فن

مراجعة فيلم Instinct: أوهام العودة إلى الطبيعة

فيلم Instinct هو عمل مثير للمشاعر والتفكير يطرح الكثير من الأسئلة دون أن يصل إلى إجابة مرضية. فهو يغرق تحت ثقل موضوعاته التي يتناولها بطريقة مبسطة لأقصى حد. لكن ما يحسب له هو جعل المشاهد يفكر في الكيفية التي يعيش بها البشر حياتهم المعاصرة. تلك الطريقة التي تعتمد على وجهة نظر كل شخص، وإرادته وأفعاله ونتائج هذه الأفعال على المجتمع. في السطور التالية نتعرف على قصة الفيلم، ثم نستعرض مراجعة فيلم Instinct بمزيد من التفصيل.

معلومات عن فيلم Instinct

  • البلد: الولايات المتحدة.
  • اللغة: الإنجليزية.
  • تاريخ الإصدار: 4 يونيو 1999.
  • المخرج: جون ترتيلتاب.
  • الكاتب: جيرالد دي بيجو| دانيال كوين.
  • وقت العرض: 126 دقيقة.
  • النوع: دراما | إثارة.
  • التصنيف: (R) للكبار فقط | يحتوي على مشاهد عنيفة.
  • فريق التمثيل: أنتوني هوبكنز | كوبا جودينج جونيور | مورا تيرني | دونالد ساذرلاند.
  • التقييم: 6.5.

قصة فيلم Instinct

قصة فيلم Instinct
مشهد من فيلم غريزة 1999

تدور قصة فيلم Instinct حول عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي دكتور إيثان باول – أنتوني هوبكنز – الذي احتجزته سلطات دولة رواندا الأفريقية في السجن بعد قتله لضابطي شرطة هناك. تطلب الولايات المتحدة من السلطات الرواندية تسليم إيثان. وسرعان ما تصل طائرة لنقل السجين إلى وطنه. عندما وصل باول للمطار كان رد فعله عدوانياً مرة أخرى وحاول التعدي على عدد من حراس الأمن في المطار. ومن هنا وُضع في مصحة عقلية شديدة الحراسة مع العديد من السجناء الآخرين.

كانت ظروف هذه المؤسسة سيئة للغاية، فهي مزدحمة بالسجناء، ولا يعمل بها سوى عدد قليل من الموظفين، وبعض الحراس الساديين الذين يعاملون المرضى بطريقة غير آدمية. فهم يعتبرونهم مخلوقات أقل شأناً يمكنهم اللعب معهم بعض الألعاب العنيفة. وقد تخلى الطبيب النفسي الذي يعمل في هذه المؤسسة عن محاولة تغيير أي وضع بعد يأسه.

لم ينطق باول بأي كلمة منذ عامين. ولا أحد يعرف سبب ردود أفعاله العدوانية، لذا حددت المحكمة جلسة استماع لباول من أجل الحديث عن حالته وسبب عدائيته الشديدة. ومن أجل ذلك كلف الطبيب النفسي الشهير بن هيلارد – دونالد ساذرلاند – زميله الشاب ثيو كولدر – كوبا جودينج – بمحاولة جعل باول يتحدث، ومعرفة سبب العنف.

يلتقي كولدر بباول للمرة الأولى في ظل إجراءات أمنية مشددة. وبعد لحظات قليلة من حديثه لباول دون رد منه يتعرض كولدر لمحاولة اعتداء من باول، ولكن ينقذه الحراس. يدرك الطبيب أن سلوك باول له علاقة بأبحاثه عن مجتمع الغوريلا الذي كان يدرسه. ويذهب لزيارة ابنة العالم التي تركها والدها منذ سنوات.

تخبر لين – مورا تيرني – الطبيب بأن والدها قبل اختفائه في رواندا كان لا يهتم سوى بأبحاثه، وحاول معرفة العديد من الأمور حول حياة والدها السابقة. وبعد العديد من الجلسات مع باول جعله يتحدث، وروى له شيئاً فشيئاً ما تعنيه الحياة في البرية وسط الطبيعة بالنسبة له، وكيف قتل ضباط الشرطة الروانديين.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم The Father: تحفة مفجعة تلمسك من الداخل

مراجعة فيلم Instinct

تحليل فيلم Instinct
أحد مشاهد الفيلم

انتقاد الحضارة والدعوة إلى العودة للطبيعة أمر لم يكن جديد على الإطلاق، فلا يخفى على أحد العديد من النقاد العظماء للحضارة مثل عالم الاجتماع الألماني نوربيرت إلياس والفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو وغيرهم ممن تعاملوا مع العمليات الاجتماعية وأنماط السلوك والتفكير البشري وما إلى ذلك. يقدم لنا المخرج جون ترتيلتاب في هذا الفيلم قصة مثيرة قوبلت بردود فعل منقسمة للغاية من النقاد والجمهور على حد سواء.

انتقاد الحضارة

تتمحور الرسالة المركزية للفيلم حول فكرة أساسية: يعتبر باول الحضارة تطوراً ملتوياً وغير طبيعياً، نظر فيه البشر إلى أنفسهم باعتبارهم تاج الخليقة، وأعلنوا تفوقهم على جميع الكائنات الحية الأخرى، ومن ثم شرعوا في التحكم فيها، والسيطرة عليها. وقد توصل باول لهذه الفكرة بعد أن تم قبوله في مجتمع الغوريلا التي تعيش في وئام مع الطبيعة وليس ضدها. بينما ينبع عدوان باول وعنفه من كراهية جامحة لأيديولوجيات الحضارة والتقدم.

تناولت رواية الكاتب الأمريكي دانيال كوين التي استندت عليها قصة فيلم Instinct الافتراضات الأساسية للحضارة الغربية، مع تأملات في النتائج والتكهنات التطورية، وأنماط السلوك مثل المنافسة والسيطرة والقوة والتفوق وغيرها. لكن المخرج جون ترتيلتاب وكاتب السيناريو جيرالد دي بيجو أبقيا نقد الحضارة عالقاً في حالة إذا كانت تتوافق مع حركات “العودة إلى الطبيعة”. وقد ظهرت الحركات التي تدعو للعودة إلى الطبيعة في نهاية القرن التاسع عشر، عندما نشأت اضطرابات اجتماعية هائلة نتيجة للتقدم الحضاري.

فكرة العودة إلى الطبيعة

يثبت فيلم Instinct أنه فيلم يتمسك بالمستوى الفكري للقرن التاسع عشر، ولم يتعداه. حيث كانت هناك هجمات عنيفة من قبل الجماهير الضخمة من العمال ضد الآلات الحديثة في مواجهة الثورة الصناعية. لكن لا يعترف ترتيلتاب بنتائج نقد الحضارة، أو بالأحرى الجدل حول ظهور ما نسميه الحضارة، ويتصرف في فيلمه كما لو لم يكن هناك ماكس فيبر ولا نوربيرت إلياس ولا ميشيل فوكو الذين تعاملوا مع الظروف التي نشأ في ظلها المجتمع الحديث، ولم يعرف كذلك أن معظم أبحاث هؤلاء نقحت وأدخل عليها العديد من التعديلات، ومن ثم وجدت هذه النتائج الجديدة طريقها إلى جمهور واسع. وأصبحت فكرة العودة إلى الطبيعة مجرد فكرة وهمية لم يعد لها وجود. وهذه هي بالضبط الصورة التي يعيدها ترتيلتاب في شخصية باول، وكذلك الأوهام الزائفة القائمة على المظاهر والتي تقول إن أي إنسان قادر على الانفصال عن السيطرة والمنافسة والهيمنة والسلطة من خلال العودة إلى الطبيعة.

خلقت مثل هذه الصورة الحركة الرومانسية التي ظهرت كرد فعل على مغالاة عصر التنوير في التركيز على العقل. حيث اشتاق الناس إلى العودة للحياة البدائية الماضية، وهي فكرة تعبر عن القلق بشأن الاضطرابات في تاريخ البشرية كنوع من الاحتجاج العاطفي اليائس. لكن تكمن المشكلة في أن هذا الاحتجاج يمكن انتقاده بسهولة، فالسيطرة والمنافسة والهيمنة يمكن أن تجدها بسهولة في مجتمع الغوريلا الذي صوره ترتيلتاب في فيلمه، إذن ففكرة المخرج تقف على أرض هشة سرعان ما تتحول إلى فكرة ثقافية ساذجة.

الشخصيات في فيلم Instinct

يظهر هذا جلياً في المبالغة بين الشخصيتين الرئيسيتين: كوبا جودينج عالم نفس مسيطر عليه من جميع النواحي، ويعتقد أن علم النفس يمكن أن يحل أي حالة؛ وأنتوني هوبكنز – بغض النظر عن تصميمه الخارجي المناسب كونه إنسان تحور إلى نصف غوريلا – يدرك جيداً أنه لا يستطع التخلص من بقايا خصائصه البشرية، ومع ذلك يختار مسار العودة إلى الطبيعة. وفي النهاية تتحول الشخصيات إلى شارات مجوفة للوهم البدائي. كما هو الحال عندما يقف كولدر – الذي يزعم أنه فهم أخيراً تفكير باول – تحت المطر وذراعاه ممدودتان، ويظهر الشعور بالعيش قرب الطبيعة، لإعطاء أي مشاهد غير مقتنع بهذه العودة.

لكن بعيداً عن توجيه السيناريو الذي فشل في تنفيذ الفكرة، إلا أن أداء هوبكنز جاء بارعاً في دور عالم الأنثروبولوجيا السابق المصاب بصدمة عاطفية شديدة. حيث يمكنك أن تشعر بألمه حتى قبل أن يخبرك بما يأكله من الداخل. كوبا جودينج كان رائع كذلك في دور الطبيب الذي يذهب في رحلة مع إيثان باول. في البداية كان اهتمامه بباول مجرد أنانية. ولكن كلما عرف المزيد عن هذا الرجل المعقد، كلما فهمه أكثر وتعاطف معه. كذلك لا يمكننا أن نغفل عن دور جون أشتون كحارس السجن الوحشي، على الرغم من أن شخصيته تذكرنا كثيراً بشخصية كلانسي براون في فيلم Shawshank Redemption لكنه جيد جداً هنا.

حقوق الحيوان

ما يحسب لفيلم Instinct هو تسليط الضوء على موضوع حقوق الحيوانات. ذلك الموضوع الذي يسخر منه الكثير من البشر. يقول أنتوني هوبكنز في أحد مشاهد الفيلم عن المجتمعات القبلية البدائية: لم يقتلوا أبداً حيوانات تزيد عن احتياجاتهم. لكن نحن في عصرنا الحالي نسيء استخدام هذا الأمر ونعتبره أمراً عادياً كوننا الأنواع المهيمنة. ولم يتوقف الأمر على ذلك فحسب، فالحيوانات كما أثبتت الكثير من الأبحاث لها مشاعر. فهل نهتم بمشاعر حيوان وضعناه في الأسر. وهل نهتم إذا لم يوافق قرد على إجراء تجارب علمية عليه. ولماذا يجب أن نهتم بالدببة العالقة في الفخاخ التي وضعناها لها. وهل نهتم لتركها هناك لأيام تتلوى من الألم قبل أن تموت لنحصل في النهاية على فروها؟  

هناك الكثير من عامة الناس يعتقدون أن الحيوانات لا تملك أو لا ينبغي أن تتمتع بنفس الحقوق التي نتمتع بها كبشر. لكن على العكس من ذلك ينبغي أن تسن قوانين صارمة لحقوق الحيوان. وإذا كان الأمر لا يتعلق بمشاعر الحيوان، ويتعلق فقط بمصلحة الإنسان فهذه الحيوانات تعمل على التوزان في الطبيعة. ولا شك أن الكثير من الناس في عصرنا الحالي يعلمون كيف أثر فقدان هذا التوازن في معاناة البشر، سواء في مشكلات الجوع في العالم، أو مشكلات البيئة التي لم يجد لها أحد حل حتى الآن.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!