أوكيغاهارا: ما وراء أسطورة غابة الشيطان الملعونة

You are currently viewing أوكيغاهارا: ما وراء أسطورة غابة الشيطان الملعونة
صورة خيالية لأشباح الموتى في أوكيغاهارا

أوكيغاهارا أو كما يطلق عليها بحر الأشجار هي غابة غامضة وفريدة من نوعها، تقع على المنحدر الشمالي الغربي لجبل فوجي في اليابان. ذاع صيتها كونها أحد أشهر موقع الانتحار في العالم. ولكن وراء هذه الغابة قصة قديمة مرعبة يعتقد الكثير من الناس أن هذه القصة هي السبب وراء ما يحدث في هذه الغابة. دعونا نخوض رحلة إلى أعماق هذه الغابة لنكتشف ما تحمله من مفاجآت.

الصمت والموت

يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو “الصمت المطلق يقود إلى الحزن، لأنه صورة من صور الموت”. والصمت والموت هما السمتان اللتان تصفان هذه الأراضي القاحلة في الغابات العميقة؛ فالأشجار تحجب الرياح، ولا توجد حياة برية في تلك الغابة، وكل ما تملكه هي الأشجار الكثيفة والعديد من الكهوف الصخرية الجليدية.

 إن الصمت هو آخر ما يواجهه أولئك الذين يذهبون إلى غابة أوكيغاهارا للتخلص من حياتهم. وقد حصلت هذه الغابة على شهرتها كونها غابة انتحارية تضم أكبر عدد من حالات الانتحار في العالم. إنها بمثابة بوابة إلى العالم الآخر، يذهب إليها الناس من جميع أنحاء العالم ليعبروها إلى عالم الموت.

عند دخول الغابة، أول شيء تجده هو لافتات تحتوي على رسائل تحث الانتحاريين المحتملين على إعادة النظر قبل إنهاء حياتهم، أو طلب المساعدة من الشرطة، أو التفكير في عائلاتهم. ومع تقدمك، يمكنك العثور على كميات كبيرة من النفايات البشرية، والأشرطة اللاصقة التي يستخدمها السياح لتجنب الضياع في أروقة الغابة. لكن عندما تصل إلى أعماق الغابة لن تجد هناك أي أثر للبشر، باستثناء بعض الجثث المتحللة.

تقوم مجموعات مُجمَّعة مكونة من الشرطة اليابانية والمتطوعين يومياً بتمشيط المنطقة التي تقع على امتداد طوله خمسة وثلاثين كيلومتراً بحثاً عن جثث أرواح حزينة لم تستطع ببساطة تحمل البقاء بين الأحياء. هذا البحث السنوي ينتج عنه ما بين خمسين ومائة جثة، في حين أن باقي الجثث قد تحولت إلى عظام. تُوضع الجثث التي يعثرون عليها في قبو تحول إلى مشرحة بالقرب من الغابة[1]. ويقول العاملون أنهم يحفظون هذه الجثث لمنع أرواح هؤلاء الموتى من الصراخ ليلاً. لكن ما هي القصة وراء كل هذا؟ قبل أن نمضي قدماً في التعرف على القصة المرعبة لهذه الغابة دعونا نتعرف في البداية على تفاصيلها.

الغابة الملعونة

غابات اليابان المرعبة
قصة غابة الموت في اليابان

يُطلق على غابة أوكيغاهارا العديد من الأسماء مثل بحر الأشجار وغابة الشيطان، لكن الاسم الأكثر شيوعاً هو غابة الانتحار. تمتد هذه الغابة بطول 35 كيلومتراً عند سفح جبل فوجي المهيب. وهي غنية بالمناظر الطبيعية المورقة التي تجلس فوق حمم بركانية يتعدى عمرها عدة مئات من السنين. تبدو الأشجار الشاهقة التي ترتفع نحو السماء وكأنها ثقب أسود يبتلع كل شيء، فلا تسمح إلا لشظايا من ضوء الشمس بالمرور إلى أرضية الغابة.

أرضية الغابة عبارة عن حمم صخرية مغطاة بالطحالب، ونظراً لوفرة الحديد المغناطيسي الموجود في الأرضية والناتج عن الحمم البركانية، نادراً ما تعمل الهواتف الخلوية، وكذلك البوصلات وأنظمة الملاحة. غابة أوكيغاهارا كثيفة جداً، ومن السهل أن تفقد طريقك فيها. ويبدو أن الصوت فيها مكتوم للغاية، حيث تمتص كثافة هذه الغابات الخضراء الأصوات. وهذا ما يفسر عدم سماع استغاثات عدد من المتجولين، مما يصيبهم الجوع في النهاية ويموتوا[2].

يربط بعض الذين يجرؤون على المغامرة في أروقة الغابة أشرطة بألوان زاهية حول الفروع وفي المساحات الخضراء الكثيفة. ويستخدمونها كنظام إرشادي لإيجاد طريق العودة – هذا إذا قرروا العودة. فالبعض منهم لم يقرر العودة مجدداً، وقد أدت بعض هذه الشرائط عندما تتبعها رجال الشرطة إلى عظام مغطاة بالملابس لكن بلا لحم، وصور عائلية ممزقة، وملاحظات انتحار تنزف حزناً، وخيام مهجورة فارغة تضم الذكريات الأخيرة لمن رحل، ذكريات لن يتم تقاسمها أبداً.

الغريب في الأمر اكتشاف وجود العديد من الإشارات التي تشير إلى تردد المنتحرين بشأن الانتحار. لقد أرادوا أن يتاح لهم خيار العودة مجدداً من حيث أتوا، ولكن بمجرد دخولهم، حدث شيء ما. شيء بين الأشجار أقنعهم أن الموت هو الخيار الأفضل. لذا قبلوا مصيرهم، ولم يعد هناك عودة. فماذا يحدث داخل أروقة هذه الغابة الملعونة؟

الأسطورة القديمة لغابة أوكيغاهارا

قصة غابة أوكيغاهارا
أسطورة غابة أوكيغاهارا

تقع أوكيغاهارا على المنحدر الشمالي الغربي لجبل فوجي الذي يعتبر موقعاً مقدساً منذ آلاف السنين. حيث آمن اليابانيون بأن الجبل مدخلاً إلى السماء، وإنه مركز الأرض. وقد تشكلت الغابة بعد ذلك بكثير، على الحمم البركانية التي طردها فوجي بين عامي 800 و1083. اعتبر اليابانيون أن هذه الغابة بمثابة مطهر لليوريه واليوكاي، وهم أشباح أولئك الذين فقدوا حياتهم بشكل مأساوي، والذين من المفترض أنهم يمنعون أولئك الذين يدخلون الغابة من الخروج.

كانت العائلات اليابانية في العصور القديمة تأخذ كبار السن والمرضى إلى الغابة التي لا ترحم، ويتركوهم هناك إلى الأبد من أجل توفير الطعام في أوقات المجاعة. عانى هؤلاء المنبوذين في ذلك الوقت بالظلم والقهر، وشرعوا في البحث عن مخرج من هذه المتاهة التي وُضعوا فيها، إلا أن محاولاتهم كانت دائماً ما تبوء بالفشل. لم يكن أمامهم سوى الصراخ بصوت عالٍ للتفريغ عن حزنهم المكبوت. وعندما يفقدون قدرتهم على الاحتمال يسقطون صرعى. لكن البعض منهم قرر أن يتخلص من حياته بيده قبل أن يقتله الجوع والعطش. بدأ كل من يقترب من الغابة في هذه الأيام يسمع أصوات صراخ معذبة حتى خيل لهم أن هذه أصوات أشباح هؤلاء البشر المنبوذين في الغابة الذين قُتلوا ظلماً وعدواناً.

يعتقد بعض الروحيين اليابانيين أن الغابة تلتهم أرواح الموتى المحاصرين إلى الأبد داخل أعماق الغابة. ويؤمنون أن الغابة نفسها هي شبح حي يغري هؤلاء الأفراد الذين لديهم فضول بما يكفي للتقدم، وسحبهم إلى أعمق أعماق الغموض، ليموتوا وحيدين. بينما يعتقد البعض الآخر أن المنتحر يصبح “يوريه” وهو الشبح في الفلكلور الياباني، ويظهر هذا الشبح في العادة على هيئة فتاة يابانية شابة ذات شعر أسود قاتم وطويل وفوضوي، وترتدي اللون الأبيض، وتطفو فوق الأرض[3].

البحر الأسود من الأشجار

كتب محظورة
كتب ساهمت في شهرة أوكيغاهارا

لم تتوقف حالات الانتحار على هؤلاء في العصور القديمة لليابان، بل ازدادت شهرة هذه الغابة في العصر الحديث. حيث يعتقد الكثير أن شعبية هذه الغابة برواية تحمل اسم “البحر الأسود من الأشجار” للكاتب الياباني غزير الإنتاج سيشو ماتسوموتو[4]. نُشرت هذه الرواية عام 1960 وكانت تحكي قصة اثنين من العشاق ينتحران في غابة أوكيغاهارا. تشبه الرواية قصة روميو وجوليت إلى حد ما. وسرعان ما انتشرت الرواية وذاع صيتها، حتى بدأ عدد الجثث في الارتفاع، نظراً لأن بعض الشباب الذين تأثروا بالرواية أعجبوا بالطريقة التي تم بها هذا الأمر.

ظهر كتاباً آخر في عام 1993، وحظي بشهرة واسعة كذلك، كما أثار الكثير من الجدل حينها. حمل الكتاب اسم “الدليل الكامل للانتحار” للكاتب الياباني واتارو تسورومي[5]، وفيه يسرد ما يقرب من 11 طريقة للانتحار بطريقة مفصلة، وقد تحدث الدليل عن أن غابة أوكيغاهارا هي “المكان المثالي للموت”. باع الكتاب ملايين النسخ، واستمر عدد الجثث داخل الغابة في الارتفاع، وقد رافق هذا الكتاب العديد من الأرواح المفقودة في رحلتهم، والتي تُركت مثل شاهد القبر فوق ما كان في السابق شخصاً حياً يتنفس. وبعد هذه الأحداث المؤلمة تم حظر الكتاب في جميع أنحاء البلاد.

أحداث خارقة للطبيعة في أوكيغاهارا

غابة أوكيغاهارا المرعبة في اليابان
أشباح غابة الموت

تدخل سارة إلى غابة أوكيغاهارا اليابانية بحثاً عن أختها المفقودة، على الرغم من التحذيرات بشأن طبيعتها الخارقة للطبيعة، وهناك ستجد مفاجأة! حفنة من الأرواح الضائعة. هذه هي حبكة فيلم The Forest للمخرج جيسون زادا الذي استند على الأساطير اليابانية التي تتعلق بالغابة الملعونة. لكن ما مدى صحة هذه الأساطير؟

عند قراءة المقالات المختلفة التي كتبها أشخاص ذهبوا بالفعل إلى داخل غابة أوكيغاهارا، يبدو أن هناك موضوعاً متكرراً. لقد أبلغوا عن شعورهم وكأنهم تم جرهم إلى الغابة بواسطة شيء – شيء غير قابل للتفسير – شيء خارق للطبيعة تقريباً. هناك أيضاً شهادات بعض الأشخاص التي تتفق على سماع صرخات خافتة قادمة مما وراء المسار المحدد. صرخات قادمة من شخص يعاني من الألم الشديد والخوف. لقد تجاهل البعض العلامات التي تحذر من عدم الدخول وحاولوا على عجل البحث عن الأسباب البائسة للصراخ ومساعدتها ولكن دون جدوى.

تؤدي هذه الصرخات في بعض الأحيان إلى ظهور جثث جديدة، لكن من الواضح أن أصحاب هذه الجثث ماتوا قبل الصرخات بوقت طويل. وربما تكون الصرخات جزءً فقط من حيل يوريه لإبعاد الناس عن هذا المسار. فهل غابة أوكيغاهارا مسكونة حقاً؟

رحلة بلا عودة

غابة أوكيغاهارا في اليابان
لماذا ينتحر الناس في الغابة

تظهر أحدث البيانات أن 247 شخصاً حاولوا الانتحار، ومن بين هؤلاء، نجح 54 فقط. أما الطريقة الأكثر شيوعاً للقيام بذلك هي الشنق. وقد توقفت الحكومة اليابانية عن نشر البيانات الرسمية حول حالات الانتحار، خوفاً من أن يحاول المزيد من الأشخاص الانتحار.

يجب أن يكون هناك سبب وراء أن أكثر من مائة شخص يغامر بدخول هذه الغابة في رحلة باتجاه واحد تؤدي إلى وفاتهم كل عام. هل هناك عناصر خارقة للطبيعة فعلاً؟ أم هل هناك أرواح غاضبة أم يوريه؟ هل الغابة نفسها تمتلكها نفس النفوس المعذبة التي أكلتها؟ لا أحد يعلم يقيناً.

ربما تحدث كل هذه الأمور نظراً لاستعداد الشخص النفسي لتقبلها. فمن المؤكد أن أي شخص يحاول زيارة الغابة قد سمع العديد من القصص المرعبة عن الغابة المسكونة، لذلك فهو يرى ويسمع أشياءً حفرت في عقله الباطن. لقد قيل لهؤلاء المغامرين أن الغابة ستجذبهم إلى الداخل، لذلك يشعرون وكأنهم ينجذبون إليها. مجرد شعور نفسي ينتاب هؤلاء عند الدخول إليها والرغبة في عدم المغادرة مطلقاً. ومن المحتمل أن يكون هؤلاء المنتحرين يعانون من أعراض الاكتئاب أو غيرها من الأمراض النفسية التي تؤدي بهم لاقتراف مثل هذا الفعل. وربما لا يكون الأمر كذلك، وأن الحقيقة وراء غموض غابة أوكيغاهارا مروعة ومؤلمة ومخيفة بحيث لا يمكن قبولها.

المراجع

[1] Inside Japan’s ‘suicide forest’.

[2] The Suicide Forest of Japan and its shocking truth!

[3] An Ethereal Forest Where Japanese Commit Suicide.

[4] Seichō Matsumoto.

[5] The Complete Manual of Suicide.

This Post Has 2 Comments

  1. غير معروف

    عندك بعض الاخطاء الاملائية
    ولكن مضمون القصه يحتاج الي بعض التشويق مما يجعل الكل ينجذب لها

    1. وائل الشيمي

      تم تصحيح جميع الأخطاء الإملائية.. شكراً لهذه الملاحظات القيّمة

اترك تعليقاً