مراجعة فيلم tick, tick…BOOM!: عجلات الحياة لا تتوقف
فيلم tick tick boom هو فيلم دراما موسيقي رائع يتناول السنوات الأخيرة في حياة المؤلف المسرحي جوناثان لارسون. وهو من بطولة أندرو جارفيلد ومن إخراج لين مانويل ميراندا. في هذا المقال نتناول مراجعة فيلم tick tick boom بشيء من التفصيل.
قصة فيلم tick tick boom
تدور أحداث الفيلم حول السنوات الأخيرة والمحورية في حياة المؤلف الموسيقي والملحن جوناثان لارسون[1] – قام بدوره أندرو جارفيلد. وبالتحديد في عام 1990 وقبل أيام قليلة من عيد ميلاده الثلاثين. وذلك عندما كان فناناً متعثراً ومفلساً يعيش في شقة متهالكة في مانهاتن، وبالكاد يستطيع أن يغطي نفقاته الشهرية من خلال عمله بدوام جزئي في أحد المطاعم.
لدى جوناثان العديد من أصدقاء طفولته التي وافتهم المنية وهم في سن الشباب، سواء نتيجة لمرض الإيدز أو تعاطي المخدرات. ولم يتبق له من أصدقائه سوى القليل الذين تجمعهم به شغفهم بالموسيقى والفن بوجه عام. وبينما يسعى جوناثان الطموح والمكافح من أجل عرض مسرحيته التي استغرق في كتابتها خمس سنوات على مسرح برودواي يتخلى معظم أصدقائه عن الحلم. لينتقل مايكل – روبن دي جيسوس – أقرب صديق له إلى مدينة نيويورك ليعمل في وظيفة داخل وكالة إعلانية بعد أن يتخلى عن التمثيل.
حب ضائع
كذلك تتخلى عنه حبيبته سوزان – الكسندرا شيب – راقصة البالية لتعمل في وظيفة معلمة للرقص في ولاية نائية بعيداً عن نيويورك. ليجاهد جوناثان وحيداً للوصول بمسرحيته الغنائية سوبربيا إلى الشهرة. لقد كان جوناثان مشغولاً للغاية في مسرحيته لدرجة أنه فشل في رؤية احتياجات سوزان أو مايكل. فحبيبته ألحت عليه طويلاً من أجل الجلوس معها لمناقشة العروض التي تلقتها للعمل خارج المدينة. إلا إنه كان يؤجل الحديث في هذا الأمر مراراً وتكراراً حتى يأست منه واضطرت إلى تركه والذهاب بعيداً عنه.
فشلت مسرحية سوبربيا في جذب انتباه المنتجين على الرغم من ردود الفعل الإيجابية من الناقد الموسيقي ستيفن سونديم – برادلي ويتفورد. ومن أجل التعافي من هذا الفشل شرع جوناثان في تأليف مسرحية أخرى هي المسرحية الغنائية “الإيجار” والتي ستصبح أكثر مسرحياته شهرة. وفي هذا الوقت يعترف له صديقه المقرب مايكل أنه مصاب بالإيدز وأن أيامه أمست معدودة. وقد أصابه الحزن لمعرفته أنه سيفقد صديقاً أخر. لكن قبل اليوم الأول لعرض مسرحيته على مسرح برودواي وافته المنية في المستشفى. ومات أثر إصابته بمرض تسلخ الشريان الأبهر[2] دون أن يشهد نجاحه.
اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Whiplash: الطريق إلى العظمة محفوف بالمخاطر |
مراجعة فيلم tick tick boom
بعد أن استعرضنا قصة الفيلم نشرع في مراجعة فيلم tick tick boom. فهذا الفيلم مثال مرئي رائع عن نمو الشخصية والصداقة، والمثابرة، بقدر ما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات. ليس هذا فحسب بل أهم ما يميز هذا الفيلم الرائع هو التوتر الذي يصيب المشاهد والذي يشعر به لارسون وهو يسعى جاهداً لابتكار أغنية للبطلة في مسرحيته الموسيقية سوبربيا. فهنا يقوم الفيلم بعمل رائع في تصوير قلق الإبداع تحت ضغط الموعد النهائي الذي يلوح في الأفق. ومن هنا كان العنوان مناسباً، وهي دقات الساعة التي تشبه في صوتها القنبلة الموقوتة.
لكن الغريب في الأمر أن جوناثان لارسون كان يلمح باستمرار أن الوقت يعمل دائماً ضده، ولم يكن يعلم في النهاية أن وقته سينتهي عما قريب في الواقع. ورغم أنه رحل عن عالمنا وهو مازال في ريعان الشباب إلا إنه ترك وراءه إرثاً مذهلاً لا يزال يلهم الأجيال التي جاءت من بعده.
إن فيلم tick tick boom على الرغم من البهجة والكوميديا التي تفوح منه إلا إنه مفجع للقلب، ويجعلك تتفكر فيما يمكن أن يفعله الوقت مع الإنسان. فعجلات الحياة تدور باستمرار وبسرعة ودون توقف. لذا يعلمنا هذا الفيلم درساً علينا أن نحفظه جيداً ألا وهو أنه ينبغي علينا اغتنام الوقت. فكل يوم وكل ساعة وكل دقيقة من أعمارنا إذا ما مضت لن تعود.
الطموح
تتبع قصة فيلم tick tick boom جوناثان لارسون ذلك الملحن المسرحي الشاب والطموح وهو يكافح من أجل الحفاظ على حياته لتصمد في وجه الظروف، محاولاً تحقيق التوازن بين الحب والصداقة والوصول بأولى أعماله الموسيقية للنجاح. وعلى الرغم من أن هناك لحظات قد تبدو مبعثرة بعض الشيء، لكنني أعتقد أنها تضيف إلى الفيلم بعداً واقعياً، لأنها تلخص تماماً كيف كانت حياة جوناثان المحمومة. فهي قصة تلقي نظرة شيقة على حياة الرجل بالإضافة إلى صراعات محاولة أن تكون مبدعاً في عالم لا يمكن أن يكون فيه ذلك ضماناً للنجاح. لكن ما أهم ما في هذا القصة أكثر من غيره هو ذلك القدر المبهج من المشاعر التي تخرج من القلب مباشراً. فمنذ المشهد الأول، تجد ذلك السحر الدافئ والصادق الذي يجعلك لا تتوقف عن المشاهدة. إنها قصة لطيفة وعاطفية لم نرى مثلها على الشاشة الفضية منذ فترة طويلة.
الشخصيات
في فيلم tick tick boom نجد أن الشخصيات ملونة وساحرة ومتعددة الطبقات، وتشعر مع جميعها بأنها حقيقية للغاية. هناك شيء ما بداخل هذه الشخصيات جميعها جعلهم يشعرون وكأنهم أشخاص حقيقيون وليس مجرد شخصيات يؤديها ممثلون. فالشخصية الرئيسية لدينا، جوناثان، هي شخصية محببة ورائعة للغاية تحب متابعتها طوال الفيلم. وكان أندرو جارفيلد رائعاً للغاية في هذا الدور. ثم نحصل أيضاً على عمل داعم من أشخاص مثل روبن دي جيسوس، وجوناثان مارك شيرمان، وألكسندرا شيب، وفانيسا هادجنز، وبرادلي ويتفورد، وإم جي رودريغيز، وغيرهم، وكلهم قدموا عروضاً رائعة. باختصار إنه طاقم عمل جيد بشكل رائع.
الموسيقى
كانت الموسيقى في فيلم tick tick boom جميعها من تأليف جوناثان لارسون. وهي موسيقى وأغنيات نابضة بالحياة وحيوية بشكل لا يصدق. فالآلات الموسيقية، والألحان، والكلمات، كلها تتحد بشكل جميل لإنشاء مسارات تجعلك ترغب في الرقص، والبكاء، والضحك، وإعادة التفكير في حياتك … كل شيء رائع الاستبطان، وأعتقد أن جميع الممثلين جلبوا الأغاني إلى الحياة بشكل رائع.
اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم 303: فيلم رومانسي ساحر بنكهة فكرية |
في الختام وبعد مراجعة فيلم tick tick boom لابد من التنويه إلى إنه واحد من أفضل أفلام عام 2021. وقد قام أندرو جارفيلد بأداء أكثر من رائع يستحق عليه جائزة الأوسكار. وهذا الفيلم هدية لعشاق المسارح الغنائية أو هؤلاء الذين يعيشون الحياة بروح إبداعية. لذا فإن هذا الفيلم هو أغنية حب للحياة المسرحية ومن اختار عيشها.
هوامش
[1] جوناثان لارسون – لمن لا يعرفه – هو ملحن وكاتب مسرحي موسيقي أمريكي ولد عام 1960. وتوفي عام 1996 عن عمر يناهز 36 عاماً. خلال حياته كتب عدد من المسرحيات الغنائية المتنوعة ومن أهمها مسرحية سوبربيا وتك.. تك.. بوم. وأخيراُ مسرحيته ذائعة الصيت والأكثر شهرة “الإيجار” والذي حاز بمقتضاها على جائزة توني – وهي من أرفع جوائز المسرح في الولايات المتحدة – وجائزة بوليتزر. وعلى الرغم من هذا النجاح الباهر إلا أن جوناثان نفسه لم يشهده. فلقد توفي قبل يوم من عرض مسرحيته الأشهر الإيجار نتيجة تشخصيه بمرض تسلخ الأبهر. تناولت أعمال جوناثان العديد من القضايا الاجتماعية التي كانت سائدة في ذلك الوقت مثل التعددية الثقافية والمثلية الجنسية والإدمان.
[2] تسلخ الشريان الأبهر هو مرض نادر يحدث فيه تمزق الشريان الأورطي مما يؤدي إلى الوفاة العاجلة حتى في ظل توافر العلاجات اللازمة.
رائع طرحك وتناولت الفيلم بشكل مختصر من كل النواحي
أشكرك بشدة على هذه الإشادة، وأتمنى تقديم الأفضل دائماً.. أجمل تحياتي إليك