أشياء تتحرك من تلقاء نفسها، أصوات مخيفة تصم الآذان، أشباح، وظلال لا يمكن تفسيرها. عندما يتعرض أحد لبعض هذه المواقف التي لا يستطيع تفسيرها يشعر بالخوف والارتباك، فهذه الظواهر الخارقة للطبيعة تتجاوز ما يمكن تفسيره. ولهذا السبب حاول العديد من العلماء دراسة هذه التجارب الخارقة لمعرفة الأسس العلمية والنفسية التي تستند عليها تلك المعتقدات. فهل الظواهر الخارقة للطبيعة حقيقية أم إنها مجرد خدع عقلية؟
ما هي الظواهر الخارقة؟
تُعرف الظواهر الخارقة للطبيعة على أنها أحداث تتعارض مع قوانين العلم، ولا تتوافق مع الحياة الطبيعية. ويسعى العلم إلى فهم هذه الظواهر من خلال الملاحظة التجريبية والأسلوب العلمي. وعلى الرغم من توثيق العديد من الأحداث الحقيقية غير المفسرة، مثل الوجود المخيف في المنزل، والأشباح، والظلال المزعجة، وحتى الأصوات التي يسمعها البعض في حين عدم وجود أي شخص آخر، إلا أنه من الصعب جداً العثور على أصل هذه الظواهر الخارقة، سواء كانت حقيقية أو خيالية.
تفسير الظواهر الخارقة للطبيعة
حظى موضوع الظواهر الخارقة للطبيعة بأهمية كبرى نظراً لتناول هذه الأحداث والمواقف الغريبة في العديد من أفلام السينما. وعلى الرغم من أن هذه الأفلام تستند على خيال هوليوود وبعض المعتقدات الدينية إلا أن تأثيرها كان عظيماً على فئة كبيرة من الناس الذين اعتقدوا بحقيقة وجود هذه الظواهر في الحياة الواقعية.
كان جوزيف بانكس راين (1895-1980) رائداً في علم التخاطر. ويُنسب إليه الفضل في صياغة مصطلح “الإدراك خارج الحواس”. سعى جوزيف طوال حياته إلى دراسة العديد من الظواهر الخارقة للطبيعة مثل التخاطر العقلي، والاستبصار والتنبؤ بالمستقبل. وقد انضم راين إلى عالم النفس ويليام ماكدوغال (1871-1938) لمواصلة دراسة هذه الأحداث النفسية. وأنشأ مختبر خوارق اللاشعور في جامعة ديوك، ثم في عام 1965 مجلة خوارق اللاشعور[1].
أوهام الدماغ
يمكن تفسير بعض التجارب الخارقة بناءً على النشاط الخاطئ في الدماغ. حيث يبدو أن الأرواح الشريرة والأشياء التي تتحرك بشكل غير مرئي متوافقة مع الأضرار التي لحقت بمناطق معينة من النصف المخي الأيمن المسؤولة عن المعالجة البصرية. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تسبب بعض أشكال الصرع شعوراً مخيفاً بأن وجوداً ما يحوم بالقرب منك. في حين أن بعض الأوهام البصرية يمكن أن تربك الدماغ السليم وتخلق كائنات أسطورية. على سبيل المثال، نظر عالم نفس إيطالي شاب في المرآة في صباح أحد الأيام ليجد رجلاً عجوزًا أشيب ينظر إليه. أكدت تجاربه اللاحقة أن الوهم شائع بشكل مدهش عندما تنظر إلى انعكاسك في نصف ضوء. ربما لأن الدماغ يكافح لبناء ملامح وجهك، لذلك يبدأ في محاولة ملء المعلومات المفقودة، حتى لو أدى ذلك لظهور كيانات وأشكال غريبة. لذا فإن أي مزيج من الإرهاق والمخدرات والكحول وحيل الضوء يمكن أن تساهم في مشاهدة هي الكيانات.
شبح يرسل رسالة
لطالما اشتبه علماء النفس الذين يدرسون الدين في أن الاعتقاد في الخوارق يمكن أن يكون نوعاً من الدرع الواقي من الحقائق الأكثر قسوة في العالم. الفكرة هي أنه عندما يحدث شيء غير متوقع – موت أو كارثة طبيعية أو فقدان وظيفة – يتدافع الدماغ بحثاً عن إجابات ومعنى في هذه الفوضى.
يقول آدم ويتز من جامعة نورث وسترن في إلينوي إن التجسيد هو طريقة شائعة أخرى نحاول أن نفهم بها الأحداث. لذلك قد نعتقد أن الروح تكمن وراء عاصفة أو أن الشيطان يتسبب في مرضنا – بدلاً من الاعتراف بأننا لا نملك السيطرة على الأمر. وإذا كان فرع شجرة ينقر على نافذتك، فقد تكون أكثر ميلاً لتخيل أنه شبح يرسل لك رسالة. يقول ويتز: “نخلق الاعتقاد في الأشباح، لأننا لا نحب الاعتقاد بأن الكون عشوائي”[2].
الأديان والمعتقدات
بحلول الثمانينيات من القرن الماضي وضعت تجارب جانزفيلد في علم النفس التجريبي كمصدر رئيسي لتأثيرات التخاطر عن بعد وإمكانية تكرارها. لكن أثبتت الأبحاث عدم إمكانية تكرار هذه التجارب. ومع ذلك يتشابك العلم مع الدين في البحث عن تفسير للأحداث الخارقة.
هذا هو السبب في أن العلم يؤكد على أهمية أنظمة الدماغ والمعتقدات في النشاط الديني فيما يتعلق بهذه القضية. حيث يصبغ المتدينون العديد من الأشياء التي يعرضونها في إطار “قوة كونية خارقة للطبيعة”. وهذا يجعل من الممكن وجود معتقدات تتحدى وجود المكان والزمان والمنطق. ومع ذلك، هناك أيضاً علاقة مفادها أن الأشخاص الذين لديهم معتقدات دينية قد يميلون إلى الاعتقاد بوجود الخوارق، ولكن على الجانب الآخر، يرى آخرون أن دينهم يمكن أن يطيح بأي نوع من المعتقدات الخارقة للطبيعة.
باختصار، لا يزال العلم التجريبي وعلم النفس يقفون موقف المتشككين، لكنهما يواصلان البحث عن إجابات تشكل أساساً ثابتاً، إما لتأكيد أو إنكار وجود الظواهر الخارقة للطبيعة.
خصائص الظواهر الخارقة
هناك العديد من الخصائص المرتبطة بالظواهر الخارقة للطبيعة، وقد جمعت هذه الخصائص من الحالات العديدة التي أبلغ عنها من عانوا من هذه الظواهر. ولعل أبرز خصائص الظواهر الخارقة للطبيعة ما يلي:
تغيرات درجة الحرارة
هناك بعض الحالات التي أبلغت عن شعورها بوجود أشباح، ومن أهم علامات وجودها القدرة على تغيير درجة حرارة المكان، حيث يتحول المكان من بارد إلى حار أو العكس. وكلاهما شكل من مظاهر وجود كيان خارق للطبيعة. ومن المحتمل أن شعور البعض بهذا الأمر هو ما أودى بهم إلى التفسير الأسهل وهو وجود الأشباح.
السرعة
تعد السرعة من الخصائص الأخرى التي يمكن العثور عليها في المعلومات المقدمة بشأن الظواهر الخارقة للطبيعة التي تم الإبلاغ عنها. حيث أن معظم مظاهر الأشباح أو الأرواح المتألمة تتحرك عادة بطريقة سريعة ومتقلبة في الفضاء الذي تعيش فيه، مما يخلق نوبات من الخوف والارتباك لدى الناس في حضورها.
القوة
هناك سمة أخرى تتميز بها الكائنات الخارقة للطبيعة هي القوة، فكما أنها تتحرك بسرعة وبشكل غير متوقع، توصف التجارب الخارقة عموماً على أن الأشباح أو الكيانات الغامضة تستخدم قوتها في ضرب الجدران والأبواب والنوافذ وتحريك الأشياء وطرحها على الأرض، وما إلى ذلك.
المطاردة
يصف بعض الذين عانوا من وجود كيانات خارقة للطبيعة أنهم يشعرون بالمراقبة والتوتر، دون وجود ملموس لمن يراقبهم. وهذا لأن الظواهر الخارقة تخلق بيئات متوترة في الفضاء الذي تطارد فيه الضحية.
الظلال والأضواء
هناك خاصية أخرى تظهر مع وجود كيانات خارقة للطبيعة، فكما يمكن أن يكون النشاط الخارق عبارة عن ضرب الحوائط أو النوافذ، هناك الظلال التي تأتي وتذهب أو تبقى ثابتة في مكان معين. كذلك وميض الأضواء والأشياء التي تسقط من وقت لآخر، وما إلى ذلك. ويمكن أن يختلف كل شيء حسب نوع الظاهرة الخارقة.
أنواع الظواهر الخارقة
إن الظواهر الخارقة للطبيعة ليست فقط أشباح يمكن أن تخيفك، ولكن هناك أيضاً أشكال أخرى تعتبر جزءاً من التجارب الخارقة.
شبح المتوفى
هذا النوع من الظواهر الخارقة للطبيعة تحدث عندما يغادر العالم الأرضي شخص ما بطريقة مفاجئة أو غير متوقعة أو مؤلمة. ومن هنا يظهر شبح المتوفى من جديد لأحبائه حتى يستطيع وداعهم بشكل صحيح.
الروح الشريرة
الروح الشريرة هي إحدى الظواهر الخارقة التي تتسم بالعدوانية والتهديد. وتتجلى عدوانيتها في الضوضاء والضربات المكثفة والمتقطعة أو المتكررة، كما أنها تحرك الأشياء الصغيرة أو الكبيرة، أو تكسرها، أو تنقلها من مكانها أو تلقيها على الأرض. ويمكن أن يتجلى نشاط الأرواح الشريرة من خلال الأصوات الغريبة، أو يمكن أن تظهر في هيئة بشر أو ظل مظلم.
الشبح الشيطاني
يشير الشبح الشيطاني إلى الكيانات الشريرة التي تظهر كطيف من الطاقة، حيث لم يكن لها أبداً شكل بشري في حياتهم الماضية. وفي العديد من مقاطع الفيديو لأحداث خارقة للطبيعة، يمكن ملاحظة صور منتشرة لأشباح، والتي تظهر بشكل عام خاملة ومتوقعة وحتى “ملائكية”، ولكن يمكن أيضاً أن تكون كوجود شرير ومهدد.
الشبح التفاعلي
تدرك الأشباح التفاعلية محيطها ويمكنها التفاعل مع الأشخاص الذين يعيشون في المكان الذي عاشوا فيه سابقاً. وبغض النظر عما إذا كنت تشعر بحضور جيد أو سيئ، فإن هذا النوع من الطاقة سيسعى إلى التواصل مع من حوله، والظهور في الصور على شكل وميض أو إصدار أصوات مألوفة لإعلامك بوجودها.
الأطباق الطائرة
إن الأطباق الطائرة المجهولة هي أيضاً جزء من الظواهر الخارقة، مثلما حدث في حادثة روزويل الشهيرة التي لم تفسرها القاعدة البحرية الأمريكية. وتتعدد مظاهر الأطباق الطائرة من الطائرات الصغيرة الغريبة إلى الأطباق التي تنير السماء. وترتبط هذه الظواهر ارتباطاً وثيقاً بنظرية المؤامرة التي تشير إلى أن كائنات فضائية قد زارت الأرض.
أمثلة على الظواهر الخارقة الشهيرة
تعد التجارب الخارقة للطبيعة من أكثر التجارب الموثقة في المدونات والشبكات الاجتماعية، وكذلك هناك مجموعة متنوعة من الأمثلة على الظواهر الخارقة التي سجلها بعض العلماء ولم يجدوا لها تفسير.
همهمة تاوس
كانت بلدة تاوس الصغيرة في نيو مكسيكو موضوعاً للعديد من التحقيقات بسبب استماع سكانها إلى أصوات تبدو مثل العويل والنحيب والأنين المتواصل. ولمدة سنوات طويلة كان أهل تاوس يستمعون إلى هذه الضوضاء بصصورة مستمرة. وعلى الرغم من أن البعض أشاروا إلى أن هذا الصوت هو مجرد طنين منخفض التردد يمثل جزءاً من هواء الصحراء. إلا أن البعض الآخر يقولون بأنها هستيريا جماعية أو هلوسة، بينما يعتقد المؤمنون بنظرية المؤامرة أن الصوت له غرض سري وشرير.
الديجافو
عند الحديث عن الظواهر الخارقة للطبيعة، سرعان ما يذهب تفكير البعض إلى ظاهرة الديجافو[3]. وهذه الظاهرة عبارة عن شعور مقلق بأنهم مروا بهذا الحدث أو الموقف من قبل؛ وغالباً ما يُعزى هذا القلق إلى التجارب النفسية أو الهواجس. ومع ذلك – وعلى الرغم من حقيقة أن الديجافو لا يزال لغزاً – يعتقد بعض الخبراء أن الدماغ، وتحديداً مناطقه الأمامية، يقوم بمراجعة الذكريات وإرسال إشارات للتحقق مما إذا كان هناك نوع من الخطأ في الذاكرة، وهذا الخطأ هو السبب وراء هذا الشعور، نظراً لحدوث صراع داخل المخ بين ما عشناه حقاً وما نعتقد أننا مررنا به.
تجارب الاقتراب من الموت
هناك العديد من الناس الذين تعرضوا لحوادث مميتة، وكانوا خلال هذه الفترة بين الحياة والموت. لكن بعد أن عولجوا تحدثوا عن انتقالهم إلى الحياة الآخرة ثم عادوا إلى الحاضر من جديد لمواصلة حياتهم. يمكن أن تكون تلك التجربة، المعروفة باسم تجربة الاقتراب من الموت من بقايا التجارب التي تبقى في اللاوعي والتي يتم إنتاجها في حالة الانفصال تلك؛ ومع ذلك، لا تزال هذه الظاهرة الغريبة موضع شك.
الأجسام الطائرة المجهولة
مع تقدم التقنيات الجديدة، من المستحيل أن يتم إقصاء موضوع الأجسام الطائرة المجهولة. لقد أنشأ البنتاغون مكتباً لتتبع الظواهر الجوية غير المحددة. كما أطلقت وكالة ناسا تحقيقاً خاصاً بها لمعرفة سبب المشاهد غير المبررة لأجسام طائرة مجهولة. وهي واحدة من الحالات الخارقة التي ربما يكون لها وزن أكبر وأبحاث مستقبلية، لأن الخبراء في هذا الموضوع يحظون بدعم وزارة الدفاع، والشهود (مثل طيارو البحرية) الذين سردوا تجاربهم مع الأجسام الطائرة المجهولة[4].
سواء كنت تؤمن بالظواهر الخارقة أم لا، هناك شيء واحد مؤكد للغاية وهو أن هناك أشياء ومواقف لن يكون لها دائماً تفسير منطقي وعلمي، ولكن يمكن أن توفر مساحة للبحث حول مصداقية التجارب الخارقة. إنه موضوع مثير للاهتمام ويدور حوله العديد من النقاشات، ليس فقط بسبب وجود متشككين ومؤمنين، ولكن أيضاً لأن الدين يلعب دوراً كبيراً فيه. حيث تعتقد العديد من الأديان بوجود الأرواح الشريرة وتأثيرها على حياة البشر.
المراجع
[1] The Real Science Behind Paranormal Phenomena.
[2] Psychology: The truth about the paranormal.
[3] Mystery of déjà vu explained – it’s how we check our memories.
[4] The Pentagon Established An Office To Track UFOs. What Could We Learn?