الإسرائيليات: تاريخ طويل من الخرافات والأخبار الكاذبة
نسمع كثيراً عن الإسرائيليات، ولكن لا يعرف الكثيرون المعنى الصحيح لهذه الكلمة، والتاريخ الطويل لها مع الإسلام على مر العصور. في السطور القادمة نتعرف على أشهر الإسرائيليات وحكمها، وأشهر رواة الإسرائيليات في التاريخ الإسلامي.
ما هي الإسرائيليات؟
الإسرائيليات هي أخبار منقولة عن بني إسرائيل “يهود ونصارى” كان الصحابة يستفيدون منهم في معرفة القصص وأخبار الأمم السابقة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم باختصار، وذلك باعتبار أن بني إسرائيل سبقوا أمة الإسلام في الرسالة وفي تدوين الأحداث. ونظراً لاعتقاد المسلمين أنهم حرفوا كتبهم ذاتها، فإن أخبارهم غير مؤتمنة.
إن بداية دخول الإسرائيليات وتغلغلها داخل الإسلام كانت بأقوال من أسلموا من بني إسرائيل في حياة النبي مثل عبدالله بن سلام. حيث كان عالماً في اليهودية ثم هداه الله تعالى فأسلم فكانت إذا نزلت آية قرآنية تتحدث عن حدث ما وقع في بني إسرائيل قديماً فكان القرآن الكريم يصورها بايجاز واختصار، وكان عبدالله بن سلام يروي تفاصيل الحدث لإخوانه الصحابة بما عرف من كتبه القديمة. فهو في حد ذاته صادق وينقل واقعاً، لكن المنقول قد يكون صدقاً أو باطلاً.
موقف الرسول من الإسرائيليات
أما عن موقف الرسول من تلك المنقولات والأخبار الإسرائيلية، فقد كان على ثلاث مناقب هي كالتالي:
- الرفض والإنكار لكل ما يخالف الدين الإسلامي.
- إباحة النقل لما لا يخالف الإسلام. حيث قال الرسول: “حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج[1]“.
- التوقف لما لا يوافق ولا يخالف. حيث قال الرسول: “لا تصدقوا بني إسرائيل ولا تكذبوهم[2]“.
أما عن موقف الصحابة من الإسرائيليات فقد كانوا على فريقين بعضهم تحرى، ولم ينقل من هذه الأخبار إلا القليل. وبعضهم نقلها لما فيها من البيان الزائد عما جاء في القرآن لكنه غير معارض له. وجدير بالذكر أن الصحابة الكرام سألوا بني إسرائيل عما عندهم، ولم يرجعوا إليهم في تفسير آية. وإنما كان الصحابة يعتمدون في تفسير القرآن الكريم على القرآن نفسه. حيث أن الآيات تفسر بعضها بعضاً، واعتمدوا في المرتبة الثانية على اللغة العربية، فالقرآن عربي، وعلى ما بينه رسول الله.
استمر الأمر هكذا حتى توسعت الأمة واختلط المسلمون ببني إسرائيل في أرجاء العالم كله، فكثر الدس في الإسلام من هذه الأقاويل خاصةً في التفسير والتاريخ والسير غير أن علماء الإسلام كانوا حرساً أمناء أقوياء فقاموا على التراث الإسلامي، وميزوا بين الأصيل فيه عما أدخل عليه، وفرقوا بين الصحيح والضعيف والموضوع، فكل موجود ومنفصل بصنفه وبحكمه.
إن الهدف من الإسرائيليات على عهد الصحابة كان زيادة البيان لما جاء بالقرآن من جهة من أسلم في بني إسرائيل. أي إنها مجرد تفاصيل. أما بعد ذلك فقد دخل الكثير من الإسرائيليات إلى الدين الإسلامي، مما أدى إلى تشويه صورته، وإظهاره في صورة خرافية.
اقرأ أيضًا: عزير ابن الله أم رجل أماته الله مائة عام ثم بعثه؟ |
أشهر الإسرائيليات في التفسير
إن الإسرائيليات فيها وصف الأنبياء بما لا يليق بمكانتهم وقدرتهم، وهي كثيرة في قصص الأنبياء وفي التفاسير. ولعل من أعلام رواة الإسرائيليات ومؤلفيها “كعب الاحبار” الذي أسلم وكان من علماء بني إسرائيل. فبدأت الناس تأخذ عنه وكان يفسر للناس بعض الأحداث والوقائع، وأحياناً كثيرة ما يضع أخباراً لم تكن موجودة في سابقهم. ومن الأمثلة الدالة على الإسرائيليات في قصص الأنبياء ما يلي:
قصة النبي سليمان
قيل في قصة النبي سليمان الكثير من الأوقايل التي تعد من الإسرائيليات الدخيلة على الدين الإسلامي. ففيها نجد أنها تروي أن الجن هم الذين قتلوا سيدنا سليمان، واستولوا على عرشه وعرفوا أسرار ملكه، وكيف كان يسخرهم لخدمته، وعلّموا ذلك للكهنة والدجالين ليضروا بالبشر.
قصة النبي داود والنعاج
ومن أشهر الإسرائيليات كذلك في تفسير النعاج بالنساء في قصة سيدنا داود. حيث يقال إنه تزوج تسع وتسعون امرأة ثم اكتشف أن لقائده أوريا زوجة جميلة، فرغب فيها. لذا أرسل داود هذا القائد إلى حروب عديدة، وكان يضعه على مقدمة الجيش حتى يسهل قتله ويتزوج داود زوجته وهي روايات عندما يقرأها مسلم ينفر منها.
قصة النبي لوط
وفي قصة النبي لوط تذكر الإسرائيليات أنه بعد أن نجاه الله من قومه الذين يرتكبون الفاحشة، إلتجأ إلى كهف عاش فيه لفترة طويلة مع ابنتيه، وذات يوم اقترحت إحدى ابنتيه على الأخرى أن يمارسا الفاحشة مع والدهما حتى لا ينقطع نسله. وقد فعلا ذلك معه عندما كان نائماً.
قصة يعقوب وصراعه مع الله
ومن أشهر الإسرائيليات الدخيلة كذلك على قصص الأنبياء هي قصة النبي يعقوب وكيف تحول اسمه إلى إسرائيل. حيث تروى القصة أن الله قد ظهر في صورة إنسان ليعقوب، وحدثت مشاجرة بينهما طوال الليل، استطاع خلالها يعقوب أن يصرع الله ولم يتركه حتى يباركه. ومن هنا كانت مباركة يعقوب وإطلاق اسم إسرائيل عليه، والذي يعني “مصارع الرب” باللغة العبرية.
قصة هاروت وماروت
كذلك في آية السحر بسورة البقرة تفسير من الإسرائيليات. وهو أن الله علم السحر لملكين هاروت وماروت ببابل. حيث يعلمان الناس إياه كفتنة من باب وجود الشر والخير في الحياة. وإنهما ينبهان الناس إلى أن ذلك فتنة وكفر. لكن بني إسرائيل ادعوا أن الملكين اعترضا على وجود الإنسان في الأرض على الرغم مما فعل من فساد وفواحش. وعلى الرغم أيضاً من أن الملائكة تسبح بحمد الله. فقال لهم الله سبحانه وتعالى أنه لو أدخل فيهما الشهوة لفعلا مثلهم، فتحدوا ربهم فوافقوا على أن يدخل الله بهم الشهوة حتى يعلم الله إنهم لن يعصوه كما فعل الإنسان متمثلاً في آدم وحواء.
ثم أنزلهما الله إلى الأرض فعرضت لهما امرأة جميلة فاتنة معها طفلها، فراوداها عن نفسها فقبلت ولكن اشترطت أن يسجدا لصنم فسجدا له. وبذلك فقد أشركا بالله، ثم قالت لهما لن تسطيعا أن تزنيا بي ومعي ولدي فقتلوه. ومن هنا ارتكبا بذلك جريمة القتل أيضاً. ثم زنيا بها فارتكبا بذلك جريمة ثالثة وهي الزنا، فمسخ الله تلك المرأة فأصبحت كوكب الزهرة، وأبقى على الملكين ببابل حيث يعذبان بذنب كل عاص يرتكب ما ارتكباه إلى يوم القيامة وهذا كلام باطل.
كل هذه القصص من الإسرائيليات المدسوسة على الدين الإسلامي، وقد جمع الإمام الذهبي الإسرائيليات في كتاب “الإسرائيليات والموضوعات” لمن يريد المزيد. لكن كل هذه الأمور مقتصرة على التفسير فقط. أما الحديث ففيه الحديث الموضوع، والحديث الكاذب الذي لم يرو عن الرسول. وقد تمكن علماء المسلمين من إحصاء كل تلك الأحاديث وفصلها عن الأحاديث الصحاح. كما نقح التفسير واستبعد منه الإسرائيليات وما يرتاب في صحته لنصل إلى التفاسير الصحيحة. ولكن الخطير هو أن الكثيرين لا يفرقون بين الصحيح والإسرائيليات.
اقرأ أيضًا: لماذا لم يُذكر عذاب القبر في القرآن؟ |
أشهر الإسرائيليات في الثقافة الشعبية
إن من أشهر الإسرائيليات المندسة على الإسلام في الثقافة الشعبية والتي ينبغي على كل مسلم أن يترفع بتفكيره عنها، وأن يحاول توضيحها لمن سواه ممن يجهلها ما يلي:
الاحتفال بالمولد النبوي
عندما تقترب ذكرى المولد النبوي الشريف نرى الباعة يعرضون فارساً يحمل سيفاً ويعلو حصاناً. ونرى أيضاً العرائس المزينة من الحلوى والتي تباع للفتيات، وذلك يعد من الإسرائيليات المندسة علينا وعلى سيرة رسولنا الكريم. حيث أن الفارس الذي يحمل سيفاً يشير إلى أن النبي قد نشر الإسلام بالسيف، وأما عن عروسة المولد فتوحي بإنه صلى الله عليه وسلم كان شديد الشغف بالنساء، وإنه كان مزواجاً يسعى وراء النساء الجميلات. ولا يزال هذا الرمز إلى الآن مدسوساً وسط المسلمين بما يظهرونه في احتفالهم السنوي بالمولد النبوي الشريف دون دراية.
الإسرائيليات في الأمثال الدارجة
كما تغلغلت الإسرائيليات في الحكم والأمثال الدارجة بين الناس، وهي من الإسرائيليات التي تحوي في باطنها كفر بالله وسوء اعتقاد في رب العزة، وتعد على إرادة الله وقدرته. ومنها أنه عندما يرزق الله عبداً من عباده بخير وفير فإن أقرانه من الحاقدين يقولون “يعطي الحلق للي بلا ودان”. وتعني أن الله جل شأنه وترفع عن الشبهات لا يحسن توزيع وتقسيم الأرزاق.
ساعة نحس يوم الجمعة
إن القول الشهير الذي يقول بأن الجمعة فيها ساعة نحس من الإسرائيليات الدخيلة على الإسلام. حيث يخالف هذا قول الرسول “إن في الجمعة ساعة إجابة[3]“. فعلينا نحن أن نتمعن جيداً فيما نقرأ من بعض التفاسير، وقصص الأنبياء وتواريخ الأمم السابقة، وأيضاً نتفكر فيما ننطق به من حكم وأمثال لعل فيها شركاً عظيماً.
اقرأ أيضًا: أمنون وثامار: قصة الحب المحرمة التي ذكرت في التوراة |
أشهر رواة الإسرائيليات
يقول ابن الجوزي: “الكذابون والوضاعون كثر قد جمعت أسماءهم في كتاب “الضعاف والمتروكين”. وذكر سلسلة من الكذابين والوضاعين في كتابه “الغدير” بعنوان سلسلة الكذابين والوضاعين وكانوا سبعمائة من الكذابين والوضاعين. ويمكننا أن نتعرف على أشهر رواة الإسرائيليات عندما تتصفح كتب التفاسير والسير وأخبار الملاحم. ففيها تجد أن أكثرية ما يروي إلينا من الإسرائيليات تكاد تدور في أقطاب معينة ومعروفة. ولعل أشهر رواة الإسرائيليات هم:
- عبدالله بن سلام.
- كعب الأحبار.
- محمد بن كعب القرظي.
- وهب بن منبه.
- تميم بن أوس الداري.
- ابن جريج.
وغيرهم الكثير، فاحذر عزيزي القارىء عندما تقرأ ما ينسب لهؤلاء أو غيرهم مما لا يوافق عقيدتك ودينك. وما نجد هذا إلا غيض من فيض ممن احتملهم سيل الكذابين والوضاعين. ممن اجترأوا على الله وعلى اقتراف السيئات فلا غرابة فيمن سولت له نفسه وأنساه الشيطان ذكر ربه. فهؤلاء ممن استحوذ عليهم الشيطان فانساهم ذكر ربهم.
وفي الختام يشير علماء الأزهر الشريف إلى أن على المؤمن الحقيقي أن يأخذ دينه من الكتاب والسنة الصحيحة بعيداً عن الإسرائيليات المنسوبة للنبي. وبعيداً عن أشهر رواة الإسرائيليات الذين أدخلوا العديد من الخرافات والأساطير إلى الدين الإسلامي.
هوامش
[1] “بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار”. رواه عبدالله بن عمرو – صحيح البخاري.
[2] “كان أهل الكتاب يقرؤون القرآن بالعبرانية، فقال رسول الله: “لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا “آمنا بالله وما أنزل” – رواه أبوهريرة – صحيح البخاري.
[3] “إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم، يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه” – صحيح مسلم.