الحلقة الثامنة من مسلسل Dekalog: “لا تشهد بالزور”

You are currently viewing الحلقة الثامنة من مسلسل Dekalog: “لا تشهد بالزور”
مراجعة الحلقة الثامنة من مسلسل الوصايا العشر

مسلسل Dekalog أو الوصايا العشر هي سلسلة أفلام درامية من إخراج المخرج البولندي العظيم كريستوف كيسلوفسكي، وهي عبارة عن نسيج متشابك رائع من الفلسفة، والتردد الأخلاقي، والشعور الإنساني الذي يجسد تفوق وقوة التعبير السينمائي على الكلمة المكتوبة. في السطور التالية نسجل ما ينتج عن تجربة هذه التحفة. ونقول تجربتها لأن أفلام كيسلوفسكي لا تُرى بل يتم تجربتها؛ فغلى تجربة الحلقة الثامنة من سلسلة Dekalog بمزيد من التفصيل.

الحلقة الثامنة

تتمحور الحلقة الثامنة من مسلسل Dekalog حول الوصية الثامنة من الوصايا العشر “لا تشهد بالزور”. وتثير فكرة هذه الحلقة مسألة الأولويات النسبية للمبادئ الأخلاقية – مثل الحلقات الأخرى. نلاحظ في هذه الحلقة أن كيسلوفسكي يُلقي الضوء على القضية الأخلاقية التي كانت محور الحلقة الثانية والمتعلقة بالوصية الثانية “لا تنطق باسم إلهك باطلاً”. وقد أشار إلى هذه القصة بوضوح لأغراض المقارنة، نظراً لأن الوصية الثانية والثامنة لهما العديد من أوجه التشابه.

تدور أحداث الحلقة الثامنة من مسلسل Dekalog حول صوفيا وهي أستاذة جامعية معروفة في جامعة وارسو. وفي محاضراتها تتحدى طلابها بأسئلة أخلاقية كنوع من التطبيق العملي لما تدرسه. تعيش الأستاذة الجامعية العجوز بمفردها في نفس المجمع السكني الذي يضم جميع شخصيات السلسلة. تمارس الرياضة بصفة يومية، وتتحدث مع الجيران المسنين الآخرين في المبنى، وتتمتع بشكل عام بشخصية جيدة ومنظمة.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Persona: التجربة النفسية الأكثر غموضاً وجاذبية

معضلات أخلاقية

مراجعة الحلقة الثامنة من مسلسل Dekalog
مشهد من الحلقة الثامنة

ذات يوم تزور جامعتها الباحثة الأمريكية إليزابيث التي سبق وأن ترجمت بعض أعمال صوفيا إلى اللغة الإنجليزية. وقد جاءت إلى بولندا للبحث عن أولئك الذين نجوا من المحرقة اليهودية – الهولوكوست. تطلب إليزابيث من صوفيا حضور إحدى محاضراتها التي تطرح فيها معضلات أخلاقية على طلابها. يناقش أحد الطلاب في المحاضرة المسألة الأخلاقية التي عُرضت في الحلقة الثانية من السلسلة. وهي تلك القصة التي تطلب فيها امرأة من الطبيب أن يخبرها عما إذا كان زوجها المصاب بمرض خطير سيعيش أم لا. فإذا أخبرها الطبيب أن الزوج سيعيش ستقوم المرأة بعملية إجهاض لطفلها الناتج عن علاقة مع عشيقها. وإذا كان زوجها سيموت ستحتفظ بالطفل. تشير صوفيا، التي تعرف أن الطالبة استمدت هذا المثال من حادثة وقعت بالفعل في “الحياة الواقعية” وفي مجمعها السكني بالتحديد، وترد بأن الحادث الأكثر أهمية في هذه القصة هو أن الطفل الذي لم يُولد بعد يحيا الآن.

تطلب إليزابيث من صوفيا عما إذا كان بإمكانها سرد قصة أخرى من “الحياة الواقعية”. ثم تحكي قصة فتاة يهودية تبلغ من العمر ست سنوات كان من المقرر أن يأويها زوجين كاثوليكيين لحمايتها من القتل المحتوم في عام 1943. وبالفعل نُقلت الفتاة إلى منزل الزوجين. ولكن في اللحظة الأخيرة تخلى الزوجان عنها ورفضا إيوائها، وتعللا بأنهما كاثوليكيين صالحين، لا يمكنهما ارتكاب خطيئة الكذب. لذا تم إبعاد الطفلة لتواجه موتاً شبه مؤكداً.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم The Shining: رحلة اللاعودة إلى أعماق الجنون

جريمة أخلاقية

اهتزت صوفيا لهذه القصة وسرعان ما عرفنا السبب. كانت إليزابيث هي نفس الطفلة اليهودية التي رُفضت في عام 1943، وكانت صوفيا نفسها هي الشابة التي قدمت الادعاء الأخلاقي بشأن الكذب وحرمت الطفلة من المأوى. وبعد مرور أكثر من أربعين عاماً علمت صوفيا أن الطفلة التي رفضتها قد نجت بالفعل. من هنا تتهم إليزابيث صوفيا بارتكاب جريمة أخلاقية، فمن أجل قلق تافه بشأن كذبة صغيرة، حكمت صوفيا على فتاة صغيرة بالموت. وهذا هو الاهتمام الأخلاقي معاكس تماماً مع ما عبرت عنه صوفيا في محاضرتها – وهو أن إنقاذ حياة شخص هو الأمر الأكثر أهمية.

هل من الممكن أن تكون صوفيا، التي تبدو الآن كشخص خير وطيب، بلا قلب قبل أربعين عاماً؟ وبينما تناقش المرأتان ما حدث في تلك المناسبة منذ فترة طويلة، تكشف صوفيا أنه كان لديها بعض الأسباب الأخلاقية لفعل ما فعلته. فلقد كانت هي وزوجها يعملان في حركة المقاومة السرية في ذلك الوقت. وتصرفا على هذا النحو، ليس فقط لتجنب الكذب، ولكن لحماية الآخرين في العمل السري.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Ivan’s Childhood: دراما مأساوية عن روح الإنسان المعاصر

القضية المركزية

قدمت صوفيا لإليزابيث أدلة ومبررات كاملة لسلوكها في تلك الفترة. ومع ذلك تعترف بأن القرار الذي اتخذته حينها لم يكن القرار الصائب. وهي الآن تقبل أن حياة تلك الطفلة الصغيرة كانت أكثر أهمية من أي شيء آخر. تكشف صوفيا خلال محادثاتها مع إليزابيث منظورها المتطور والمستنير فيما يتعلق بالعمل الأخلاقي في عالم غير أخلاقي. والمثير للدهشة أنه تبين أن إليزابيث هي المتدينة حقاً. وصوفيا ليست كذلك، فهي لا تذهب حتى إلى الكنيسة. بينما اتهمتها إليزابيث في البداية بأنها مرتبطة بشكل صارم بالعقيدة الأخلاقية (برفضها الإدلاء بشهادة زور من أي نوع، حتى عندما تكون الأرواح على المحك)، لكننا نرى الآن أن إليزابيث هي الشخص الأكثر صرامة أخلاقية. وفي النهاية، تقدر إليزابيث منظور صوفيا الأكثر إنسانية وتهدأ. وقد تمكنت زوفيا بدورها من رؤية كيف تطورت هي نفسها من الشخص المثالي الذي كانت عليه قبل أربعين عاماً. وقد استفادت المرأتان من هذا اللقاء ووسعتا وجهات نظرهما.

لذا فإن القضية الأخلاقية الرئيسية في قصة الحلقة الثامنة من مسلسل Dekalog لا تتعلق كثيراً بأولوية أو أهمية الحقيقة الحرفية. بل تتعلق بالأهمية الأخلاقية النسبية لنوعين من الأفعال: فعل من شأنه أن ينقذ حياة شخص واحد (الطفلة اليهودية)، وفعل قد يكون له احتمال إنقاذ العديد من الأرواح (المقاومة السرية).

الأمر الثاني يتعلق بسؤال: هل من الممكن أن نكون رحماء مع إخوتنا البشر حتى مع المخاطرة بمخالفة أوامر الوصايا الإلهية؟ فهل يجوز لنا أن نساعد الناس حتى لو كنا ندرك عدم التوافق بين المبادئ الأخلاقية التي تدعو إلى “عدم شهادة الزور” وبين نية شهادة الزور لغرض صالح مثل إنقاذ حياة شخص؟ هل من الممكن حقاً التخلي عن فكرة إنقاذ طفلة يهودية تبلغ من العمر ست سنوات من قبضة الشرطة النازية، وهي في أمس الحاجة إلى شهادة المعمودية، فقط بسبب وازع أخلاقي وديني؟

اترك تعليقاً