فلسفة

القصة الكاملة لأسطورة سيزيف اليونانية

أسطورة سيزيف هي أحد أكثر الأساطير اليونانية القديمة شهرة بسبب عقوبته في العالم السفلي. تقول الأسطورة أن الآلهة حكمت عليه بحمل صخرة عظيمة إلى قمة جبل عظيم، وعند وصوله إلى القمة تتدحرج الصخرة مرة أخرى إلى الأسفل فيعود في كل مرة إلى حملها مجدداً. توضح أسطورة سيزيف مدى عبثية الحياة التي يحياها الإنسان، فليس هنالك أبشع من العمل بلا جدوى. وقد تناول هذه الأسطورة الكثير من الأدباء والفلاسفة والفنانين. لعل من أشهرهم ألبير كامو في فلسفته العبثية.

مَن هو سيزيف؟

كان سيزيف ملكاً من ملوك الإغريق حكم مدينة أفيرا الإغريقية. لكنه كان سيء السمعة ونظر إليه الجميع على إنه أكثر شخص مخادع على وجه الأرض. فماذا فعل سيزيف؟ لقد اقترف العديد من المحرمات، وأفشى أسرار الآلهة. كانت البداية هي استدراج الضيوف إلى مدينته ومن ثم قتلهم، وهذا الأمر كان يتعارض مع كرم الضيافة الإغريقية التي يشرف عليها زيوس كبير الآلهة بنفسه. لكنه لم يعاقب في العالم السفلي على تلك الفعلة فحسب. بل لأنه خدع الموت، فكيف خدع سيزيف الموت؟


كيف خدع سيزيف الموت؟

ألبير كامو ؛ المدرسة العبثية ؛ العالم السفلي
صورة رمزية لسيزيف في عقابه الأبدي

أمر زيوس كبير الآلهة بتقييد سيزيف بالسلاسل والقيود في العالم السفلي. هذا العالم كان المسؤول عنه هاديس[1] وحينما اقترب منه لينفذ فيه أمر زيوس، أخبره سيزيف أن ينتظر للحظات. حينها طلب منه أن يتوقف ويجرب هذه القيود في البداية على نفسه من أجل معرفة مدى قوتها وكفاءتها، ولمعرفة إنه لن يستطع التخلص منها والهرب بعد ذلك.

رضخ هاديس إلى رغبته عندما أقنعته حجة سيزيف، وشرع في تقييد نفسه بالأصفاد. في تلك اللحظة انقض عليه سيزيف وأحكم وثاقه، ومن ثم هرب إلى العالم مرة أخرى. تنفس الصعداء وحاول أن ينعم بالحياة ورفض العودة مجدداً إلى العالم السفلي. لكن الأمر لم يتوقف على ذلك.

اقرأ أيضًا: مراجعة رواية الغريب: عـبـثـيـة البحـث عن معنـى الحـياة

لم يمت أحد

بما أن إله الموت مقيداً بوثاقه فلن يمت أحداً من البشر. ومنذ تلك اللحظة أصبح البشر خالدين بالفعل، وتوقفت الحروب بينهم لعدم جدواها. وبالإضافة إلى ذلك، لم يعد يقدم البشر القرابين اللازمة لكبير الآلهة زيوس مما أغضبه بشدة. وحينما سأل عن السبب أدرك أن إله الموت يعاني في قيوده.

أمر زيوس بحل وثاق الموت وطلب منه أن يحضر إليه سيزيف ليعاقبه على فعلته البشعة. وبالفعل نفذ الموت الأمر وأحضر إليه سيزيف. لكن قبل أن يموت سيزيف أبلغ زوجته أن تترك جثته في العراء ولا تقوم بطقوس الدفن المعتادة، بل وأمرها ألا تقدم القرابين اللازمة إلى جسده.

رضخت الزوجة إلى طلب زوجها، وبعد أن أحضر هاديس سيزيف إلى العالم السفلي، حاول أن يخدعه مرة أخرى. والغريب في الأمر أنه خدع هاديس مرة أخرى، لكن لم يخدع هاديس فحسب بل خدع أيضاً كبير الآلهة. لقد أخبره سيزيف أن زوجته لم تحترم وفاته، بل ولم تقم بعمل الطقوس اللازمة، ولم تقدم القرابين لزيوس كذلك. لذا طلب من كبير الآلهة أن يمنحه فرصة أخيرة للذهاب إلى زوجته كي يلومها على أفعالها المشينة. امتثل كبير الآلهة لأمره مع وعده بالعودة مجدداً، لكنه لم يف بوعده.

هنا أدرك كبير الآلهة مدى الخداع الذي يحدث له من قبل ذلك البشري الفاني فأمر بعقابه بأبشع عقاب يمكن أن يحصل عليه إنسان ألا وهو العمل دون جدوى. حيث أمره أن يحمل صخرة عظيمة إلى قمة الجبل ولدى وصوله القمة تسقط الصخرة مجدداً إلى أرض الوادي فيعود ليحملها في حلقة أبدية مفرغة.

اقرأ أيضًا: القصة الكاملة لأسطورة هرقل اليونانية

تحليل أسطورة سيزيف

سيزيف ؛ الأساطير اليونانية ؛ ألبير كامو ؛ العبثية القديمة
سيزيف يحمل الصخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه بلا جدوى

كانت هذه الأسطورة مصدراً لإلهام العديد من الفنانين والكتاب والفلاسفة في العالم أجمع، بل قامت مدارس فلسفية على ضوء هذه الأسطورة. على سبيل المثال المدرسة العبثية التي يعد الكاتب الفرنسي ألبير كامو أهم أعضائها.

يرى ألبير كامو أن سيزيف مجرد بطل سخيف مثل الكثير من الأبطال في هذه الحياة، فهو الشخص الذي يزدري الآلهة ويكره الموت، وقد جاءت عقوبته تحمل أبدية النضال اليائس من أجل اللاشىء.

يقول كامو إن الأساطير اليونانية لم تخبرنا كيف يتحمل سيزيف عقوبته في العالم السفلي؟ بل تركت لنا أسطورة سيزيف استخدام خيالنا. أما ما أذهله بالفعل هو حالة سيزيف الذهنية في تلك اللحظة بعد أن تدحرجت الصخرة عنه في قمة الجبل، وبينما يتجه إلى الأرض متحرراً لفترة وجيزة من العمل فهو واع مدركاً لعبثية مصيره. لذا لا يمكن اعتبار مصيره إلا مأساوياً لأنه يتفهمه وليس لديه أمل في التخلص منه.

يقترح ألبير كامو أن سيزيف قد يقوم بمهمته بسعادة فقط حينما يتقبل مصيره. لكن لحظات الحزن أو الكآبة تأتي فقط عندما ينظر للوراء إلى العالم الذي تركه، أو عندما يأمل أو يتمنى السعادة. فعندما يقبل سيزيف مصيره يتلاشى الحزن والكآبة.

اقرأ أيضًا: أشهر الخرافات في العالم وأصولها الغريبة

عبثية حياة الإنسان

إن البطل السخيف يرى الحياة على أنها صراع دائم بلا أمل. إنه يعيش مع وعي كامل بعبثية موقفه. بينما كان سيزيف يدفع صخرته إلى أعلى الجبل، لا يوجد لديه شيء سوى الكدح والنضال. ولكن في تلك اللحظات التي ينزل فيها سيزيف عن الجبل خالياً من ثقله، فهو يدرك ذلك. إنه يعلم أنه سيكافح إلى الأبد وهو يعلم أن هذا الكفاح لن يقوده إلى شيء. هذا الإدراك هو بالضبط نفس الإدراك الذي يمتلكه الرجل العبثي في ​​هذه الحياة. وطالما كان سيزيف على علم، فإن مصيره لا يختلف عن مصيرنا في الحياة.

إن السعادة والوعي العبثي مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. حيث لا يمكننا أن نكون سعداء حقاً إلا عندما نقبل حياتنا ومصيرنا على أنهما ملكنا تماماً باعتبارها الشيء الوحيد الذي نملكه. سيزيف هو الرجل الذي أحب الحياة لدرجة أنه حُكم عليه بالعمل العبثي واليائس إلى الأبد. هذه الأسطورة تمثل واقع الإنسان في الحياة، ومحاولة هروبه الدائمة من الإجابة على السؤال الأهم: هل هناك جدوى لما نفعله في الحياة؟ أم أنها مجرد عبث؟


الأساطير اليونانية القديمة مليئة بالشخصيات التي تفعل الشيء الصحيح والتي تكافأها الآلهة. سيزيف ليس واحداً من هؤلاء. ففي أسطورة سيزيف تصوير لحياة البشر في كل مكان. لكن هل كان عقابه هو العقاب المناسب لما اقترفه أم إنه كان ظلماً من الآلهة؟


هوامش

[1] هاديس هو ملك العالم السفلي في الأساطير اليونانية.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

تعليق واحد

  1. عليه حياة أم وهم حياة!؟ وجدت دونما إذن مني. في مجتمع بطقوس وممارسات متعددة. أتفرسها. وعلى قدر مخزون معرفتي وخبرتي، أتمثل منها بعضا. لأنه يحقق توازني. وانبذ بعضا. لأنه يزعزع تموقعي. لكن الغريب أن السلوكات التي يمارسها الناس ليست دائما عن اقتناع. بل ربما هي في كثير منها لإرضاء الآخرين. لا أصدق أن كل الذين يتعبدون هم مومنون. بدليل فضائح رجال الدين أنفسهم. وفي هذا الوضع يجد العبث مشروعيته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!