تحليل رواية المسخ لفرانز كافكا: لعبة الحقيقة

You are currently viewing تحليل رواية المسخ لفرانز كافكا: لعبة الحقيقة
تحليل رواية المسخ أو التحول

رواية المسخ أو التحوّل هي رواية قصيرة كتبها فرانز كافكا، وهي عبارة عن قصة رمزية عن صراع الإنسان مع عالم حديث يضطهده ويحاول أن يمحو هويته. تدور حبكة القصة حول شاب استيقظ من نومه ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة عملاقة. في السطور التالية نتعرف على ملخص رواية المسخ ونستعرض تحليل الرواية بمزيد من التفصيل.

ملخص رواية المسخ

ملخص رواية التحول
ملخص رواية المسخ

تنقسم رواية المسخ إلى ثلاثة أجزاء تروي تحول جريجور سامسا، وهو بائع متجول، إلى حشرة عملاقة، وتأثير هذا الحدث ليس فقط على حياته، بل على عائلته أيضاً.

الجزء الاول

تبدأ القصة مع جريجور سامسا المسؤول عن إعالة أسرته مالياً الذي يستيقظ من نومه ليتكشف أنه قد تحول إلى حشرة. لديه أرجل عديدة مع بطن منتفخ وصدفة تحل محل ظهره، وفكه غريب ولكنه قوي نوعاً ما. وعلى الرغم من خطورة ما آلت إليه حالته إلا أن اهتمامه الأساسي هو كيف يبرر لمديره في العمل غيابه عنه.

يبذل جريجور جهداً مضنياً كي يعدل من وضعيته، وجهداً أخر كي يفتح باب غرفته. وعندما استطاع أخيراً فتح الباب تلاحظ عائلته شكله الجديد، وهو عبارة عن خنفساء ضخمة. بعد تأخره عن عمله اليومي المعتاد ينطلق مديره إلى منزله ليطمئن على حالته، وبعد رؤيته يعود أدراجه وهو لا يصدق ما رأه.

الجزء الثاني

في هذا الجزء تبدأ أفراد عائلته المكونة من أبيه وأمه وشقيقته في التعامل مع الوضع الجديد. يغضب والده في البداية لما وصل إليه جريجور، ومن ثم يشمئز منه، وكذلك فعلت الوالدة، ولم يشفق على حاله سوى شقيقته الصغرى التي تشعر بمودة تجاهه وتحاول إطعامه ورعايته. لكن بعد فترة سأمت الأخت من هذا الأمر وخاصة بعد أن شرعت في العمل لإنقاذ الأسرة. وكذلك فعل والده حيث عاد إلى العمل مجدداً عندما توقف جريجور عنه.

ذات يوم وبعد تنظيف غرفته تسقط والدته عند رؤيته على وضعه هذا، ويلومه الوالد على ذلك ويحاول قتله، إلا أنه لم يمت، بل أصيب فقط.

الجزء الثالث

تردى اقتصاد الأسرة وأصبحت مهددة مالياً، لذا تعين على أعضائها إجراء بعض التعديلات منها خفض النفقات المنزلية وتقليل ساعات عمل الخادمة وتأجير إحدى غرف المنزل لمستأجرين جدد. يتسبب الوضع مع المستأجرين في حدوث صراعات في المنزل، وفي الوقت نفسه تحاول الأسرة الحفاظ على سرية ما حدث لجريجور.

تقوم الأخت في إحدى الليالي بالعزف للمستأجرين، وفي ذلك الوقت يخرج جريجور من غرفته لأنه يحب موسيقى أخته، وكان يحاول أن يجمع المال لها حتى تلتحق بالمعهد الموسيقي للدراسة. لكن سرعان ما يكتشف المستأجرون الحشرة وينتهي بهم الأمر بمغادرة المنزل دون دفع تكاليف إقامتهم.

بعد هذه الليلة تدرك الأسرة أن وضع جريجور لا يمكن تحمله. ويعتقد بطل الرواية ذلك أيضاً، لذلك قرر أن يحبس نفسه في غرفته دون أن يأكل. وبعد أيام، وجدته الخادمة ميتاً.

اقرأ أيضًا: تحليل رواية روبنسون كروزو: المنبوذ الذي أنذر بالإمبريالية

تحليل رواية المسخ

شخصيات رواية المسخ
مراجعة رواية المسخ وتحليل الشخصيات

هل يمكن تصنيف رواية المسخ على أنها خيال علمي تدور أحداثها حول بائع متجول ينام كإنسان ويستيقظ كحشرة غريبة؟ إذا أجبت بنعم، فذلك لأنك لم تشعر أبداً وكأنك صرصور عديم الفائدة. لكن رواية المسخ لديها إجابة مختلفة، حيث ينظر كافكا إلى ما يفعله الإنسان في حياته ودورانه المستمر في حلقة مفرغة لا تنتهي يجعل منه مجرد حشرة.

يقول عشاق القصص أن جريجور سامسا لم يتحول بين يوم وليلة إلى صرصور وأن الخنفساء ستكون أقرب شيء. لكن هل يهم؟! هذه ليست أطروحة في علم الحشرات، وليست رواية غامضة أيضاً. إننا نعرف منذ بداية القصة ما يحدث بالفعل وبدقة مقلقة:

“عندما استيقظ جريجور سامسا ذات صباح من نوم مضطرب، وجد نفسه قد تحول في فراشه إلى حشرة هائلة الحجم”.

كان من الممكن أن تنتهي القصة عند هذا الحد وتشكل قصة قصيرة جداً مثل ذلك النوع الذي ظهر حديثاً، أو ربما إذا كان كافكا يريد أن يكتب رواية غامضة كان بإمكانه تفسير ما حدث في نهاية القصة. لكن لم يحدث ذلك، فلا يقدم لنا كافكا لعبة أو خيالاً، وما يقدمه لنا شيء واقعي ولكن في قالب رمزي.

يمثل كافكا بالنسبة للأدب ما يمثله نيتشه بالنسبة للفلسفة. فكلاهما يقضي بموت الله أمام العالم، ووحدة الفرد أمامه. لكن مع ردود فعل مختلفة، حيث يرد نيتشه بالإنسان الخارق – السوبرمان – الذي ينشأ عن العالم؛ أما رد كافكا فهو الصمت، والقبول الخاضع والمستسلم. وفي مواجهة الأحداث الكبيرة في الحياة (تحول إنسان إلى حشرة، احتجاز شخص دون سبب، استحالة الوصول إلى سلطات القلعة…)، لا يقدم كافكا أي إجابات في كتاباته، ولا تقييمات، ولا أحكام. ونجد أن أعماله كلها حالة وصراع، وأسئلة بلا إجابات، وأي محاولة للعثور على سبب محكوم عليها بالفشل.

اقرأ أيضًا: أسئلة ثقافية عامة عن الأدب العالمي

الأقنعة والحقيقة

لنُلقي نظرة على أفعال شخصيات كافكا في رواية المسخ، فعندما اكتشفت عائلته أنه تحول إلى حشرة عملاقة لم يبحثوا عن طبيب يمكنه شرح ما حدث، ولم يحاولوا حتى الصلاة لله أو لعنه على ذلك الحظ التعيس، بل كل ما فعلوه هو إغلاق الباب عليه وحبسه في الداخل، والتقليل مما حدث وانتظار موته. لننظر ايضاً إلى شخصية والده الذي يقدمها لنا كافكا، فلقد بدأ في قراءة الجريدة المسائية على الرغم من الرعب الذي يسكن منزله.

تعمل الأقنعة على إفساح المجال للحقيقة، وفي رواية المسخ لا تستحوذ الخنفساء على جسد جريجور فقط، ولكن أيضاً على روحه، وسرعان ما تصبح العلاقات داخل المنزل بين أفراد العائلة أكثر وضوحاً وشفافية. ويمكن القول إنه كلما ازداد حجم الخنفساء، زاد اشمئزاز أفراد عائلته.

اقرأ أيضًا: الروايات الأكثر إثارة للجدل في التاريخ

التجرد من الإنسانية

تتكون عائلة جريجور من ثلاث شخصيات رئيسية: والديه وأخته. تظهر أخته على أنها الشخص القادر على تحمل رؤيته وهو في هذا الوضع، وتضحي بنفسها لتتولى مهمة مراقبته ورعايته، فهي المسؤولة عن إمداده بالطعام وتنظيف غرفته. أما بالنسبة إلى جريجور، فهي الأخت المحبوبة التي كان يحميها ويرعاها ويحاول الحصول على المال اللازم لإرسالها لدراسة الموسيقى في المعهد الموسيقي. وبمرور الوقت تنتقل أخته من رعايته إلى عدم السماح لأي شخص آخر بالاعتناء به. ومع تقدم السرد، فإن دورها كأخت جيدة يشبه دور الأخوات في القصص العادية. لكن في النهاية هي من ستحكم عليه وتجرده من بشريته، وتحكم عليه بالإعدام وتحاول التخلص منه.

اقرأ أيضًا: أدباء مشاهير عانوا من الاكتئاب

الخيانة والخداع

هنا يجب إضافة خيانة أخته إلى خيانة والده في البداية. فالأب كان هو الشخصية التي كانت تريد القضاء عليه منذ اللحظة الأولى، وهو على استعداد لاستخدام القوة والعنف معه. حيث يركله ويهدده بعصا بمجرد أن رأه بمظهره الجديد. وفي إحدى نزهاته، سيرمي تفاحاً عليه مما يتسبب في جرح كبير. ولكن ربما تكون خيانات الأب الأخرى أكثر تعقيداً؛ فمن ناحية، أخفى بعض الأموال عن عائلته، مما جعل جريجور يضطر إلى العمل الشاق، وألقى عليه كل المسؤولية المالية لإعالة الأسرة، وفعل ذلك جريجور بتفانٍ. ومن ناحية أخرى، وبينما كان جريجور يعتني بالأسرة، ظهر الأب ككائن متعب، يجر نفسه ولا يتحرك إلا بمساعدة عصا، وعندما أصبح جريجور حشرة، عاد الأب إلى نشاطه وكان يتحرك طبيعياً.

اقرأ أيضًا: أهم أعمال فيرجينيا وولف التي يجب أن تقرأها

الأمل في الشفاء

نأتي للأم، هذه الشخصية على الرغم من أنها تعاني من نوبة إغماء في كل مرة ترى فيها جريجور، إلا أنها الوحيدة التي يبدو أنها تفهم أنه إذا بقت الحشرة فتحت هذا الشكل يوجد بقية من ابنها.  لكنها الأضعف في المنزل، يغمى عليها ولا تجادل؛ وفي إحدى المرات كان لديها خلاف مع ابنتها حول ترتيب الغرفة. هنا تواجه معضلة: هل تترك الغرفة كما هي أم تزيل الأثاث لتتكيف مع جسد جريجور الجديد، ويتمكن من التنقل فيها دون مشاكل، وتتساءل: “ألا يبدو أننا إذا أزلنا أثاثه، أننا سنفقد كل أمل في تحسنه، وأن نتركه لحظه؟ أعتقد أنه سيكون من الأفضل الاحتفاظ بالغرفة كما كانت دائماً، حتى عندما يعود إلينا يجد كل شيء كما هو ويمكنه أن ينسى ما حدث”. يظهر هذا الأمر أن الأم هي الوحيدة التي لديها أمل، والوحيدة التي تعتقد أن الوضع قابل للعكس. وغني عن القول إن الأخت هي التي تفوز. حيث يختفي الأثاث من الغرفة.

اقرأ أيضًا: ستيفن كينج: كاتب الرعب الذي قابل حاصد الأرواح

التضحية والإيثار

نأتي لبطل الرواية جريجور، وننظر كيف يتفاعل في مواجهة التغييرات التي تحدث من حوله. إن الجملة السابقة التي سمعها من والدته قد آذته بشكل أو بآخر، لأنه يعرف أن الغرفة الخالية من الأثاث أسهل للتنقل بالنسبة لجسده الجديد كحشرة. ولكنه من ناحية أخرى يشعر أن طبيعته البشرية تضيع.

وفي مواجهة خيانات والده، لا يرغب جريجور في الانتقام منه؛ بل إنه لا يشعر بالخيانة، فهو سعيد فقط لأن عائلته لديها وسيلة لدعم نفسها بدونه. ومن هنا ينمو أفضل ما في طبيعته البشرية في حين يرسخ نفسه كخنفساء. وهذا الأمر لا يغير من العاطفة التي يشعر بها تجاه أخته؛ وعندما يسمع الموسيقى التي يتم تشغيلها، يتبادر إلى ذهنه التحاق أخته بالمعهد الموسيقي. فهو واعي وواضح مثل أي إنسان حوله. ويعرف جيداً النفور من رؤيته بهذا الشكل لذا يختفي تحت الأريكة حتى لا يشعر أحد بالنفور منه. إنه يحمل بداخله تفانياً وتضحية لا حدود لهما، حتى وصل به الإيثار إلى التضحية بنفسه ليستريح باقي أفراد أسرته. لقد استغلت هذه الطفيليات – العائلة – جريجور، والآن بعد موته يمكنهم مواصلة حياتهم كما لو لم يحدث شيء.

This Post Has 2 Comments

  1. غير معروف

    تحليل ممتاز وواضح شكرا

    1. وائل الشيمي

      العفو يا صديقي، وأتمنى أن أكون دائماً عند حسن الظن

اترك تعليقاً