هل تعاني المجتمعات الحالية من أزمة قيم؟

You are currently viewing هل تعاني المجتمعات الحالية من أزمة قيم؟
أزمة القيم في المجتمع المعاصر

القيم هي معايير السلوك التي تتكيف مع ما يعتبره الفرد صحيحاً. يحصل عليها الإنسان منذ صغره سواء عن طريق التعليمات الواردة من المنزل أو ما يتعلمه في المدرسة. فالأطفال يتعلمون في أغلب الأحيان من تقليد معتقدات ومواقف وسلوكيات آبائهم ومعلميهم. لكن هل تعاني المجتمعات في الوقت الراهن من أزمة قيم؟ هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.

القيم الإنسانية

في البداية وقبل أن نخوض في الحديث عن أزمة القيم في المجتمع علينا أن نعطي لمحة موجزة عن ماهية القيم وأهميتها للفرد والمجتمع. تسمح القيم بفهم شخصية الإنسان فهي التي تمكنه من إظهار السلوك الجيد ومستوى عالِ من الوعي والإدراك. وكلما كانت القيم الثقافية تستند على أساس متين تحقق أفضل تطور للفرد وبالتالي للمجتمع.

لا تقتصر قيم الإنسان على فهمه لواقعه أو اكتساب معلومات جديدة أو التصرف في المواقف المختلفة. بل إنها أكثر تعقيداً من ذلك، حيث يتم التعبير عنها من خلال تطور السلوكيات والمهارات الاجتماعية. ولعل من أهم قيم الإنسان الصدق، والاحترام، والتضامن، والنزاهة، والمسؤولية، والحزم، والالتزام، والثقة، والعزم، والمرونة، والحماس، والجهد، والتميز، والمبادرة، والحصافة، والحس السليم والإبداع وتحسين الذات. وهذا غيض من فيض بكل تأكيد فلن يسع المقال لسرد جميع الفضائل الإنسانية التي تدخل ضمن عداد القيم. لكن مع ذلك، فإن الاختلافات الخاصة لكل فرد في مقياس قيمه ناتجة عن مزيج شخصي من الهبات البيولوجية والتجارب الاجتماعية والتعرض للمعايير الثقافية التي يعتبرها المجتمع محترمة أو فاضلة.


أزمة قيم

لقد ولدت هذه الخصوصيات اليوم أزمة قيم تتطلب من المجتمع. وبالتحديد نواته الأساسية وهي الأسرة أن تتدخل من أجل المطالبة بأهمية التربية على القيم. وذلك لاستعادتها مجدداً بعد أن تركها الجميع خلف ظهورهم. وفيما يتعلق بأزمة القيم الحالية، يعتقد أن هناك تغييراً حدث في القيم داخل جميع المجتمعات. فلقد بدأت مرحلة تآكلها بالفعل. لدرجة أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) نفسها تعتبر أن “مجتمع اليوم منغمس في أزمة عميقة للقيم، لا تقلق إلا بشأن الاقتصاد”.

اقرأ أيضًا: الأزمة الوجودية: ما الهدف من وجودي في الحياة؟

التكنولوجيا والرأسمالية

نشأت هذه الأزمة إلى حد كبير نتيجة فقدان الوعي. هذا إلى جانب التقدم التكنولوجي الذي ساهم في التأثير على التواصل الشخصي بين البشر. عززت أزمة القيم هذه كذلك من خلال التغييرات المستمرة التي أحدثتها التكنولوجيا الحديثة والتي عكست القيم المعادية التي ترفع في الوسائط الرقمية والسمعية والبصرية. لذلك يجب على كل من المؤسسات التعليمية والأسرة أن تركز أكثر على رعاية وتعزيز الأبعاد الأخلاقية والأدبية للفرد منذ الطفولة.


القيم الأخلاقية السائدة

تتجلى أزمة القيم في العديد من الجوانب الأخلاقية التي أصبحت سائدة اليوم. ففي الماضي تمثلت القيم في الصدق والتواضع وغيرها. ولكن القيم السائدة في عصرنا الحالي هي الثروة والأنانية والاستغلال والغرور والنفاق. هذه السلوكيات المشيئة الجديدة لم تساهم في تكوين الوعي الشخصي الناضج، بل على العكس من ذلك عادت بالإنسان إلى مرحلة بدائية، مما يؤثر على المجتمع ككل.

باختصار، يتعلق الأمر بتحقيق سلوكيات جديدة تساهم في تكوين شخصية الفرد الواعية. ولن يتأت هذا الأمر إلا بالتعلم العقلاني والعاطفي. فهو الأساس للتقدم الفردي والاجتماعي. كذلك العمل عن نشر أهمية الثقافة تساهم بدور عظيم في تنمية الوعي المجتمعي. إن مهمة الجميع اعتبار القيم مادة إلزامية في جميع مراحل التعليم. فلا يمكن تعليم القيم إلا من خلال القدوة؛ والتفكير في معنى المواقف المفترضة أولاً من المنزل ثم المدرسة.

اقرأ أيضًا: التراث الثقافي: التعريف والخصائص و10 أمثلة للتراث الثقافي

العولمة

بالنظر إلى ما سبق، نجد أن أزمة القيم في هذا المرحلة نشأت من العولمة والسبب في ذلك غلبة الآلات على الإنسان. لذا فالإنسانية ملزمة بشكل عاجل وحتمي على تشجيع القيم الإنسانية وتعزيزها وتنميتها وإعادة بنائها من جميع النواحي؛ لأن مستقبل هذه البشرية يعتمد عليها. وفي الختام لا يسعنا سوى الاستشهاد بمقولة جبران خليل جبران الذي يقول فيها.

“من يرغب في أن يصبح معلماً للإنسان يجب أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم الآخرين. ويجب عليه أولاً أن يعلم بالقدوة قبل أن يفعل ذلك شفهياً. فمن يعلم نفسه ويصحح إجراءاته يستحق احترام وتقدير أكثر من الذي يعلم ويصحح الآخرين ويستثني نفسه”.

اترك تعليقاً