أسلوب حياة

قانون مورفي: لماذا تسوء الأمور في أسوأ الأوقات؟

يقف القدر على مسرح الحياة الكبير كممثل هزلي ساخر، يحيك مفاجآته بإيقاع غير متوقع في حياتنا اليومية. حين نتهيأ لنطلق سهم النجاح، يسري همس خفي في الأفق: “إذا  كان هناك احتمال أن يسير شيء ما بشكل خاطئ، فإنه بالتأكيد سيفعل”.. هذا هو قانون مورفي، الذي يبدو كظل يلاحقنا في لحظات التوتر، وكأنه يضع بصمته على أسوأ توقيت ممكن، فيرسخ في أذهاننا أن “الحظ السيئ” هو القاعدة، وأن “السير عكس التيار” هو عنوان اللعبة. لكن، هل الأمر حقيقة أم مجرد خدعة ذهنية نصنعها نحن بأنفسنا؟

قانون مورفي ليس مجرد فكرة عابرة، بل هو مرآة تُظهر لنا هشاشتنا أمام الظروف، وكيف تتحول الصدف العابرة إلى أحداث عظيمة في ذاكرتنا، بينما تسقط النجاحات العادية في بئر النسيان. فهل نحن من ندفع بالعالم إلى أن يبدو “ضدنا” أم أن للحياة قوانينها الساخرة التي تحب اختبار صبرنا وإرادتنا؟

قانون مورفي

كان إدوارد مورفي مهندسًا يشرف على اختبار يعتمد بشكل أساسي على أجهزة استشعار، لكن تبيّن أن هذه الأجهزة كانت مثبتة بالمقلوب. ونتيجة لذلك، لم تقم الأجهزة بقياس أي شيء على الإطلاق. عندها قرر مورفي أن تُصمم أجهزة الاستشعار بطريقة تجعل من المستحيل تركيبها بشكل خاطئ. هكذا وُلد قانون مورفي الذي ينص على أنه إذا كان هناك احتمال لحدوث خطأ ما، فسوف يحدث هذا الخطأ.

ربما يمكننا اعتبار قانون مورفي مجرد مزحة أو حجة ذكية أو اقتباس يمكن استخدامه في سياقات معينة. لكن التجربة تثبت أن هذا القانون يتحقق بشكل متكرر على الأقل ظاهرياً، وخصوصًا الصيغة الضعيفة منه التي تقول:

إذا كان هناك شيء يمكن أن يسير بشكل خاطئ أو صحيح، فإنه سيميل في الغالب إلى السير بشكل خاطئ..

قوانين مورفي لسوء الحظ

قوانين مورفي لسوء الحظ هي مجموعة من العبارات الساخرة التي تتناول مواقف الحياة اليومية بطريقة فكاهية ومتشائمة في آنٍ واحد، وتشير إلى أن الأمور تميل إلى السير على نحو خاطئ في أسوأ الأوقات الممكنة. ومن أشهر قوانين مورفي:

  1. إذا كان هناك احتمال لحدوث خطأ، فسيحدث.
  2. كل شيء يستغرق وقتًا أطول مما تتوقع.
  3. إذا سارت الأمور على ما يرام، فأنت لم تلاحظ الخطأ بعد.
  4. الأشياء التي يمكن أن تسوء، ستسوء بأقسى طريقة ممكنة.
  5. إذا كنت متأكدًا أن شيئًا ما سيحدث، فإنه لن يحدث.
  6. الخبز يسقط دائمًا على الجانب المدهون بالزبدة.
  7. إذا كنت في طابور، فالطابور الآخر دائمًا يتحرك أسرع.
  8. المعدات التي تحتاجها دائمًا تكون معطلة أو في غير مكانها.
  9. إذا كنت بحاجة لشيء معين، فلن تجده إلا عندما تستغني عنه.
  10. عندما تبحث عن شيء، ستجده دائمًا في آخر مكان تنظر فيه.
  11. إذا كان هناك احتمال ضئيل أن يراك أحد في موقف محرج، فسيحدث.
  12. الشيء الذي تبحث عنه يظهر دائمًا عندما تتوقف عن البحث.
  13. إذا تأخرت، سيكون الطريق مزدحمًا بشكل غير مسبوق.
  14. الشخص الذي تريد التحدث معه لن يجيب إلا عندما تكون مشغولًا.
  15. إذا أردت الانفراد بمكان ما، سيظهر شخص غير متوقع.
  16. الاتصالات المهمة تأتي دائمًا أثناء وقت الاستحمام أو الطعام.
  17. إذا اشتريت شيئًا باهظ الثمن، سيظهر في اليوم التالي بسعر مخفض.
  18. الأشخاص الذين يقفون ضد فكرتك هم الأكثر إقناعًا.
  19. إذا أردت تجنب شخص، ستقابله في المكان الأقل توقعًا.
  20. عندما تحتاج إلى كتابة شيء بسرعة، ينفد الحبر دائمًا.
  21. كل شيء يبدو سهلًا حتى تحاول القيام به.
  22. الاحتمال الوحيد لحدوث شيء هو الاحتمال الذي لا ترغب فيه.
  23. كل قرار خاطئ يبدو صحيحًا حتى يُتخذ.

لماذا يتحقق قانون مورفي؟

قانون مورفي
الأسباب النفسية وراء عمل قانون مورفي

لا يصمد قانون مورفي من الناحية الاحتمالية، لكن الكثير من الناس مقتنعون بصحته. ينبه المدرس طلابه قائلًا: “لا تتركوا شيئًا أثناء المذاكرة لآخر لحظة قبل الامتحان، لأنكم بالتأكيد ستجدونه في الاختبار”.. يرد الطلاب بثقة كاملة: “لقد تحقق ذلك الأمر مرارًا وتكرارًا، لذا لا نترك شيئًا دون مذاكرة”..

لا ينبغي لقانون مورفي أن يعمل بهذه الدقة كما يزعم الكثير على الأقل من منظور عقلاني بحت.. إذن لماذا يتحقق بالفعل؟

السبب الأول هو أن هناك ظروفًا موضوعية يكون فيها هذا القانون فعّالًا. ربما من أكثر تطبيقات قانون مورفي شهرة هو القول بأن شريحة خبز مدهونة بالزبدة إذا سقطت على الأرض، فإنها ستسقط دائمًا على الجانب المدهون بالزبدة. يتكرر هذا الأمر باستمرار ولا علاقة له بقانون مورفي، بل يتعلق الأمر باحتمالات السقوط. حيث يعود السبب في ذلك إلى ارتفاع الطاولة الذي يسمح للخبز بأن ينقلب نصف دورة فقط (وليس دورة كاملة) أثناء سقوطه، مما يجعله يسقط دائمًا على الجانب المدهون.

هناك الكثير من الحالات التي نعتقد فيها أنه “كلما أقدم شخص ما على مخاطرة ما يحدث دائمًا الأسوأ”.. تشبه هذه الحالة حالة الخبز المدهون بالزبدة؛ فالظروف الموضوعية التي نتخذ فيها هذه المخاطر هي ما يجعلها تتحقق بأسوأ طريقة ممكنة. تخيل أن شخصًا ما قال: “لم يحدث أبدًا أن قامت الشرطة باختبار للكشف عن الكحول أثناء قيادتي للسيارة أبدًا، لكن في اليوم الذي احتسيت فيه الكحول، أجرت الشرطة لي الاختبار”.. قد يكون السبب أن الظروف التي وُجد فيها ذلك الشخص هي ظروف خطرة تراقب فيها الشرطة مستويات الكحول لدى السائقين..

لنكمل المثال: لنفترض أن شخصًا يقود سيارته ذاهبًا لعمله الساعة 8:00 صباحًا.. من المفهوم أن هذه ليست ساعة تقوم الشرطة فيها بإجراء الكثير من الاختبارات. ولكن إذا قرر نفس الشخص العودة إلى المنزل في حالة سكر يوم الجمعة الساعة 2:00 صباحًا، فإن احتمال أن يتم توقيفه من قبل الشرطة يصبح أعلى بكثير، خصوصًا بسبب انخفاض كثافة المرور ووجود عدد أكبر من نقاط التفتيش في مواقع محددة.

أسوأ لحظة ممكنة

مثال آخر هو الشخص الذي يتدرب على القيام بخدعة سحرية بمفرده، وتنجح معه دائمًا، لكن عند أدائها أمام الجمهور تفشل. هذا الشخص قد يقول إن أحد الصيغ النموذجية لقانون مورفي “إذا كان هناك احتمال لحدوث خطأ، فسيحدث في أسوأ لحظة ممكنة” قد تحقق في حالته. ومع ذلك، أليس التوتر الناتج عن الأداء أمام الجمهور يزيد من خطر حدوث الخطأ بشكل موضوعي؟

بالتالي، نلاحظ أن قانون مورفي يتحقق أحيانًا لأننا، من الناحية الاحتمالية، نضع أنفسنا في “خط النار” للحظ السيئ. ومع ذلك، لا أعتقد أن هذا يكفي لتفسير إدراكنا المتكرر بأن هذا القانون يتحقق.

عوامل نفسية

قوانين مورفي
سوء الحظ والآليات النفسية

ربما يعود السبب الرئيسي وراء عمل قانون مورفي إلى عوامل نفسية في المقام الأول. بالعودة إلى مثال الامتحان، عندما نترك موضوعًا معينًا دون دراسة ولا يظهر في الامتحان، نادرًا ما نقول: “يا له من حظ رائع، لم يظهر الموضوع الذي لم أكن أعرفه!” وحتى لو قلنا ذلك، لا نستمر في التركيز على هذه الفكرة؛ حيث أن آلياتنا النفسية المتعلقة بتقدير الذات وفرحة النجاح تجعل ذاكرتنا تخوننا. ولكن إذا حدث العكس، فإننا نتذكر بوضوح أكبر الرسوب بسبب “سوء الحظ” حين يظهر الموضوع الذي لم ندرسه.

كما أنه من الصحيح أن الأحداث التي نعتبرها “عادية” لا نعدها مهمة، وبالتالي لا تبقى في ذاكرتنا لفترة طويلة. على سبيل المثال، ذهبت بالأمس إلى جهاز الصراف الآلي لأنني كنت بحاجة إلى المال في ذلك المساء، وقد عمل الجهاز كما هو معتاد. لكن ماذا لو لم يعمل؟ كنت سأقول: “في كل مرة أحتاج فيها إلى المال بشكل عاجل من الصراف، يتعطل الجهاز”، متجاهلًا جميع الحالات الأخرى التي يعمل فيها الصراف بشكل طبيعي، لأنني أعتبر ذلك “طبيعيًا” ومتوقعًا. هذه آلية نفسية تجعل الأحداث المزعجة في حياتنا اليومية أكثر بروزًا من الأحداث “العادية”؛ سوء الحظ أو، بعبارة أخرى، حدوث الأمور السيئة عندما نتوقع أنها ستسير على ما يرام، يترك بصمة نفسية أعمق من الأحداث الإيجابية أو “العادية”. وبالتالي، فإن حقيقة أن قانون مورفي يبدو وكأنه يعمل هي في الواقع نتيجة لانحياز نفسي وليس لحقيقة موضوعية في العالم من حولنا..

سخرية أم حماقة فطرية

يمكننا أن نستخدم قانون مورفي بشكل آخر.. تخيل أنك استيقظت متأخرًا يوم الأحد بعد أن تعطل المنبه. نهضت من نومك على الفور منزعجًا وذهبت بسرعة لصنع كوبًا من القهوة.. تعلم جيدًا أن لديك اجتماع حاسم في أول ساعات الصباح.. وفي اليوم نفسه يهطل المطر بغزارة، وهو ما يعني زحمة مرورية هائلة..

ماذا سيخطر ببالك في مثل هذا الموقف؟ تخيل الآن السيناريو الأسوأ.. ينزلق كوب القهوة الممتلىء عن آخره من يدك ليهوي على الأرض فيتحطم إلى آلاف الشظايا، ويتناثر محتواه على الأرض وعلى ملابسك.. هل تخيلت المشهد؟ ربما يبدو غريبًا، ويمكنك أن تقول “كلما كان هناك اجتماعًا هامًا، يحدث ما هو أسوأ”.. لكن طريقة تفكيرك في هذا السيناريو يمكن أن تكشف الكثير عن طبيعة شخصيتك.. لنستعرض بعض الاحتمالات..

ربما تفكر في أنك ستستمتع لاحقًا بسرد هذه القصة لزملائك في العمل. وربما تفكر بشكل ساخر أن سقوط الكوب على الأرض وتناثر الزجاج فرصة جيدة للتنظيف وممارسة بعض الرياضة.. أو تقرر أنه الوقت المثالي للاعتذار عن الاجتماع أو تأجيله وأخذ عطلة تذهب خلالها لشراء مجموعة أكواب جديدة من مكان بعيد في الكون!

الاحتمال الثاني هو أن تفكر أنك وُلدت بقدر من الحماقة الفطرية، وأن مثل هذه الحوادث لا تحدث لأحد سواك، وأنك على وشك التأخر عن أهم اجتماع في حياتك. إذا كنت من هذا النوع، فستغضب بالطبع، وقد يزداد هذا الغضب عندما تجد نفسك عالقًا في زحمة مرورية هائلة. وفي النهاية، ستقضي نصف يومك، أو ربما يومك بالكامل، في حالة من سوء المزاج. هناك أشخاص نجحوا في البقاء غاضبين أسبوعًا كاملاً بسبب مواقف مشابهة!

في أي عالم تعيش؟

إذا كان مثال القهوة لا يبدو لك مهمًا، فهناك العديد من الأمثلة الأخرى.. في ماذا تفكر عندما لا تحقق رقم المبيعات الذي كنت تتوقعه بسبب ظرف غير متوقع؟ أو عندما تتذكر فجأة أنه يجب إدراج إجراء ضروري في مشروع ما، لكنه أصبح خارج الميزانية؟ أو عندما تكتشف أنه قد تم تغيير قواعد التقديم لمنحة مهمة ولم تعد مناسبة لك؟ في مثل هذه الحالات، من المحتمل أن تلجأ إلى عبارات مثل: “لا شيء يسير على ما يرام”، “هذا كارثي”، أو “هذا أسوأ ما كان يمكن أن يحدث”..

السبب وراء أهمية كل هذا هو أن مشاعرنا، ببساطة شديدة، تعتمد على أفكارنا، وتحديدًا على الطريقة التي نقيم بها كل موقف: هناك فرق كبير بين أن نقول “لم يكن يجب علينا أبدًا الدخول في هذا المشروع” و”لا يزال لدينا الوقت لتحقيقه”. العبارة الأولى تحبطنا وتمنعنا من التقدم، بينما الثانية تحفزنا وتعطينا الطاقة للاستمرار..

فكر في الأمر للحظة: في أي عالم تعيش أنت؟ هل في عالم الأشخاص الذين يضحكون عندما تسقط قهوتهم أم في عالم من يمضون نصف يومهم غاضبين بسبب ذلك أو بسبب أمور أخرى غير مهمة بنفس القدر؟ إذا كنت من الفئة الثانية، فأنت تعلم أنك تنضم إلى صفوف الأشخاص المتوترين المحترفين. تذكر أن الغضب لأن العالم لا يسير وفقًا لقواعدك ليس فقط عديم الفائدة، بل يستهلك أيضًا وقتًا وطاقة. لأن العالم، شئت أم أبيت، والناس الذين يعيشون فيه يتبعون مبادئهم الخاصة..

يمكنك الآن أن تُحدث تغييرًا في حياتك: تعلم كيف تستثمر طاقتك فيما يمكنك تغييره وتقبل ما لا يمكنك تغييره. والأهم من ذلك، حاول أن تميز الفرق الكبير بين هذين الأمرين..

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!