تأثيرات على سلوكياته وعاداته، لذلك يجب أن يأخذ ذلك في الاعتبار ليكون له مؤشر أكثر دقة.
  • السببية: يستند التسويق العصبي على فهم أن أي رد فعل لشخص ما هو سببي وليس محض صدفة، لذلك يسعى للوصول إلى حقيقته لمعرفة الدافع الأصلي.
  • الدقة: يستخدم التسويق العصبي تقنيات علم الأعصاب والتي تكون دقيقة في نتائجها.
  • التنبؤ: من خلال التسويق العصبي نسعى إلى توقع السيناريوهات والتنبؤ بها ووضع توقعات سلوكية.
اقرأ أيضًا: الوصايا العشر لتعزيز الصحة النفسية

أنواع التسويق العصبي

تقنيات الدعايا والإعلان
الأنواع

هناك العديد من أنواع التسويق العصبي التي يمكن إيجازها على النحو التالي.

  1. التسويق العصبي السمعي

    تصنف أنواع التسويق العصبي في العادة حسب الحس الإنسان – حواس الإنسان. ويعتمد هذا النوع من التسويق العصبي على الأذن أي حاسة السمع. ويحدث ذلك من خلال التأثير عن طريق الأصوات والضوضاء والكلمات والموسيقى والإيقاع وما إلى ذلك. يهدف استخدام هذه التقنيات إلى جعل الجمهور يركز انتباهه على شيء يستمع إليه، حيث أن الدماغ عادة ما يربط الأصوات بالتجارب الإيجابية أو السلبية، ويمكن استخدام ذلك في التسويق للجذب والإقناع. إن الاستماع إلى الموسيقى الهادئة في مركز التسوق ليس مثل سماع صوت الأجهزة عند طبيب الأسنان.

  2. التسويق العصبي البصري

    يسعى هذا النوع إلى الحصول على نتائج من خلال الدخول عبر العيون. إنه التأثير الأكثر تكراراً ويستخدمه عملياً كل جهد تسويقي أو إعلاني لأن البشر يضعوا ثقة كبيرة فيما يرونه. ومن هنا يستخدم التسويق العصبي البصري الألوان والصور ومقاطع الفيديو والأشكال؛ باختصار، كل المحفزات التي تلفت الأنظار.

  3. التسويق العصبي الحركي

    في هذا النوع يتم تضمين الحواس الأخرى مثل اللمس والشم والتذوق. ربما يكون من الأصعب أسر هذه الحواس على وجه التحديد، لذلك لن تتمكن أي رسالة أو علامة تجارية من استغلالها، ولكن من الشائع بشكل متزايد ملاحظة الاستراتيجيات التي تسعى إلى الوصول إلى الناس من خلال هذه الحواس. على سبيل المثال، يمتلك الدماغ ذاكرة شمية مهمة جداً، أي أنه يخزن ذكريات اللحظات بناءً على الرائحة التي أدركها في تلك اللحظة. لذا فهي طريقة لإحداث تأثير يجذب الجمهور.

  4. التسويق العصبي العاطفي

    هذا النوع أكثر شمولاً، لأنه يسعى إلى توليد تجربة متعددة التأثير، والهجوم من خلال حواس مختلفة في نفس اللحظة أو في أوقات مختلفة. بينما ما يسعى إليه هذا التسويق العصبي هو مناشدة العواطف، بطريقة يتم من خلالها تعديل السلوك من خلال الأحاسيس، أو توليد العادة، أو اتخاذ القرار.

  5. التسويق العصبي القصصي

    هذا النوع أكثر استهدافاً لأنه يمتلك استراتيجية محددة تسعى للوصول إلى الأشخاص من خلال سرد قصة بتنسيقات وقنوات مختلفة، بحيث يكون لها صدى في جميع حواس الشخص.

اقرأ أيضًا: الاختلافات الرئيسية بين الآراء الموضوعية والذاتية

استراتيجيات التسويق العصبي للتأثير على المستهلك

استراتيجيات التسويق العصبي
كيف يعمل التسويق العصبي

التركيز على العواطف

لقد لوحظ أنه عند الشراء، لا يتخذ المستهلك قرارات عقلانية فقط، ففي العديد من المناسبات، يستجيب الدماغ عاطفياً. لذلك، تستفيد العلامات التجارية من هذه الحقيقة وتركز على توليد ردود فعل عاطفية. وبالتالي، سوف يربحون المستهلك ويضمنون تذكرهم بشكل أفضل.

الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الحواس

تعتمد استراتيجيات التسويق العصبي على إثارة الحواس كما أشرنا مسبقاً. حيث يعدل التسويق الشمي الطريقة التي يُنظر بها إلى العلامة التجارية ويضمن ألا ينسى المستهلك ما شعر به عند إدراك الرائحة المذكورة. وبهذه الطريقة تجعل الذاكرة أكثر كثافة. يحدث الشيء نفسه مع الموسيقى، فهي ليست مجرد موسيقي مرافقة لعملية الشراء، بل هي عنصر أساسي يمكن أن يجعل الناس يشترون المزيد. ولهذا السبب، تلتزم الشركات بالوصول إلى عدد أكبر من الحواس لتحقيق ذاكرة أكبر بكثير.

الألم يباع أكثر من المتعة

أكثر ما يمس العملاء هو الوعد بتجنب الشعور بالألم وليس الشعور المتعة. بعبارة أخرى، يركز المستهلكون على عدم التعرض للأذى أكثر من التركيز على الشعور بالرضا عند اتخاذ القرارات. لقد لوحظ أن الاستجابة التي يقدمونها لما يعدهم بتجنب الألم أقوى ثلاث مرات مما يعدهم بالمتعة والرفاهية.

لا يهتم المستهلك بالعلامة التجارية

تعرف الشركات هذا الأمر جيداً، لذلك تتجنب بدء أي علاقة مع المستهلك بالحديث عن نفسها أو سرد كافة خصائص ومميزات العلامة التجارية. بينما الشيء الأكثر فعالية وما سوف يتفاعل معه المستهلك هو كيف ستفيده العلامة التجارية المذكورة. لذا فإن أفضل شيء هو أن تكون مباشراً من خلال عرض المنتج عبر رسالة بسيطة حتى يصل إلى المستهلكين في وقت أسرع.

السرعة في الوصول إلى عقل العميل

يهدف المعلنون في الوقت الحاضر إلى الوصول إلى الأطفال الصغار، من خلال التلاعب بعقولهم عبر وسائل مختلفة مثل التلفاز والإنترنت. وهذا أمر كارثي حيث أنهم يصلون إلى أطفال بعمر 4/5 سنوات، فالإعلان يستهدف عقولاً غير قادرة على التفكير بعقلانية. لكن لماذا؟ أثبتت بعض الدراسات العلمية أن دماغ الطفل يحدد ما سيستهلكه عندما يصبح بالغاً. لذا لا يتم التعرف على العلامات التجارية بسرعة فحسب، بل يتم أيضاً التعرف على القيم المرتبطة بها. وإذا تمكن المعلنون من جذب الأطفال بإعلاناتهم منذ سن مبكرة، فلقد حصلوا على مستهلكين محتملين بالفعل.

اقرأ أيضًا: العلم والأخلاق: التقدم العلمي لا يطلب الإذن

بعد أن تعرفنا على استراتيجيات التسويق العصبي وتقنياته وأساليبه علينا أن نتوخى الحذر، فعلى الرغم من أن العلماء يعتبرونه أحد أفضل العلوم التي تساعد على تلبية الحاجة الحقيقية للمستهلكين، إلا أن هناك من يستخدمه من عديمي الضمير من أجل الترويج لمنتجات غير صحية. الآن بعد أن دخلت أكثر قليلاً في عالم التسويق العصبي، لن تشعر بعد الآن بالتعرض لعمليات التلاعب التي تخضع لها يومياً. حيث سيكون لديك المزيد من التحكم. ومع ذلك، هذا متروك لك. يقول مارك توين: “خداع الناس أسهل من إقناعهم أنهم قد تم خداعهم”.

المراجع

[1] Hidden Minds.

[2] Neuromarketing: The New Science of Consumer Behavior.

[3] Overview of Functional Magnetic Resonance Imaging.

اترك تعليقاً