فن

مراجعة فيلم The Worst Person in the World: البحث عن معنى وسط فوضى الحياة

فيلم The Worst Person in the World هو دراما رومانسية نرويجية من كتابة وإخراج يواكيم ترير وبطولة ريناتا راينسفي التي فازت بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي عن دورها في هذا الفيلم. كما اختيرت لتمثيل النرويج في حفل توزيع جوائز الأوسكار القادم. في هذا المقال نتناول مراجعة فيلم The Worst Person in the World بشيء من التفصيل.

قصة فيلم The Worst Person in the World

تدور أحداث الفيلم حول جولي – ريناتا راينسفي – وهي شابة في مقتبل العمر تحاول أن تتعرف على ما تريد دراسته. في البداية تلتحق جولي بكلية الطب، لكنها سرعان ما تخلت عن هذه الدراسة لأنها وجدت نفسها تهتم بالعقل أكثر من الجسد، لذا انتقلت إلى دراسة علم النفس. ومع مرور الوقت قررت أن تترك دراسة علم النفس لأنها تهتم بالمظهر المرئي. ومن هنا انطلقت في طريقها إلى التصوير الفوتوغرافي. ثم تركته كذلك وشرعت في العمل في مكتبة لبيع الكتب.

طوال رحلة جولي في البحث عن شغفها وما تريده في الحياة تقابل العديد من الشخصيات التي تتعلق بهم ومن ثم سرعان ما تتركهم. حتى التقت بفنان رسوم هزلية يدعى أكسل – أندرس دانيلسن لي – يكبرها في العمر فتقع في حبه. وتعيش معه سنوات في سعادة. إلا أنها تدرك أن أفكارهما مختلفة فهو على سبيل المثال يريد أطفال وهي لا تريد. وذات ليلة من الليالي تتجول في الشوارع وتقتحم حفل زفاف لا تعرف أي شخص فيه. وهناك تتقابل مع إيفيند – هربرت نوردروم – وتنشأ بينهما صداقة غريبة. حيث حاول الاثنان أن يصارحا بعضهما البعض بالكثير من الأشياء والأسرار وعند انتهاء اليوم يفترق كل منهما في طريقه.

الذروة

لكن تتحول الأمور عندما تتقابل مع إيفيند صدفة في المكتبة. حيث كان يصطحب معه زوجته في ذاك الوقت. ومن هنا تدرك جولي أنها تحب إيفيند وتريد إنهاء علاقتها مع أكسل، ويتم ذلك بالفعل. ثم تذهب جولي لتعيش مع حبيبها الجديد في منزلها. لكن يبدو أن جولي لا تعرف ما هو المسار الصحيح لحياتها. كما تشعر بالقلق على الدوام فيما يتعلق بعلاقاتها. ويبدو أن الاستقرار هو الشيء الوحيد الذي لم تعد جولي مؤهلة له.

تسمع جولي عن طريق الصدفة أن حبيبها السابق أكسل مريض بالسرطان. ولم يعد أمامه في الحياة سوى أياماً معدودات. لذا تذهب إليها لتزوره في المستشفى وتشرع في الحديث معه. كما تدرك انه قد أحبها بصدق. ويبدأ أكسل في الحديث معها براحة ليعبر لها عما يشعر به وهو على مشارف الموت.

اقرأ أيضًا: فيلم The Broken Circle Breakdown: كل شيء ينتهي؛ لكن لا شيء يزول

مراجعة فيلم The Worst Person in the World

تدور الفكرة العامة لهذا الفيلم الرائع حول اختياراتنا في الحياة. وبمعنى أكثر بساطة كيف تصبح في الواقع على ما أنت عليه؟ وهل ما يساهم في تكوين شخصياتنا هي أفعالنا، وقراراتنا التي نخطط لها ونضعها موضع التنفيذ، أم أنها بالأحرى مجرد مصادفات ومؤثرات خارجية هي التي تحدد طريقنا في الحياة؟ هل أنت سيد مصيرك أم أننا بلا حول ولا قوة تحت رحمة أي مصير يمكن أن يكون؟ هذه هي الأسئلة الوجودية الكبيرة التي يتعامل معها المخرج النرويجي يواكيم ترير في فيلم The Worst Person in the World . وهو يفعل ذلك بطريقة خادعة وماكرة أخرجت لنا أحد أفضل الأفلام الدرامية التي تمت صناعتها هذا العام.

بكل تأكيد هناك الكثير من الأسئلة التي تدور في خواطرنا في مراحل الحياة المختلفة ولا نجد لها إجابة. فالقواعد الصارمة والعادات والتقاليد والأفكار النمطية الموجودة حولنا تجعلنا في حيرة من أمرنا لا نعرف ما علينا فعله بالضبط. على سبيل المثال الحب الزواج الدراسة الوظيفة وغيرها من الأمور المصيرية. لكن مع ذلك ففي كل مرحلة من مراحل العمر تجد ما يمكن اكتشافه وما علينا إلا المضي قدماً في الحياة. أما إذا شعرنا بأننا عالقون في منطقة ما، فهذا هو المكان الذي تبدأ فيه الحياة في التعقيد حقاً.

عشوائية الحياة

في فيلم أسوأ شخص في العالم يظهر لنا الكاتب والمخرج يواكيم ترير أربع سنوات في حياة امرأة تمر بهذا الصراع العاطفي. وتحاول اكتشافه بأفضل ما تستطيع. أما أحد الأشياء الجميلة جداً في هذا النص هو أن البطلة تحاول ببساطة حل الأمور بنفسها. فهذا ليس فيلماً يبحث في المجازات السردية. ولكنه يعرض الطرق التي يمكن أن تكون بها الحياة ببساطة عشوائية وغير متوقعة في الخيارات التي نتخذها. ومن خلال استخدام التعليق الصوتي في بعض الأحيان نجد أن الفيلم لا يسير وفق خط سردي مستقيم بل يدور حول لحظات مهمة. هذه اللحظات هي الحياة ذاتها. حيث تنتقل القصة من لحظات غير سعيدة وغير مؤكدة إلى لحظة يتواجد فيها اليقين والسعادة، والتي لن تحدث حتى الخاتمة. إنها تجربة رائعة وعاطفية.

يوازن الفيلم بين الفكاهة الدافئة والدراما بشكل رائع. وهذا يرجع إلى حد كبير بسبب العاطفة الإنسانية التي تملأ جنبات هذا الفيلم. فعندما نصل إلى الفصل الأخير من الفيلم، لا يسعنا إلا أن نصفق للقائمين على هذا العمل. وذلك بسبب الطريقة التي تكشفت بها القصة. وكيف أنها منحت جولي وأكسل لحظة سلام تامة. وهو أمر مهم للغاية عندما يتعلق الأمر بالعلاقات التي تعني شيء لنا، بغض النظر عما إذا كانت ستستمر أم لا.

من عوالم متوقفة، من ليالي بلا نوم تنتهي بنظرات عند الفجر، ورؤية الحياة من خلال نظارات ملونة، ومحادثات تنتهي فيها الدموع بالشفاء، واعترافات تُدمي القلب. كل هذا داخل السينما الحقيقة الخالصة. إن فيلم The Worst Person in the World مضحك، محتال، وقح وحسي، لكنه أيضاً رومانسي في بحثه الدؤوب، ومفجع في صراحة نتائجه، وقريب في تكوينه للشخصيات وفهمهم جميعاً.

ترسانة من الأنواع

في هذا الفيلم الرائع يجرؤ ترير على تجربة ترسانة من الأنواع، ويتمكن بطريقة سحرية من سحبها جميعاً. حيث تتلامس كل هذه الأنواع بسهولة ساحقة من الدراما إلى الكوميديا​​، مروراً بالرومانسية وحتى النقد الاجتماعي العرضي لحالة الثقافة في عالم اليوم. توصف أفلام يواكيم ترير بأنها تأملات حزينة تتناول قضايا وجودية تتعلق بالحب والطموح والذاكرة والهوية. ونادراً ما تقدم الأعمال الدرامية الرومانسية التي تتعلق بالشباب وطريقهم في الحياة شيئاً جديداً وغالباً ما تخضع لسرد كلاسيكي يؤكد أفراح وآلام دخول مرحلة الشباب. ومع ذلك، يجلب لنا ترير شيئاً جديداً ومبتكراً، فيلماً يمكن مشاهدته حتى لأولئك الذين لا تعتبر الدراما الرومانسية من بين الأنواع المفضلة لديهم. يتمتع ترير بسمعة طيبة كمخرج يتفهم مشاكل الشاب الحديث وقادر على تقديم كل ذلك بأصالة، وهذا الفيلم يؤكد تلك السمعة.

تنقل الممثلة النرويجية ريناتا راينسفي إحساساً بالذاتية الكاملة والدقيقة في قصة لن تكون عميقة جداً إذا لم يكن أدائها بهذه الجودة العالية. فلقد استطاعت أن تنقل لنا الطابع النمطي لفتاة في العشرينات من عمرها وهي تحاول أن تتنفس، وتتملكها الحيرة المستمرة وعدم اليقين. بينما أجادت في تصوير جولي بافتقارها إلى اتجاه وهدف ملموس، وانفتاحها المدروس، وموقفها المفعم بالحيوية، والإثارة والشك تجاه وفرة من تجارب الحياة، لذلك تبدو شخصيتها كشخص حقيقي يبحث عن السعادة في أوسلو الحديثة.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Last Night in Soho: رحلة إلى الجانب المظلم من البشرية

في الختام وبعد مراجعة فيلم The Worst Person in the World لابد من الإشارة إلى إنه أحد تلك الأفلام التي تستحق المشاهدة فهي دراما رومانسية نرويجية تدور حول البحث عن الحب والمعنى في الحياة، ونحن بحاجة ماسة إلى هذا النوع من الدراما الخارجة عن المألوف.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!